لماذا خسر إخوان المغرب الانتخابات التشريعية؟

استمراراً لسلسلة الهزائم المتتالية لأحزاب الإسلام السياسي في المنطقة، وبعد أسابيع قليلة من سقوط حركة النهضة “الإخوانية” في تونس، تلقى حزب “العدالة والتنمية” (الإسلامي) هزيمة قاسية في الانتخابات التشريعية التي شهدتها المغرب في الـ 8 من سبتمبر الجاري، فقد حلت في المرتبة الثامنة بنحو 12 مقعداً فقط من إجمالي الـ395 مقعد التي يتشكل منها مجلس النواب المغربي، وهو ما يمثل مفاجئة كبيرة في ظل التوقعات التي سبقت عملية الاقتراع والتي رجحت في مجملها أن نتائج التصويت لن تعيد إفراز مشهداً جديداً، بل أن التغيرات المحتملة لن تتجاوز مستوى إعادة ترتيب الأحزاب الرئيسية التي تتقاسم المشهد السياسي القائم، وهو ما يعكس مؤشرات هامة بشأن فشل كافة تجارب الأحزاب الإسلامية (خاصةً المرتبطة بجماعة الإخوان) في المنطقة، ونهاية هذه الحقبة التي تمخضت عن انتفاضات 2011 في المنطقة العربية، واستغلال هذه الأحزاب للحراك الشعبي للقفز على السلطة.

هزيمة قاسية:

أعلن وزير الداخلية المغربي “عبد الوافي لفتيت” النتائج الأولية للانتخابات التشريعية بعد فرز حوالي 96% من عدد الأصوات، والتي شهدت نسبة مشاركة بلغت حوالي 50.35% من إجمالي 18 مليون تقريباً من المسجلين في قوائم الانتخابات (تجدر الإشارة إلى أن إجمالي من له حق الاقتراع يصل إلى 25 مليون نسمة تقريباً) مقابل 43% في عام 2016، مشيراً إلى تصدر حزب “التجمع الوطني للأحرار”(بقيادة عزيز أخنوش) نتائج التصويت بحصوله على 97 مقعداً (من إجمالي 395 مقعد)، مقابل 82 مقعداً لحزب “الأصالة والمعاصرة”(الخصم الرئيسي لحزب العدالة والتنمية)، و78 لحزب “الاستقلال”(يمين وسط)، بينما حصل حزب “الإتحاد الاشتراكي” على 35 مقعداً، وحصلت “الحركة الشعبية” و”التقدم والاشتراكية” والإتحاد الدستوري” على 26 و20 18 مقعداً على التوالي، فيما تذيل حزب “العدالة والتنمية” عدد المقاعد بـ12 مقعداً فقط.

وقد جاءت نتائج هذه الانتخابات لتمثل هزيمة قاسية لحزب “العدالة والتنمية” الذي يهيمن على المشهد السياسي منذ عام 2011، حيث كان يسعى الحزب للفوز في هذه الاستحقاقات لتشكيل الحكومة الثالثة له على التوالي، فقد تمكن الحزب (مصنف باعتباره إخواني) من الصعود استغلالاً لإحداث ما يسمى بأحداث “الربيع العربي” في 2011، والتي وصلت بعض شراراتها “المحدودة” إلى المغرب، والتي تمخض عنها تعديلات دستورية إصلاحية، استغلها الحزب من خلال اللعب على ورقة المظلومية والبديل الكفء، مما مكنه من الفوز بالمرتبة الأولى في انتخابات نوفمبر 2011، فقد حصل على 106 مقعداً متقدماً على حزب الاستقلال (61 مقعداً) والتجمع الوطني للأحرار (54 مقعداً) وحزب الأصالة والمعاصرة (48 مقعداً)، فيما منى حزب “الإتحاد الاشتراكي” (الذي كان مهيمناً على المشهد) بخسارة كبيرة حيث تراجع إلى المرتبة الخامسة بـ38 مقعداً.

المصدر: إعداد الباحث

وفي انتخابات 2016، واصل “العدالة والتنمية” هيمنته من خلال حصده لـ 125 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته، قبل أن يخسر الحزب أكثر من 113 من هذه المقاعد في الاستحقاقات الأخيرة، وهو ما جعله يتذيل قائمة الأحزاب المشاركة في البرلمان الجديد، للحد الذي لن يمكن الحزب من تشكيل كتلة نيابية مؤثرة داخل مجلس النواب، فوفقاً للقانون الداخلي للمجلس يحتاج الحزب إلى امتلاك 20 مقعداً على الأقل كي يتمكن من تشكيل كتلة نيابية، وهو ما سيترك الحزب دون أي وسائل تأثير حقيقية داخل البرلمان المقبل والحكومة المنبثقة عنه.

قراءة في نتائج الانتخابات:

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الحالية المنتهية ولايتها قائمة على ائتلاف حزبي مكون من خمسة أحزاب، على رأسها حزب “العدالة والتنمية” (الذي كان مهيمناً على المشهد)، و”التجمع الوطني للأحرار”، وحزب “الحركة الشعبية”، و”الإتحاد الاشتراكي”، و”الإتحاد الدستوري”.

وقد نجح حزب “التجمع الوطني للأحرار” في تصدر المشهد بالفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة بعدما كان قد حل رابعاً في انتخابات 2016، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الحزب كان قد تأسس في عام 1978 من خلال رئيس الوزراء الأسبق “أحمد عصمان” (صهر الملك الحسن الثاني)، وهو يصنف باعتباره حزباً ليبرالياً، وقد نجح الحزب في تجاوز الخلافات التي نشبت داخله قبل أشهر قليلة من الانتخابات الأخيرة، وذلك تحت قيادة رئيسه رجل الأعمال ووزير الزراعة والثروة السمكية”عزيز أخنوش”.

فيما حافظ حزب “الأصالة والمعاصرة” على المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها المغرب في الـ8 من سبتمبر الجاري، فعلى الرغم من تراجع عدد المقاعد التي حصدها بـ82 مقعداً في هذه الانتخابات(مقابل 102 في انتخابات 2016)، إلا هذه المقاعد ضمنت له الحفاظ على وصافة عدد المقاعد على غرار الاستحقاقات السابقة، وذلك على الرغم من الصدامات الحادة التي شهدها الحزب بين قياداته في العام الماضي، بيد أن الرئيس الحالي للحزب “عبد اللطيف وهبي” قد تمكن من فرض السيطرة على بقية أجنحة الحزب، مما عزز من قوته في المشهد السياسي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الحزب يعد حديث النشأة، حيث يعود إلى عام 2008 عندما تم تأسيسه على يد “فؤاد عالي الهمة” (مستشار الملك) وقد أصبح الحزب منذ نشأته هو المنافس الرئيسي لحزب “العدالة والتنمية”.

كذلك، حافظ حزب “الاستقلال” على المرتبة الثالثة في عدد المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 2021 على غرار تشريعات 2016، إلا أن الحزب تمكن في الانتخابات الأخيرة في زيادة عدد مقاعده بحصوله على 78 مقعداً (مقابل 46 في 2016)، ويعد هذا الحزب (يمين وسط)هو أعرق الأحزاب المغربية حيث تعود نشأته إلى عام 1944 على يد “علال الفاسي”.

لماذا خسر الإسلاميون:

في إطار المفاجئة التي عكستها النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المغربية، يمكن الإشارة إلى جملة من المحددات التي تفسر الخسارة الفادحة التي تعرض لها حزب “العدالة والتنمية“، لعل أبرزها يتمثل فيما يلي:

(*) الانقسامات الداخلية وضعف الحزب: حيث يعاني الحزب من عدة سنوات من انقسامات داخلية هائلة في ظل تباين الآراء بين أجنحة الحزب الداخلية إزاء القضايا الجوهرية وآليات التعامل معها، ولعل هذا ما أدى إلى إبعاد الأمين العام السابق للحزب “عبد الأله بنكيران” في 2017، وتولي الأمين الحالي “سعد الدين العثماني” في محاولة لحلحلة الأزمات الهيكلية الداخلية التي تهدد تمساك الحزب وذلك عبر إطلاق حوار شامل، بيد أن كافة المحاولات فشلت في رأـب الصدع الداخلي والمتفاقم.

