هل تتوقف ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية في مصر؟
“ستة أشهر لإزالة كافة التعديات على جسور الترع ومنشآت الرى وإعادة الوضع كما كان عليه منذ 30 عامًا”، هذه العبارة التى ألزم بها الرئيس “عبد الفتاح السيسى” المحافظين ووزارة الداخلية لإزالة كافة التعديات على الترع والأراضي الزراعية، أثناء كلمته فى افتتاح محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر فى السابع والعشرين من سبتمبر 2021.
يذكر أن الرئيس “السيسى” شدد منذ أكثر من عام تقريباً على ضرورة التصدى لمخالفات البناء والتعدى على الأراضى الزراعية، وكان هذا أثناء كلمته على هامش افتتاح عدداً من المشروعات في نطاق محافظة الإسكندرية فى التاسع والعشرين من أغسطس 2020، حيث هدف الرئيس من ما سبق إلى التصدى لكافة عمليات التعدى على الأراضى الزراعية وأراضى الدولة والتى تعوق عمليات التنمية وتتناقض مع جهود الدولة المصرية لتوسيع الرقعة الزراعية رأسيًا وأفقيًا وتعزيز منظومة إدارة موارد المياه.
ظاهرة خطرة:
تعتبر ظاهرة التعدى على الأراضى الزراعية واحدة من ضمن أخطر المشاكل التى تواجهها مصر فى الوقت الراهن، لما تمثله من هدم لمقدرات الدولة وتهديدًا للأراضى الزراعية والأمن الغذائى المصرى، ووقد زادت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير 2011، فوفقًا لتصريح رئيس الوزراء “مصطفى مدبولى” خلال مؤتمر صحفى تم عقده بمجلس الوزراء فى التاسع من سبتمبر 2020، بلغ حجم التعديات على الأراضى الزراعية منذ عام 2011 نحو 90 ألف فدان، ويرجع سبب زيادة هذه التعديات حينها إلى عدة أسباب من بينها ضعف الرقابة الإدارية والتشريعية والارتفاع الكبير فى أسعار الأراضى العقارية والنمو المطرد فى عدد السكان.
وإذا نظرنا إلى تطور حالات التعدى على الأراضى الزراعية خلال الفترة 2016-2020، نجد أن هذه الحالات قد انخفضت بشكل ملحوظ منذ عام 2018، حتى أصبحت 44.7 ألف حالة عام 2019 قبل ارتفاعها إلى 55.5 ألف حالة عام 2020، وذلك مقارنة بـ 186.2 ألف حالة عام 2017، وبلغ إجمالى المساحات التى تم التعدى عليها خلال هذه الفترة (2016-2020) 104.5 ألف فدان.
المصدر 1إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
المصدر 2إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
وتؤثر ظاهرة التعدى على الأراضى الزراعية على حجم المساحات المزروعة من الأراضى إلى جانب تضرر جودة الأراضى الزراعية بعد عمليات الإزالة للمخالفات، فوفقا لتصريحات صحفية لرئيس اتحادات الفلاحين فى 30 أغسطس 2020، فقدت مصر ما يقرب من 400 ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية منذ الثمانينيات وحتي الآن، وبحساب معدل التغير فى مساحة الأراضى المنزرعة بحاصلات زراعية مؤقتة أو مستديمة بدون تكرار أصناف الحاصلات التى تزرع بها أكثر من مرة على مدار السنة، نجد أن هذا المساحة شهدت تراجعًا فى أعوام 2010 و2011 و2012 و2015 وكان أكبر تراجع فى العام 2012 بنسبة 9.6%، ومع زيادة عمليات إزالة لحالات التعدى على الأراضى الزراعية منذ عام 2013، شهدت المساحات المزروعة من الأراضى ارتفاعا منذ عام 2016.
المصدر 3إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
مخاطر ممتدة:
تتعدد مخاطر التعدى على الأراضى الزراعية بالدولة، بداية من تناقص المساحات المزروعة من الأراضى وبالتالى تهديد الأمن الغذائى، وزيادة فاتورة الواردات من السلع الزراعية، والتأثير على الاقتصاد المصري ككل:
(*) ارتفاع تكاليف إزالة التعديات بالموازنة العامة: تعتبر تكاليف استصلاح الأراضى الزراعية لزيادة المساحات المزروعة مرتفعة للغاية مقارنة بزراعة الأراضى الزراعية نفسها، حيث تشير العديد من الدراسات إلى أن الفدان الواحد المفقود من الأراضى الزراعية فى الأراضى القديمة يلزم لتعويضه استصلاح نحو 5 أفدنة من الأراضى الصحراوية، فوفقًا لتصريح رئيس الوزراء “مصطفى مدبولى” خلال المؤتمرل صحفى الذى عُقد بمجلس الوزراء فى التاسع من سبتمبر 2020، تتراوح تكلفة استصلاح الفدان الواحد في الصحراء بين 150-200 ألف جنيه، وبما يجعل الدولة المصرية بحاجة 19 مليار جنيه لتعويض 90 ألف فدان تم التعدى عليهم.
