التوازن البيئى والتلوث الصناعي

د. محمد يونس، أستاذ الاقتصاد وعميد كلية التجارة بنين جامعة الأزهر.
إن الزيادة المضطردة في عدد السكان والتطور الحضارى والصناعي السريع والتقدم العلمي والتكنولوجى قد انعكست في آثار سلبية على عناصر البيئة، وخاصة الطبيعية منها، بحيث أصبحت تهدد حياة الإنسان نفسه، في معيشته وصحته وحياته. إذ أن التعامل غير العقلانى للإنسان مع الأنظمة البيئية هو الذى أدى إلى قائمة المشاكل البيئية المعقدة التي تواجه البشرية، وخاصة مشكلة التلوث، وأن تفاقم هذه المشكلة في أجزاء كثيرة من العالم أصبحت تهدد حياة الإنسان ونشاطه وأداءه الاقتصادي، في تأثير واضح على التوازن الطبيعي القائم بين عناصر النظام البيئى ذاته.
1 – التوازن البيئى: اتساق في الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي
تتميز البيئة الطبيعية بالتوازن الدقيق بين عناصرها في نبات وحيوان وماء وهواء، ولو حدث لسبب ما تغير نوع منها كالنباتات الطبيعية مثلاً، فأنه بعد فترة قليلة تتلاشى آثار هذا التغير بفعل ظاهرة التوازن البيئى، وهو نظام متكامل تبقى فيه كل العناصر في توازن طبيعى. إذ تعتمد هذه العناصر كل منهما على الآخر في جزء من حياته واحتياجاته وتقوم كل منها بمهمته في هذا النظام، والبيئة الطبيعية التي تحتوى على عدد كبير ومتنوع من النبات والحيوان تستطيع عادة مقاومة التغيرات التي تحدث في حدود معينة.
1-1 التوازن البيئى بين الخصائص الطبيعية وتدخل الإنسان
أن الله عز وجل، دبر الكون بنظام محكم ودقيق، وأودع في الأرض ثروات متعددة وجعل لكل عنصر في هذا الكون دوراً وقدراً، واستخلف الإنسان في الأرض وسخر له كل ما وجد فيها، وأمره باستغلال مواردها الطبيعية لتلبية احتياجاته، ونهاه عن الإسراف وأمره بالاعتدال لما فيه تحقيق التوازن البيئى، الذى يكفل الاستمرار لكل العناصر ﴿وأنبتنا فيها من كل شيء موزون﴾. هذا التوازن الذى يفترض أن يتحقق في علاقة الإنسان، بكل ما يتضمنه من فعاليات وأنشطة، بعناصر البيئة: الأرض والماء والهواء والكائنات الحية الأخرى. فالنبات كأحد الأنواع الحية على الأرض هو أصل الغذاء لكل من الإنسان والحيوان، وهو أحد المصادر الرئيسية في إعادة التوازن الطبيعي لمكونات الهواء الضروري للكائنات الحية وفى تلطيف الجو وتحسين البيئة.
والحياة الحيوانية في نظام التنوع الحيوي تزيد التربة خصوبة بفضلاتها وبقايا أجسادها وتساعد في التلقيح وتوزيع النباتات من خلال حركاتها وهجرتها، وفى بعض الحيوانات غذاء للبعض الآخر ومنافع للإنسان. والحيوانات مقدرة لإحساسها ومداركها الواعية وسلوكها وعلاقاتها الاجتماعية، فهي أمم مماثلة لعالم الإنسان، إذ قال سبحانه وتعالى ﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم﴾.
أن التنوع الحيوي الذى هو مجموع الكائنات الحية التي تعيش على كوكب الأرض، يجسد الحياة بأبعادها الواسعة، إذ أنه يمثل مورداً هاماً وضرورى لحياة الإنسان والمخلوقات الأخرى وهو ما يطلق عليه اليوم باستمرارية موارد البيئة من أجل التنمية المستدامة. أن الله تعالى قد خلق من التضادات ما هو سر لديمومة الحياة في نظام محكم من التوازن، ليس بين الكائنات الحية فحسب وإنما أيضاً بينها وبين عناصر الطبيعة في تفاعل وتبادل لاستمرارية الحياة إلى أن يأذن الله جلت قدرته، إذ قال تعالى ﴿أن كل شيء خلقناه بقدر﴾. وهذا يتطلب المحافظة على هذا الاتساق في هذه الموارد وتنميتها لذاتها من ناحية ولأهميتها كموارد حية فريدة لا يستعاض عنها لمنفعة الإنسان وغيره من الخلق من ناحية أخرى. ولكن إنانية الإنسان وحب الذات قد انعكست في نتائجها السلبية على هذا التوازن والذى بدء يعانى نفسه منها كرد فعل عن ممارسات لا تتوافق والنظام الطبيعي للكون.
فالإنسان هو أحد العوامل المهمة في النظام البيئى، فإذا تدخل في هذا التوازن الطبيعي دون وعى أو تفكير اختل هذا التوازن. وهو القادر أيضاً على تغيير شكل البيئة الطبيعية التي يعيش فيها، هذه القدرة شهدت تطور نوعى وخاصة بعد الثورة الصناعية. إذ أن التطور العلمي للإنسان وتطوره الصناعي والحضارى قد سخره الإنسان لمصالحه الخاصة دون أن يتعامل مع الموارد الطبيعية بتعقل وحسن تصرف حفاظاً على عناصر النظام البيئى، بل كثف جهوده وإمكاناته تلك في استثمار هذه الموارد بكثافة للحصول على أقصى منفعة وبأسرع فترة زمنية بما يؤدى إلى استغلال الموارد الموجودة أسوء استغلال بفعل الزيادة في كثافة السكان، في النشاطات الصناعية والزراعية وفى استعمال المخصبات والمبيدات الحشرية، واستنزاف الموارد، كل ذلك أحدث خلل في التوازن الطبيعي، وامتدت آثاره على جميع الكائنات، ولا يقتصر هذا التأثير على الزمن الحاضر بل قد يمتد لينال الأجيال القادمة.
