هل تنجح تجربة شركات المساهمة الرياضية فى مصر؟

يلعب الاستثمار الرياضي دوراً مهماً في اقتصاديات الدول نظرًا لأهميته في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ودوره فى استضافة الأحداث الرياضية الكبرى للدول التى تعد حجر الأساس في بناء مركزها وتعزيز صورتها الإيجابية عالمياً، فضلاً عن دورها الكبير في تنمية الاقتصاد الوطني. وقد بدأت فكرة إنشاء الشركات الرياضية منذ عملية تطبيق الاحتراف فى تسعينيات القرن الماضي، واتخذت الدول الأوروبية فى تطبيق ذلك بشكل متوسع ومن بعدها العديد من دول الخليج، حيث تحولت صناعة الرياضة خلال 30 عاماً الماضية من نشاط بدني اجتماعي إلى نشاط اقتصادي واستثماري، فلم تعد تقتصر على مجرد منافسات وبطولات، ولكنها أصبحت صناعة ضخمة يعتمد عليها العديد من الدول من أجل نموها الاقتصادي. ففى أوروبا تتداول أسهم الأندية الرياضية فى أسواق المال العالمية، وتتناقل ملكيتها بين مستثمرين عالميين بشكل مستمر وتحقق عوائد طائلة تضاهى إيرادات الشركات الصناعية، وفى مصر لا يزال معظم الأندية تعد مؤسسات مملوكة للدولة، وإن كانت قد بدأت مصر خطوات جادة من أجل اللحاق بتلك الصناعة وجني مكاسبها، حيث أعلن مؤخراً عن استحواذ شركة (فيوتشر للاستثمار والتسويق الرياضي) على نادي كوكاكولا الصاعد حديثًا للدوري الممتاز في قسمه الأول، ليصبح اسمه (فيوتشر إف سي) بدلا من كوكاكولا. ومن المقرر أن تعلن الشركة رسميًا عن تفاصيل الاستحواذ خلال أيام، والكشف عن خطة النادي واستراتيجيته المعتمدة.  ويعتبر النادي استثماري تابع لشركة خاصة لكرة القدم ويتكون مجلس إدارته من بعض رجال الأعمال. ومن هذا المنطلق، نلقى الضوء على نشأة الشركات الرياضية فى مصر ومقومات نجاحها، والتجارب الناجحة فى هذا المجال.

الجهود المصرية لتعزيز دور الشركات الرياضية:

صناعة الرياضة في مصر لها أهمية كبيرة، فهي تشكل 25% من حجم الاستثمار الرياضي في الوطن العربي، وتساهم بنسبة 2.7 % من إجمالي الاستثمارات في القطاعات المختلفة داخل مصر، وقد شهد هذا القطاع تغيرات كبيرة على مدار السنوات الماضية ساعدت فى تعزيز دوره، حيث اتخذت مصر بعض الخطوات من أجل تطوير صناعة الرياضة، ومنها إنشاء شركة استادات الوطنية، وذلك لإدارة العديد من المشروعات والهيئات والملاعب، بجانب تنظيم أهم وأكبر الأحداث الرياضية. وتسعى الشركة إلى تطوير استادات مصر وهيئاتها الرياضية، لتكون مؤسسات رياضية اجتماعية ترفيهية اقتصادية شاملة، من خلال أحدث المعايير والتكنولوجيا العالمية، وتحويل المنشآت الرياضية إلى المستوى العالمي، وتجهيزها لاستضافة أهم الأحداث والبطولات.

كما يعد “الاستثمار الرياضى” من الأبواب المستحدثة فى قانون الرياضة الجديد، ومن الخطوات المهمة التي اتخذتها الدولة في هذا المجال ما يخص ضوابط وآليات إنشاء شركات خاصة بالأندية، والذي جاء مواكباً للتغيرات العالمية في مجال الرياضة وعدم حصرها في إطار الأنشطة والممارسة فقط، بل النظر إليها كصناعة ونشاط استثماري، حيث فتح مجال الاستثمار وحقق الكثير من الجوانب اللامركزية التي ساهمت في سهولة ودعم اتخاذ القرار. فقد تم تعديل قانون الرياضة فى عام 2017، وجاء نص المادة 71 منه كما يلى: «يجب أن تتخذ الشركات التى تنشأ لمزاولة أعمال الخدمات الرياضية بكافة أنواعها شكل الشركات المساهمة. ويجوز لهذه الشركات طرح أسهمها فى اكتتاب عام وفقاً لأحكام قانون سوق رأس المال، كما يجوز قيد أسهمها ببورصة الأوراق المالية».

