هل تحمي “شنغهاي” إيران من العقوبات الأمريكية؟

انطلقت أعمال قمة منظمة “شنغهاي للتعاون”، في “دوشنبه” عاصمة طاجيكستان يومي 16 و17 سبتمبر الجاري، حيث تمحورت القمة الـ 21 للمنظمة، حول الأزمة الأفغانية، وقد ركزت بالدرجة الأولى على تطورات الوضع حول أفغانستان، وآليات التعامل الجماعي مع التهديدات الجديدة التي تواجهها منطقة آسيا الوسطى بعد انسحاب الولايات المتحدة، وحلفائها في حلف الأطلسي من أفغانستان، وانتقال السلطة فيه إلى حركة “طالبان”.

وعلى الرغم من أن الملف الأفغاني شكل العنصر الأساسي للقمة، لكن الحضور الإيراني فيها له أهمية خاصة، إذ تعد مشاركة الرئيس “إبراهيم رئيسي” فيها أول نشاط واسع النطاق يقوم به منذ وصوله إلى السلطة، كما تعد “دوشنبه”، أول عاصمة خارجية يزورها، مع وفد مرافق له يضم عدداً من الوزراء، منهم وزراء الخارجية والطاقة والأعمال والسياحة والعدل؛ ما يعكس درجة الاهتمام واتساع المناقشات الثنائية التي تمت مع قادة بلدان المنظمة.

لكن أهمية زيارة رئيسي إلى طاجيكستان لا تقتصر على اللقاءات الثنائية والمشاركة في أعمال القمة؛ فقد كان الهدف خلال هذا اللقاء؛ منح عضوية كاملة لإيران في منظمة شانغهاي للتعاون، وهو أمر انتظرته طهران طويلاً وطالبت بتسريعه أكثر من مرة، وكانت إيران حصلت على عضوية مراقبة في المنظمة التي احتفلت في يونيو الماضي بمرور عشرين عاماً على تأسيسها.

وقد أعلنت المنظمة في اجتماعها الأخير، بلسان الرئيس الصيني شي جين بينغ، موافقتها على منح إيران العضوية الكاملة فيها، بعدما كانت عضواً مراقِباً فيها طيلة سنوات، حيث قال الرئيس الصيني “سيتم اعتبار إيران عضواً كاملاً في منظمة شانغهاي”.

منظمة “شنغهاي للتعاون”:

منظمة شانغهاي للتعاون هي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية، تأسست في 15 يونيو 2001 في شنغهاي، على يد قادة ستة دول آسيوية؛ هي الصين، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وقع ميثاق منظمة شانغهاي للتعاون في يونيو 2002، ودخل حيز التنفيذ في 19 سبتمبر 2003، وتعمل المنظمة بهدف بحث سبل توسيع التعاون السياسي، وتنسيق مواقف السياسة الخارجية، وتعزيز الوحدة الداخلية والثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء في المجموعة.

وتضم حالياً “شنغهاي” للتعاون روسيا والصين والهند وأربع جمهوريات سوفياتية سابقة في منطقة آسيا الوسطى، هي أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، وحالياً إيران، وتشغل كل من أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا صفة مراقب، وتعتبر كل من تركيا وأذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وسريلانكا شركاء الحوار للمنظمة.

واللافت للنظر أن هذه المنظمة خلافاً لنظيرها الغربي- أي حلف “الناتو” لا تقتصر فقط على التعاون العسكري بل تمتد إلى مجالات مختلفة منها الاقتصاد والتجارة والثقافة والطاقة ومكافحة الإرهاب وتهريب السلع والمخدرات”.

“شنغهاي” بالنسبة لإيران:

تأتي عملية انضمام طهران إلى منظمة شنغهاي للتعاون والذي طال انتظارها كثيراً لتكتمل، فقد استغرق الأمر مع دلهي وإسلام أباد ما يقرب من عامين، لكن إطلاق العملية رسمياً بحد ذاته يشكل اختراقاً، فقد أمضت إيران أكثر من عشر سنوات في حالة انتظار في “مدخل” المنظمة.