1-2 التلوث نتيجة الاختلال في التوازن البيئى
تخضع الموارد البيئية لقانون التوازن وتسير بقدر معين ونهج محكم، فإذا اختل هذا الترتيب إنهار التوازن سواء بتلوث بيئى أو استنزاف في الموارد أو في كلاهما. إذن التوازن البيئى هو الموازنة في استغلال الموارد الطبيعية مع الحفاظ على البيئة الحيوية لهذه الموارد من أجل الحصول على تنمية اقتصادية – صناعية.
والملوثات التي تؤدى إلى عدم التوازن البيئى بشكل عام تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
– ملوثات مادية: تتمثل في تلوث عناصر النظام الطبيعي الرئيسية: الهواء والماء والتربة.
– ملوثات غير مادية: كالضوضاء والحرارة الناتجة عن حركة السيارات والآلات وأصوات المعامل مما يؤثر على الجانب النفسى والعضوى للإنسان.
والملوثات في كلاهما أعلاه، تجعل من التلوث مشكلة بيئية ذات اهتمام خاص لأن آثارها الضارة شملت الإنسان نفسه وممتلكاته، وأخلت بالكثير من الأنظمة البيئية السائدة. ويوصف التلوث بأنه الوريث الذى حل محل المجاعات والأوبئة، وخاصة بعد الثورة الصناعية. فالإنسان في عصر ما قبل الثورة الصناعية لم يتعرض لمشكلة التلوث، لأن كل مخلفات نشاطه كانت مما تستطيع الدورات الطبيعية في الأنظمة البيئية أن تستوعبه وتحويه في مسلسل تحولاتها. ولكن تطور الحياة والتقدم التكنولوجى واستعمال المواد الكيماوية وحدوث الكوارث وغيرها، أدى إلى اختلال في التوازن البيئى الأمر الذى ينتج عنه الكثير من المشكلات البيئية ومنها التلوث بأشكاله المختلفة.
لقد أصبح تلوث الهواء والماء والتربة خطراً يهدد الحياة البشرية والكائنات الأخرى، لذلك وجب على الإنسان السعى الجاد في إصلاح هذا الاختلال في توازن عناصر النظام البيئى من خلال الإجراءات المسبقة في استغلال بيئته بشكل يوازن استمرار عمل النظم البيئية الطبيعية. إذ تصنف الملوثات حسب نشأتها إلى:
* ملوثات طبيعية: تنتج من مكونات البيئة الطبيعية ذاتها، دون تدخل الإنسان فيها، مثل قذف البراكين للغازات والأتربة وأكاسيد النتروجين وحبوب لقاح النباتات الزهرية ومخلفات الشهب والنيازك وغيرها.
* ملوثات بشرية: وهى من فعل ومخلفات الإنسان بفعل التطور الصناعي وتقدم وسائل النقل والمواصلات والتفجيرات النووية.
ونظراً لما تحتله الصناعة من أهمية بارزة في النشاط البشرى، فإنها تشكل المصدر الرئيسي للملوثات من عملياتها الإنتاجية المتنوعة. إذ تنطوى العمليات الصناعية في الأساس على تحويل المواد الخام إلى سلغ مصنعة أو شبه مصنعة، ونظراً لكون عملية التحويل لا يمكن أن تستنفذ المدخلات الأساسية بصورة كاملة، فأنها تفرز نواتج ثانوية إما على شكل طاقة أو مادة فائضة. هذه المواد الثانوية إذا لم تستغل فأنها تتحول إلى نفايات إذا ما جرى تفريغها في البيئة المحيطة تكون مسببة للتلوث. هذا التلوث يعتمد في تأثيره على خصائص هذه الملوثات الكمية والنوعية قدر اعتمادها على البيئات المستقبلة، حيث أن بعض هذه الملوثات قابلة للتحليل العضوى وبعضها يحتاج على فترة أطول وقسم آخر لا يتحلل.
وفى الحقيقة أن مشكلات البيئة تنجم عن فشل التفاعل بين عناصر النظام البيئى أو تعارضها، وأن تحليل الفشل أو التعارض يقدم الإمكانات لتشخيص صحيح لمشكلات البيئة ويوفر أفكار لطرق معالجة هذا التعارض أو الفشل والذى تعتبر الصناعة فيه عاملاً فاعلاً.
2 – التلوث الصناعي كأحد المتغيرات في اختلال التوازن البيئى
الصناعة نشاط اقتصادي بارز وضرورة من ضرورات تصعيد وتأثر التنمية، لما تمتلكه من إمكانات التفاعل مع النشاطات الأخرى، والقدرة على استقطاب كل ما هو جديد وبالذات في جانبى الابتكار والتكنولوجيا. ولكن مع هذه المزايا الإيجابية تكمن خطورة النشاط الصناعي في الآثار البيئية للعمليات الإنتاجية له. إذ من النادر أن نجد مشروع صناعي يخلو من تأثيرات بيئية على محيطه، سواء في استنزاف الموارد الطبيعية أو في الآثار السلبية للتلوث على مكونات النظام الطبيعي من هواء وماء وتربة، وبما ينعكس على الإخلال في التوازن البيئى: الشكل التوضيحى.
2-1 التلوث الصناعي ومكونات النظام البيئى
في الحقيقة هناك الكثير من التعاريف التي تبين معنى ومفهوم التلوث وليس هناك مجال للخوض فيها، ولكن ما نستخلصه منها هو أن التلوث عبارة عن حدوث تغيرات نوعية وكمية في مكونات النظام البيئى تجعل الأنظمة البيئية غير قادرة على استيعابه. هذه التغيرات تظهر في الخواص الفيزيائية والكيمياوية والبابلوجية للمكونات المختلفة للبيئة (الهواء والماء والتربة)، وهى ناتجة عن تفريغ النفايات قصداً أو غير قصد أو عن الاستعمال المتعمد للمواد الكيماوية أو تشتت الطاقة على هيئة حرارة أو إشعاع مسببة أضرار للإنسان والحيوان والنبات والموارد المختلفة، أي وجود تأثير غير مرغوب فيه للبيئة المحيطة بنا.