ومن هنا يمكن استخلاص شروط إنشاء الشركات التى تنشأ لمزاولة أعمال الخدمات الرياضية بكافة أنواعها وأهمها، أن تأخذ شكل الشركات المساهمة .كما يجوز لهذه الشركات طرح أسهمها فى اكتتاب عام وفقا لأحكام قانون سوق رأس المال. ويجوز قيد أسهمها ببورصة الأوراق المالية .وللوزير المختص إصدار قرار مسبب بإلغاء الترخيص الصادر للشركة أو إيقافه كليا أو جزئيا لمدة أو لمدد لا تتجاوز ثلاث سنوات فى حال ارتكاب الشركة أية مخالفة لأحكام هذا القانون. كما لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس إدارة أية هيئة رياضية وعضوية مجلس إدارة الشركة المنشأة وفقا لأحكام هذا القانون أو العمل لديها بمقابل، ولا يجوز لأعضاء مجلس إدارة الهيئة العمل بالشركة قبل انقضاء سنتين على الأقل على انتهاء عضويتهم بمجلس إدارة الهيئة.

تجارب مصرية سابقة فى مجال الشركات الرياضية:

هناك عدة تجارب مصرية فى مجال إنشاء شركات المساهمة الرياضية، كان أهمها شركة «ثمار» المالية التى أسست شركة تابعة لها «ثمار للاستثمار الرياضى» برأس مال 5 ملايين جنيه، بهدف تحويل الأندية إلى شركات مساهمة، من خلال تحويل أعضاء عموميتها إلى مساهمين، بحصص فى أسهم النادى، لكن لم يستكمل المشروع بسبب الأزمة المالية العالمية 2008. كما تأتى شركة ” المقاصة سبورت”، ويبلغ رأسمال الشركة 54 مليون جنيه. كما توجد شركة وادي دجلة القابضة أول شركة متخصصة في الإدارة الرياضية في مصر، إضافة إلي أنها تعمل في الاستثمار الرياضي منذ 2002، إلي أن مجالات الاستثمار الرياضي تتنوع بين الإنشاءات والتسويق والتعليم والعلاج والإعلام الرياضي والسياحةالرياضية.
إضافة إلي 4 أكاديميات لكرة القدم تابعة للنادي في مصر وبلجيكا وغانا، وتايلاند، بخلاف رياضات أخري كالسباحة والفروسية والاسكواش. كذلك توجد الشركات المساهمة التى تمتلك بالفعل أندية مثل: مصر للمقاصة والجونة. ومؤخرا أعلن قطبا الكرة المصرية الأهلي والزمالك عن تأسيس شركة كرة قدم خاصة بكل ناد دون توضيح تفاصيل بشأن ذلك .

عوامل نجاح الشركات الرياضية فى مصر:

حققت معظم شركات المساهمة الرياضية فى مصر أداء اقتصادى جيد، حيث يتوفر لدى تلك الشركات البيئة الملائمة لخلق الأرباح، وتتمثل فيما يلى:

(*) عوائد وأرباح مالية جيدة: تحقق تلك الشركات عوائد كبيرة من الرياضة من خلال عقود الرعاية والإعلانات ومبيعات اللاعبين. كما تستطيع التسويق وتحقيق الأرباح من مصادر متنوعة منها استغلال مواقعها الرسمية عبر مواقع التواصل الاجتماعى عن طريق نشر إعلانات مصورة لمنتجات الشركات الراعية لها للتسويق لهذه المنتجات سواء بطريق مباشر عن تصوير إعلان للترويج لأحد منتجات الشركات الراعية، أو استغلال منتجات هذه الشركات خلال ظهور فريقها في أي حدث سواء داخل الملعب أو خارجه، وهو ما يعود بالنفع على خزائن تلك الأندية؛ لأن ذلك يدفع الشركات علي التسابق للتعاقد معها ورفع قيمة العروض المقدمة لرعاية تلك الأندية ، ويرفع من قيمتها السوقية في سوق التجارة الرياضية.

