هل استعدت “مصر” لمواجهة الموجة “الرابعة” من كورونا؟
بعد عودة أعداد الإصابات بجائحة كورونا إلى الارتفاع الكبير فى غالبية دول العالم بسبب الدخول فى الموجة الرابعة من الجائحة وسرعة انتشار متحور (دلتا)، شهدت مصر فى الأيام القليلة الماضية ارتفاعًا ملحوظًا فى حالات الإصابة بالفيروس، وإعلان مستشار رئيس الجمهورية فى الثانى من سبتمبر 2021 عن دخول مصر الموجة الرابعة من الجائحة، وهو ما يطرح تساؤلاً هامًا عن مدى استعداد القطاع الصحى بمصر لمواجهة هذه الجائحة وقدرة الاقتصاد المصرى لاستقبال أية تغيرات طارئة أو تداعيات سلبية لها، لاسيما بعد ظهور متحور جديد من كورونا (مو) وتحذير منظمة الصحة العالمية فى الأول من سبتمبر بأن اللقاحات من الممكن أن تفقد تأثيرها أمامه.
ملامح الموجة الرابعة من كورونا فى مصر:
بدأت الموجة الرابعة من جائحة كورونا بالعالم منذ يوليو 2021، والتى تسببت فى عودة كبيرة لأعداد الإصابات لتقترب مما كانت عليه فى بداية الموجة الثالثة، حيث بلغت حالات الإصابة المؤكدة فى 2 سبتمبر 625.3 ألف إصابة، ويرجع الارتفاع السريع لهذه الموجة فى انتشار السلالة السائدة (دلتا) والتى ظهرت لأول مرة فى ديسمبر 2020 بالهند لتنتقل إلى أكثر من 194 دولة حول العالم.
المصدر: منظمة الصحة العالمية
وقد ظهرت أول حالة إصابة بسلالة (دلتا) بمصر فى منتصف يوليو 2021، ليشهد بعدها منحنى الإصابات ارتفاعًا، وتجاوزت أعداد الإصابات اليومية 100 حالة بداية من 16 أغسطس وذلك للمرة الأولى منذ 14 يوليو 2021.
المصدر: منظمة الصحة العالمية
تخوفات عالمية:
بات الاقتصاد العالمى أمام اختبار جديد من الاختبارات التى طالما خلقتها جائحة كورونا منذ ظهورها للمرة الأولى فى ديسمبر 2019، وظهور موجات ذروة ارتفاع الإصابات بها من الموجة الأولى حتى الرابعة و6 متحورات جديدة للفيروس، ويتمثل هذا الاختبار فى سرعة تطعيم أكبر عدد من المواطنين لمن تتجاوز أعمارهم 18 عامًا نزولا إلى تطعيم ما هم دون 18 عامًا، والاختيار بين غلق الاقتصاد أو التركيز على مواجهة انتشار الوباء مع استمرار الخسائر الاقتصادية جراء فرض إجراءات العزل الصحى، فى ظل حالة عدم اليقين بموعد سيطرة العالم على الجائحة وقدرته على ذلك وتأثيراته الاقتصادية التى لم يتم حصرها والتبوء بنهايتها بعد، لاسيما وأن المرحلة القادمة باتت أكثر المراحل شدة فى ظل بطء عملية تطعيم المواطنين حول العالم وظهور متحورات جديدة للفيروس فى ظل تخوفات بضعف تأثير اللقاحات عليها بما قد يفرض التدخل فى تعديل مكونات اللقاحات الحالية.
وبالتركيز على الأسواق الصاعدة والنامية، فيرجح صندوق النقد الدولي حدوث موجة جديدة من الإصابات في الأسواق الصاعدة والنامية في النصف الثاني من العام الحالى مما يؤدي لتباطؤ النشاط الاقتصادي، والذي سيستمر حتى بدايات عام 2022، كما أكد الصندوق فى تقريره الصادر فى 7 أغسطس 2021 عن استجابة الاقتصادات الصاعدة لجائحة كوفيد 19، بأنه لا يزال قدر كبير من حالة عدم اليقين تخيم على الآفاق المتوقعة لاقتصادات الأسواق الصاعدة (من بينها مصر) ومن أهم المخاطر المتعددة في هذا الصدد احتمال استمرار الأزمة الصحية لفترة مطولة، مما يمكن أن يودي بمزيد من الأرواح وقد يخلف عواقب اقتصادية جسيمة.
الاستعداد المبكر بقطاع الصحة:
اتسمت الإجراءات التى قامت بها الحكومة المصرية لمواجهة جائحة كورونا منذ ظهور أول حالة إصابة فى 15 فبراير 2020، وما تلاها من ظهور الموجات الأولى والثانية والثالثة من الجائحة، بالتحرك السريع بداية من تجهيز المستشفيات لاستقبال الحالات المصابة ووصولا إلى أكبر عملية تطعيم تشهدها البشرية فى التاريخ وبدء التصنيع المحلى للقاحات، وذلك كالآتي:
(*) تجهيز المستشفيات لاستقبال الحالات المصابة: من خلال تجهيز المستشفيات بأسرة كافية من الرعاية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي لاستيعاب أية زيادات غير متوقعة فى أعداد المصابين بالموجة الرابعة، إلى جانب رفع المخزون الاستراتيجي للأكسجين من 2 مليون لتر إلى 3.3 مليون لتر.