– التغير الكمى: قد يكون بزيادة نسبة بعض المكونات الطبيعية للبيئة كزيادة ثانى أوكسيد الكاربون عن نسبته الاعتيادية نتيجة للحرائق وما تطرحه الصناعات الضخمة من ملوثات إلى الجو، وقد يكون أيضاً بسبب تسرب النفط إلى مياه البحر من الناقلات أو كذلك ينتج التغير الكمى من إضافة مواد سامة أو قاتلة، حتى في تراكيزها الطبيعية مثل الزئبق أو أكاسيد الكاربون والمواد المشعة.
– أما التغير النوعي: فإنه ينتج من إضافة مركبات صناعية غريبة عن الأنظمة البيئية الطبيعية، ولم يسبق لها أن كانت في دورانها وسلاسلها، إذ تتراكم في الماء والهواء والتربة مواد من الملوثات كالمبيدات والآفات الزراعية.
ويعمل التصنيع السريع غير المنظم وغير المدروس على إنهاك مصادر الثروة الطبيعية المتجددة بدرجة قد تصل إلى حد الاستنزاف على المدى البعيد، وكذلك إلى تحمل الموارد الاقتصادية للدول بأعباء ثقيلة تضيع معها المزايا المرجوة من التطور الصناعي خاصة فيما يتعلق برفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للشعوب. والصناعة قطاع مستهلك رئيسى لمعظم الموارد الطبيعية المتجددة منها وغير المتجددة، وبشكل عام يتوازن الطلب على أحد هذه المصادر مع المتاح منها (العرض).
وفى الحقيقة أن كافة الكائنات الحية ما عدا الإنسان تعتمد على المصادر المتجددة، بالرغم من أن معظم احتياجات الإنسان مستمدة بشكل مباشرة أو غير مباشر من النباتات لكنه يعتمد أيضاً في الحصول على الطاقة المستخدمة لكثير من أنشطته، وخاصة الصناعية منها، على مصادر غير متجددة. فقد تطور استخدامه للخامات المعدنة، وبشكل متسارع منذ الثورة الصناعية، وخاصة الحديد والالمونيوم والنحاس والرصاص والزنك والنيكل بالإضافة إلى استهلاكه المتزايد للنفط والغاز الطبيعي كمصادر مهمة للطاقة. وإذا كان من الأفضل اقتصادياً استخدام مواد أولية جديدة من إعادة استعمال المواد المستخدمة سابقاً، فإن الوقود المستخرج من الأرض لا يمكن إعادة استخدامه أيضاً، لأن طاقته تضيع بواسطة الاحتراق، كما أن معدل الاستهلاك لأى مورد سيهبط بالضرورة عندما يتضاءل عرضه إذا لم يكن هناك بديل له، وقد وجد أن إحلال معدن بآخر أو بمادة غير معدنية قد أدى إلى خفض استهلاك هذا المعدن، إلا أن الإحلال للمواد له آثاره البيئة أيضا. فهو من جهة يؤدى إلى خفض الآثار البيئية المرتبطة باستخراج وتجهيز معدن ما، ومن جهة أخرى يزيد من الآثار البيئية لاستخراج وتجهيز المادة الجديدة المستخدمة. وفى بعض الحالات قد تكون الآثار الأخيرة أكثر شدة. فمثلاً يتطلب تصنيع أشباه المواصلات والألياف البصرية والأنواع الجديدة من الخزف استخدام كميات كبيرة من المركبات الكيميائية السامة مما قد يؤدى إلى مشكلات صحية وبيئية مختلفة، بالإضافة إلى ذلك وجد أن بعض المركبات الجديدة لا يمكن تحللها بسرعة مما يشكل صعوبات جديدة في عمليات إدارة مخلفاتها.
أن اختلال التوازن البيئى من قبل النشاط الصناعي لا يقتصر فقط على مدخلات العملية الإنتاجية من الموارد الطبيعية فحسب وإنما أيضاً على مخرجاتها من مشاكل بيئية. إذ يمكن وصف معادلة الإنتاج الصناعي بطرفيها الأساسيين وكمايلى:
أن الهدف الأساسي من العملية الإنتاجية هي الحصول على المنتجات التي يستخدمها الإنسان لإشباع حاجاته المباشرة وغير المباشرة، أما النفايات (Waste) فتطرح خارج عملية التداول هذه في الجو إذا كانت غازية أو في الماء إذا كانت سائلة أو على الأرض أن كانت صلبة. علماً أن هذه النفايات تسبب في جميع الحالات أضراراً لا تقتصر على الأماكن المحيطة بالمصنع بل تمتد إلى أماكن أبعد تبعاً للعوامل المساعدة في ذلك، سواء الطبيعية منها أو المتعلقة بنوع الصناعة ذاتها. بعبارة أخرى أن الآثار البيئية لعملية التصنيع تتركز في جانبين رئيسيين ، وفى آن واحد:
1 – التلوث البيئى:
يتمثل في تلوث العناصر الأساسية للمحيط الحيوي للإنسان وهى الماء والهواء والتربة. وهذا يرتبط بنوعية وخطورة وكثافة مخرجات العملية الإنتاجية والإجراءات المتخذة للحد من تأثيراتها البيئية.
2 – استنزاف الموارد الطبيعية:
وهو ما يرتبط بطبيعة الصناعة ومدى اعتمادها على المصادر الطبيعية في عملياتها الإنتاجية والتي تعتمد في مديات هذا التأثير على مدى التقدم التقني المستخدم في هذه العمليات.
أن هذا التأثير المزدوج للنشاط الصناعي على البيئة، في استنزاف الموارد والآثار السلبية للتلوث، سينعكس على ظاهرة الاختلال في التوازن البيئة ليس على مستوى البيئة الطبيعية فحسب، وإنما أيضاً على البيئة الاجتماعية بصورة غير مباشرة، ويظهر ذلك في كثير من الأحيان وبصورة جلية من آثار التصنيع.
