هل يستمر الاستهداف الحوثي للأراضي السعودية؟
رافق قمة بغداد تصاعد الآمال بتحقيق اختراق في صياغة آلية جديدة للحوار بين القوى العربية والإقليمية لتخفيف حدة التوترات، ودعم استعادة العراق لمكانته في المنطقة، وهو ما ظهر في رعاية بغداد لأول لقاء قمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، منذ توقيع اتفاق العلا في يناير الماضي.
وفيما كان إنجاح المباحثات السعودية الإيرانية واستئناف الجولة الرابعة منها على رأس الاهتمامات نظرا لتجاوزه ملف العلاقات الثنائية بين البلدين وتأثيره المباشرة على الأمن والاستقرار الإقليميين، عززت ميليشيات الحوثي الجدل بشأن مسار تلك المحادثات في ضوء هجماتها على قاعدة العند اليمنية الأسبوع الماضي واستهدافها مواقع مختلفة داخل أراضي المملكة العربية السعودية.
وتأسيسا على ما سبق، يسعى هذا التحليل للوقوف على أهداف الهجوم الحوثي على الأراضي السعودية ومدى تأثيره على مسار المحادثات بين الرياض وطهران.
رسائل متنوعة:
في الثاني من سبتمبر الجاري أطلق زعيم ميليشيا “أنصار الله” عبد الملك الحوثي تهديدات لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، بدعوى تنفيذهم لمخططات تخدم مشروعاً يستهدف الشعب اليمني، وتضمن الخطاب الذي عكس تراجع الروح المعنوية لعناصر الميليشيا بعد فقدان آلاف المقاتلين خلال العام الجاري، عددا من الرسائل للداخل والخارج، وهي:
(*) إفشال جهود وقف الحرب: يتزامن الهجوم الأخير مع بدء المبعوث الأممي الجديد هانس جروندبرج مهام عمله رسميا، قبل أن يقدم إحاطته حول الوضع في اليمن إلى مجلس الأمن الدولي في 10 سبتمبر الجاري، وفي ذلك رسالة واضحة بأن الميليشيات غير مستعدة لوقف التصعيد أو مجرد الجلوس على طاولة المفاوضات قبل تحقيق نصر ميداني بالسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالغاز.
(*) الضغط على التحالف بقيادة المملكة: على الرغم من موقف الإدارة الأمريكية الحالية بضرورة وقف عمليات الإسناد الجوي ومختلف أنشطة الدعم للجيش اليمني من جانب التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، بجانب اتخاذ واشنطن قرار رفع ميليشيا الحوثي من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية تمهيدا لإحلال السلام، بيد أن الميليشيات لم تتوقف عن التصعيد واستأنفت على الفور حملتها ضد مأرب ورفضت مبادرة الرياض في الثاني والعشرين من مارس بوقف الحرب واتخاذ إجراءات من شأنها تخفيف معاناة المدنيين، لترد على المبادرة السعودية خلال أيام معدودة باستهداف منشآت شركة أرامكو وعددا من الأحياء السكنية جنوبي المملكة.
وتجدر الإشارة هنا، إلى ما أسهم به طيران التحالف في توجيه ضربات نوعية حدت من قدرة الحوثيين في معارك مأرب عبر استهداف تمركزاتهم وضرب عناصر التخطيط والقادة الميدانيين، فضلا عن تحييد أثر الطيران المسير الذي يمثل ميزة نوعية للميليشيا في مواجهة قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية.
(*) ابتزاز المجتمع الدولي: في حين لم تتوقف الانتهاكات بحق الملاحة البحرية، يمثل استهداف الميليشيات لمنشآت ومحطات النفط التابعة لشركة أرامكو تهديدا حقيقيا لإمدادات النفط العالمية، خاصة مع الاستهداف الأخير لمنشآت الشركة بالمنطقة الشرقية، وكذلك في كل من نجران وجازان، بصواريخ “ذو الفقار” و”بدر” وطائرات مسيرة “صماد 3”.
وعلى مدار العامين الماضيين استهدفت الميليشيات منشآت الشركة بالصواريخ والطائرات المسيرة المفخخة وعلى رأسها هجوم سبتمبر 2019 على محطتي خريص وبقيق شرق المملكة، فيما ارتفعت وتيرة الهجمات خلال العام الجاري عقب وصول الإدارة الأمريكية الجديدة، ففي مارس 2021 فقط شنت الميليشيات هجومين في مناطق جدة والرياض، وعقب تقديم مبادرة المملكة لإنهاء الحرب استهدف الحوثيون منشآت أرامكو في كل من رأس تنورة ورابغ وينبع وجازان.