(*) البرجماتية التي تهيمن على الحزب وتخليه عن مبادئه “المعلنة”: في إطار مساعي الحزب لاستغلال الحراك الشعبي في 2011، عمد الحزب إلى الترويج لفكرة البديل القادر على الإصلاح ومكافحة الفساد، بيد أن “بنكيران” ما لبس أن أنتهج سياسة “المهادنة” مع الفساد، تحت ذريعة العفو، كذلك فقد شهدت سنوات حكم حزب العدالة والتنمية تراجعاً كبيراً عن المبادئ والشعارات التي لطالما رفعها الحزب، فعلى سبيل المثال، كان الحزب قد كرر إعلانه خلال السنوات الماضية عن دعمه للقضية الفلسطينية ورفضه لأي محاولة للتطبيع مع الجانب الإسرائيلي، بيد أن الأمين العام للحزب قام بتوقيع اتفاقية التطبيع باعتباره رئيساً للحكومة ولم يبد الحزب أي اعتراضا على هذه الخطوة، كذلك تجسدت برجماتية الحزب وتغيره المستمر لشعاراته في دعمه لبعض الملفات مثل قانون الاستعمالات المشروعة للنقب والذي أثار جدلاً واسعاً في الداخل، وهو ما افقد الحزب كثيراً من مصداقيته أمام الشعب.

(*) السياسات الداخلية المتعثرة: فقد فشل الحزب الذي ظل يهيمن على المشهد طيلة السنوات العشر الماضية في تحقيق أي ملامح تقدم في الأوضاع الداخلية في الرباط من خلال حكومتيه المتعاقبتين، بل على العكس أدت السياسات التي انتهجتها حكومتا الحزب إلى إثارة غضب الشرائح التي كانت داعمة له بدرجة أو بأخرى، خاصةً داخل الشرائح الفقيرة والمتوسطة، والتي تأثرت سلبياً بنظام التقاعد والتعديلات التي تمت على صندوق المقاصة، كما خسر الحزب العديد من القطاعات الهامة مثل المعلمين الذين تصاعدت وتيرة احتجاجاتهم ضد الحكومة دون أي استجابة حقيقية لمطالبهم، وهو الأمر ذاته بالنسبة للعاملين في القطاع الصحي والذين تفاقمت أحوالهم في ظل جائحة كورونا، كذا لم يف الحزب الحاكم بأي من تعهداته إزاء المناطق النائية والمهمشة والتي تعاني من أوضاع صعبة، وقد أثرت هذه السياسات الداخلية المتعثرة بشكل مباشر على مسار عملية التصويت، خاصةً وأن حزب “العدالة والتنمية” عمد إلى الدفع بمرشحين له من الوجوه المألوفة بالنسبة للمواطنين من الوزراء والقيادات والذين باتوا يواجهون انتقادات متصاعدة في الداخل.

(*) السياق الإقليمي الأشمل والذي يشهد تراجعاً حاداً في درجة قبول الأحزاب الإسلامية: منذ صعود الأحزاب الإسلامية على المشهد السياسي في المنطقة العربي بعد أحداث 2011 واستغلال الانتفاضات الشعبية التي شهدتها المنطقة، بدأت تتكشف الأجندات الحقيقية لهذه الأحزاب لدى الشعوب العربية، فبعدما ظلت هذه الأحزاب ترفع شعارات المظلومية والرؤية البديلة القادرة على إحداث الإصلاحات والتغيير، اتضحت الأهداف الحقيقية وراء هذه الشعارات والتي لم تستهدف سوى الهيمنة والوصول إلى الحكم، دون أي رؤى تنموية حقيقية، وهو ما أدى إلى فشل هذه الأحزاب بشكل متوالي في كافة الدول التي تمكنت فيها من القفز على السلطة، بيد أن الفترة الأخيرة باتت تشهد تصاعداً واضحا في الزخم الشعبي الرافض لهذه الأحزاب وأجنداتها، حتى بدأت بعض التقارير تصف هذه المرحلة بنهاية حقبة الإسلاميين (وجماعة الإخوان بشكل خاص) في المنطقة.

انتخابات مركبة:

تعد هذه الانتخابات التشريعية الثالثة في المغرب منذ صدور الدستور الجديد في 2011، وفي الواقع لم تقتصر الاستحقاقات التي شهدتها المغرب في الـ8 من سبتمبر الجاري على انتخابات مجلس النواب (الغرفة السفلى من البرلمان)، بل تضمنت أيضاً انتخابات محلية وجهورية، وهي المرة الأولى في تاريخ الرباط التي يتم تنظيم الاقتراع على هذه الاستحقاقات في اليوم ذاته، وربما يعزى لهذا الأمر سبب تصاعد نسبة المشاركة الشعبية في التصويت.فإلى جانب اختيار الناخبين لـ395 مقعداً في مجلس النواب(منها 90 مقعداً مخصص للنساء فقط)، فقد قاموا أيضاً بالتصويت لاختيار أعضاء المجالس البلدية والجهورية، لكن لم يتم الحديث حتى الآن عن نتائج الانتخابات البلدية والجهورية، وفي الواقع لا تمثل هذه الاستحقاقات أهمية كبيرة في الداخل المغربي، وهو ما يجعل الأحزاب غير متحمسة بشكل كبير للصراع عليها على عكس الانتخابات البرلمانية.