2-2 التأثيرات البيئية للفعاليات الصناعية:
بقدر ما تشكل الصناعة من ضرورة اقتصادية في تفعيل آليات النمو والتطور الاقتصادي في المجتمع، لما تمتلكه من مزايا ومنافع اقتصادية وفنية، فإن خطورتها تكمن في الآثار السلبية للعمليات الإنتاجية، التي تتجسد بظاهرة التلوث الصناعي بشكل خاص (Industrial pollution). إذ تمثل الفعاليات الصناعية أحد المصادر الرئيسية لتلوث البيئة ما لم تتخذ الإجراءات والاحتياطات الكافية لتفادى الآثار البيئية الضارة الناتجة عن التصنيع بفعل:
1 – استحواذ النشاطات الصناعية على مساحة كبيرة من الأراضي تساهم في تلوث العناصر الأساسية للمحيط الحيوي للإنسان.
2 – استنزاف الموارد الطبيعية نتيجة عمليات التصنيع السريع وغير المنظم.
3 – الهجرة من الريف إلى المدن، وما يترتب على ذلك من مشاكل صحية واقتصادية واجتماعية كثيرة تنعكس آثارها على الإنتاج الصناعي نفسه.
ونظراً لتزايد وتأثر النمو الصناعي في العالم تفاقمت حدة التلوث الصناعي لما تحويه من مركبات كيماوية معقدة بالإضافة إلى الملوثات التقليدية التي تنطلق من العمليات الصناعية على شكل غازات وجسيمات في الهواء وكمكونات للمخلفات الصناعية الصلبة والسائلة. إذ تمثل الملوثات الرئيسية الناتجة عن النشاطات الصناعية حوالى ثلث مجموع الملوثات الموجودة في الهواء، كذلك تمثل المخلفات الصناعية السائلة أهم وأخطر ملوثات المصادر المائية في أي دولة من دول العالم، إذ وجد أن الغالبية العظمى من الملوثات السامة الموجودة في المياه مصدرها النشاطات الصناعية.
فالتلوث البيئى الذى تسببه الصناعات ليست محصورة في الغازات والأتربة والرذاذ المنبعث منها، وإنما أيضاً من المواد الصلبة والدهون والأصباغ والحوامض التي تذهب عن طريق المنافذ التصريفية إلى الأنهار والمناطق المجاورة لمواقع الصناعات، يضاف إلى ذلك عامل الضجيج والضوضاء الذى تحدثه بعض الصناعات للعالمين فيها والمناطق السكنية المجاورة، وينتج عن الصناعة أيضاً كميات كبيرة من النفايات الصلبة تمثل نسبة عالية من مجموع ما يتخلف من نشاطات الإنسان الأخرى من تجارية ومنزلية. وهناك أيضاً صناعات تحدث تشويها لشكل الأرض مثل الصناعات الإنشائية والاستخراجية مما يؤثر سلباً على جمالية الأرض وشكلها الطبيعي.
وإجمالاً فأن نوعية وكمية هذه الملوثات تتباين من صناعة لأخرى، وتتوقف على عدة عوامل أهمها:
1- حجم المصنع وعمره الإنتاجي ونظام الصيانة المتبع فيه.
2- نظام العمل في المصنع.
3 – التقنيات المستخدمة في العملية الإنتاجية.
4 – نوعية الوقود والمواد الأولية المستخدمة.
5 – مدى وجود الوسائل المختلفة للحد من إصدار الملوثات ومدى كفاءة العمل بها.
وفى الحقيقة لا يمكن حصر المواد الملوثة المطروحة من عمليات الإنتاج الصناعية، حيث أن كل صناعة تطرح أنواعاً مختلفة من المواد الملوثة سواء على شكل غاز أو مواد صلبة أو رزاز أو سوائل. وحيث أن أكثر الصناعات الملوثة هي الصناعات الثقيلة بسبب تعاملها المباشر مع المواد التي غالباً ما تكون ملوثة، فإن عملية طرح هذه المواد الملوثة قد تبدأ من أولى مراحل الفعالية الصناعية، وهى استخراج ونقل المواد الأولية إلى المصنع وبمراحلها المختلفة وحتى عملية إيصال المنتجات إلى المستهلك. إذ أن عملية التلوث الناتج عن الصناعة تنبعث على مراحل قبل أن تنتشر في البيئة وتسبب الأذى لعناصرها وفق أربعة مراحل رئيسية هي:
1 – مرحلة الإنتاج Production Stage
2 – مرحلة الانبعاث Emission Stage
3 – مرحلة التحول Transfer Stage
4 – مرحلة الاستلام (الاستقبال) Reception Stage
وبالتالي يمكن التحكم بالنفايات الناجمة عن العمليات الصناعية في أية مرحلة من المراحل أعلاه. فإذا كانت المرحلتين الأولى والثانية تبرز في موقع الإنتاج اعتماداً على طبيعة الصناعة وفضلاتها، فإن المرحلة الثالثة إنما تعتمد على الخصائص الطبيعية كالتضاريس واتجاهات والرياح وظروف المناخ ..الخ والتي تساهم في تفعيل تأثير هذه الفضلات إلى مسافات بعيدة وباتجاهات معينة، وقد يكون للإجراءات المتخذة في نقل هذه الملوثات من قبل المنشأة الصناعية تأثيرها الواضح في ذلك، وتعد المرحلة الرابعة هي أخطر هذه المراحل والتي يتم فيها تشخيص الآثار البيئية للتلوث الصناعي على البيئة المحيطة.
3 – مظاهر التأثير البيئى للصناعة:
للفعالية الصناعية آثار كبيرة على البيئة وخاصة ما ينجم عنها من تلوث وأضرار تلحق بالبيئة، كونها تعمل على طرح كميات كبيرة من المواد الملوثة خارج إمكانات النظام البيئى في استيعابها، وتتمثل بشكل خاص في عناصر البيئة الطبيعية: الهواء والماء والتربة بالإضافة إلى هذه الملوثات تصدر الصناعة ما يسمى بالملوثات الفيزيقية مثل الضوضاء والاهتزازات والحرارة.
