هل يُنهي الحوار الوطني “الكويتي” الخلافات بين الحكومة ومجلس الأمة؟
انطلقت اليوم الخامس من أكتوبر أولى جلسات الحوار الوطني في دولة الكويت بين الحكومة ومجلس الأمة، حيث دعى سمو الشيخ نواف الأحمد الصباح أمير الدولة في يوم الأربعاء 29 سبتمبر 2021، إلى حوار وطني يجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية بغية تهيئة الأجواء لتوحيد الجهود وتحقيق التعاون والمساهمة في حل المشاكل التي تواجه المواطنين عبر نبذ الخلافات جانبا. يذكر أن وسائل الإعلام الكويتية، ذكرت دون تأكيد رسمي، أنه في الـ 4 من أكتوبر الجاري، تبدء جلسات الحوار بين وفد من الحكومة وآخر من مجلس الأمة يمثله النواب عبيد الوسمي وحسن جوهر ومهلهل المضف.
وتأتي دعوة الأمير قبيل استئناف جلسات مجلس الأمة، وبعد دور انعقاد عاصف انتهى مبكرا في يوليو بفعل تصاعد مساحات الخلاف بين الطرفين، فيما كان خيار حل المجلس يلوح في الأفق مع تحذير نواب المعارضة من إمكانية عدم التعاون مع الحكومة.
ومن هذا المنطلق؛ يُلقي التحليل الضوء على أجندة الحوار الوطني ومخرجاته المتوقعة وتأثير ذلك في مسار العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في دولة الكويت.
تركيبة مجلس الأمة 2020:
أسفرت الانتخابات الأولى في عهد الشيخ نواف الأحمد في الخامس من ديسمبر 2020 عن بروز عدد مؤثر من نواب المعارضة وعلى رأسهم حزبيون وشخصيات مستقلة تتبع تيار الإسلام السياسي، مثل النائب السلفي بدر الداهوم الذي يحظى بتأييد قوي من قبيلته العوازم ذات الكتلة الأكبر في الدائرة الخامسة، فيما حافظت الحركة الدستورية الإسلامية “حدس”، ممثل جماعة الإخوان في الكويت على حضورها في المشهد بثلاث نواب، هم عبد العزيز الصقعبي وأسامة الشاهين وحمد المطر، مقابل هزيمة الحركات السياسية الأخرى مثل التجمع السلفي الإسلامي.
وفيما أثر قانون الانتخابات على تركيبة المجلس بما أضعف حظوظ الحركات السياسية مقابل دخول وجوه جديدة استنادا إلى أسس التأييد القبلي، كان لزاما على أصحاب التوجهات المعارضة الدخول في تكتلات برلمانية لتنفيذ مطالبهم.
وقاد الداهوم تحركات مسبقة بالاجتماع مع 35 نائبا للتوافق على إزاحة رئيس مجلس 2016 مرزوق الغانم وانتخاب النائب بدر الحميدي لرئاسة المجلس، وهو ما لم يتحقق فعليا بعدما انخفضت أسهم الحميدي في التصويت على رئاسة المجلس، بالجلسة الافتتاحية يوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2020، إلى 28 صوتا فقط مقابل فوز الغانم بثلاثة وثلاثين من إجمالي 64 صوتا بفضل تصويت الوزراء الذين يمتلكون حق التصويت ضمن مجلس الأمة.
مسار التوتر:
بعد فشل السيطرة على مجلس الأمة وتصاعد الاتهامات بحق من تراجعوا عن دعم الحميدي وانتقاد سرّية التصويت، تحركت المعارضة لإسقاط حكومة صباح الخالد عبر تقديم الاستجوابات بحق الوزراء ورئيس الوزراء على خلفية إدارة أزمة تفشي جائحة كورونا وبدعوى عدم تقديم برنامج الحكومة إلى مجلس الأمة، وهو ما أدى لتقديم استقالة الحكومة للأمير في الثالث عشر من يناير الماضي، قبل أن يعيد الشيخ نواف تكليف صباح الخالد برئاسة الحكومة الجديدة والتي أدت القسم أمام البرلمان أواخر مارس 2021.
وفي تلك الأثناء أصدرت المحكمة الدستورية في الرابع عشر من مارس 2021، قرارا بإسقاط عضوية النائب بدر الداهوم من مجلس الأمة بتهمة الإساءة للذات الأميرية خلال تظاهرة احتجاجية في أكتوبر 2012، ليخلفه عبيد الوسمي بعد فوزه بالانتخابات التكميلية في الثالث والعشرين من مايو الماضي، وهو ما أدى إلى رفع مستوى التوتر بين الحكومة والكتلة المعارضة طوال دور الانعقاد الأول، خاصة مع موافقة المجلس في الثلاثين من مارس على إرجاء النظر في أي استجوابات نيابية بحق رئيس مجلس الوزراء لمدة عام ونصف.
وفيما ساهم الإجراء في دعم استمرار الحكومة وتجنب اللجوء لخيار حل المجلس نتيجة لعدم التعاون الذي أبدته مجموعة النواب الـ(11) الأكثر تشددا في مواقفها في صفوف المعارضة، وما اعتبروه مصادرة على حقهم في ممارسة عملهم الرقابي عبر أداة الاستجواب، استمر التوتر مع إصرار كتلة الـ(31) نائبا على الجلوس في المقاعد المخصصة للوزراء، مما دفع الحكومة لعدم حضور بعض جلسات مجلس الأمة ورفضها سلوك النواب المخالف للتقاليد والأعراف البرلمانية المتعارف عليها، وفق ما صرح به وزير الدولة لشئون مجلس الأمة مبارك الخريص في السابع والعشرين من أبريل عبر بيان إعلامي.
قضايا خلافية:
في إطار سعيها لصياغة ورقة عمل تحظى بتأييد شعبي، حاولت التيارات السياسية وعدد من الشخصيات العامة تعبئة الرأي العام في الفترة السابقة على انتخابات مجلس الأمة من خلال إقامة فعاليات وطرح رؤى للإصلاح، حملت مجموعة من المطالب عبر عنها النواب المعارضين:
(*) قانون العفو العام: يتمثل في طلب صدور عفو أميري عام يتعلق بالمحكومين في قضايا سياسية والتي تشمل، بنظر القوى السياسية، النواب السابقين المدانين في قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011 والذين توجهوا إلى تركيا بعد صدور قرار الإدانة، وذلك عقب فشل تقديم قانون العفو العام خلال دور الانعقاد الأول للمجلس.
وفي هذا الصدد، يُذكر أن الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد قد أصدر في ديسمبر 2019، قرارا بالعفو عن اثنين من المدانين وهما النائب السابق وليد الطبطبائي ومحمد نايف الدوسري بعد تقديمهما اعتذارا رسميا للأمير في واقعة اقتحام المجلس، حيث أفرجت السلطات عنهما بعد مرور شهر من تنفيذ العقوبة.
(*) تعديل قانون الانتخاب: يُعزى ضعف تمثيل الحركات السياسية في مجلس الأمة إلى قانون الصوت الواحد لكل ناخب في دائرة يبلغ عدد مقاعدها 10، مما يحد من ممارسة دور تنظيمي وتركيز كل مرشح على تعزيز فرصه بصورة فردية اعتمادا على المال السياسي أو قاعدة التأييد القبلي.
وإجمالا لما سبق، يعد التباين في تفسير النصوص الدستورية المتعلقة بمهام مجلس الأمة عموما والاختصاصات التشريعية على وجه الخصوص أكبر مساحات الخلاف، نظرا لعدم امتلاك الأغلبية المطلوبة لإنفاذ أو تعطيل صدور بعض التشريعات، ومن المسائل الخلافية الأخرى، قضايا البدون والتركيبة السكانية والجنسية وحق المجلس في البت بصحة عضوية نوابه على خلفية حكم المحكمة الدستورية ببطلان عضوية بدر الداهوم.
بداية الانفراجة:
شهدت الفترة الماضية، ومنذ بداية شهر سبتمبر المنصرم على وجه الخصوص، نشاطا ملموسا من مختلف الأطراف، يمكن أن تسهم في تخفيف حدة التوتر وتحقيق التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يعزز من إصلاح وتطوير البنية التشريعية الداعمة لمسار الإصلاح الحكومي والإداري وكفاءة الأداء الاقتصادي للخروج من التداعيات السلبية لجائحة كورونا:
(&) برنامج الحكومة: أعلنت الحكومة في الثالث من سبتمبر المنصرم تدشين مرحلة جديدة من العمل الحكومي ترتكز على دعم التحول الرقمي وتعزيز كفاءة الكوادر الحكومية عبر تحديد إجراءات تقييم وتعيين العناصر القيادية، بالتزامن مع اتخاذ قرارات عاجلة لمعالجة ملف العجز المالي وترشيد النفقات، خاصة مع فشل إقرار قانون الدين
(&) تحركات النواب: من رحم التباينات داخل كتلة (31) نائبا برز تكتلا فرعيا من ستة نواب بقيادة النائب حسن جوهر، استجابة لمساعي رأب الصدع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال إطلاق مؤتمر شركاء في الإصلاح والبناء بمسرح مجلس الأمة وبمشاركة من جمعيات النفع العام وفئة الشباب، بهدف إظهار حسن النوايا إزاء التعاون مع الحكومة، بعدما أصدر النواب السابقين المتواجدين في تركيا، بيانا في منتصف سبتمبر منتقدين أداء النواب ودورهم في تعطيل الجلسات والانصراف عن إقرار قانون العفو.
وعلى صعيد قضية العفو، أعلن النائب أحمد مطيع العازمي في التاسع من سبتمبر، عن لقائه بالنائب السابق وأحد المتهمين في قضية اقتحام مجلس الأمة، مسلم البراك في تركيا، وذلك في تغريدة له على تويتر دون ذكر المزيد من التفاصيل.
وكان رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم قد عبر،في الرابع من سبتمبر،عن تفاؤله بوجود مبادرات حكومية ونيابية وشعبية لتحقيق انفراجة في العلاقة بين الحكومة ونواب المجلس.
(&) دعوة الأمير: جاءت دعوة الأمير الشيخ نواف للحوار الوطني في الذكرى الأولى لتوليه الحكم، لتدلل على رغبة حقيقية في إنهاء التوتر الداخلي في أروقة مجلس الأمة، وبين نواب كتلة الـ(31) والحكومة، وبناء عهد جديد يعزز استقرار الكويت، ومن الجدير بالذكر أن ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد كان قد التقى وفدا نيابيا في يونيو الماضي بناء على طلب من الكتلة، وأظهر اللقاء ردود فعل إيجابية في أوساط النواب.
مخرجات متوقعة:
تبدو المؤشرات إيجابية في مجملها لجهة نجاح الحوار المرتقب بين الحكومة ومجلس الأمة بالنظر لطبيعة اللقاءات والتحركات السابقة التي أظهرت تراجعا نسبيا عن المواقف المتشددة والشروع في وضع برامج حكومية ونيابية للإصلاح، مع دخول الأمير وولي العهد على الخط، وإدراك مختلف الأطراف بعدم وجود فائدة من استمرار التوتر، فضلا عن الحاجة للتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وفيما تظل قضية العفو على رأس ملفات الحوار، إلا أنها تبقى مرهونة بقرار أميري ويؤشر البت فيها على مدى إحراز تقدم في قضايا أخرى تحرص الحكومة عليها وهي تخفيف اللجوء لأداة الاستجواب والنظر في برنامج العمل الحكومي للفترة القادمة مقابل القبول الضمني بتحصين رئيس مجلس الوزراء ومزاولة الدور الرقابي في إطار محاسبة الوزراء على درجة التزامهم بالأجندة التنفيذية، بجانب إبداء التعاون في القوانين الضرورية لمعالجة العجز المالي وزيادة نسبة التكويت في القطاعين العام والخاص.
وختاما؛ تعول أوساط حكومية ونيابية على نجاح الحوار الوطني في تجنب تكرار سيناريو دور الانعقاد الأول لمجلس الأمة الحالي، دعما لاستمرار السلطتين التنفيذية والتشريعية في أداء مهامهما نظرا لأن إعلان عدم التعاون قد يقود لحل المجلس بعد اللجوء لخيار استقالة الحكومة في يناير الماضي، كما أن حلحلة قضية العفو سيخفف من زخم التكتلات النيابية نظرا لتباين المواقف في صفوف الكتلة المعارضة إزاء باقي القضايا.وعلى الجانب الآخر ينتظر الناخب الكويتي تغيرا في أداء نوابه إزاء الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والمعيشية خلال الفصل التشريعي الحالي، إذ كانت إحدى أسباب تغيير تركيبة المجلس بنسبة تفوق 60%، وبالتالي سيتجنب النواب استمرار السجال مع الحكومة خوفا من لجوء الناخبين للتصويت العقابي في الانتخابات المقبلة.