(*) التسريع من عملية تطعيم المواطنين: بإجراء استباقي من الحكومة المصرية للسيطرة على انتشار الجائحة بالداخل والاستعداد لمواجهة أية سلالات متحورة لها وانتشار أية موجات جديدة لها، كانت مصر أولى الدول الإفريقية التى حصلت على أول جرعة للقاح فيروس كورونا، حيث استقبل مطار القاهرة فى 10 ديسمبر 2020، جرعة حجمها 50 ألف جرعة من اللقاح الصيني (سينوفارم) كهدية من دولة الإمارات، وتوالى استلام مصر لجرعات جديدة من اللقاح منذ بداية العام الحالى حتى تجاوز إجمالى الجرعات التى حصلت مصر عليها 9 مليون جرعة من 5 لقاحات مختلفة (سينوفارم، سينوفاك، أسترازينيكا، سبوتنك وجونسون آند جونسون) حتى منتصف أغسطس 2021، ومذلك من ضمن إجمالى عدد جرعات متعاقد عليها تصل إلى 150 مليون جرعة.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاستناد إلى تصريحات صحفية لوزارة الصحة المصرية.
وقد بدأت أولى عمليات التطعيم بمصر فى 24 يناير 2021، بتطعيم أول أفراد الطاقم الطبي باللقاح، تلاها تطعيم أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن فوق 65 سنة والعاملين بقطاع السياحة، وحتى الأول من سبتمبر 2021، بلغ إجمالى عدد المسجلين على الموقع الإلكتروني لتلقى لقاحات كورونا 10 ملايين شخص، وحصل منهم 7.5 مليون شخص على اللقاح بما يمثل 6.2% من السكان، ومنهم 3.21 مليون شخص تلقوا اللقاح بالكامل.
(*) الوصول إلى لقاح مصرى: فقد توصل فريق طبي بالمركز القومى للبحوث لقاح مصرى (كوفي فاكس)، والذى أعلن عنه فى 23 مارس 2021 انتهاء المرحلتين الأولى والثانية من التجارب وفى انتظار موافقة هيئة الدواء المصرية لإجراء المرحلة الثالثة من التجارب على عدد من المتطوعين.
(*) التوسع فى إنشاء مراكز تلقى اللقاحات: بهدف تسريع عملية تطعيم المواطنين بزيادة العديد اليومى لمتلقى اللقاحات تم زيادة عدد مراكز تلقى لقاحات كورونا فى مصر من 138 مركز ووحدة صحية إلى 414 مركز ووحدة بمختلف محافظات الجمهورية.
(*) الإنتاج المحلى للقاحات: لم تتوقف إنجازات الدولة المصرية فى المشاركة بأكبر عملية تطعيم تشهدها البشرية عند المشاركة فى التجارب الإكلينيكية للقاح الصينى ومحاولة الوصول إلى لقاح مصر فعال فقط والتعاقد على جرعات للقاحات ضد كورونا لتطعيم المواطنين فقط، بل عملت مصر أيضًا على بحث المشاركة فى إنتاج اللقاحات العالمية بغرض توفيرها للمواطنين داخل مصر وتصديره إلى الدول الإفريقية ضمن خطة إنتاج مليار جرعة من اللقاحات سنويًا، ففى أغسطس 2020 تم تحضير خط إنتاج خاص باللقاح، والذي نال إشادة منظمة الصحة العالمية، وقد وقعت الشركة المصرية لإنتاج اللقاحات (فاكسيرا) اتفاقيتين مع شركة (سينوفاك) الصينية تنص على تصنيع 40 مليون جرعة لقاح، كما وقعت شركة (مينا فارم) للأدوية المصرية اتفاقًا مع الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة يقضي بإنتاج أكثر من 40 مليون جرعة من اللقاح الروسي (سبوتنيك V) في مصر سنويا في المرحلة الأولى.
(*) استيراد أدوية جديدة لعلاج كورونا: فى مواكبة لأحدث العلاجات العالمية لجائحة كورونا، تم إدراج عقار “مونوكرونال أنتي باديز” الذي يعد من أقوى خطوط العلاج في العالم وحقق نسب شفاء وصلت إلى 95% مع الحالات الشديدة والمتوسطة واستيراد 15 ألف جرعة منه بقيمة 5 مليون دولار.