وفقاً لما صرح به المتحدث باسم هيئة الرئاسة في البرلمان الإيراني، نظام الدين موسوي، أنه”بانضمام إيران إلى حلف شنغهاي اكتملت أضلاع مربع القوة في الشرق”، وأن “انضمام إيران إلى هذه المنظمة يعني التوصل إلى سوق حجمه 3 مليار نسمة وهذه فرصة كبيرة يجب أن نملك خارطة طريق لاستغلالها بأفضل طريقة”، ووفقاً لما نقلته وسائل إعلام إيرانية عن المتحدث باسم الجمارك “روح الله لطيفي”، إن حجم التبادل الاقتصادي بين إيران ودول المنظمة بلغ نحو 28 مليار دولار خلال السنة الفارسية الماضية (مارس 2020-2021)، ويشكل التبادل مع الصين نقطة الثقل بإجمالي 18.9 مليار دولار.

ومع المكاسب التي تحصل عليها إيران من الانضمام لجهة مواجهة الضغوط الأميركية عليها، وتوسيع حضورها مع روسيا والصين في ملفات الأمن الإقليمي، فإن محللين روس رأوا أن هذا الانضمام سيكون له تداعيات “إيجابية” لمصلحة طهران في تعزيز موقفها أيضاً في مناقشات استعادة الاتفاق النووي، كما اعتبر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قبول إيران كعضوٍ دائمٍ في منظمة “شنغهاي” للتعاون، تأكيداً على زوال الأحادية؛ لأنَّ النظام العالمي بدأ شيئًا فشيئًا يتخلّى عن الأحادية ويتجه تحو التعددية.

 ردود فعل إيرانية:

قد يكون أجمعت الصحف الإيرانية بمختلف توجهاتها السياسية، المحافظة والإصلاحية، على الإشادة بالخطوة التي أعلنت خلال قمة للمنظمة عقدت في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، فإن عملية انضمام طهران إلى منظمة ” شنغهاي للتعاون”، جاء حلما طال انتظاره لطهران، على رأس هذه الصحف، صحيفة “كيهان” المعروفة بتبعيتها ” للمرشد” فتأمل في أن تؤدي عضوية إيران في منظمة ” شنغهاي للتعاون” إلى تحرير إيران من حظر العقوبات الغربية، وأن يكون تأثير العقوبات الغربية ضد طهران أقل من ذي قبل بسبب موقعها الجديد في الكتلة الشرقية، وتتوقع “كيهان”: ” أن تصبح العقوبات الأمريكية غير فعالة بسبب انضمام إيران لـ”شنغهاي” ويسمح بمزيد من المناورات الاقتصادية لإيران في المنطقة”.

بينما ألقت صحيفة الحرس الثوري بآمال كبيرة على هذه العضوية، لدرجة أنها تفسرها على أنها واعدة بعصر جديد في السياسة الدولية.

وعكست صحف إصلاحية هذا التوجه أيضاً، فرأت “اعتماد” أن قبول العضوية الدائمة في المنظمة المؤلفة حتى الآن من ثماني دول، يتيح للجمهورية الإسلامية “التواصل مع أسواق تضم 65 % من إجمالي سكان العالم”.

أما صحيفة “جوان” التابعة للحرس الثوري والمحسوبة على المحافظين المتشددينوصفت الحدث، مثل كيهان، وكتبت” “تدخل إيران في أكبر سوق في الشرق”، مشيرة إلى أن المنظمة “هي أحد رموز التعاون بين القوى غير الغربية، وتفتح المجال أمام حقبة ما بعد أميركية”.

وفي المقابل هناك صحف برغم ذلك تناولت الموضوع من جانب أخر، حيث كتبت صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية أن الهدف من قبول عضوية إيران في ” شنغهاي” هو حث إيران على الرجوع إلى المفاوضات النووية وتعديل مواقف طهران تجاه العالم.

وفي صحيفة “آفتات يزد” أكدت على “أنه مالم يتم حل مشكلات مثل FATF”” والعقوبات المصرفية، فإن دخول “شنغهاي” لن يساعدنا ويجب علينا أولاً حل خلافتنا مع الغرب”.