دلالات الهجوم:
يعكس التصعيد الحوثي تراجع الروح المعنوية جراء استمرار معركة مأرب وارتفاع تكلفتها البشرية والمادية، وهو ما أكد عليه زعيم الميليشيا في خطابه الأخير ليحث أنصاره على استحضار “الروح الثورية” في سبيل “تحرير اليمن من احتلال الأعداء” على حد وصفه، وذلك على النحو التالي:-
(&) فشل حملة السيطرة على مأرب: خسر الحوثيين وفق تقديرات الجيش اليمني قرابة 10 آلف مقاتل خلال معارك السيطرة على مأرب منذ فبراير الماضي، وفيما حشدت الميليشيا عشرات الأطفال فضلا عن المهاجرين الأفارقة المحتجزين في صنعاء لتعويض النقص على تلك الجبهة الاستراتيجية.
ورافق ذلك خسائر في صفوف قيادة الحوثيين على جبهات مأرب والحديدة، ففي أبريل 2021 أعلنت الميليشيا مقتل كل من اللواء عبد اللطيف حمود قائد “المنطقة الرابعة” والقياديين عبادي عبد الباري الغليسي وصالح بن علي. فيما قُتل أبو هاشم القابوسي قائد الحراسة الخاصة بزعيم الحوثيين، بجانب اثنين من عناصر فيلق القدس الإيراني أواخر يونيو الماضي. ومؤخرا أفادت الحكومة اليمنية باعتقال أحد أبرز مرجعيات الإثنى عشرية بالحركة، القيادي حسن علي يحيى العماد قادما من إيران عبر المنفذ البري بمحافظة المهرة.
(&) نزيف المستشارين الإيرانيين: مثل استهداف طائرة مسيرة أمريكية في 3 يناير 2020 لقائد فيلق القدس في اليمن عبد الرضا الشهلائي بالتزامن مع مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد بداية الكشف عن الانخراط العسكري لطهران في الأزمة اليمنية، وتوسع هذا الدور الإيراني مع إرسال أحد قياديي الحرس الثوري حسن إيرلو سفيرا لطهران في أكتوبر 2020 بصحبة عدد من الخبراء العسكريين في مجالات الاتصالات العسكرية وصناعة الصواريخ والطائرات المسيرة.
وخلال الأشهر الماضي، وبالتوازي مع بدء المحادثات بين الرياض وطهران، اعترف الحرس الثوري بتقديم الدعم للحوثيين بالمال والسلاح والتدريب بجانب وجود مستشارين عسكريين على الأرض يتولون التخطيط الميداني، فيما كشفت وكالة أنباء الأناضول التركية في الثامن من مايو 2021، إرسال طهران 120 مرتزقا من الأراضي السورية إلى اليمن، رغم نفي السفارة الإيرانية ذلك.
وفي 25 مايو أعلن وزير الإعلام بالحكومة اليمنية معمر الإرياني مقتل القيادي بميليشيا “حزب الله” اللبناني مصطفى الغراوي في غارة جوية لتحالف دعم الشرعية على جبهة صرواح بمحافظة مأرب، وفي 21 أغسطس الماضي، خلفه القيادي بالحرس الثوري حيدر سيرجان في غارة أخرى للتحالف، وكان قد تم تكليفه في 5 يونيو بترك جبهات الساحل الغربي وتعويض غياب الغراوي بجبهة مأرب.
(&) العقوبات الأمريكية: فرضت واشنطن عقوبات على قادة الميليشيات المشاركين في المعارك منذ 2 مارس الماضي، إذ استهدفت كل من منصور السعدي “رئيس الأركان البحرية” وأحمد الحمزي “قائد القوات الجوية”، في خطوة تهدف لتعزيز الضغوط من أجل وقف الهجمات ضد الأعيان المدنية بالأراضي السعودية، وفي 20 مايو فرضت عقوبات على كل من محمد عبد الكريم الغماري “رئيس الأركان العامة” ويوسف المداني المكلف بقيادة جبهة مأرب. كما استهدفت العقوبات شبكة تهريب تشرف على تمويل الحركة، مكونة من 11 شخصا في عدد من الدول يقودها القيادي الحوثي سعيد الجمال المقيم في إيران.
وإجمالا لما سبق؛ يمثل التصعيد رسالة سلبية تلقي بظلالها على مستقبل التسوية السياسية للصراع في اليمن، ويمتد أثره لمساري المباحثات الإقليمية والدولية مع إيران، في اختبار لاستجابة الرياض على الهجوم وتعظيم الضغوط عليها مما يخفف على الجانب الآخر من عبء توازي مسار المباحثات النووية المنتظر استئنافها، والجولة الرابعة للمحادثات مع السعودية حول العلاقات الثنائية والملفات الإقليمية.