تقييم شامل.. أداء الاقتصاد المصري في تقرير التنمية البشرية 2021
أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، تقرير التنمية البشرية لمصر 2021 تحت عنوان “التنمية حق للجميع: مصر المسيرة والمسار”، وذلك يوم الثلاثاء (14 سبتمبر 2020) وبتشريف ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي. ورصد التقرير الأداء التنموي والاقتصادي فى مصر خلال العقد الماضي (2010-2021). ويحظى تقرير التنمية البشرية في مصر 2021 بأهمية خاصة، حيث إنه يأتي بعد عشر سنوات من نشر آخر تقرير للتنمية البشرية في عام 2010. وبالتالي؛ يغطي فترة غير مسبوقة في التاريخ المصرى، والتي أدت إلى تغيير في مسار عملية التنمية في مصر بشكل كبير خاصة مع تبنى مصر لرؤية 2030، كذلك تنفيذها لمرحلتين من الإصلاح الاقتصادي.
تطور مؤشر التنمية البشرية فى مصر:
يعرض التقرير تحليلا ًمتعمقا لمجموعة من قضايا التنمية البشرية الرئيسية التي تؤثر بصورة كبيرة في تحقيق أجندة التنمية المستدامة الأممية، ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، فيتناول مكونات مؤشر التنمية البشرية، ووضع مصر بها، كذلك مراجعة تحليلية للسياسات التي جرى تبنّيها وتنفيذها خلال تلك الفترة، وتأثيرها في حياة المواطن المصري، كما يقدم مجموعة من السياسات المستقبلية للحكومة لاستكمال مسيرة التنمية البشرية والاقتصادية .
وأهم ما جاء بالتقرير، هو عرض تطور قيمة مؤشر التنمية البشرية فى مصر، وهو المؤشر الذى طورته الأمم المتحدة وجمعته لقياس ومستويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول. وهو يتألف من أربعة مجالات فرعية كالتالي: متوسط سنوات الدراسة، وسنوات الدراسة المتوقعة، والعمر المتوقع عند الولادة، والدخل القومي الإجمالي للفرد. وتتراوح قيمة المؤشر ما بين صفر، وهو أدنى قيمة إلى واحد وهى القيمة الأعلى للمؤشر. ومن خلال الشكل رقم (1) سجل مؤشر التنمية البشرية لمصر تحسنا ملحوظا، حيث ارتفعت قيمة المؤشر من 548.0 فى عام 1990 إلى 668.0 عام 2010 ثم الى 707.0 فى عام 2020، كما جاء ترتيب مصر في مؤشر التنمية البشرية، بتقرير عام 2020 في المركز 116 من بين 189 ّ دولة.
شكل رقم (1) تطور قيمة مؤشر التنمية البشرية فى مصر خلال الفترة (1990 الى 2020)
ومن أهم أسباب ارتفاع قيمة مؤشر التنمية البشرية لمصر، هو تحسن قيمة المؤشرات الفرعية المكونة له، وذلك من خلال الآتي:-
(*) التعليم: تحسن نظام التعليم قبل الجامعي في مصر ، من ناحية أعداد الطالب والمدرسين. فوفقا لإحصاءات عام 2019/2020، بلغ عدد الطالب المقيدين في هذه المنظومة نحو 6.23 مليون طالب- أي ما يقرب من ربع سكان مصر( وهم موزعون على المراحل المختلفة). كما بلغ إجمالي عدد المدارس نحو 6.56 ألف مدرسة وعدد الفصول قرابة 5.509 ألف فصل ويعمل بالمنظومة نحو مليون و19 ألف مدرس.وعلى مستوى المخرجات التعليمية، حقق نظام التعليم قبل الجامعي بمصر تقدما في عدد من المؤشرات، إذ انخفضت معدلات التسرب ، فضلا عن تحسن جودة وتنافسية العملية التعليمية ومخرجات التعليم.
شكل رقم (2) تطور أعداد الطالب والمدارس والفصول في نظام التعليم قبل الجامعي بين العامين 2010/2011 و2019/2020
كما زادت الطاقة الاستيعابية لمنظومة التعليم العالي مع افتتاح عدد من الجامعات الأهلية الجديدة وجامعات حديثة متخصصة، كما أشار التقرير إلى الجهود المصرية فى تعظيم دور التكنولوجيا في منظومة تعليم حديثة ترتبط بسوق العمل فضلًا عن إتاحة التعليم لعدد أكبر من المواطنين.
شكل رقم (3) معدل القيد الاجمالى في مؤسسات التعليم العالي بمصر %
(*) الصحة: أشار التقرير إلى تحسن أداء قطاع الصحة فى مصر، من حيث عدد المستشفيات، وعدد العاملين بالمنظومة الصحية، وتوافر الخدمات والأدوية. هذا فضلا عن البرامج والمبادرات الصحية التي ساهمت في تعزيز صحة المصريين، مثل تجربة مصر الرائدة على المستوى العالمي في مواجهتها فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي – (فيروس سي)، حيث كانت تشهد واحداً من أعلى معدلات انتشاره في العالم، إذ نجحت في خفض تكلفة العلاج وتقصير مدته، مما سهل من فرص إتاحته للجميع ورفع نسب الشفاء بنسبة كبيرة، كذلك مبادرة علاج مرضى السكر، والكشف المبكر عن سرطان الثدي للسيدات. وقد ساهمت تلك الجهود فى ارتفاع متوسط العمر المتوقع عند الميلاد في مصر من 70.3 عام في 2010 إلى نحو 71.8 عام في 2018، وانخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة في مصر من 28.8 طفل إلى نحو 20.3 طفل لكل ألف مولود حي بين الأعوام 2010 و2019.
مجالات تنموية:
كما ورد بالتقرير رصد هام لمختلف الجوانب التنموية التي لا يشملها مؤشر التنمية البشرية ضمن مكوناته ، ولكنها هامة فى تحسين حياة المواطنين ، وأهمها الأتي :-
(&) الحق في السكن: حيث تعد مصر واحدة من دول العالم التي نصت على ”الحق في السكن“ ضمن دستورها الصادر عام 2014، وقد لعب صندوق تطوير المناطق العشوائية دورا مهما فى تطوير تلك المناطق والحد من اتساعها. وقد بلغ عدد المناطق العشوائية غير الآمنة التي طِّورت منذ 2014 حتى 2020 نحو 296 منطقة من إجمالي 357 ِّ منطقة. كما حظى الإسكان الاجتماعي باهتمام الدولة المصرية للعمل على تمكين أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط، وبلغ عدد المستفيدين من برنامج هذا البرنامج حتى 30 من يونيو 2020 نحو 312 ألف مستفيد، حصلوا على دعم نقدي من صندوق الإسكان الاجتماعي وصل إلى 9.4 مليار جنيه، وبتمويل عقاري في حدود 8.30 َّ مليار جنيه.
(&) مرافق المياه والصرف الصحى: بذلت الدولة المصرية جهودا كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية في مجال توفير خدمات مياه الشرب والصرف الصحى، ففي عام 2019 أطلقت مبادرة حياة كريمة وفي مقدمة أولوياتها تطوير قطاع مياه الشرب والصرف الصحي، والتي استهدفت بالأساس التوسع في الشبكات والمحطات لغير القادرين، كما تبنت المشروع القومي للصرف الصحي بالمناطق الريفية. وقد أسفرت تلك الجهود، وفقا للجدول رقم (1) عن ارتفاع نسبة التغطية لمياه الشرب على مستوى الجمهورية لتصل إلى نحو 7.98 %في 2020( 100 %على مستوى الحضر و4.97% على مستوى الريف) مقارنة بنسبة بلغت 97 %في 2014 ، كما ارتفعت نسبة التغطية لمياه الصرف الصحي إلى نحو 65 %في 2020( 96 %على مستوى الحضر 5.37% على مستوى الريف) مقارنة بنسبة بلغت نحو 50 %في عام 2014(79%على مستوى الحضر و12 %على مستوى الريف).
جدول رقم (1) تطور معدلات التغطية بخدمات الصرف الصحي ومياه الشرب %
تجربة الإصلاح الاقتصادي:
رصد تقرير التنمية البشرية 2021، تقييما لتجربة التنمية التي شهدتها مصر منذ بداية العام 2014، َّ وما تضمنته من برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، وما أسفرت عنه من إيجابيات، وعن أبرز ما ما قدمه التقرير فى هذا الصدد هو إبراز مدى النجاح فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، الذى ساهم تطبيقه فى تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي وخفض معدلات الدين العام، وسد فجوة ميزان المدفوعات، وإعادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، كما ساهمت تلك الإصلاحات في تهيئة الاقتصاد المصري لمواجهة جائحة كورونا. فنجحت في تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الجائحة بلغت 3.6 % في 2019 / 2020 و2.8 % في 2021/2020 مع توقع معدل نمو 5.4 % في العام المالي 2021 /2022.