دلالات التوقيت:

فقد يبدو منح إيران العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي في هذا التوقيت لافتاً، إذ إنَه أعقب كلاً من:

(*) الاتفاق الاستراتيجي الصيني – الإيراني، الذي تم التوقيع عليه في طهران في 27 مارس الماضي، و”وثيقة الشراكة الاستراتيجية” كما سميت، هي اتفاقية مدتها 25 عاماً بين البلدين، تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والصناعية، وتخدم هذه الاتفاقية كلاً من البلدين، إذ تضمن للعملاق الاقتصادي العالمي مزيداً من تنامي دوره وترسيخ حضوره على الساحة الدولية، خاصة في البلدان التي وضعتها الولايات المتحدة على لائحة “المناطق المحرمة”، التي تسلط عليها عقوباتها الاقتصادية القاسية، كما أنها تضمن لإيران منفذاً مفتوحاً تتحرر من خلاله من هذه العقوبات، وتصرف إنتاجها النفطي الذي تفرض عليه حظر، كما أنَّ إيران تستورد مقابل نفطها المُصدر ما تحتاج إليه من معدات صناعية وآلات وخبرات، وتجهز مرافئها وبناها التحتية بمساعدة صينية.

(*) الانسحاب الأميركي العسكري الكامل من أفغانستان، البلد الذي خضع لاحتلال الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي مدة 20 عاماً، لذلك أيدت روسيا قبول إيران في منظمة شنغهاي للتعاون، على أمل أن يمنح ذلك المنظمة وزناً أكبر على الساحة الدولية، وفي الصدد، بشكل خاص مناقشة مشكلة الأمن في أفغانستان وحولها،فقد اعتبرت موسكو أن العضوية الكاملة لطهران في المنظمة يؤكد على أن إيران شريك مهم في مناقشة الأمن الإقليمي، وأن منظمة شنغهاي للتعاون هي المنصة الرئيسية لهذه المناقشة، من حيث السمعة والتنظيم.

لذلك استغل رئيسي هذا الحدث، وأعلن “رئيسي”في كلمته في الدورة الـ 21 لقمة شنغهاي في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، عن استعداد بلاده للمساهمة في إعادة بناء الدولة في أفغانستان وتشكيل حكومة تضمّ جميع الأطياف.

وترتيباً على ما سبق، يمكن القول بالرغم من الموافقة على عضوية إيران التي تعكس إعلان الحكومتان الصينية والروسية للغرب أنهما على توافق مع التطورات الراهنة في إيران، ومباركة حكومة جديدة إلى السلطة في إيران تتطلع نحو الشرق بدلاً من التطلع نحو الغرب- إلا أن ذلك يعد ظاهرياً، فاتخاذ قرار قبول عضوية إيران في هذه القمة لا يعني انضمامها مباشرة، حيث إن “عملية انضمام طهران إلى منظمة شنغهاي للتعاون قد تستغرق بعض الوقت لتكتمل، خاصةً بعد أن حصلت إيران على العضوية المراقبة في عام 2005، وكانت تأمل منذ سنوات في الانضمام بشكل كامل إلى المنظمة، علماً بأن مسار انضمام دلهي وإسلام آباد استغرق ما يقرب من عامين فقط، ويمكن القول أن تلك العضوية جاءت نتيجة لسببين، هما: الأول، ما تمر به أفغانستان وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منها كان سبباً رئيسياً وبدونه ما انضمت إيران حتى الآن إلى المنظمة،الثاني: دخول الصين في شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً مع إيران، رغماً عن أنف الولايات المتحدة التي قطعت، كما يبدو شعرة معاوية مع الصين،ولكن رغم كل هذا إلا أن عملية انضمام إيران إلى المنظمة لن يؤثر على الاقتصاد الإيراني الضعيف الهش، فالعضوية لطهران في “شنغهاي” لن تغير كثيراً في المنظور العالمي كما تتوقع السلطات الإيرانية، حيث يحتاج الاقتصاد الإيراني إلى رفع العقوبات للخروج من العزلة العالمية،هذا فضلاً عن أن الدول الأعضاء يرفضون قبول بعض الالتزامات تجاه إيران، كما يرفضون التورط في القضايا الإيرانية مثل الاتفاق النووي، ولوائح مجموعة العمل المالي “FATF”، حيث يتطلب أن تبذل جهودًا كبيرةً للخروج من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولية (FATF) من خلال قبول القوانين الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، ومما لا شك فيه أن إدراج إيران في القائمة السوداء، يفاقم جراح الاقتصاد الإيراني وامتناع المؤسسات المالية العالمية عن التعامل مع شبكة المصارف الإيرانية.

 

 

 

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى