ما هو مستقبل التعاون الرباعي لإمداد لبنان بالطاقة؟
محمد صابر- باحث مساعد بوحدة دراسات الأمن الإقليمي.
تستقبل المملكة الأردنية اليوم الثامن من سبتمبر2021، اجتماعًا رباعيًا، بمشاركة كل من سوريا ولبنان ومصر، لبحث الخطوات اللازمة لتفعيل الاتفاقيات بينهم، لتمرير الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر سوريا, في مواجهة أزمات المازوت والكهرباء والبنزين التي يمر بها لبنان، حتى أن أزمة المازوت قد تفاقمت في البلاد، ووصلت خطورة الأمر إلى تهديد العديد من المستشفيات بالإغلاق, ويسعى لبنان الآن للعودة إلى اتفاق عام 2009، وإعادة “خط الغاز العربي” إلى الواجهة، فهذا الخط يشكل الفرصة الأخيرة لبيروت في إنقاذه من العتمة الكاملة.
تأسيسًا على ما سبق، نوضح من خلال هذا التحليل السيناريوهات المستقبلية للتعاون الرباعي من أجل خط الغاز العربي، وكم الفرص المشجعة لذلك أو المعوقات أمامه.
تحركات لبنانية:
يحارب لبنان في الآونة الأخيرة أزمات خطيرة في مجال الطاقة، وقد ازدادت وتيرة أزمة المحروقات في حدتها، فيتضح التراجع في قدرة مؤسسة الكهرباء على تلبية احتياج كافة المناطق في البلاد، حيث لا توفر المولدات الخاصة الحل الشامل لتأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء، وتشهد محطات الوقود في لبنان ازدحامًا، ووقوف المواطنين لساعات في طوابير لتعبئة خزانات سياراتهم، كما هددت الأزمة المستشفيات مرارًا، حيث أن نفاد المحروقات سينتج عنه عدة مخاطر على حياة المرضى.
ومن الواضح أن بيروت تسعى حالياً إلى إحياء مشروع “خط الغاز العربي”، الذي ينطلق من العريش في شمال سيناء إلى شاطئ خليج العقبة الأردني، متجهًا نحو منطقة الرحاب في الأردن، ومن ثم إلى دير علي حتى يصل إلى حمص في سوريا، لتكون وجهته الأخيرة من ناحية لبنان في محطة دير عمار- كضوء إنقاذ لبيروت من العتمة. يذكر أن العمل بهذا الخط كان مستمرًا من قبل ونجح المشروع في إمداد المحطة بالغاز في أكتوبر 2009، ولكن توقف العمل به لعدة أسباب، خاصة بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، كما عجز لبنان عن تسديد المستحقات المتوجبة عليه.
استكمالاً لما سبق، يمكن التأكيد على أن الحكومة اللبنانية اتخذت مؤخراً خطوة دبلوماسية جديدة تمثلت في زيارة إلى سوريا من حلحلة الأمور مع الحكومة السورية وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث التقي الوفد اللبناني المؤلف من نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر ووزير المال غازي وزني ووزير الطاقة ريمون غجر والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مع نظيره السوري، المؤلف من وزيري الخارجية فيصل المقداد والنفط بسام طعمة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارة تمثل مباحثات جادة لعودة العلاقات بين بيروت ودمشق، بعد أن اتخذ لبنان سياسة “النأي بالنفس” في تعامله مع سوريا.
لقد رصد بعض المراقبين أن الوفد اللبناني أجرى مباحثات مع الجانب السوري، كان من ضمنها بحث تفعيل خط الغاز المصري الذي يصل إلى لبنان عبر سوريا، وأعلن “نصري خوري” الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني – السوري الذي يضم ممثلين للبلدين في مؤتمر صحفي بحضور المجتمعين من وزراء سوريا ولبنان، استعداد دمشق لتلبية ذلك، وقد اتفق الجانبان على متابعة الأمور الفنية عبر فريق فني مشترك، لتحديد مدى جاهزية البنى التحتية ومدى سلامتها.
