كيف ينعكس مقتل “الصحراوي” على الإرهاب في الغرب الإفريقي؟
منذ استهداف قوات التحالف الدولي بقيادة فرنسا في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية لـ “عدنان أبو وليد الصحراوي”، يردد بعض المحللين والمتابعين، مسارين لا ثالث لهما عن مستقبل العمليات الإرهابية في منطقة الغرب الأفريقي، هما: إما سكون كامل لحين ترتيب بديل أو استمرار لنفس نهج العمليات المرتكبة. وإذا صدقت هذه الرؤية ولو بشكل مؤقت، هل من الممكن أن يأخذ الإرهاب في الساحل والصحراء أو حتى في مجمل منطقة الغرب الأفريقي مساراً ثالثاً بين المسارين السابقين، وما هي ملامح هذا المسار، خاصة وأن استراتيجية القوات الدولية لمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة تعتمد بشكل أكبر على اصطياد الرؤوس، وبالتالي تعد منقوصة خاصة وأنها في كثير من الأوقات تأتى تالية لعمليات إرهابية وليست سابقة عليها؟، وعلى السؤال السابق يطرح سؤالين، وهما: ما هي تداعيات مقتل زعيم “داعش” فرع شمال أفريقيا على تماسك التنظيم وأدائه؟، وما مدى نجاح قوات التحالف الدولية وخاصة الفرنسية، في محاربة الإرهاب في شمال وغرب إفريقيا؟.
يذكر أن الرئيس الفرنسي ماكرون، أعلن يوم الأربعاء الماضي عن مقتل “عدنان أبو الوليد الصحراوى”، زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، بعد أن أكدت المعلومات الاستخباراتية عن مسئوليته عن الهجمات التي شهدتها منطقة الساحل والصحراء الكبرى، حيث أدرجته أمريكا على اللائحة السوداء للإرهاب عام 2018، وأعلنت 2019عن مكافئة 5 ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات عن موقعه.
تداعيات ذات أوجه متعددة:
سيسفر مقتل الصحراوي عن ارتباك داخل التنظيم، يؤثر بشكل مؤقت على معدل تنفيذ أعمال إرهابية مؤثرة، إلى حين الاستقرار على زعيم جديد، يحمل نفس القدر من الجاهزية والقدرات القتالية والتأثير في الأتباع، فمن المتوقع أن يؤدى مقتل الصحراوي إلى خلافات على قيادة التنظيم، فضلا عن حدوث بعض الانشقاقات وتفلت بعض العناصر التابعيين، وانضمامهم إلى تنظيمات آخري، على رأسهم تنظيم القاعدة المنافس الأكبر لداعش فى منطقة الساحل والصحراء، مما يدعم احتمالية تمدد تنظيم القاعدة في الصحراء الكبرى في الفترة المقبلة.
والجدير بالذكر، أن إفريقيا تحوى 60 تنظيم إرهابي موزع على الولاءات بين القاعدة وداعش، فضلا عن الكثير من التحالفات الإرهابية، مثل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم القاعدة، التي تشكلت عام 2017 من أربع جماعات إرهابية، هم” إمارة منطقة الصحراء الكبرى، وجماعة أنصار الدين، وكتيبة المرابطون، وكتائب تحرير ماسينا”، مما جعل منطقة الساحل والصحراء تصنف كأخطر منطقة في العالم، من حيث تجمع أكبر وأخطر الجماعات الإرهابية وأكثرها نشاطا.
بناء على ما تقدم؛ من غير المتوقع أن يتراجع مؤشر العنف في هذه المنطقة من العالم بشكل ملحوظ، في الفترة المقبلة بعد مقتل زعيم داعش، فعلى الرغم مما شهده تنظيم داعش في منطقة الصحراء، من اعتقال ومقتل لأهم قياداته على أيدي التحالف الدولي، من الأمم المتحدة وفرنسا وألمانيا ودول آخري، إلا أن التنظيم تمكن من إحداث أعمال عنف وإرهاب مؤثرة في منطقة الساحل عام 2020، والنصف الأول من عام 2021، فقد تمكنت عناصر التنظيم من نصب الكمائن، والسيطرة على مساحات حدودية، فضلا عن استخدام العبوات الناسفة والألغام، وإطلاق قذائف الهون، مما أسفر عن وقوع ضحايا يقدر عددهم بالمئات وفقا للمؤشر العالمي للإرهاب، هؤلاء الضحايا سقطوا نتيجة لـ 1168 هجوما إرهابيا، بزيادة 18% عن معدل العمليات عام2019. وهنا تجدر الإشارة إلى أن البيئة الخصبة في دول الساحل والصحراء، إلى جانب هشاشة الأنظمة في هذه المنطقة، ساعدت في سهولة ارتكاب تنظيمي داعش والقاعدة، وهما التنظيمين الأكثر تأثيرا، من حيث عدد المقاتلين وتوافر التمويل- لعمليات ضخمة وضربات مؤثرة، انعكست بالإيجاب عند تلك التنظيمات وبالسلب عند الدول المستهدفة، لدرجة أن هذه التنظيمات تعتبر أن هذا المربع الجغرافي، بمثابة موطنها الدائم وساحة مفتوحة للمنافسة.
عوامل محفزة:
من أهم العوامل التي جعلت داعش تتمدد، وتجد من منطقة الساحل والصحراء عوض عن الشرق الأوسط، الذي انهارت فيه دولته على أعتابها، هي: ضعف البنية المؤسسية في دول تلك المنطقة، وهو ما مكنها من إطلاق سراح مئات المتطرفين من السجون في منطقة الساحل والصحراء، هذا بالإضافة إلى أن اتساع مساحة الصحراء في تلك المنطقة، وتزاحم التجارة الحدودية بين دولها مع ضعف عملية التأمين، ساعد في تجدد وتنوع مصادر التمويل، وهو ما ساعدها على البقاء والارتباط بهذه البقعة. كما أن التداخل بين القبائل وبعض هذه التنظيمات، بالإضافة إلى استغلال تلك التنظيمات للظروف الاجتماعية والمعيشية البسيطة، وضعف سيطرة الحكومات على تلك المناطق- سهل من عملية تهريب السلاح، وتدفق المليشيات عبر الحدود. ومن جانب أخر تمكنت قيادات تلك التنظيمات من توظيف الرمزية الدينية والتاريخية لهذه المنطقة لدى مفتى الجماعات المتطرفة، في تأجيج مشاعر الشباب المتحمس، للتجنيد في صفوفها، فضلا عن التحول غير الممهد له، الذي شهدته مناهج التعليم في منطقة الساحل والصحراء، حيث كان التعليم عن طريق الكتاتيب، ويقتصر على تعلم وحفظ القرآن والعلوم الشرعية والفقه السنى، ثم تحول إلى المناهج الحديثة المتنوعة باللغة الفرنسية، مما خلق حالة من الغضب لدى مشايخ تلك المناطق، وظف من قبل التنظيمات المتطرفة لتجنيد الشباب.
جهود دولية منقوصة:
على الرغم من مقتل أبو وليد الصحراوى، واستهداف التحالف الدولى بقيادة فرنسا التنظيمات الإرهابية بضربات موجعة- فإنه وفقاً لاستراتيجية البديل في قيادات الصف الأول التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة، يمكن التأكيد على أن الجهود الدولية على أرض الواقع، لم تكن كافية لمجابهة تلك التنظيمات وتقويض نشاطها، فمقتل “عدنان أبو الوليد الصحراوى” سيولد أخر بنفس الصفات القيادية، على غرار أن مقتل “عبد المالك درودكال” زعيم تنظيم القاعدة في المغرب العربى يونيو 2020، لم يوقف التنظيم ولم يمنعه من تجدد نشاطه، بدليل تزايد نشاط تلك التنظيمات عام2020 و 2021، مما نتج عنه نزوح 237 ألف شخص من مناطقهم، خلال النصف الأول من العام الجارى، ولجوء 17500 لاجئ إلى بلدان مجاورة.
إن استراتيجية اصطياد القيادات التي تنفذها قوات التحالف الدولى في منطقة الغرب الأفريقي، تعتبر منقوصة، وتعكس قصور في إستراتيجية مكافحة الإرهاب في هذه المنطقة، التي كان من المنتظر أن تعير اهتماماً بدعم حكومات تلك المناطق، لتوفير حياه أفضل للمواطنين، والمساهمة في سد المنافذ الحدودية التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية، في تهريب المخدرات والسلاح باعتبارهما الرئة الضامنة لاستمرار تمويل هذه التنظيمات.
بالتالي، استمرار تلك الاستراتيجية المنقوصة التي تصر عليها قوات التحالف الدولي في تلك المنطقة، يدعم التحليلات القائلة، بأن بعض دول التحالف لديها الرغبة، في دوام حالة عدم الاستقرار في تلك المناطق، للاستفادة من الثروات الطبيعية فيها، حيث تؤكد التقارير الدولية أن الوضع في تلك المناطق يحتاج 259.3 مليون دولار لمساعدة المتضررين، وفرنسا وحدها تنفق ما يقرب من 700 مليون يورو سنويا، لمحاربة الإرهاب في تلك المناطق، إذن تكلفة مساهمة دول التحالف في إعمار هذه الدول، بالمقارنة لحجم الإنفاق على التسليح والعمليات القتالية بسيط للغاية، ويعد جزء لا يتجزأ من جهود مكافحة الإرهاب، إذ توافرت الإرادة الجادة الصادقة للقضاء على الإرهاب.
ختاما؛ على الرغم من الجهود الدولية والقرارات الأممية، الرامية إلى مكافحة الإرهاب، فإن الإرهاب لا يزال ذا تأثير ممتد، بحيث أصبح عنصر فاعل ومن أهم الفواعل في المعادلة الدولية، ومن غير المتوقع القضاء عليه في الواقع القريب بشكل كامل، حيث أن دول التحالف يأتي استهدافها للإرهاب، كرد فعل انتقامي لمقتل بعض جنودها، وليس بهدف القضاء على الإرهاب بشكل نهائي، مع غياب إستراتيجية ورؤية للقضاء على مسبباته. عليه؛ فإن كل المؤشرات والمعطيات تؤكد أن العالم، مقبل على موجة تصاعدية من العمليات الإرهابية، فالمؤشر العالمي للإرهاب في حالة صعود منذ العام الماضى، والعوامل والمحفزات لصعوده لن يتم القضاء عليها، بين عشية وضحها، لذا سيظل المؤشر في الصعود فترة، فالدول الكبرى توظف الإرهاب وتتحكم في عوامل تصاعده أو تحجيمه وفقا لمصالحها، في بعض المناطق من العالم، فأصبح لا مجال للحديث عن محاربة الإرهاب بشكل مجرد أو مطلق، ووفقا للقوانين والشرعية الدولية والقواعد الإنسانية.