وقد شارك نحو 31 جزياً في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهدها المغرب، وذلك لاختيار عدد النواب البالغ عددهم 395 (منهم 90 مقعداً مخصصة للنساء) مقعداً يتم اختيارهم بنظام القائمة وعبر التمثيل النسبي، حيث تم إدخال عدة تعديلات جديدة على قانون الانتخابات المغربي في مارس الماضي، وهي التعديلات التي تفترض صعوبة حصول أي حزب على عدد كبير من المقاعد، حيث يتم احتساب عدد المقاعد التي يحصل عليها الحزب بناء على عدد الناخبين المسجلين وليس على أساس عدد الذين قاموا بالتصويت بالفعل، كما لا يمكن لأي حزب أن يحصل على أكثر من مقعد في الدائرة الواحدة.

مبررات معتادة:

كعادة الأحزاب الإسلامية (خاصةً المحسوبة على جماعة الإخوان) فإنها تعمد إلى التشكيك في نزاهة أي عملية انتخابية لا تضمن لها الهيمنة، ومن ثم فقد استبق حزب “العدالة والتنمية” نتائج الانتخابات –بعدما عكست المؤشرات الأولية خسارة الحزب- بالتلميح إلى وجود “خروقات” شابت العملية الانتخابية، مشيرةً إلى استمرار استخدام الأموال في عدد من مراكز التصويت، وأن ثمة ارتباك في لوائح التصويت في بعض المكاتب وهو ما حال دون تصويت عدداً من الناخبين وفقاً لمزاعم الحزب، بيد أن وزير الداخلية دحض هذه الإدعاءات من خلال الإشارة إلى أن عملية التصويت قد تمت بشكل طبيعي باستثناء بعض الحوادث الفردية التي لم تؤثر على سير العملية الانتخابية، مؤكداً على الالتزام بضمان نزاهة وسرية الاقتراع والذي يشهد حضوراً من قبل ممثلي لوائح الترشيح.

كذلك، وجه “سعد الدين العثماني” الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” ورئيس الحكومة الحالية اتهامات صريحة للعملية الانتخابية، حيث أعلن “العثماني” أنه لم يتم تسليم ممثلي الأحزاب محاضر التصويت في عدد من الدوائر، مشيراً إلى أن عدم تسلم هذه المحاضر لا يتيح التأكد مم نتائج الاستحقاقات، بيد أن بعض التقارير الصحفية في المغرب أشارت إلى أن تصريحات “العثماني” جاءت لتعكس قلقه المتنامي من التداعيات المحتملة لخسارة حزبه، خاصةً فيما يتعلق بمستقبله في قيادة الحزب.

ما بعد الاقتراع:

بعد نهاية عملية الاقتراع، ينص الدستور المغربي في مادته 47 على أن يقوم الملك بتكليف رئيس الحكومة من الحزب السياسي الحاصل على المرتبة الأولي في انتخابات مجلس النواب، وبالتالي فوفقاً لنتائج هذه الاستحقاقات الأخيرة التي شهدتها الرباط، سيقوم الملك “محمد السادس” بتكليف أحد أعضاء حزب “التجمع الوطني للأحرار”، وفي الأغلب سيتم تكليف رئيس الحزب “عزيز أخنوش” القريب من القصر.

كذلك، يحتاج حزب “التجمع الوطني للأحرار” للدخول في تحالفات مع عدة أحزاب أخرى لتشكيل أغلبية برلمانية يتمخض عنها حكومة جديدة، وفي إطار السياق الراهن الذي أفرزته نتائج الانتخابات الأخيرة، يرجح أن يدخل “التجمع الوطني للأحرار” في تحالفاً مع “الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال” وهو ما سيضمن لهم أغلبية مريحة (63%)، كما لا يستبعد أن تشارك أحزاب أخري صغيرة في الائتلاف الجديد الحاكم.

دلالات هامة:

في إطار النتائج المنبثقة عن الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب، يمكن الإشارة إلى عدة دلالات هامة عكستها هذه النتائج، تتمثل أبرزها فيما يلي:

(&) تعزيز هيمنة القصر الملكي على المشهد السياسي والأحزاب: تعكس نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة فوزاً كبيراً للأحزاب المحسوبة على القصر الملكي، وهو ما سيعزز نفوذ الأخير على المشهد السياسي، خاصةً في ظل تقلص مساحات المناورة لهذه الأحزاب، فضلاً عن السلطة القوية التي لا يزال القصر يمتلكها في مواجهة البرلمان والحكومة رغم الإصلاحات الدستورية التي شهدتها البلاد في 2011.

(&) تصدعات محتملة داخل حزب “العدالة والتنمية”: ففي ظل الانقسامات الحادة التي يعيشها الحزب خلال السنوات الأخيرة، والتي مثلت أحد أبرز محددات خسارته في الانتخابات الأخيرة، يبدو أن الحزب مقبل على مرحلة فاصلة تتعلق بمدى قدرته على الاستمرارية وتجنب أي تشرذمات محتملة، في ظل تصاعد وتيرة الخلافات بين الأجنحة الداخلية في الحزب والتي عكسها التباين الواضح بين قيادات الحزب إزاء الملفات والقضايا الجوهرية.

وفي هذا السياق، بدأت ملامح هذا التصدع سريعاً، ففي ظل الانقسامات القائمة بين قيادات حزب “العدالة والتنمية” خاصةً بين “بنكيران” و”العثماني”، فقد حمل الأول نتائج الهزيمة الساحقة التي تعرض لها الحزب للأمين العام الحالي للحزب “سعد الدين العثماني”، مطالباً إياه بضرورة تقديم استقالته، وفي أعقاب ذلك أصدر حزب “العدالة والتنمية” بياناً رسمياً أكد فيه بأن أمانته العامة تتحمل نتائج هذه الإخفاقات، مشيرة إلى أن الأمانة العامة للحزب وفي مقدمتها الأمين العام “سعد الدين العثماني” قدموا استقالتهم من الأمانة العامة.

(&) تراجع قياسي في درجة القبول الداخلي: عكست نتائج الانتخابات الأخيرة في المغرب تراجعاً ملحوظاً في درجة القبول الشعبي لحزب “العدالة والتنمية” والتي تجسدت في خسارة قيادات الحزب البارزين في الانتخابات، فعلى سبيل المثال فشل الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة المنتهية “سعد الدين العثماني” في الفوز بمقعد برلماني بعدما خسر المنافسة في دائرة المحيط بالرباط، وتمثل هذه الدائرة أهمية رمزية للحزب، فلطالما شهدت هذه الدائرة ترشح قادة “العدالة والتنمية” لأنها تعد من الدوائر المضمونة للحزب، ومن ثم فخسارة الحزب حتى في معاقله التقليدية يعكس مدى الانتكاسة التي بلغتها شعبية الحزب، وفي هذا السياق يجب الأخذ في الاعتبار نتائج الانتخابات النقابية والمهنية -والتي كانت قد سبقت الاستحقاقات الأخيرة-، فقد كشفت هذه الانتخابات أيضاً عن تنامي الغضب الشعبي ضد الحزب.

في النهاية، تمثل المتغيرات الأخيرة في المشهد السياسي المغربي حلقة جديدة في فصول نهاية الأحزاب الإسلامية في المنطقة العربية، بعد فترة من قفز هذه الأحزاب على الساحة في عدة دول بعد الانتفاضات التي شهدتها المنطقة في 2011، لكن على الرغم مما تمثله هذه الخطوة من إنتكاسة كبيرة لحزب “العدالة والتنمية” في المغرب، مع ترجيح دخول الحزب في مرحلة حرجة ربما تنتهي به إلى التشرذم والانشقاقات، بيد أنه لا يمكن استبعاد محاولة الحزب استغلال حالة الغضب التي يعاني منها بعض السكان المغاربة بفعل الفوارق الاجتماعية التي فاقمتها جائحة كورونا وارتفاع معدلات البطالة، وبالتالي ربما يسعى الحزب إلى العمل على تأجيج الداخل غير المستقر للضغط على القصر الملكي، ومحاولة خلط الأوراق لتشتيت الانتباه عن الانقسامات الداخلية في الحزب، وفي هذا الإطار ربما تمثل عودة “بنكيران” لقيادة الحزب محدداً هاماً يرجح هذا المسار.

عدنان موسى

باحث في الشئون الأفريقية معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وباحث سياسي منذ 2013، نشر العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى