هل يتأثر السوق المصري بوقف استيراد اللحوم البرازيلية والهندية؟
أثيرت العديد من المخاوف بالشارع المصري والمصنعين للحوم بشأن الانخفاض المتوقع فى الكميات المعروضة من اللحوم وأسعارها، بعد انتشار مرض جنون البقر فى البرازيل والذى اتخذت على إثره كل من مصر والسعودية والصين قرارًا بوقف استيراد اللحوم الحمراء من البرازيل، وكذلك حظر استيراد اللحوم الحمراء من الهند بعد إعلان منظمة الصحة العالمية وفاة طفل إثر إصابته بفيروس نيباه بولاية كيرالا الهندية فى السادس والعشرين من سبتبمر 2021، وذلك فى ظل اعتبار البرازيل والهند أعلى الدول المصدرة للحوم ومنتجاتها إلى مصر، وبناءا على هذا سيتم فيما يلى عرض وتحليل الاستهلاك المصري من اللحوم ووجهات الاستيراد ومردود هذه القرارات على الكميات المعروضة من اللحوم والبدائل الممكنة للحيلولة ضد المخاوف والتوقعات.
الاستهلاك المصري من اللحوم:
يختلف استهلاك اللحوم فى مصر حسب دخل الأسرة وفي كل من المناطق الريفية والحضرية، حيث تعد المناطق الحضرية الأعلى استهلاكًا للحوم مقارنة بالمناطق الريفية، وكذلك الفئات مرتفعة الدخل، هى الأعلى فى الاستهلاك مقارنة بمنخفضي الدخل، ويعتبر الشعب المصرى أكثر استهلاكًا للأسماك والدواجن والطيور يليهم اللحوم الحمراء، وبحسب إحصائيات عام 2018، فإن مصر تواجه فجوة غذائية قدرها 902 ألف طن فى اللحوم الحمراء، وهى الأعلى كثيرًا مقارنة بالفجوة الغذائية فى اللحوم الأخرى.
المصدر 1إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
وجهات الاستيراد من اللحوم:
تعتمد مصر على استيراد اللحوم بمختلف أنواعها سواء المجمدة أو الطازجة أو الحيوانات الحية، ولكنها تعانى من خطر التركز الجغرافى فى الدول المصدرة إليها، فإذا نظرنا إلى الواردات من اللحوم والأحشاء والأطراف الصالحة للأكل، نجد أنه من إجمالى مبلغ 1.7 مليار دولار حجم واردات مصر منها عام 2020، استوردت مصر ما نسبته 46.7% من البرازيل، يليها الهند بنسبة 30.5% ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 13.9%.
وعلى الرغم من تغير التوزيع النسبي للواردات المصرية من اللحوم والأحشاء والأطراف الصالحة للأكل، بانخفاض نسبة الاستيراد من البرازيل على مدار العامين السابقين لتصبح 47.7% عام 2020 مقارنة بـ 67.7% عام 2018، بسبب تركيز البرازيل فى السنوات الأخيرة على ذبح ومعالجة المزيد من حيواناتها من أجل لحوم الأبقار والخنازير لتصديرهم إلى الصين، إلا أنه مازل خطر التركز مرتفع، والذى يعنى أن أية تغير فى الكميات المنتجة من اللحوم بالبرازيل أو حدوث أية كوارث طبيعية أو بشرية قد تعوق هذا الاستيراد سيؤثر على الكميات المعروضة من اللحوم الحمراء فى مصر وأسعارها، فى ظل ارتفاع الفجوة الغذائية للحوم الحمراء بمصر مقارنة باللحوم البيضاء.
المصدر 2إعداد الباحثة بالاعتماد على إحصائيات ITC
وتعانى مصر من مخاطر التركز أيضًا فى وارداتها من الحيوانات الحية، ولكن درجته أقل مقارنة بالواردات من اللحوم والأحشاء الصالحة للأكل، فتعتبر البرازيل هى أعلى الدول المصدرة للحيوانات الحية إلى مصر، فمن إجمالى 192.993 مليون دولار قيمة الواردات المصرية من اللحوم الحية عام 2020، استحوذت البرازيل على ما نسبته 26.8% منها، يليها كولومبيا 23.4%، والسودان 13.9%.