كما أسفرت جهود الدولة فى مجال الإصلاح الاقتصادي إلى نتائج إيجابية أخرى انعكست فى شكل انخفاض معدل البطالة من8.12% في عام 2015 إلى 3.7 % في عام 2020 ،وانخفض عجز الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 10 %في 2011/2012 إلى قرابة 8.7 %في 2020/2021، أما الدين الإجمالي لأجهزة الموازنة العامة للدولة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فقد انخفض من 108 %في العام المالي 2016/2017 إلى 8.89% في العام المالي 2020/2021 كما هو موضح فى الجدول رقم (2).
جدول رقم (2) تطور قيمة مؤشرات الاقتصاد الكلى فى مصر خلال الفترة (2010-2020)
السنة \ المؤشر | معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى | معدل نمو متوسط نصيب الفرد من الناتج | معدل التضخم | معدل البطالة | نسبة العجز الموازنة الى الناتج المحلى |
2009\2010 | 1.5 | 1.3 | 5.5 | 9 | 1.8 |
2010\2011 | 9.1 | -3.0 | 8.5 | 12 | -10 |
2011\2012 | 2.2 | 0.0 | 6.8 | 7.12 | -1.10 |
2012\2013 | 2.2 | -1.0 | 9.6 | 2.13 | -9.12 |
2013\2014 | 2.2 | 7.0 | 1.10 | 13 | -5.11 |
2014\2015 | 5.2 | 2.2 | 11 | .6.12 | -12 |
2015\2016 | 8.5 | 8,1 | 3.23 | .6.12 | -7.10 |
2017\2018 | 3.4 | 7.1 | 9.20 | 8.11 | -5.9 |
2018\2019 | 6.5 | 7.2 | 7.16 | 6.11 | -8 |
2019\2020 | 6.3 | 6.3 | 10 | 10 | 1.7- |
وتأسيسا على ما سبق، يعتبر تقرير التنمية البشرية لمصر 2021 أول تقرير دولى يصدر ليحلل بالتفصيل أبعاد التجربة الاقتصادية المصرية منذ عام 2010 وحتى الآن ، ويسلط الضوء على النجاحات المصرية فى مجالات تنموية واجتماعية عديدة، ويشيد بنتائج الإصلاح الاقتصادي فى مصر. مؤكدا على إتباع مصر لاستراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030″، التى تهدف بالأساس إلى تحسين جودة الحياة للمواطن المصري، انطلاقا من إيمان ويقين بأن الإنسان، هو الفاعل الرئيس فى تحقيق التنمية، وهو أيضا غايتها المنشودة. لذلك حرصت الدولة المصرية على تكثيف الاستثمار فى البشر، والإقدام على إصلاحات جادة، وتنفيذ مشروعات ومبادرات تنموية كبرى فى قطاعات التعليم والصحة والإسكان والمرافق، لتوفير السكن اللائق والحياة الكريمة للمصريين، مع إيلاء أهمية قصوى، لتمكين الشباب والمرأة سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، فى إطار توجه أعم وأشمل لضمان حقوق الإنسان، وفى مقدمتها الحق فى التنمية”. كما إن التقرير يأتي فى ظل أزمة جائحة انتشار فيروس كورونا، فرغم كل التحديات التى واجهتها كل دول العالم، إلا أن مصر كانت من أكثر الدول التى حافظت على الاستقرار الاقتصادى بها ، الأمر الذى يمثل شهادة قوية من قبل المؤسسات الاقتصادية العالمية على قدرة الاقتصاد المصرى على تخطى صعاب الجائحة ، مما يسهم فى مزيد من الثقة الدولية فى أداء الاقتصاد ، وما زال المستقبل يحمل فى طياته مزيدا من النجاحات المصرية التنموية وفقا لخطط ورؤى تسير عليها مصر بشكل صحيح مستهدفة حياة أفضل لجميع المواطنين.