ما هي المسارات المحتملة للعلاقات بين أوروبا وطالبان؟

خلص اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غير الرسمي، الذي عقد في سلوفينيا في الثالث من سبتمبر الجاري، وركز جزء كبير منه على الوضع في أفغانستان- إلى ضرورة التعامل والحوار مع طالبان في الوقت الحالي، باعتبارها الطرف المسيطر والممثل لأفغانستان في الوقت الراهن، وهو ما أكده مفوض السياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، بأن” هناك حاجة للتعامل مع طالبان من خلال تواجد الاتحاد الأوروبي على الأرض، للرقابة عن كثب، وفي نفس الوقت حتى لا يترك الاتحاد الساحة لغيره من اللاعبين مثل روسيا والصين”، لكن بدون الاعتراف بها، لأن الاعتراف سيكون بناءا على شروط معينة، وبالتالي سيتم مراقبة سلوك طالبان حاليا، وتحديد مدى تطابق أفعالها مع كم الوعود التي قطعتها على نفسها لإقناع المجتمع الدولي بمد غصن الزيتون لها مرة أخرى، باعتبارها ستكون مختلفة عما كانت عليه في فترة حكمها الأولى حتى عام 2001م.

وبناءًا على ذلك؛ يتطرق التحليل إلي موقف الاتحاد الأوروبي من التعامل مع حركة طالبان، وحدود حدوث تحول في الموقف الأوروبي لدرجة الوصول إلى حد الاعتراف من عدمه؟، مع توضيح أهم الشروط والعوامل التي تدعم كلا الاحتمالين، وتوضيح مدى إمكانية اعتراف كل دولة من دول الاتحاد بطالبان على حدا في الوقت الحالي، والأسباب التي ستدفعها إلى ذلك.

شروط الاتحاد الأوروبي للاعتراف بطالبان:

يوصف الموقف الأوروبي وفقا للعديد من المراقبين والمتابعين بالقبول المتحفظ، حيث أكد الاتحاد الأوروبي عن رفضه الاعتراف بطالبان رسميا في الوقت الحالي، وأعتبر أن العلاقات بين الطرفين ستتضمن تعاملا بينهم استجابة للأمر الواقع فقط،  لذا حدد الاتحاد الأوروبي مجموعة من الشروط التي سيحدد في ضوئها مدى الانخراط في علاقات تعاون مع طالبان، كما سيحدد موقفه من الاعتراف بها، الشرط الأول؛ يتمثل في الوفاء بالتزاماتها بأنها لن تكون حاضنة للجماعات الإرهابية، أو أن تكون مصدرا لتصدير الأنشطة الإرهابية أو المتطرفين إلى جيرانها. أما الشرط الثاني؛ فسيكون احترام حقوق الإنسان، وبالأخص حقوق المرأة، وسيادة القانون، وحرية الصحافة والإعلام. في حين تمثل الشرط الثالث في تشكيل حكومة انتقالية توافقية شاملة، تمثل جميع الفئات بما فيها السياسيين السابقين. والشرط الرابع؛ سيكون تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني بالطريقة التي يراها الاتحاد ملائمة لشروطه، والزيادة التي ستطرأ عليها تدريجيا. أما الشرط الأخير؛ فهو يكمن في التزام طالبان بوعودها بشأن السماح للمواطنين الذين يرغبون في مغادرة أفغانستان، سواء كانوا من الموطنين الأفغان أنفسهم أو الأجانب بدون عوائق.

عوامل تغير موقف الاتحاد الأوروبي تجاه طالبان:

هناك مجموعة من العوامل التي من الممكن أن تؤدي إلى قبول الاتحاد الأوروبي الاعتراف بنظام الحكم الجديد في طالبان، أهمها:

(*) التهديدات الإرهابية: حيث تخشي أوروبا من أن عودة طالبان، والانسحاب الأمريكي الذي وصفته بـ ” الفوضوي ” أن يخلق فراغا ملائما للجماعات الإرهابية أمثال القاعدة وغيرها، بالتالي يساعدها على إيجاد موطئ قدم في أفغانستان مرة أخرى، مما يشكل تهديدا للأمن الأوروبي، خاصة أن التقارير الاستخباراتية تؤكد أن طالبان مازالت مرتبطة بتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية في أفغانستان، كما أن طالبان لم تظهر أي مؤشر على قطع علاقاتها بتلك الجماعات، وقد أكد تقرير المدير العام لجهاز (M 15) كين ماكالوم أن انتصار طالبان سيلهم الشباب المجاهدين والمتشددين في أوروبا.