(*) تهديد الأمن الغذائى المصرى: تآكل المساحات المزروعة من الأراضى يمثل تهديدًا مباشرا وقويا على الأمن الغذائى المصرى، والذى يتأثر أيضًا بالارتفاع المطرد فى حجم السكان، وبالتالى فإن حالات التعدى على الأراضى الزراعية وجسور الترع ومنشأت الرى ما يمثل سوى تهديدًا للأمن القومى المصرى، فى ظل كون مصر أكبر دول الشرق الأوسط وثالث دولة أفريقية من حيث عدد السكان، فبتتبع عدد سكان مصر بالداخل منذ التعداد السكانى للعام 1966، نجد أن هناك تزايد مطرد ومستمر فى هذا العدد، على الرغم من الجهود والخطط الحكومية المستمرة للحد من تلك الزيادة ومواجهة تفاقمها منذ السبعينيات، ففى خلال الفترة بين تعدادى 1966 و2017، ارتفع عدد سكان مصر بالداخل بنحو 46.5 مليون نسمة بنسبة زيادة قدرها 97.5%، والذى ارتفع من 29 مليون نسمة للعام 1966 إلى 94.8 مليون نسمة للعام 2017، وبمقارنة عدد السكان وفقا لنتائج تعداد 1996 بالساعة السكانية في 9 أكتوبر 2021 (الساعة 2:48 ظهرا)، نجد أن عدد السكان قد زاد بنحو 73%، وهو ما يفوق بكثير معدل النمو في مساحة الأراضى الزراعية خلال تلك الفترة، بما يعنى تناقص نصيب الفرد من الأراضى الزراعية في مصر.
(*) زيادة عجز الميزان السلعى للمواد الغذائية: كنتيجة مباشرة لنقص المساحات المزروعة من الأراضى وبالتالى الإنتاج الزراعى، تزداد فاتورة الواردات من السلع الغذائية لسد الفجوة الغذائية بالسوق المحلى، حيث يحتل ميزان المواد الغذائية بما فيها الحبوب ومنتجات المطاحن المركز الثانى فى قيمة العجز بالميزان السلعى المصري، بعد ميزان الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية، وبلغت قيمة هذا العجز نحو 6.7 مليار دولار فى الشهور التسعة الأولى من العام المالى السابق 2020/2021.
المصدر 4إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات البنك المركزى المصرى
(*) التأثير السلبى على الناتج المحلى الإجمالى: تراجع الإنتاج الزراعى يؤثر بشكل مباشر على حجم الناتج المحلى الإجمالى المصرى، والذى يشكل فيه نشاط الزراعة والغابات والصيد ما نسبته 11.3%، وذلك وفقًا لإحصائيات الأول من العام المالى 2019/2020.
المصدر 5إعداد الباحثة بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى
(*) تهديد فرص العمل بنشاط الزراعة: فى ظل تشكيل العمالة فى نشاط الزراعة والصيد ما يزيد عن 20% من حجم العمالة بمصر.
المصدر 6إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك الدولى
جهود حكومية:
اهتمت الحكومة المصرية بالتوزاى مع مشروعاتها القومية لزيادة مساحة الأراضى الزراعية بالتصدى بكل حزم لعمليات التعدى على الأراضى الزراعية، ويمكن إيجاز أبرز هذه الجهود فيما يلى:
(&) تكثيف جهود إزالة التعدى على الأراضى: بإصدار تكليفات مستمرة للمحافظين والمسئولين لمواجهة عمليات التعدى على الأراضى الزراعية، وكان أخرها تكليف الرئيس “السيسى” للمحافظين ووزارة الداخلية لإزالة كافة التعديات على الترع والأراضى الزراعية، أثناء افتتاح محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر فى السابع والعشرين من سبتمبر 2021، وذلك خلال مهلة مدتها 6 أشهر لإعادة الأراضى لما كانت عليه منذ 30 عامًا، وفى خلال الفترة (2016-2020) بلغ إجمالى مساحات الأراضى التى تم إزالة التعديات بها 21.2 ألف فدان.