3-1 تأثير الصناعة على البيئة الطبيعية:
تمارس الصناعة ومنتجاتها تأثيراً على قاعدة الموارد الطبيعية عبر الدورة الكاملة للتنقيب عن المواد الأولية واستخراجها وتحويلها إلى منتجات واستعمال المستهلكين والتصرف بها واستهلاك الطاقة وتوليد النفايات. ويمكن أن تكون هذه الآثار إيجابية ترتقى بنوعية مورد من الموارد في توسيع استعمالاته أو تغيرها إلى منتجات أكثر فائدة، ولكن غالباً ما يرافق ذلك آثار سلبية تتصل بالتلوث وخاصة العناصر الرئيسية في النظام الطبيعي وهى الهواء والماء والتربة من جراء عمليات الإنتاج واستنزاف الموارد وتدهورها.
3-1-1 التلوث الصناعي للهواء:
الهواء أحد المكونات الأساسية لاستمرار الحياة، اقتصادياً هو سلعة حرة، وتلوثه يعد أخطر المشاكل التي تجابه الإنسان في حياته اليومية. وتعد الصناعة ملوثاً أساسياً لما تطرحه من نواتج عرضية كمخلفات ترافق العملية الإنتاجية، تعمل على تغير مواصفات الجو كماً ونوعاً أو كليهما. ففي الصناعة تكون الملوثات ناتجة من مصدرين الأول هو عملية الاحتراق والثانى ما يطرح منها كناتج من العملية الإنتاجية، كما هو الحال في مصانع الحديد والصلب والأسمنت والصناعات البتروكيماوية.
أ – المواد الملوثة للهواء:
أولا: المواد الغازية:
وهى كثيرة ومتنوعة ومنها تلك التي كانت سبب في أخطر أنواع التلوث منها، أول أكسيد الكاربون (co) وثانى أكسيد الكاربون (co2) وأكاسيد الكبريت (So2) وأكاسيد النتروجين والهيدروكربونات (HC) وغاز كريد الهيدروجين (H2S). وقد كشفت المصادر العلمية عن وجود أكثر من (500) مركب من المركبات العضوية واللاعضوية بتركيزات شحيحة تصدر من العمليات الصناعية المختلفة، وبعض هذه المركبات شديدة التفاعل ويعتقد أنها تقوم بدور كبير في التفاعلات المؤدية إلى تكوين المؤكسدات الضوئية الكيماوية الضارة بالبيئة وبصحة الإنسان.
ثانياً: الملوثات الدقائقية:
وتكون على شكل دقائق صلبة أو سائلة عالقة في الهواء، وتدعى الصغيرة الحجم منها (بحدود 1ر0 – 10 مايكرون) بالزاز الدقيق، ويمكن تصنيف الدقائق العالقة في الهواء إلى:
الغبار: وهى مواد صلبة كبيرة الحجم نسبياً لها قابلية التعلق في الهواء لفترة مؤقتة ومنها الغبار الناجم عن مصانع الأسمنت.
الضباب: عبارة عن رازا من بخار سائل متكثف، وقد يتكون أحياناً نتيجة لتفاعل كيماوى، كما يحدث عندما يتفاعل ثالث أوكسيد الكبريت مع رزاز الماء.
الدخان: دقائق صلبة – تتكون بسبب الاحتراق غير الكامل للمواد الهيدروكاربونية، حيث يمثل الكربون معظم الدخان إضافة إلى قليل من المواد الصلبة غير المحترقة، كما هو الحال في مصانع الطوب.
ب – المصادر الصناعية لتلوث الهواء:
تصنف المصادر الصناعية لتلوث الهواء إلى:
أولاً: حسب ارتفاعها: مصادر أرضية – مصادر مرتفعة.
ثانيا: حسب موقعها:
– مصادر نقطية: وهذا النوع من المصادر الصناعية يكون مثبتاً في موقع جغرافى معين مثل المداخن الكبيرة والتي ترتبط انبعاثاتها بقوة المدخنة.
– مصادر خطية: وهعى مصادر انبعاث مؤشرة كنقاط مستقلة على مسافات طويلة مستقيمة من مصادر صناعية ثابتة.
– مصادر مساحية: وهى مصادر مشخصة تنتشر على مساحة معينة من الأرض تتداخل بعضها مع البعض الآخر بحيث يصعب إسناد مسئولية تلوث الهواء إلى أحداها دون الأخرى.
ثالثاً: حسب نوع العمليات الصناعية:
– مصادر احتراقية: ومصدرها الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على عملية حرق الوقود في المراجل ومكائن الاحتراق الداخلي خلال مراحلها الإنتاجية، وأن أهم مصادر الاحتراق الصناعية هي محطات الوقود الكهربائية نظراً لكونها أكثر صناعة مستهلكة للوقود ثم مصافى تكرير البترول وباقى الصناعات الكيمياوية وبعدها الصناعات الإنشائية مثل صناعة الطابوق، حيث تسبب هذه الصناعات انبعاث الملوثات الغازية والدقائقية منها بشكل كبير.
– مصادر لا احتراقية: ويقصد بها المصادر الصناعية التي تسبب تلوث الهواء عن طريق علمياتها الآلية المستخدمة في الصناعات الإنشائية والمعدنية والتي ينبعث عنها أنواع الجسيمات الدقيقة مثل الغبار ودقائق الرمال وبعض المعادن السامة مثل الرصاص.
معظم الملوثات الغازية والدقائقية التي تنبعث من العلميات الصناعية الاحتراقية واللااحتراقية تترك آثارها الضارة على صحة الإنسان وأحياناً الحيوان والنبات، وأن خطورة قسم من هذه الملوثات ترجع إلى أحجامها والكميات المنبعثة منها، أما القسم الآخر فقد يكون ساماً عند تواجده بتراكيز قليلة في الهواء وفى كل الأحوال فإن خطورة الملوث يتناسب طردياً مع:
1 – نوع وتركيب الملوث وحجمه.