كما أن قيام الشركات المساهمة بطرح جزء من أسهمها فى البورصة المصرية قد يكون أحد الحلول الجذرية للمشكلات التى تواجه بعضها مثل ضعف الموارد. كما تؤدى تلك الخطوة إلى تحويل شركات كرة القدم إلى شركات ربحية، بدلاً من اعتمادها على الدعم المالي الحكومي بنسبة 100%، ويستمر الدعم الحكومى لأندية الشركات الخاصة وإن كان فى شكل مختلف مثل منحها منشآت وأراضي لبناء أندية جديدة بأسعار أقل، أو حصولها على بعض الامتيازات الضريبية.

(*) تحسين كفاءة الأندية: تعمل الشركات الرياضية على تحسين عمل وكفاءة النادي، من خلال تحسين جودة الأداء وتطوير العمل الإداري بجلب الكوادر البشرية المتخصصة كل في مجاله، كذلك ستكون الأجهزة الفنية والإدارية تحت عدة معايير إدارية وفنية بحتة. كما أن ارتباط أندية حكومية بكيانات اقتصادية خاضعة لأنظمة الشركات يعزز من حوكمة الإيرادات والمصروفات، ويقلص من تذبذب التوجهات الاستراتيجية مع كل تعاقب بين رؤساء الأندية؛  وسينقل المنافسة من الملاعب إلى ساحات الاستثمار بين الأندية.

(*) حجم الطلب الرياضى المتزايد: السوق المصرية تمثل مجالا واعداً للاستثمار الرياضى، بسبب التزايد المستمر فى الطلب علي الرياضة بأنشطتها المختلفة، ويؤكد ذلك بعض المؤشرات المتمثلة فى الإقبال علي الاشتراكات في الأندية الكبيرة، وتزايد إنفاق الأسرة المصرية علي إلحاق أبنائها في أكاديميات كرة القدم، وكثرة الصحف الرياضية المتخصصة في مصر، حيث وصل عددها إلي 38 صحيفة رياضية.وكل تلك العوامل تخلق مزيدا من الأرباح المتوقعة للشركات الرياضية.

اشتراطات مطلوبة:

هناك العديد من التحفظات التى تثار بشأن سيطرة واستحواذ الشركات الخاصة على الأندية المصرية، ومن أهم أسباب تلك المخاوف ما يلى:

(&) يجب أن تكون شركات المساهمة المرتقبة للأندية، تحت سيطرة ومراقبة الجهات المعنية، حتى تؤدي عملها بالشكل المطلوب، وصولاً لتحقيق النتائج المرجوة، وأهمها وزارة الشباب والرياضة، والجهاز المركزى للمحاسبات لضمان توافق توجهات الشركات الرياضية مع مستهدفات الدولة فى مجال النشاط الرياضى.

(&) ضرورة صياغة نصوص الاستثمار المتعلق بتأسيس الشركات الخاصة لكرة القدم أو الرياضة فى الأندية وفقا للقواعد الخاصة بالرياضة، وليس وفقا للقواعد العامة للاستثمار فى الدولة فقط ؛ نظرا لأن تلك القواعد العامة للاستثمار لا توافق المعايير وفلسفة إدارة الحركة الرياضية. خاصة فى ظل عدم وجود خريطة استثمارية توضح نوع وموقع الأندية الرياضية المناسبة للاستثمار وتحويلها إلى شركات مساهمة. كما لم يتضمن القانون آلية لتمويل الرياضة لتقليل الإنفاق الحكومي على الأندية الرياضية بغير الشركات الخاصة المساهمة.

(&) ضرورة حسم بعض النقاط الهامة فى قانون الرياضة الجديد منعا لما قد ينتج عنها من جدال، فعلى سبيل المثال، معيار المحاسبة فى تقييم الأندية وأصولها ولاعبيها غير واضح فى القانون. كما أن قانون الرياضة الحالى لا يسمح لغير المصريين بأن يكونوا أعضاء مجلس إدارة أو يتملكوا أندية. ومازال غير واضح أيضا كيفية اعتماد النادى أم الشركة بداخل الجمعية العمومية للاتحاد المصرى لكرة القدم .فعلى سبيل المثال ووفقًا للقانون، شركات كرة القدم ستمتلك القطاع، وستكون مملوكة بنسبة  51% للنادى، 49% للمساهمين الراغبين فى الدخول بهيكل ملكية الشركة الجديدة، وهو ما سيجعلنا نواجه أزمة تتعلق بحقوق الأصول الخاصة فى الشركة الجديدة .فنسبة  الـ 51% الخاصة بالنادى ستضم ملعب كرة القدم، واسم الشهرة والعلامة التجارية وكافة الأمور المرتبطة بفريق الكرة، ومن ثم فإن تلك الأصول ستكون ملكًا للشركة الجديدة، وقد تتعارض حقوقها مع حقوق أعضاء النادى.

(&) مخاوف من انخفاض عدد الأندية الشعبية وانخفاض إمكاناتها المادية لصالح أندية الشركات، وهو ما يؤدى إلى تراجع الوجود الجماهيرى فى المدرجات، وتراجع نسب المشاهدة أيضا.

(&) رفع أسعار اللاعبين وفقدان الانتماء للنادى، أحد أهم النقاط محل الجدل بشأن الشركات الرياضية، خاصة مع تنامى ظاهرة بيع اللاعبين، فالبعض ترك النادى الذى تربى بين جدرانه من أجل العرض المادى الأكبر. ولا يوجد فى قانون الرياضة ما يحدد سقفا ماديا لشراء اللاعبين. وإن كان البعض أشار إلى ضرورة السير على منهج الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فى هذا لشأن، حيث وضع قانون “اللعب المالى النظيف”، لمواجهة ظاهرة الصفقات الجنونية، بعد أن تم شراء بعض اللاعبين من أندية أوروبية بأسعار تتخطى ميزانية بعض الأندية، أبرزها صفقة انتقال البرازيلي ” نيمار” من برشلونة الإسباني إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، قبل ثلاثة أعوام، مقابل 222 مليون يورو، ليصبح بذلك اللاعب الأغلى فى تاريخ الساحرة المستديرة.

تجارب أوروبية ناجحة:

شهدت الفترة الأخيرة، انجذاب رجال الأعمال، إلى شراء الأندية الكروية في أوروبا، حيث تظهر أهمية مفهوم الاستثمار الرياضي، الذي يجلب معه الكثير من العوائد المالية، نتيجة الاستثمار الناجح لمفهوم الرياضة ممارسة وتطبيقاً، مع الأخذ في الحسبان، أن الأندية في أوروبا مملوكة لأفراد وشركات لتصبح كرة القدم صناعة اقتصادية كبيرة، وليست مجرد لعبة رياضية يتعلق بها الملايين. ومثال على ذلك نادى ( مانشستر يونايتد )، كذلك نادى بايرن ميونيخ الألماني وهو شركة مساهمة مغلقة ملك لثلاث شركات تجارية بنسبة 9%، لكن النسبة الباقية يسيطر عليها النادي من خلال أعضائه. وفي ألمانيا أيضا لا يجوز امتلاك أي مستثمر أجنبي لحصة في أندية الدولة تزيد عن 49%.. واقتصادياً، يعد البايرن النادي الأول على صعيد الإيرادات في ألمانيا والرابع على المستوى العالمي وفقاً لتقرير ديلويت لأغنى أندية العالم،كذلك نادى (دي ليون) الذي يعتبر أقوى الأندية الفرنسية رياضيا وماديا. حيث أصدرت الحكومة الفرنسية قانونـا يسمح بموجبه لأندية كرة القدم الفرنسية بإنشاء الشركات المساهمة الرياضية وتداول وإصدار الأسهم.

وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول بأن السوق المصرية تمثل مجالا واعداً فى مجال الاستثمار الرياضى، ويحقق أهدافاً اقتصادية عديدة خاصة فى ظل حجم الطلب المتزايد علي الرياضة، ولكن مازال فكرة تفعيل الاستثمار الرياضي يحتاج على وضع خريطة لتنفيذه ومعايير قانونية محددة بما يعزز موارد الدولة من الإيرادات الرياضية. ومازال قانون الرياضة الجديد بحاجة إلى توضيح بنود عديدة تتعلق بإنشاء الشركات وحقوق الأندية ومجالس الإدارات. وفى الواقع العملى، فهناك معايير مهمة لتحديد ربحية تلك الشركات الرياضية مثل شعبية النوادى الرياضية، والإمكانية المستقبلية للفريق، وحقوق البث التلفزيوني وعقود الرعاية، والحضور الجماهيري. وكلها أمور تحتاج إلى تخطيط جيد ومعايير محاسبية لتلك الشركات ضمن سلاسة النشاط الرياضى والحفاظ على رونقه وضمان المساهمة الفعالة لتلك الشركات الرياضية فى الاقتصاد الوطنى.

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى