ما هي تداعيات صعود “طالبان” على الدولة الصينية؟
رسم الاجتماع الأخير بين حركة طالبان والصين بمقاطعة تيانجين الخطوط العريضة لمستقبل العلاقات الصينية-الأفغانية، حيث أعربت الصين عن أمالها في أن يتمكن الشعب الأفغاني من حل المشاكل الداخلية بأنفسهم، وأكدت على عدم تدخلها في المشاكل الداخلية، وستساهم في التنمية الاقتصادية وإعادة بناء الدولة في أفغانستان شريطة أن تقطع الحركة العلاقات من جميع الجماعات الإرهابية، ولا سيما حركة تركستان الشرقية وحل التحديات الداخلية لمواصلة التعاون الاقتصادي. في المقابل كررت الحركة وعودها السياسية التي تضمنت اتفاق الدوحة بالتزامها بعدم استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد أي شخص أو دولة، مع تسليط الضوء بشكل أساسي على مجال التعاون الاقتصادي ورحبت بالاستثمار الصيني باعتبارها أكبر مستثمر في أفغانستان.
بعيدا عن الاعتراف الصيني بطالبان والذي لن تحاول القدوم عليه دون الاعتراف الدولي مسبقا بحكومة طالبان، فالسؤال الأهم هنا، هو: هل صعود طالبان جيد أو سيئ للصين، وتداعياته مستقبل العلاقات الصينية الأفغانية؟.
طالبان والمساعدات الصينية المشروطة:
طالبان تحتاج الصين للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والمساهمة في إعمار أفغانستان وتوطيد أمن النظام. فقد أعلنت قيادات الحركة في الكثير ومن الخطابات والمقابلات الرسمية رغبتها في التعاون مع الصين، باعتباره شريك مهم في التنمية الاقتصادية لأفغانستان. ولكن هذا مشروط بالسيطرة على التطرف الداخلي والخارج للحركة في أفغانستان والمصالح الوطنية لتحقيق الاستقرار النسبي الذي تحتاجه الاستثمارات الصينية لدخول أفغانستان. فتحقيق الوحدة الوطنية يتطلب نهج الإدارة اللامركزية والاعتماد على الخبرات المختلفة داخل وخارج الحركة لتطوير مؤسسات الدولة وإدارة مواردها بشكل فعال.
ففي الوقت الحالي، البنك المركزي الأفغاني لديه حوالي ٩ مليارات دولار أمريكي من احتياطيات الأصول الخارجية، وهذه ليست العملة المادية في الخزينة، ولكن الأصول السائلة الآمنة مثل الدين الوطني والذهب في المحفظة الاستثمارية الرئيسية للبنك المركزي الأفغاني، يتم إيداع ٧ مليارات دولار لدى الاحتياطي الفيدرالي في مزيج من النقد والذهب وسندات الخزانة الأمريكية والأوراق النقدية الأخرى. وقد منعت واشنطن طالبان من الحصول على احتياطيات الحكومة الأفغانية السابقة. وأعتقد أن هذه المشكلة ليست مشكلة طالبان فقط، إنها مشكلة تتحملها الحكومة الأفغانية السابقة وطالبان التي خلفها الانسحاب الأمريكي، وحتى لو لم يتم حلها على المدى القصير، فإن طالبان ليست سوى أحد الأطراف المسئولة. فمن غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في عام ١٩٧٩إلى الأمريكي، والذي أنفق 2.3 تريليون دولار أمريكي في أفغانستان في استثماراتها العسكرية خلال العشرون عامًا، والتي لو استخدمت في التنمية الاقتصادية لما رأينا أفغانستان على ما هي عليه اليوم. ولذلك، تحتاج طالبان للاستثمارات الصينية ومساعدات دول أخرى إقليمية ودولية لتخفيف الوضع الاقتصادي المنهار. فبعض فشل التدخل العسكري والإصلاحات السياسية الغربية المزعومة والانقلاب العسكري في أفغانستان، يحاول الجانب الغربي بسبب عدم قبوله طالبان لتمثيل النظام الأفغاني، والاعتماد على العقوبات والأنظمة السياسية والضوابط الدبلوماسية لممارسة نفوذها على طالبان وأفغانستان.