قوة المؤشرات الاقتصادية:
أثبتت النتائج الإيجابية لمؤشرات الاقتصاد المصرى فى الفترات الأخيرة والإشادات الدولية مدى قوة وصلابة الاقتصاد واستعداده لمواجهة أية تداعيات سلبية متوقعة لموجة الرابعة من الجائحة، وهو ما يعزز بدورة قدرة الدولة المصرية على مواصلة الجهود فى تعزيز القطاع الصحى، ويستدل على ذلك من خلال ما يلى:
(&) تحقيق معدل نمو اقتصادى يفوق التوقعات: حقق الناتج المحلى الإجمالى نموًا فاق التوقعات فى الربع الرابع من العام المالى السابق 2020/2021، بلغ 7.7% وذلك مقارنة بانكماش بلغ 1.7 فى نفس الفترة من العام السابق له، لتشير بذلك المؤشرات الأولى لنتائج العام المالى 2020/2021 تحقيق معدل نمو بلغ 3.3% بنهاية هذا العام وهذا مقارنة بنمو يبلغ 2.8% بتوقعات صندوق النقد الدولى فى تقريره الأخير عن مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادى المدعوم باتفاق الاستعداد الائتماني (SBA) الصادر فى 23 يوليو 2021.
(*) تثبيت التصنيف الائتماني: فمنذ ظهور جائحة كورونا لم يتأثر التصنيف الائتماني للاقتصاد المصرى بالعملتين المحلية والأجنبية من قبل وكالات التصنيف المختلفة، وكان أخرها تثبيت وكالة “موديز” عند مستوى B2 مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصري بنهاية يوليو 2021 وهو التصنيف الذى لم يتغير من 17 أبريل 2019، وهو ما يعتبر بمثابة تأكيد الثقة فى قدرة ذلك الاقتصاد على الوفاء بالتزاماته الائتمانية قصيرة وطويلة الأجل سواء بالعملة المحلية أو الأجنبية، ويدلل على استعداد الاقتصاد على مواجهة أية صدمات داخلية أو خارجية قد تحدث.
(*) عودة الاقتصاد المصرى إلى طبيعة ما كان عليه قبل كورونا: وهو ما أكدته نتائج مؤشر الوضع الطبيعى الذى أصدرته مجلة الأيكونوميست بلندن فى 22 يوليو 2021، حيث جاءت مصر فى المرتبة الرابعة بين الدول العشر الأولى التي أظهرت مرونة بالمؤشر، كما احتلت مصر المرتبة الثانية عالميًا فيما يتعلق بعودتها إلى مستويات نشاط ما قبل الجائحة.
المصدر: إعداد الباحثة، مجلة The Economist
(*) الإشادات الدولية: وذلك من قبل العديد من المؤسسات الدولية، ومن بينها إشادة صندوق النقد الدولى فى تقريره الصادر فى 23 يوليو 2021، بقوة مصر فى ظل إجراءات التيسير المالي والنقدي والسياسات الاقتصادية الاستباقية التي اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، حيث وصف الصندوق هذه الإجراءات بالحذر وحسن التوقيت، وأنها ساعدت على تخفيف الأثار السلبية للجائحة الصحية والاجتماعية بالإضافة إلى حماية الاستقرار الاقتصادي، والحفاظ على الدين العام فى حدود مستدامة، والحفاظ على ثقة المستثمرين.
إجمالا يمكن القول، أثبتت القيادة السياسية بمصر قدرتها على مواجهة الجائحة وإدارة الأزمة منذ اليوم الأول والحفاظ على مؤشرات اقتصادية قوية برهنت على صلابة الاقتصاد المصرى، والاستعداد لموجهة أية صعوبات محتملة، ومن الممكن تعزيز هذه الإجراءات من خلال ما يلى:
- مواصلة عملية التطعيم باللقاحات المضادة لكورونا لاسيما وأن الحالات التى تم الإبلاغ عنها فى غالبية دول العالم كان الأعلى بين غير الملقحين.
- التشديد على فرض العقوبات وتوقيع عقوبات أكثر صرامة على المخالفين لارتداء الكمامات، والعودة إلى منع التجمعات الكبيرة لاسيما فى فصل الشتاء والذى يعتبر ذروة انتشار الفيروس فى جميع دول العالم.
- جعل الحصول على التطعيم شرطًا ضروريًا لحضور الحفلات الغنائية.
- جعل ارتداء الكمامات إجباريًا داخل أماكن العمل لغير الملقحين كما فعلت ولاية نيويورك.
- إصدار تطبيق حكومى يوضح حالة المواطنين من حيث الحصول على التطعيم أم لا، يما يسهل عملية إثبات الحصول على التطعيم من عدمه
- باعتبار أن القطاع السياحة هو الأكثر تضررا من الأزمة، فلا بد من دراسة تأثير الموجة الرابعة على الجائحة أولا بأول، لا سيما وأن ظهور هذه الموجة سيكون له أثر فى خفض أعداد السائحين فى ظل منع الدول سفر مواطنيها بدون الحصول على اللقاح.
- رفع الرسوم جمركية أو فرض قيود غير جمركية على السلع التى لها بديل محلى يغطى الاستهلاك المحلى، بما يضمن من تخفيف أية تأثيرات سلبية للجائحة على المصانع المصرية من جانب وزيادة الإيرادات الجمركية بالموازنة العامة من جانب أخر.
- خفض الاحتياطيات الإلزامية للبنوك التجارية، لمساعدة البنوك على توفير السيولة اللازمة للتوسع فى عمليات الإقراض، لمساعدة الشركات المتضررة، مع توفير قروض بالبنوك التجارية بفائدة أقل من 8% للصناعات الاستراتيجية.