المصدر 3 إعداد الباحثة بالاعتماد على إحصائيات ITC
وإذا نظرنا إلى المنتجات التى تستوردها مصر من اللحوم سواء من المجمدة أو المبردة أو الطازجة أو الحية، نجد أن لحوم الأبقار تشكل النسبة الأكبر منها، وهى التى تعتمد مصر فى استيرادها أيضًا على البرازيل والهند، وتجدر الإشارة إلى أن لحوم الأبقار البرازيلية لم تكن مطلوبة فقط من قبل المستهلكين المباشرين ولكن أيضًا كمدخل إنتاج في غالبية صناعات لحوم البقر في مصر.
ففى العام 2020 بلغت إجمالى واردات مصر من الأبقار المجمدة والطازجة والمبردة والحية فقط 14.1 مليون دولار وهو ما يشكل 75% من واردات اللحوم المجمدة أو المبردة أو الطازجة أو الحية، وبما يعنى وجود خطر للتركز السلعى فى الاعتماد على استيراد سلعة معينة من الخارج بشكل كبير مقارنة بباقى الفصائل من هذه السلعة.
جدول يوضح واردات مصر من اللحوم المجمدة والطازجة والمبردة والحيوانات الحية- ألف دولار أمريكي | ||
توصيف المنتج | 2019 | 2020 |
لحوم فصيلة الأبقار، مجمدة . | 1496747 | 1236749 |
أحشاء وأطراف صالحة للأكل من فصائل الأبقار والخنازير والضأن والماعز والخيول والحمير والبغال … | 450565 | 355884 |
لحوم وأحشاء وأطراف صالحة للأكل من طيور الدواجن المذكورة طازجة أو مبردة أو مجمدة … | 127375 | 66935 |
لحوم فصيلة الأبقار، طازجة أو مبردة . | 27555 | 17273 |
لحوم فصيلة الضأن أو الماعز، طازجة مبردة أو مجمدة . | 8537 | 4436 |
لحوم فصيلة الخنازير،طازجة أو مبردة أو مجمدة . | 534 | 417 |
لحوم وأحشاء وأطراف صالحة للأكل، مملحة أوفى ماء مملح، أو مجففة أو مدخنة؛ دقيق ومساحيق صالحة … | 468 | 89 |
لحوم وأحشاء وأطراف أخر صالحة للأكــل، طازجة أو مبردة أو مجمدة. | 0 | 8 |
حيوانات حية من فصيلة الأبقار. | 142100 | 152014 |
ديوك ودجاجات من فصيلة جالوس دومستيكاس، بط، إوز، ديوك ودجاجات رومية ودجاج غينيا (غرغر) حية من … | 27375 | 23568 |
حيوانات حية أخر . | 7544 | 15433 |
خيول، حمير، بغال، نغال، حية . | 3006 | 1978 |
المصدر إعداد الباحثة بالاعتماد على إحصائيات ITC
تداعيات محتملة:
فى الوقت الذى اتخذت فيه مصر إجراءا احترازيا بوقف الاستيراد المؤقت للحوم البرازيلية والهندية، أثير العديد من المخاوف عند المستورين والمصنعين للحوم والمستهلكين لها أيضًا، تخوفًا من وجود تداعيات محتملة كبيرة بسوق اللحوم فى مصر، وذلك فى ظل تشكيل الواردات المصرية من اللحم البقرى النسبة الأكبر من واردات اللحوم بشكل عام، وهناك أثر مباشر لهذه القرارات سيظهر فى ارتفاع أسعار اللحوم بمصر نتيجة الانخفاض المتوقع للكميات المعروضة وبالتالى ارتفاع معدل التضخم ولكن سيكون هذا التأثير محدود فإذا كانت مجموعة الطعام وحدها تشكل 34.45% من الوزن النسبة لحساب الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين إلا أن الوزن النسبى للحوم والدواجن معا يشكلان 10% من الأوزان النسبية، وانخفاض كميات الإنتاج بالمصانع التى تعتمد على اللحم البقرى فى منتجاتها وبالتالى خفض جزء من الأرباح لهذه المصانع.
المصدر 4إعداد الباحثة بالاعتماد على احصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
المصدر 5إعداد الباحثة بالاعتماد على احصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
ومما لا يثير الداعى لمزيد من التخوفات، فإن الإنتاج المصرى من اللحوم بمختلف أنواعها يفوق استيرادها منها، وشهد هذا الإنتاج تحسناً ملحوظًا فى السنوات الأخيرة، مما يقلل من مخاطر التركز السلعى والجغرافى فى الواردات من اللحوم مع مرور الوقت.
المصدر 6 إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات وزارة الزارعة الأمريكية (الخدمة الزراعية الخارجية)
وباعتبار مرض الجنون البقرى فى البرازيل وفيروس نيباه بولاية كيرالا الهندية، هما المؤثر الأكبر على الكمية المعروضة فى مصر من الأبقار، وبالتالى ارتفاع أسعار اللحم البقرى كما أن مصر تعانى من خطرى التركز الجغرافى والسلعى فى وارداتها من هذا النوع من اللحوم، إلا أن هذا القرار لا يعنى خلق تعطش بالسوق المصرى إلى الحد الذى يمكن اعتباره بالأزمة، وذلك لعدة أسباب كما يلى:
(*) انخفاض إجمالى الاستهلاك المصرى من البقرى بعام 2020 بنحو 38 ألف طن عن عام 2019، ليبلغ 657 ألف طن، وذلك بعد أن شهد قطاع الثروة السمكية في مصر توسعًا ملحوظًا منذ عام 2019، وأدى توافر مصادر البروتين بأسعار معقولة كما تعتبر مصر من أكبر دول العالم في مجال تربية الأسماك فهي الأولى في إفريقيا والسادسة عالميًا في هذا المجال والأولى في إنتاج أسماك البوري، ويرجع هذا الانخفاض أيضًا إلى تعليق استيراد الأبقار الحية السودانية من نوفمبر 2019 إلى مارس 2020 بسبب تفشي حمى الوادي المتصدع في السودان، وكذلك إلى قلة الحيوانات البرازيلية الأصل المتاحة للتصدير بسبب زيادة الطلب على لحوم الأبقار من الصين.
(*) يغطى الإنتاج المحلى من اللحم البقرى الجزء الاكبر من الاستهلاك، والذى قُدر بنحو 367 ألف طن عام 2020، أما الواردات منها فقد بلغت 290 ألف طن- أى يشكل الإنتاج المحلى نحو 56% من الاستهلاك المحلى للحم البقرى فى مصر.
(*) بتتبع التطور فى حجم الإنتاج، نجد أنه شهد ارتفاعًا منذ عام 2017 مقارنة بعام 2016، ليسجل أعلى حجم له فى العام 2020، ومن المتوقع مواصلة ارتفاعه ليبلغ 375 ألف طن بنهاية العام الحالى 2021، و385 ألف طن عام 2022، وفى المقابل تراجعت الواردات فى العام 2020 لتبلغ 290 ألف طن وعلى الرغم من توقع ارتفاعها إلى 300 ألف طن بنهاية العام الحالى، إلا أن من المتوقع أن تنخفض استجابة للزيادة المتوقعة فى الإنتاج لتبلغ 270 ألف طن عام 2022.
المصدر 7 إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات وزارة الزارعة الأمريكية (الخدمة الزراعية الخارجية)
وعلى جانب الاكتفاء الذاتى من اللحوم الحمراء بشكل عام، والذى يقيس نسبة الإنتاج من اللحوم إلى الكميات المستهلكة منها، فقد حققت مصر تحسنًا فيه بارتفاعه إلى 55% عام 2019 مقارنة بـ 46.9 عام 2018، وعلى الرغم من أن هذه النسبة أقل مما كانت عليه فى السنوات السابقة إلا ان عودتها للارتفاع فى ظل المشروعات الكبرى التى تقوم بها الدولة بشأن تنمية الثروة الحيوانية يُعد مؤشرًا إيجابيًا، ومن بين هذه المشروعات؛ مشروع ملء الفراغات الذى أطلقته وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي في يناير 2019 ويهدف إلى زيادة الإنتاج الحيوانى بنحو 4.5 مليون رأس على مدار عامين ، وبالتالي زيادة إنتاج اللحم البقري والألبان، والمشروع القومي لإحياء (البتلو)، من خلال إقراض ما يقرب من 6 آلاف مستفيد لتمويل ما يزيد عن 61 ألف رأس ماشية بقيمة إجمالية نحو 836 مليون جنيه، بالإضافة إلى إصدار عددا من القرارات الوزارية بتشكيل لجان متخصصة لوضع خطط لدراسة زيادة الإنتاج من الدواجن واللحوم الحمراء وتقليل التكلفة، وإصدار 600 موافقة فنية لإقامة وتأسيس مشروعات وأنشطة ثروة حيوانية وعلفية وداجنة جديدة، ومشروع المليون رأس ماشية من منطقة غرب النوبارية بمحافظة البحيرة، كما تم تفعيل تشريع لمنع ذبح الإناث والبتلو، وتطوير إنتاج اللقاحات البيطرية، بالإضافة إلى إنشاء محطة للإنتاج الحيوانى وتصنيع الألبان بعدد رؤوس 7000 رأس ماشية.
المصدر 8 إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء.
وختامًا، يمكن القول إن قرارات وقف تصدير اللحوم الحمراء من البرازيل والهند، ستؤثر بلا شك على الكميات المعروضة من اللحوم بشكل عام، واللحم البقرى بشكل خاص وأسعارها وإنتاجية مصانع اللحوم، وذلك فى ظل ارتفاع مخاطر التركز السلعى والجغرافى للوادرات المصرية من لحوم الأبقار، ولكن هذا لا يعنى الوصول إلى مرحلة الأزمة أو حدوث شلل بسوق اللحوم ومنتجاتها نظرًا لأن هذه القرارات تكون دائما مؤقتة حتى يتم التأكد من سلامة وصحة الغذاء المستورد، ولتوافر الإنتاج المحلى والذى يغطى جزء من الاستهلاك ووجود وجهات أخرى يمكن توجيه الاستيراد منها ولكن سيكون هذا أيضًا على حساب ارتفاع أو انخفاض فى تكلفة اللحوم أو النقل والتأكد من معايير الذبح الحلال، كما أن التأثير الأكبر سيكون فيما يخص اللحوم المجمدة وليست الحية أو الطازجة، ولكن هذا الموقف وتداعياته يفرض إعادة النظر فى خطط تحقيق الاكتفاء الذاتى من اللحوم الحمراء فى مصر كما يحدث باللحوم البيضاء، وإن كان الإنتاجية حسب كميات المياه تعتبر الأعلى من اللحوم البيضاء، ولكن فى ظل مشروعات الرى وتحلية المياه التى تقوم بها الدولة توجه إلى ضرورة إعادة النظر فى زيادة الإنتاج من اللحوم الحمراء لاسيما اللحم البقرى وتشجيع المزارعين على تربية المواشى بحوافز من البنوك، وتوفير المراعى ذات التكلفة المنخفضة للأرض والمرافق، وتنويع وجهات الاستيراد من الخارج كالولايات المتحدة الأمريكية واستراليا والأرجنتين ونيوزلندا والدول الإفريقية المصدرة للحوم كالسودان وناميبيا وكينيا وزامبيا وبتسوانا وجنوب إفريقيا والنيجر وأوغندا وتنزانيا، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز الرقابة الحكومية على أسواق اللحوم لضمان عدم الاستغلال السيئ للتجار بالمغالاة فى أسعار اللحوم.