على غرار “طالبان”.. هل تقوى “داعش” بالعراق بعد انسحاب ديسمبر المقبل؟
قررت الولايات المتحدة إنهاء عملياتها القتالية في العراق، بحلول الحادي والثلاثين من ديسمبر 2021 ، فوفقا للحوار الاستراتيجى بين بغداد وواشنطن، سوف يقتصر الدور الأمريكي في العراق على تقديم المشورة والتدريب وتبادل المعلومات الاستخبارتية، والجدير بالذكر أن واشنطن قد خفض عدد قواتها من 5000 إلى 2500، ومن المتوقع أن تسحب ما تبقى من قوات بحلول آخر العام الحالي، مما يطرح التساؤل القلق؛ هل بإمكان “داعش” السيطرة على الأراضي العراقية حال انسحاب القوات الأمريكية آخر العام؟، بمعنى آخر هل يتكرر النموذج الطالبانى من قبل داعش في العراق؟.
شواهد مطمئنة:
كان اجتياح طالبان وسيطرتها على المدن الأفغانية، باقتراب حلول موعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، سببا لمقارنة الحالة الأفغانية بالوضع في العراق، مع عزم أمريكا إنهاء أعمالها القتالية داخل العراق آخر العام، فهل الأوضاع السياسية والاجتماعية والجغرافية داخل العراق تسمح بتكرار النموذج الطالبانى؟.
يسيطر على المشهد العراقي حالة من القلق، من احتمالية عودة داعش في التمدد والسيطرة، وإعادة إقامة دولته، كما حدث بسقوط الموصل في يد داعش عام 2014، لذلك سنقوم بقراءة للمعطيات السياسية والاجتماعية والجغرافية، محاولة للوصول إلى نتائج محتملة.
الشواهد السياسية:
لا شك أن الوضع السياسي الدولي، الذي أدى إلى سقوط كابل في يد طالبان مختلف تماما، عن الوضع السياسي الدولي داخل العراق، فالإدارة الأمريكية في النموذج الأفغاني كانت داعمة لوصول طالبان إلى الحكم، ومهدت لذلك باتفاقية عقدتها مع حركة طالبان برعاية الدوحة في 2020، أما الوضع في العراق مختلف، فمن جانب غير متصور أن تعقد الولايات المتحدة مع داعش اتفاق مماثل، فالولايات المتحدة تعتبر داعش العدو الأكبر، الذي لا يمكن التحالف معه، أو استخدامه لتنفيذ سياستها في المنطقة، كما تفعل مع تنظيمات أخرى “كحركة طالبان”، أو بعض أفرع القاعدة “كهيئة تحرير الشام” في سوريا، لمساس هذا الأمر بالأمن القومي الأمريكي، على الجانب الأخر تنظيم داعش لن يقبل عقد اتفاق مع الطرف الأمريكي تحت أي مسمى، فداعش تعتبر أمريكا العدو الأعظم، وتعادى طالبان الآن لعقدها اتفاق مع واشنطن، وأوضح شاهد على ذلك تفجيرات مطار كابل الأخيرة، التي قامت بها داعش ردا على تعامل طالبان السياسي واتفاقها مع أمريكا.
بالإضافة إلى ما سبق؛ تناقلت أنباء عن تدريب فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني لجماعات سرية، على حرب الطائرات المسيرة والدعاية الإلكترونية، مما يشير إلى دعم الجانب الشيعي داخل العراق، مما يصعب معه تمدد داعش، فأي ارتخاء أمني محتمل يسفر عن تمدد لداعش، سوف يقابل من تلك الجماعات المدعومة من إيران بعنف، كما أن القوات الأمريكية لن تسمح بأي تمدد لعناصر داعش، حتى وأن انسحبت فستواجههم عن طرق الضربات الجوية بالطائرات المسيرة.
الشواهد الاجتماعية والطائفية:
إضافة لما سبق؛ فإن التركيبة الاجتماعية والطائفية للعراق مختلفة عن أفغانستان، حيث يشكل الشيعة في العراق 70% من مجموع السكان، مقابل 30% سنة والباقي بين مسيحيين وطوائف أخرى، إذن الطبيعة الطائفية للأغلبية السكانية حائط صد، أمام تغلغل داعش أن حاولت بين أطياف الشعب العراقي، على عكس حركة طالبان في أفغانستان، التي تنتمي إلى البشتون السنة، الطائفة التي تمثل أغلب الشعب الأفغاني، حيث يمثل السنة 90% من الشعب، والبشتون 50% من السكان، مما أسهم في تسليم أغلب المديريات والقرى بالاتفاق مع قادة القبائل سلما، ومهد الطريق بالتالي للوصول إلى المدن ثم العاصمة كابل. بالإضافة إلى أن المجتمع العراقي مجتمع شاب، حيث يبلغ جملة السكان من (سن 15 إلى سن 60 )-أي 97% من عدد السكان، وهى الفئة العمرية القادرة على المقاومة، فضلا على أن أغلبية عدد السكان يتمركز في الأجزاء الشمالية والوسطى من العراق، مما يعكس الطابع الحضاري للسكان، و71% من السكان يتمركزون في الحضر، لذلك يصعب التكييف مع الحياة المنغلقة المتشددة، التي تفرضها داعش بسيطرتها على المناطق كما فعلت في السابق، على عكس الطبيعة السكانية لأفغانستان.
فعلى الرغم من أن الأرقام تؤكد، أن الشعب الأفغاني شعب شاب حيث 73% من السكان شباب، إلا أن الواقع يؤكد أن أغلبية الشعب، ليس لديه الإرادة في مقاومة حركة طالبان، فالكتلة صمدت لمقاومة الحركة تمركزت في شمال كابل (بانشير)، فيما عدا ذلك لم تقابل الحركة مقاومة شعبية تذكر من السكان، حيث انعكس الطابع القبلي السائد في أغلب أنحاء أفغانستان، على تقبل أغلب السكان لممارسات المتشددة والمنغلقة للحركة، مما سهل بالتالي تمدد الحركة، وسيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية.
الطبيعة الجغرافية:
على الرغم من إعلان القوات العراقية عام 2017، القضاء على دولة داعش، واستعادة كافة الأراضي العراقية، إلا أن الطبيعة الجبلية والصحراوية الوعرة، التي يختبئ فيها بعض فلول داعش، ويصعب على الأمن الوصول لها، تمكن التنظيم من شن هجمات خاطفة من حين لآخر، حيث تتمركز عناصر داعش التي تقدر بـ1000 عنصر، من شمال محافظة ديالى على حدود إيران، إلى جنوب محافظة كركوك، وتضم هذه المنطقة جبال حمرين ذات الطبيعة الجغرافية الوعرة، لذلك لم تتمكن القوات العراقية، وقوات التحالف الدولي القضاء عليهم نهائياً، بسبب هذه الطبيعة الجغرافية، حيث يتمكن عناصر التنظيم من التخفي بين الوديان والتلال، بمجرد تحرك القوات.
عليه، فلن تتمكن القوات العراقية، من القضاء نهائيا على داعش على الحدود العراقية، ومن المحتمل أن تتصاعد وتيرة وحدة العمليات، التي تقوم بها داعش داخل العراق، بالقرب من موعد خروج القوات الأمريكية من العراق، ولكنها لن تستطيع السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية، أو إقامة دولة أو سيطرة كاملة على مدن، كما فعلت في السابق للأسباب الذي تعرضنا لها سابقا.
أخيرا؛ يجب الإشارة إلى أن هناك اتجاه من بعض القوى السياسية، يرغب في بقاء القوات الأمريكية في العراق، مما يعكس الخطر القائم الذي يستشعره البعض، من الانسحاب الكلى للقوات الأمريكية، التخوف ليس من سيطرة داعش على الحكم في العراق، فهذا التصور مستبعد تماما للأسباب التي استعرضناها سابقا، فضلا على عدم وجود إرادة دولية، تمهد أو تدعم هذا الاحتمال، ولكن التخوف من ارتفاع معدل العمليات الإرهابية المؤثرة في العراق، مما ينعكس على الأوضاع الأمنية والاقتصادية، فضلا عن سقوط ضحايا، أو على أقصى تقدير سيطرة داعش ولو بشكل مؤقت، على أجزاء من مناطق نائية أو قبلية، وفرض سيطرتها عليها.