المصدر 7إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
(*) تغليظ عقوبة التعدى على الأراضى الزراعية: وكان أخرها إصدار الرئيس “السيسى” توجيها باللجوء إلى وقف كل الدعم الذى تقدمه الحكومة من خبر وتموين إلى المتعدين على الأراضى الزراعية والترع والمصارف حتى يتم وقف التعدى أثناء كلمته فى افتتاح محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر فى السابع والعشرين من سبتمبر 2021.
كما يتم تحويل المتعدين على الأراضى الزراعية إلى النيابة العسكرية، وتم إصدار القانون رقم 7 لسنة 2018، والذى نشر فى الجريدة الرسمية فى 24 يناير 2018، لتعديل العقوبات المنصوص عليها فى قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، حيث نص تعديل القانون على معاقبة كل من يخالف أحكام المادة (152) من قانون الزراعة أو الشروع فيها، والتى تحظر البناء على الأراضى الزراعية، بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه، وتتعدد العقوبة بتعدد المخالفات، كما تم تشديد العقوبات على الموظف العام المستغل لمنصبه فى هذا الشأن، وذلك بعد أن وافق مجلس النواب فى 4 نوفمبر 2019، ، بشكل نهائي على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، وتنص التعديلات على تعديل المادة 115 مكرر لتكون مدة عقوبة السجن الموقعة على الموظف لتكون لا تقل عن خمس سنوات وإضافة الغرامة، كما نص على أن تكون العقوبة السجن المؤبد أو المشدد وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على مليوني جنيه إذا ارتبطت الجريمة بجريمة تزوير أو استعمال محرر مزور ارتباطاً لا يقبل التجزئة، ويحكم على الجاني في جميع الأحوال بالعزل من وظيفته أو زوال صفته وبرد العقار المغتصب بما يكون عليه من مبان أو غراس أو برده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته فضلاً عن دفع قيمة ما عاد عليه من منفعة”.
(*) إنشاء فروع لمنظومة المتغيرات المكانية: تم البدء منذ سبتمبر 2020، بإنشاء فروع لوحدة منظومة المتغيرات المكانية داخل كل محافظة، لتقوم برصد أى متغيرات بنائية أو زراعية أو مخالفات بشكل دقيق، بما يسهل عملية إزالة المخالفات من المهد ومنعها، وعقد الدورات التدريبية لتدريب وتأهيل العاملين بهذه المنظومة.
(*) إنشاء مشاريع قومية لاستصلاح الأراضى الزراعية وتعويض تضرر جودة الأراضى المتعدى عليها: اهتمت الحكومة المصرية تزامنًا مع مواجهة التعدى على الأراضى الزراعية بزيادة مساحات الأراضى المخصصة للزراعة، ومن بين هذه المشروعات: مشاريع الصوب الزراعية ومشروع المليون ونصف المليون فدان والذى يستهدف زيادة الرقعة الزراعية من 8 ملايين فدان إلي 9.5 ملايين فدان بنسبة زيادة 20%، وزراعة المحاصيل الاقتصادية التي تدر عائداً مالياً كبيراً، وتساهم في سد الفجوة الغذائية التي تعاني منها البلاد، ومشروع الدلتا الجديدة والذى سُيقام على مساحة 1.5 مليون فدان بالساحل الشمالى الغربى منطقة محور الضبعة ويضم فى نطاقه مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي.
ونتيجة لهذا باتت مساحة الأراضى المستصلحة سنويا فى تزايدا مستمرا منذ العام 2015/2016، وشهد العام 2018/2019 أعلى زيادة فى مساحة الأراضى المستصلحة، والتى بلغت 115.7 ألف فدان مقارنة بـ 59.2 ألف فدان عام 2017/2018.
وختامًا، بذلت الحكومة المصرية فى السنوات الأخيرة العديد من الجهود لمواجهة ظاهرة التعدى على الأراضى الزراعية بجانب جهود التصدى لحالات التعدى على أملاك الدولة من الأراضى، بداية من تكليفات القيادة السياسية المستمرة بضرورة التصدى لها حتى إنشاء فروع لمنظومة المتغيرات المكانية ورصد التعديات بالمحافظات المختلفة، وهو ما ظهر فى تراجع حالات التعدى على الأراضى ومساحتها.