تحركات محسوبة:
يمثل قانون قيصر المفروض على سوريا عقبة أمام تمرير الغاز من خلالها، الأمر الذي يحتم على لبنان الانتظار، ومتابعة ردود الفعل الرسمية من الإدارة الأمريكية حول مدى إمكانية منح لبنان الاستثناء من هذه العقوبات، ولبنان غير مستعد للتعرض إلى عقوبات صارمة، كما أنه ليس بالأمر المعقول أن تستعد مصر والأردن للتعاون مع لبنان في حال عدم توافر الاستثناء الأميركي لبيروت من “قانون قيصر”، وكانت قد أعلنت الرئاسة اللبنانية في تغريدة عبر “تويتر” فى 19 أغسطس2021، أن الولايات المتحدة أبلغت الرئيس “ميشال عون” موافقة واشنطن على مساعدة لبنان فى الحصول الطاقة الكهربائية والغاز من مصر والأردن مروراً بسوريا إلى لبنان، وذلك خلال اتصالًا هاتفيًا بين الرئيس “عون” والسفيرة الأمريكية في لبنان.
وقد ترأس السيناتور “كريس مورفي”، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي وفدًا من الكونجرس، في زيارة إلى لبنان، وقام مورفي بتقديم اقتراحات حول سبل معالجة الأزمة اللبنانية والخروج من مأزقها، وأوضح أن أي وقود يمر عبر سوريا قد يكون عرضة للعقوبات، وأن الولايات المتحدة تعمل على تحديد ما إذا كان بالإمكان تسهيل النقل إلى لبنان دون تطبيق العقوبات الأمريكية، وأكد أن لبنان لا يحتاج للاعتماد على ناقلات الوقود الإيرانية فى حل الأزمة.
وعلى صعيد آخر، فإنه يجب البدء في الدراسات وعمليات المسح التقني للشبكات والأنابيب وتحديد مدى جاهزيتها للعمل، لتوضيح ما إذا كانت هناك أضرارًا محتملة في الأراضي اللبنانية أو السورية، وتقدير حجم التكاليف والفترة الزمنية التي يتطلبها تشغيل خط الغاز، إضافة إلى تحديد الالتزامات المالية الواجبة على لبنان وكيفية التسديد في ظل الأزمة الراهنة، وموقف البنك الدولي تجاه تلك الالتزامات، وقد تشترط سوريا مقابلًا ماديًا أو عينيًا، لعبور الغاز والكهرباء من أراضيها في ظل ما تعانيه من أزمة اقتصادية.
سيناريو محكوم:
في حال نجاح تلك العملية بإمداد لبنان بجزء من حاجاتها من الطاقة، سيحقق الخط العربي تزويد محطات إنتاج للكهرباء التي تعم بالغاز، لتوفير ما يصل إلى ثلث حاجة لبنان من الكهرباء، حيث تستعد الآن محطات توليد الطاقة الكهربائية اللبنانية لاستقبال الغاز المصري القادم عبر الأردن مرورا بدمشق، خاصة بعد إعلان ترحيب الجانب السوري، الذي قد يكون رأى أن ذلك سبباً لكسر العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر” الأمريكي على التعامل مع سوريا، خاصًة مع إعلان أمريكا استعدادها لمساعدة لبنان في تمرير الغاز المصري له من خلال سوريا.
ويتضح في الآونة الأخيرة أن هذا السيناريو، هو الأوفر حظًا، خاصة وأنه سيتم بحث التفاصيل المالية والفنية بين هذه الدول الأربعة المعنية في الاتفاق، خلال الاجتماع الذي سيُعقد في عمّان، بحضور كلًا من وزير البترول والثروة المعدنية في جمهورية مصر العربية، ووزير النفط والثروة المعدنية في الجمهورية العربية السورية، ووزير الطاقة والمياه في الجمهورية اللبنانية، لبحث سبل تعزيز التعاون من أجل وصول الغاز المصري إلى لبنان.
ختامًا، يتضح أن هناك طرقًا عدة مطروحة لحلحلة الأزمة اللبنانية في مجال الطاقة، إلا أن الولايات المتحدة لا تحبذ للبنان الاعتماد على إيران في ذلك، خاصة بعد الحديث عن شحنة وقود إيرانية قادمة إلى لبنان، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل، فكان قد توعد “حسن نصر الله” الأمين العام لحزب الله، كلًا من إسرائيل والولايات المتحدة برد منه، حال تعرض السفينة التي تحمل الوقود الإيراني لأي هجوم نتيجة العقوبات المفروضة على إيران، ولذلك يبدو أن استراتيجية الولايات المتحدة الداعمة لاستجرار لبنان للطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا عن طريق الغاز المصري مستمرة، وتتبقى الآن الخطوات التقنية لدراسة الأوضاع حول إمكانية إعادة عمل خط الغاز العربي من جديد، وتقييم تكاليف إعادة تأهيل أنبوب النفط العربي بين سوريا ولبنان، أم أنه سيكون هناك حاجة إلى إنشاء أنابيب جديدة.، وسوف تُجرى المباحثات لأجل لذلك.