بالإضافة إلى، إتباع دبلوماسية الحياد مع جميع الدول التي تتنافس في أفغانستان الآن، مثل السعودية وإيران، الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والهند وباكستان، وغيرها حتى لا تكرر أخطاء الماضي. ففي الخمسينيات والستينيات الماضية، كانت أفغانستان تتمتع بفترة جيدة من التطور، حيث انخرطت في ذلك الوقت في التنمية الاقتصادية في ظل النظام الملكي والدبلوماسية المحايدة في دبلوماسيتها. واستثمرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والصين جميعًا في بناء البنية التحتية والطرق والسكك الحديدية، وما إلى ذلك في أفغانستان في ذلك الوقت.
المعضلات الداخلية:
لقد ضلت أفغانستان طريق الحياد بين الأطراف الدولية ولم تحافظ عليه، وعندما تعلق الأمر باختيار المعسكرين الرئيسيين في الحرب الباردة ، أصبحت أفغانستان منحازة أكثر فأكثر نحو الاتحاد السوفيتي. وفي السبعينيات، لم تتمكن أفغانستان من تحقيق الحياد، مما أدى إلى وقوع أفغانستان في كارثة. وإذا تم استخدام الحياد كمبدأ دبلوماسي في المستقبل، فستحتاج الدول الخارجية أيضًا إلى التعاون. وبالنسبة لروسيا ودول آسيا الوسطى، فإن استقرار ستكون أفغانستان لهم أيضًا مفيد. كما أن السعي للحصول على الدعم الدولي المادي يتطلب الاعتماد على الصين ودول أخرى في الاستفادة من نفوذها الدولية لكسب الشرعية الدولية والمساعدات من وكالات الدولية والدول الكبرى.
وأخيرا، السيطرة على التطرف داخل الحركة وخارجها والتخفيف من إيديولوجياتها المتشددة في التعامل مع القضايا المتخلفة، مثل عمل المرأة والعرقيات الشيعية والحركات العلمانية وغيرها. ففي الوقت الحالي، على الرغم من أن طالبان تتولى زمام الأمور سياسياً، لا يمكن تجاهل القوى المحلية المناوئة لها، وتواجه القضية الصعبة المتمثلة في الوحدة الداخلية. علاوة على ذلك، يشعر الكثير من الأفغان بالقلق أو لديهم تحفظات على طالبان. كذلك، تحتاج طالبان إلى التركيز على وحدتها الداخلية للسيطرة على التطرف وضمان السلوك المعتدل. وكيفية انسجام طالبان مع المجتمع الدولي، وهناك الكثير الذي يتعين عليها القيام به في أفغانستان وليس لديها القدرة الكافية لإعادة بناء نفسها، وهي بحاجة إلى دعم ومساعدة المجتمع الدولي.
إلى جانب ذلك، فإن أي حكومة بدون اعتراف من المجتمع الدولي لديها مساحة صغيرة للنمو. سيتعين على طالبان التعامل بشكل صحيح مع العلاقات مع المجتمع الدولي، ولا سيما جيرانهم، من خلال فصل أنفسهم عن الإرهاب من خلال أفعالهم، وعدم تحدي المصالح الجوهرية لجيرانهم. ومن الناحية الموضوعية، على الرغم من أن حركة طالبان قد أظهرت بالفعل بعض التغييرات في هذه المرة مقارنة بما كانت عليه قبل عشرون عامًا عندما حكمت أفغانستان، إلا أن الأفغان والمجتمع الدولي لا يزالون متشككين بشأن حكمهم المستقبلي. الآن، إذا كانت حركة طالبان تأمل في حكم سلس وطويل الأمد للبلاد، فعليها تعزيز ثقة الأفغان والمجتمع الدولي من خلال تدابير ملموسة.
المخاوف الصينية والمعضلة الأفغانية:
لا يمكن المبالغة في تأثير فشل طالبان في السيطرة على التطرف على الأمن القومي الصيني. حيث أن منطقة شينجيانغ الصينية ومقاطعة بدخشان الأفغانية (تقع في أقصى شمال شرق أفغانستان) عبر ممر واخان الضيق. فنظرًا للظروف الجغرافية الخاصة، يصعب بالفعل مرور ممر واخان بسلاسة. وعلى الرغم من سيطرة طالبان على العديد من المقاطعات في مقاطعة بدخشان منذ عام 2015، لم يكن هناك أي اتجاه للتوسع إلى ممر واخان، والسبب الرئيسي، هو أن طالبان تفتقر إلى القيمة والتكاليف الباهظة.
بالإضافة إلى ذلك، يقع ممر واخان الضيق على بعد حوالي ١٠٠ كيلومتر من الصين، والذي يبدو وكأنه يسهل التحكم فيه نسبيًا. علاوة على ذلك، كانت قدرات مراقبة الحدود الصينية دائمًا قوية جدًا، كما أن المناطق الرئيسية مثل ممر واخان الضيق أكثر حراسة مشددة. وبالتالي، من غير المرجح أن يكون للوضع الأمني في أفغانستان تأثير ملموس على الصين بشكل مباشر، ولكن المعضلة الكبرى في تمدد التأثير الأيديولوجي إلى وسط وجنوب أسيا وصعوبة السيطرة عليه بشكل كبير.
كما يمكن لمبادرة الصين “حزام وطريق” أن توفر فرص التنمية الاقتصادية في المستقبل، ومن المؤكد أن بناء البنية التحتية المستقبلية في أفغانستان سيكون لها مزايا على الصين، شريطة تحقيق طالبان الأمن والاستقرار نسبياً. بالطبع، يمكن للصين أن تلعب دورًا بناء في ملف أفغانستان، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة بشكل غير مسئول، سواء كانت الصين على مستوى منظمة شنغهاي للتعاون أو على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، مثل الآلية الثلاثية بين الصين وباكستان وأفغانستان.
بالإضافة إلى ما سبق، سيلعب النفوذ الدولي والإقليمي للصين دورا هاما في تقويض التدخل الغربي والأمريكي في أفغانستان وأيضا مساعدة طالبان في الحصول على المساعدات الدولية المختلفة. وإذا تمكن التدخل الصيني في إعمار أفغانستان من تحقيق نتائج ايجابية فسوف تعزز الصين بشكل كبير إيديولوجيتها الخاصة ” السلام التنموي” التي تختلف عن السلام الليبرالي الغربي، وبالتالي يدفع قواعد المجتمع الدولي القائمة على المبادئ الغربية نحو التغيير ويعزز من النفوذ الدولية للصين.
انعكاسات التدخل الغربي الأمريكي:
وأخيرا، يبدو أن التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية والانسحاب من مناطق الحرب وتغيير استراتيجيتها التقليدية لتركيز قدراتها الوطنية الشاملة على كبح “صعود الصين” والدور الغربي الأمريكي في إعمار أفغانستان- يُشكل تحدي كبيرة للعلاقات الصينية الأفغانية. فـ “استراتيجية تقويض الصين” و”استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ” التي تنتهجها الولايات المتحدة مع حلف شمال الأطلسي يضع أفغانستان في قلب الصراع نظرا لموقعها الجغرافي في هذه الاستراتيجية. فالجانب الغربي الأمريكي، يشعر بالقلق إزاء انسحاب القوات الأمريكية الذي سيسمح للصين وروسيا باغتنام الفرصة “لملء الفراغ” وتوسيع نفوذها، وبالتالي تقويض استراتيجية الولايات المتحدة للسيطرة على الصين.
ناهيك عن الوجود الأمريكي الذي دام عشرون عاما في أفغانستان، الذي منح واشنطن “موارد عملاء” غنية ومتنوعة، مما سيضمن أن تظل الولايات المتحدة أكبر عامل خارجي يؤثر على القضية الأفغانية. قد يخلق التغيير السياسي الهائل الحالي في أفغانستان بعض التأثير النفسي على الأنظمة الموالية لأمريكا، والتي من شأنها أن تفكر بشكل أعمق في التطور المستقبلي للعلاقات مع الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، في أعقاب انهيار الحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من الولايات المتحدة وعودة طالبان التي أزلتها واشنطن من قبل، من غير المرجح ظهور نظام آخر موالٍ لأمريكا في أفغانستان على المدى القصير. وهذا أيضًا سبب حاسم لتركيز الولايات المتحدة الحالي على التفاعل بين الصين وطالبان باعتبارها الأولى منافسها الرئيسي. وهذا يعني أنه ستحاول بشتى الطرق التدخل لمنع إعادة إعمار أفغانستان من قبل الصين وروسيا.
ورغم ما سبق، لا ينبغي المبالغة بأن الصين ستضع نفسها أو إدخال إعمار أفغانستان في الصراع الصيني الأمريكي، لأن هذا سيعرض مصالح الاقتصادية والأمنية للخطر ويجعل من الأسهل انخراط أفغانستان في حالة من الفوضى الخطيرة التي تمتد إلى المناطق المحيطة. فهي لا تريد أن تكرر التجربة السوفيتية الأمريكية وتشويه أيضا إيديولوجيتها ” التنمية السلمية”. ستنخرط الصين في إعمار أفغانستان بشكل استباقي وحذر مع التقييم الدقيق للعواقب والتحديات المحتملة دون تجاهل تجارب الماضي للدول الكبرى في أفغانستان. ناهيك على أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان آثار خوف حلفائها الذين يعتمدون عليها في ضمان الأمن القومي وأمن النظام، وسوء التقدير الذي ارتكبته استخبارات الجيش الأمريكي في أفغانستان. ففي يونيو من هذا العام، كان من المقدر أن تسقط كابول بعد ستة أشهر من انسحاب الجيش الأمريكي، وقبل أسبوع من الانسحاب كان التقدير ثلاثة أشهر، وفي ١٣ أغسطس ، تم تعديل التقدير إلى شهر واحد. في النهاية ، غادر الرئيس أفغانستان بعد يومين فقط.
يعتقدون الكثيرون بأن الولايات المتحدة ستساعد بالتأكيد في الدفاع عن تايوان إذا اندلع القتال في مضيق تايوان، لكن هذه الفكرة “مخطئة”، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة لم تستطع حتى التعامل مع أفغانستان. هذا ما جعل رئيس الوزراء التايواني سو تسينج تشانغ في ١٧ أغسطس الماضي، يؤكد بأن تايوان لن تنهار مثل أفغانستان في حالة وقوع هجوم خلال مقابلة مع وسائل الإعلام التايوانية، وحث شعب تايوان على عدم الوقوع في الفوضى الداخلية أو الاعتقاد بأن تايوان ستصبح فوضوية. وقال إن تايوان: “ليست هدفا سهلا ولا ينبغي للتايوانيين التقليل من شأنهم، وشدد على أن التايوانيين يجب أن يؤمنوا بأرضهم وقدرتهم على الدفاع عنها.” يعتقد المعسكر المؤيد للاستقلال في تايوان أن الجيش الأمريكي سيأتي بالتأكيد لمساعدة تايوان، بينما يعتقد المعسكر المؤيد لإعادة التوحيد أن الجيش الأمريكي لن يفعل ذلك. لكن أعتقد أن الحقيقة يجب أن تكون في مكان ما بينهما. مما يعكس هذا بأن الصراع الصينية الأمريكية في أفغانستان سيكون منخفضا نسبيا، فمنطقة مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي تظل محور السياسة الخارجية الجديدة لأمريكا والتي من أجلها تخلت عن الاستراتيجية التقليدية وانسحبت من أفغانستان وأماكن أخرى.