2 – فترة التعرض له.
3 – درجة تركيزه في الجو.
فعلى سبيل المثال وجد مثلاً أن 50% من جميع المواد الملوثة في الولايات المتحدة تطلق على مساحة 5ر1% من أرض الدولة، وهذا يعنى زيادة تركيز الملوثات في تلك المنطقة بحيث يتعذر إعادة التوازن الطبيعي للهواء عن طريق التنقية الذاتية، وأن نسبة 60% من تلك الملوثات سببها العلميات الصناعية والتي قدرت بحوالى (16) مليون طن تأتى صناعة الكهرباء في مقدمتها.
ج – أهم الآثار البيئية لتلوث الهواء:
غالباً ما يحدث تلوث الهواء بسبب الغازات الناتجة من الصناعات مثل صناعة الاسمنت والاسبست والبتروكيماوية وغيرها، ويمكن تصنيف أهم الآثار الناجمة عن هذا التلوث إلى:
1 – التأثير على الإنسان: أثبتت التجارب والدراسات في بداية القرن الحالى أن هناك مواد سامة وفعالة ومسببة للسرطان في مختلف مواد الهيدروكربونات حيث تؤدى إلى الإصابة بأمراض السرطان مثل سرطان الرئة، وهناك عناصر أخرى ذات خصائص سرطانية مثل مسحوق الفحم الذى يستعمل في صناعة إطارات السيارات. وكذلك الإمينات المستعملة في صنع تيل فرامل السيارات والذى تسبب في عدد كبير من الأورام الخبيثة، والجدول رقم (1) يوضح أهم الغازات أو الملوثات والمخاطر الصحية الناجمة عنها. وهناك ظاهرة الانقلاب الحرارى التي تحدث في المناطق الصناعية التي يكثر فيها الدخان.
2 – التأثير على النباتات: ملوثات الهواء الرئيسية تضر بالبناتات ضرراً شديداً وتشد إليها اهتمام المزارعين حيث تسبب التأكل، النخر، التشويهات، التلف للكثير من المحاصيل. والجدير بالذكر أن حساسية النبات للملوثات الهوائية أكثر من تلك الموجودة عند الحيوان، مما يجعلها معياراً للتكهن ومعرفة مدى التلوث وشدته، وتتفاوت حساسية النبات للتلوث طبقاً لنوع النبات.
3 – التأثير على الحيوانات: الحيوانات تصاب بالتلوث عقب أكلها لنباتات تحتوى على منتجات ملوثة، والكثير من الأمراض التي تصاب بها الحيوانات سببها هو التلوث الصناعي للبيئة.
4 – تأثيرات أخرى: تتفاعل الملوثات مع الكثير من المواد فتعمل على تأكلها وتلفها، وأخطر أنواع هذه الملوثات هي الأدخنة والأتربة والغازات الحمضية والقلوية وتزداد آثارها بزيادة نسبة الرطوبة في الهواء، حيث تسبب بعض الغازات بتفاعلها مع الماء حوامض تسبب التآكل للكثير من المعادن الموجودة في المدينة. إضافة إلى المضايقات والمشاكل الفردية الناجمة، مثلاً عن عدم وضوح الرؤيا والروائح الكريهة.
4 – التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لتلوث الهواء: هنالك خسارة اقتصادية فادحة تتحملها الدول والمجتمعات، وخاصة الدول النامية، ذات الموارد الاقتصادية المحدودة نتيجة لمشاكل التلوث والتي تمثل عبئاً ثقيلاً على اقتصاديات الدول وعلى الأفراد وعائقاً لبرامج التنمية.
5 – طرق السيطرة على ملوثات الهواء:
يمكن السيطرة على ملوثات الهواء من خلال ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: تحديد المحددات النوعية للهواء، أي تحديد درجة نقاوة الهواء وتثبيت التراكيز الأمنية للشوائب المختلفة وبالأخص الجسيمات وأكاسيد النتروجين والكبريت وأول أوكسيد الكربون والهيدروكربونات… الخ. هذه التحديدات التي تعطى تراكيز الشوائب في الهواء دون الأضرار عند استخدامه، وأن وضع مثل هذه التحديدات يأتى بعد معرفة علمية بخصائص الشوائب وخصائص الإنسان والحيوان والنبات ومدى تأثرها بهذه الشوائب. وتتغير هذه التحديدات بازدياد المعرفة العلمية عن الشوائب وعن تأثيراتها البيولوجية والفيزيائية والكيمياوية.
جدول رقم (1)
الآثار الصحية لبعض الملوثات والغازات
الغاز أو الملوث | المخاطر الصحية |
ثانى أوكسيد الكبريت | دار الربو والنزلات الشعبية، التهابات الرئة، تهيج الجهاز التنفسى، يولد الأمراض. |
أكاسيد الهيدروجين | قاتل عند التعرض لدرجات تركيز عالية، مهيج حساس، سام جداً. |
الأتربة والحبيبات الصغيرة الحجم | داء الربو والنزلات الشعبية، يزيد من مخاطر التهابات الرئة، مهيج للعيون وللجهاز التنفسى، يحد من الرؤية في درجات تركيز (50ر2) ملجم/ لتر، وتؤثر درجات تركيز 200 ملجم/ لتر على صحة الإنسان. |
الأوزون | يسبب تلف الرئة عند مرضى الرئة، ويتلف النباتات. |
أول أكسيد الكاربون | سام، يأتى بمخاطره لمرضى القلب عند درجات تركيز 30 ملجم/ لتر، ربما أتلف الجهاز العصبى الحسى، قلل من مقدرة الدم لحمل الأوكسجين. |
ثنانى أكسيد النتروجين | ربما أتلف الرئة، سام وتعادل سميته، أربعة أضعاف سمية حامض النتريك، وتبدأ السمية على درجة تركيز 05ر0 ملجم/ لتر. ويمكن أيضا أن يكون سام للأعصاب مع اضطرابات نفسية وفقدان للوعى. |
الرصاص | يتراكم في الجسم، ربما أتلف مهمة هيموغلوبين الدم.
|
الهيدروكربونات | تولد الضباب الدخانى وتؤثر على الرؤية عند درجات تركيز 15ر0 إلى 25ر0 ملجم/لتر. |
الاسبتس | يسبب مرض الاسبتس، وربما أتى ببعض الأمراض السرطانية. |
البيرباتيوم | يتلف الرئة، يسبب مرض البرليوسس عند درجات تركيز تربو على 01ر0 ملجم/لتر. |
الايثير | مخدر سام، ربما أتى ببعض الأمراض السرطانية. |
الفلور | ينزع تكلس العظام، مهيج للجزء العلوى من الجهاز التنفسى، مهيج لقرنية العين، صداع. |
فلوريد الهدروجين | تسمم لماشية بالفلور ومركباته، مهيج قوى، مضر لكل خلايا الجسم، يضر الحمضيات والنباتات، يؤثر على عظام الحيوانات |
الكلور | مهيج للعيون والجهاز التنفسى. |
سيانيد الهيدروجين | يؤثر على الخلايا العصبية. |
المرحلة الثانية: ترجمة محددات الهواء إلى معايير لنوعية الهواء، تصف أو تعرف الحدود المسموح بها لهذه الشوائب في الهواء المتاخم. ولغرض تحقيق هذه الحدود المرغوبة أو المعايير النوعية للهواء، يجب تحديد الملوثات من مصادر انبعاثها أي يجب وضع معاير للشوائب عند مناطق انبعاث الملوثات (سواء كانت مدخنة مصنع أم كاتم سيارة أو غير ذلك)* وتعرف هذه المعايير بمعايير الانبعاث. وتبدو معايير الانبعاث وكأنها التحديدات التي تفرضها سلامة الهواء على كافة مستخدميه.
المرحلة الثالثة: تطبيق وسائل السيطرة لتحقيق الانبعاث المختلفة، وهذه هي المستويات التي بها يتم التصدى لمشكلة التلوث الهوائى في أي منطقة. وهذه المستويات أو المراحل لا يتسنى البدء بها ما لم بسبق ذلك مرحلة جمع وتحليل المعلومات اللازمة لتحقيق تلك المراحل. وهنا يأتى دور مسح ومراقبة الملوثات الهوائية سواء كان ذلك على مستوى موقع صناعة أو مستوى مدينة أو دولة، وذلك لتعريف حالة التلوث الراهنة التي تعد نقطة البداية لإجراءات الحد من المشكلة.
3-1-2 التلوث الصناعي للمياه: المخلفات السائلة:
يعتبر الماء أهم الموارد الطبيعية على الإطلاق، فهو سر وديمومة الحياة للإنسان والكائنات الحية الأخرى، وجعلنا من الماء كل شيء حى. إذ ترتكز عليه حياة الإنسان وكافة أنشطته الاجتماعية والاقتصادية. ويتميز الماء عن غيره من الموارد الطبيعية بثبات كميته في الكرة الأرضية وتجدد خواصه باستمرار خلال فترة محددة من الزمن بفضل الدورة المائية. ويعد النشاط الصناعي من المصادر الأساسية في تكوين هذه الملوثات نظراً لدخوله في صناعات مختلفة بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ تستعمل المياه في الصناعة كمادة خادم أو مادة مساعدة في الإنتاج أو لأغراض التبريد. وتتجهز المصانع بالمياه أما من شبكة المياه العامة أو من المياه الجوفية أو السطحية وينجم عن هذا الاستعمال مياه عادمة بما يعرف بالنفايات أو المخلفات السائلة، وهى متفاوتة في حجمها ونوعيتها من صناعة إلى أخرى اعتماداً على كمية المياه المستخدمة وتدويرها في هذه الصناعة أو تلك.
ومع تزايد النمو السكانى وتطور استهلاك المياه بدأت تظهر أزمات مائية في مناطق متعددة من العالم، وخاصة بدءاً من النصف الثاني للقرن العشرين. وقد ترافق ذلك مع بروز ظاهرة التلوث في الكثير من المصادر المائية بفعل تعدد وتنوع الفعاليات البشرية وخاصة في المناطق الصناعية كثيفة السكان عن طريق الملوثات أو المخلفات الصناعية التي تربط مباشرة بالنهر دون إجراء أي عمليات تنقية، فضلا عن صرف مخلفات المصانع السائلة بما فيها التلوث الحرارى والفضلات الإشعاعية وصرف مياه الأرض الزراعية بما فيها الأسمدة الكيماوية والمبيدات وكذلك جرف مخلفات المدن التي تشمل مجارى المنازل والمبانى العامة والمستشفيات وغيرها.
هذه المياه العادمة تكون أما ملوثة بمواد غير عضوية أو مواد عضوية أو ملوثة حرارياً أي ذات درجة حرارة عالية وذلك حسب نوع الصناعة. وتختلف نوعية وحدة هذا التلوث طبقاً للتركيب الكيميائى والبيولوجى للمخلفات وكذلك للمساحة ونوعية المسطح المائى الذى تصرف فيه، وتحتوى المخلفات في معظمها على المواد الآتية:
1 – مواد طافية (كالزيوت والدهون والرغوة) وهذه المواد تشوه منظر المياه وتتلف المزروعات وتسمم الحيوانات المائية وتمنع تهوية الهواء وقد تسبب الحريق.
2 – مواد معلقة حيث تعلق بالمياه ولا تترسب إلا ببطء بعد تشويه النهر وقتل الكائنات الدقيقة المؤثرة في تنقية مياه النهر.
3 – مواد مذابة كالأحماض والقلويات والمعادن والمبيدات الشحرية والسينيد والفينول وغيرها من المواد التي تشل الحياة المائية وتغير الطعم والرائحة وتستهلك الأوكسجين وتساعد على نمو الطحالب.