(*) قضية الهجرة: فسوء الأوضاع السياسية والاقتصادية في أفغانستان، هو بمثابة جرس إنذار لأوروبا بهجرة الأفغان إليها، مما سيحملها أعباء اقتصادية واجتماعية جمة، لذلك أكدت المفوضة الأوروبية للشئون الداخلية في أفغانستان إيفا يوهنسون على ضرورة منع الوصول غير النظامي إلى حدود الاتحاد الأوروبي، ونتيجة لهذا التخوف أيضا؛ صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنه “لا يجب تكرار أخطاء الماضي” وذلك في إشارة إلي  أزمة اللاجئين عام-  2015، حيث فر حوالي مليون مهاجر إلى اوروبا في غضون عام، مما أدى إلى تنامي الحركات الشعبوية داخل أوروبا، وإحداث شرخ داخل التكتل الأوروبي العاجز حتى الآن على اعتماد أو تطوير خطة عادلة  للتحكم في الهجرة -، كما شددت على ضرورة مساعدة جيران أفغانستان حتى يظل اللاجئين في المنطقة. كذلك النمسا التي استبعدت قبول لاجئين أفغان، وفرنسا أيضا، حيث طالب ماكرون بـ “استجابة قوية “تجاه تدفق المهاجرين، فضلا عن ليتوانيا وبولندا اللتان تبنيان سياجا على حدودهما مع بيلاروس تجنبا لمزيد من المهاجرين. كذلك اليونان وألمانيا وإيطاليا.

(*) معدلات الاعتراف من قبل القوى الدولية: رجح عدد من المحللين احتمالية اعتراف الاتحاد الأوروبي بحركة طالبان إذا ما سبقها في تلك الخطوة عدد من القوى الدولية المنافسة، من أجل ضمان استعادة تموقعها وتوطيد نفوذها في أفغانستان، وعلى سبيل المثال، الصين التي تحاول الحصول على فرص على أنقاض المشروع الأمريكي في أفغانستان، وفي نفس الوقت ضمان عدم دعم طالبان لأقلية الإيغور المسلمة، فقبل أسبوعين من سيطرة طالبان على السلطة استقبلت الصين وفدًا من طالبان، وبعد يوم واحد من سيطرة طالبان أعلنت عن استعدادها تعميق العلاقات الودية والتعاونية مع طالبان، كما أن السفارة الصينية مازالت تعمل، فضلا عن دور الإعلام الصيني الذي سلط الضوء على المشروعات الممكن استغلالها في أفغانستان مثل المعادن والنفط ورواسب الليثيوم، و إمكانية انضمام أفغانستان إلى مشروع الحزام والطريق.

وروسيا التي من الممكن أن تنسق مع الصين لاستغلال عدم وجود الولايات المتحدة، خاصة في مجال المخدرات وهجمات الذئاب المنفردة وغيرها من العمليات الإرهابية، ويرجع ذلك إلى أهمية منطقة وسط آسيا بالنسبة للأمن الروسي، وهو ما يتضح من تصريحات بوتين إنه ” يجب الحوار مع طالبان وإدخالها ضمن أسرة الأمم المتحضرة، حتى يسهل التواصل والتأثير بعدة طرق “، وهو ما يدل على وجود نية الاعتراف لكنها مؤجلة مؤقتة. كذلك تركيا التي لا تزال تأمل في دور أكثر فاعلية في مطار كابل، والحصول على هذا الدور من الممكن أن يكون في مقابل الاعتراف بحكم طالبان. وذلك دون إغفال الولايات المتحدة التي ستظل الفاعل والمحرك الأبرز في الملف الأفغاني، خاصة أن واشنطن أبدت استعدادها لاستمرار تواجدها الدبلوماسي بعد الانسحاب بشرط أن يكون الوضع آمنا. وهو ما اشترطته لندن أيضا.

هذا بالإضافة، إلى بعض القوى الإقليمية مثل إيران والسعودية وباكستان، فقد استبق رئيس الوزراء البريطاني، ووجه رسالة  مباشرة إلى باكستان مفادها أن الاعتراف بنظام طالبان لابد أن يكون على أساس دولي، وليس أحادي.

فرص طالبان:

في سبيل الاعتراف بطالبان، من الممكن أن يعطي الاتحاد الأوروبي لقادة طالبان فرصة للوفاء بالتزاماتهم، وتحقيق جملة الاشتراطات المطلوبة من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بشكل عام، وذلك وفقًا لما يلي:

(&) المدى الزمني: إمكانية إمهال طالبان عدة أشهر أو عام على سبيل المثال يتم فيه تقييم سلوك طالبان وفقا لجملة من المعايير، الأول يتمثل في: شكل نظام الحكم؛  حتى الآن لا توجد تفاصيل أكيدة عن نظام الحكم الذي ستتبناه طالبان، لكنها تروج لأنه سيكون مختلفا عما مضي، يعتمد على خبراء في القانون والدين والسياسة الخارجية، كما أعلنت عن التواصل مع مسئولين سابقين حتى تكون حكومة شاملة موسعة، أبرزهم وزير الخارجية السابق محمد حنيف أتمر، واحتمالية تشكيل مجلس خبراء من التكنوقراط الذين كانوا بالخارج كهيئة استشارية. كما أثيرت التكهنات حول احتمالية اعتماد طالبان لنظام حكم على غرار النظام الإيراني، مثل مجلس الشورى، ودمج قوات الجيش مع قوات طالبان وعمل فرقة خاصة على غرار الحرس الثوري الإيراني. والثاني هو التعامل الداخلي، من حيث احترام حقوق الإنسان، وكيفية التعامل مع المرأة  وغيرها من السياسات الداخلية. والثالث هو التعامل الخارجي، ويتمثل في التهديدات الإرهابية لجيرانها، وإدارة وتوصيل المساعدات الإنسانية.

(&) المدى العملي: حتى الآن لا يزال موقف الاتحاد الأوروبي يكتنفه بعض الغموض حول إمكانية الاعتراف الفعلي بطالبان، فرغم تصريحات مسئوليه عن حتمية التعاون مع طالبان، إلا أنها لم ترق إلى حد الاعتراف الرسمي، بالتالي إذا استمر موقف الاتحاد الأوروبي على هذا المنوال؛ من الممكن أن يمثل ذلك دافعا لبعض دول الاتحاد الأوروبي للاعتراف بطالبان على حدى وفقا لمصالحها، رغم أن تصريحات بعض الدول (فرنسا- إيطاليا – اليونان – ألمانيا) في الوقت الراهن متسقة مع موقف الاتحاد الأوروبي، لأنه بالرغم أن الوضع الأفغاني على الأرض معقد من الناحية السياسية والاقتصادية، إلا  أنه لا يؤدي إلى إغفال حقيقة هامة، وهي الأهمية الاستراتيجية لموقع أفغانستان في منطقة آسيا الوسطى، كما أنها تنعم بثروات كالنفط والمعادن، بالتالي، فإن تلك الدول لن تغض الطرف عن ضرورة حجز مكان لها داخل أفغانستان، خاصة وإن سبقها اعتراف الصين وروسيا وتركيا، لذلك إذا نجحت طالبان في الحصول على اعتراف تلك الدول- وهي مهمة ممكنة -، سوف تنجح في جذب الدول الأوروبية إليها، حتى وإن كان خارج نطاق الاتحاد الأوروبي.

السيناريوهات المحتملة لموقف الاتحاد الأوروبي:

بناءا على ما سبق، توجد عدة  سيناريوهات من الممكن أن يتمحور حولها الموقف الأوروبي، أهمها:

الأول، اعتراف كلى مؤجل: وهذا السيناريو ستحدده سلوكيات طالبان في الفترة القادمة بعد تشكيل الحكومة، وتحقيقها لجملة الاشتراطات المطلوبة، والدول التي ستبادر بالاعتراف بحكم طالبان، هذا فضلا عن انتظار معرفة ملامح وطبيعة العلاقات بين طالبان وداعش، من حيث كونها صراعية أو تعاونية.

أما الثاني، اعتراف جزئي: في حالة رفض الاتحاد الأوروبي الاعتراف، حال تسببت طالبان في تهديدات للأمن الأوروبي، أو استمرار مشكلة الهجرة. في هذه الحالة ستلجأ الدول الأوروبية للاتفاق مع طالبان بعيدا عن كونها عضو في الاتحاد الأوروبي.

وأخيرا؛ يمكن القول إن أوروبا في حيرة من أمرها، لأن المواقف السابقة قد تفضي إلى احتمالية وجود تحول في الموقف الأوروبي من طالبان، الذي من الممكن أن ينتهي إلى الاعتراف بشكل رسمي بالأمر الواقع مع مرور الوقت، باعتباره يسعي لأن يكون له نفوذ على الأرض، لأن أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي ستكون مصدر تهديد له ولدوله، كما من الممكن أن يتم تأجيل الخطوة أكثر أو إلغائها من الأساس، بما سيفتح الباب لدوله للاعتراف بسلطة طالبان بعيدا عن لواء الاتحاد.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى