لا تفاوض في حق الحياة
إذا كانت الأدلة والمستندات واضحة المعالم، وتقديم الشكوى لمجلس الأمن مؤسسة على حقوق مكتسبة ومحددة الطلب بشأن الحصة المائية لمصر حقًا مكتسبًا منذ مئات ألاف من السنين، وأن الإقلال من حصة مصر المائية سيؤدي إلى تهديد حياة الشعب المصري، وهي قضية حياة أو موت ولا يجوز التفاوض على حق الحياة، وللأسف اختزلت القضية لمجلس الأمن بقضية فنية تتعلق بتشغيل السد بغض النظر عن حصة المياه المستحقة لمصر منذ الخليقة، وهي لا تعتمد على اتفاقيات دولية ولكنها حق الله الذي خلق الأرض وما عليها ونظم أرزاق الناس منذ بدأ الخلق، حيث منح الله مصر والسودان شريان نهر النيل، من أجل استمرار البقاء والحفاظ على حياة الناس، والذي تعتبره كل الكتب السماوية والمواثيق الدولية أولوية أولى من حقوق الإنسان لمصر والسودان لاستمرار حق الحياة للشعبين، وذلك الحق يعلوا على ما عداه من خطط التنمية، وحججا واهية ترتكب جريمة في أهم حق من حقوق الإنسان، التي تدعو لها الأمم المتحدة، ويدافع عنها مجلس الأمن من أجل حق الحياة للإنسان، وما يترتب على غض النظر عنه من تهديد للأمن والسلم الدوليين، الذي هو من الاختصاصات الرئيسية لمجلس الأمن ويتحمل مسؤولية خطيرة إذا تهاون في مسؤولياته الدولية للمحافظة على السلام في العالم.
فكيف يتم التفاوض على الحياة التي تعني في النهاية ( تكون أولا تكون) ولماذا لم تتقدم الحكومة المصرية بشكوى لمجلس الأمن للمطالبة بحماية حق الحياة لمائة وخمسون مليون إنسان في مصر والسودان، بما يعني أن التهديد الإثيوبي للحصة المائية لكلا الدولتين يشكل خطراً على الحياة بإصدار قرار ملزم وفق البند السابع بالمحافظة على الحقوق المائية بالحصص المستقرة منذ القدم.
وإذا تم التراخي في إصدار القرار الملزم من مجلس الأمن، ستؤدي نتائج الموقف السلبي والمتعنت من الحكومة الإثيوبية إلى تعقيد الموقف في القرن الإفريقي، مما سيُسبب تهديداً خطيرا للأمن والسلم الدوليين، وهذا يتطلب سرعة اتخاذ القرار لحماية حق الحياة لمائة وخمسون مليون مصري وسوداني، وبالتالي تكون المحافظة على الحقوق المائية للسودان ومصر، تتطلب إصدار قرار يلزم إثيوبيا بعدم المساس باستمرار الحصص المائية، فتلك هي القضية الأولى التي تمس حياة الشعبين في مصر والسودان.
أما القضية الثانية، فتتعلق بالاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا على المشاركة والإشراف على تشغيل السد لتأمين القيام بتحقيق أهداف التنمية كما تدعي إثيوبيا، وكذلك تأمين سلامة جسم السد وصلابته وقدرته الاستيعابية على تحمل كمية المياه حتى لا تحدث كارثة إنسانية تهدد بإغراق أجزاء كبيرة من السودان، وما يمكن أن يسببه انهيار السد من أخطار على حياة الشعبين في مصر والسودان، ولذلك الأمر تعاونت مصر والسودان لتحقيق اتفاق قانوني وملزم لإدارة تشغيل السد حماية لمصلحة الدول الثلاث.
لم يحقق التفاوض والمناورات التي تتخذها الحكومة الإثيوبية على مدى ست سنوات أي نتيجة ايجابية فيما يخص تلك القضية، نظرا لضيق الأفق في القيادة الإثيوبية، وعدم إدراكها لمخاطر قراراتها الأحادية دون اعتبار لحقوق شركائها دول المصب، ولا تمانع الدولتان مصر والسودان من قيام إثيوبيا باستمرار بناء سد النهضة بشرط أن لا تشكل خطورة ملئه بمليارات الأمتار المكعبة من المياه في حالة انهيار أجزاء من السد على مصر والسودان، كما أن من حق الدولتين إذا أثبتت الدراسات أن الفيضانات قد تشكل خطر في حالة انهيار السد، وما يشكله من خطورة على حياة المصريين والسودانيين يتم الطلب من قبل الدولتين من مجلس الأمن بتعيين لجنة فنية للتأكد من سلامة السد، وعدم ملئه قبل وقوع الكارثة، مما قد يشكل تهديد لحياة الملايين من الناس.
فلا يجوز التفاوض على الحياة واستمرار استراتيجية التلاعب بمصائر الملايين من البشر في تحويل الأوليات عن طرق الخداع وسؤ النوايا التي لا تدرك نتائج ما تقوم به الحكومة الإثيوبية من إجراءات فردية أنانية تضيع فيها الحقوق وتسقط الدول وتؤثر تأثيرا بالغاً على خطط التنمية الزراعية تؤدي للجفاف، فينبغي مطالبة مجلس الأمن التأكيد على ضمان الحقوق المائية المستقرة في الجريان منذ ملايين السنين لمصر والسودان بإصدار قراراه وفق البند السابع ملزما إثيوبيا المحافظة باحترام الحقوق المائية للشعبين المصري والسوداني.