1 – معالجة المياه العادمة:
أن طرح المياه العادمة إلى مجارى الأنهار مباشرة ودون معالجة سيترتب عليه وبالتأكيد درجة من التلوث. ولقد كانت المسطحات المائية قادرة على التعامل مع هذه الملوثات، بفعل ظاهرة التنقية الذاتية، لقلة المخلفات المطروحة فيها، في التخلص من المواد الضارة والسامة وبالتالي المحافظة على توازنها البيئى. إلا أنها أصبحت مع مرور الزمن، ومع تزايد استهلاك المياه، غير قادرة على استيعاب الكمية الهائلة من المخلفات التي تطرح فيها باستمرار والتي تتضمن المخلفات الصناعية ومياه الصرف التي تصب مباشرة في الأنهار أو من خلال قنوات الرى الزراعي حيث تحمل المبيدات الحشرية من الأراضي الزراعية، مهددة بذلك الحياة المائية والصحة العامة. وتزداد حدة التلوث أيضاً باستخدام تقنيات غير نظيفة مع قدم الوحدات الصناعية في زيادة نسبة التسرب والفاقد وتداخل الوحدات الصناعية مع المناطق السكنية. ويقصد بمعالجة المياه العادمة جميع العمليات التي تهدف إلى التخلص من الملوثات المائية والحصول على مياه جديدة.
وتوجد عدة طرق لمعالجة المياه العادمة ويتطلب اختيار الطريقة المناسبة لمشكلة معينة تقييماً جيداً للجوانب البيئية والاقتصادية للمشكلة. وتمر عملية معالجة المياه العادمة بمرحلتين: المرحلة الأولى والميكانيكية والمرحلة الثانية الحيوية (البايولوجية)، وفى حالات خاصة تستعمل المرحلة الثالثة لإزالة بعض الملوثات مثل الفوسفات والنترات وغيرها، كما تستعمل أحياناً بعض المواد الكيماوية قبل البدء في المعالجة وذلك لرفع كفاءة هذه العملية.
ب – تأثير تلوث المياه:
أن تلوث المياه يؤدى إلى تغيير تركيب مواصفاته بشكل مباشر أو غير مباشر وبالتالي تقليل صلاحيته للاستعمالات المختلفة. أن وجود أو ارتفاع المواد السامة بالنهر تؤثر على نوعية مياه الشرب ومن ثم إلى أضرار صحية مباشرة أو غير مباشرة وتفشى الأمراض والأوبئة.
أما من الناحية الزراعية فإن المياه الملوثة تؤدى على زيادة ملوحة التربة وبالتالي تؤثر على الإنتاج الزراعي، وكذلك في نقل الأمراض والأوبئة في الوسط الريفى. كما أن وجود هذه الملوثات وخصوصاً العضوية منها تؤدى إلى انخفاض نسبة الأوكسجين في المسطحات المائية وما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على الثروة السمكية وعلى تلوث الأنهار، مما يجعل مياهها غير صالحة حتى للزراعة، ومن الناحية الاقتصادية فأن تلوث المياه يؤدى على زيادة تكاليف تصفية المياه ذاتها.
أصبح تلوث المياه في العالم مشكلة خطيرة وكبيرة في آن واحد، لما يسببه من أضرار بالغة على الإنسان والحيوان والنبات، وقد تفاقمت هذه المشكلة بعد اتساع النشاط الصناعي واعتماده الكبير على المياه في عملياته المختلفة دون أن يرافق ذلك معالجات جدية للمخلفات السائلة تتناسب والكميات المستهلكة من الصناعة للمياه. مما يثير مشكلة خطيرة في ضرورة التعامل العقلانى مع المتوفر من المياه من جهة واتخاذ الإجراءات الحدية والصارمة في كيفية التعامل مع المياه العادمة من جهة أخرى. ويمكن تصور حدة هذه المشكلة في الدول التي تقع في المناطق الجافة أو شبه الجافة من العالم، وهى في معظمها من الدول النامية، التي تعانى أساساً من ندرة في وفرة المياه لكونها تفتقر إلى شبكات رى مائية كبيرة أو مستديمة الجريان باستثناء نهرب النيل ونهرى دجلة والفرات، إضافة إلى قلة مياه الأمطار وصعوبة الحصول على المياه الجوفية.
3-1-3 التلوث الصناعي للتربة: المخلفات الصلبة:
تعد التربة من عناصر البيئة الطبيعية التي يعيش الإنسان على سطحها ويستخدمها في الزراعة، وتوجد بين طبقاتها المواد الخام والمعادن المختلفة. لذلك تعتبر التربة المصدر الرئيسي للمواد الأولية في الصناعات المختلفة من جهة، في حين أنها من جهة أخرى تعان من مخلفات هذه الصناعات وما تسببه من تلوث عن طريق المخلفات التي تطرح إلى سطح التربة ويتم دفنها في باطن التربة وهى مركبات كيمياوية تسبب إتلاف للتربة.
أن المخلفات الصناعية تؤدى إلى حدوث تغير في التركيب الطبيعي للتربة بسبب تأثير واحد أو أكثر من العومل الفيزيائية أو الكيماوية أو البايولوجية. إذ ينتج عن الصناعة مخلفات صلبة متنوعة تختلف في كمياتها وتركيبها طبقا لنوع الصناعة وحجمها. وتتميز الصناعات الاستخراجية (خاصة الصناعات التعدينية) بضخامة كميات مخلفاتها الصلبة بالمقارنة مع الصناعات التحويلية، إذ يعد التعدين من النشاطات التي تسبب تدهور التربة والغطاء النباتى والحيوانات البرية في منطقة التعدين. لذا تطالب العديد من الدول شركات التعدين أن تعيد إلى منطقة التعدين بعد انتهاء عمليات التعدين الكائنات الحية النباتية والحيوانية قدر الإمكان وعدم ترك المنطقة في حالة سيئة كما هو الحال مع كثير من دول العالم النامى. كما أن صناعة الطوب تساهم هي الأخرى في تدهور التربة بسبب تجريف مساحات واسعة من الأراضي نتيجة استخدام تربتها في صناعة الطوب. وأن أغلب الملوثات التي تؤثر على التربة هو في تسرب الإشعاعات النووية التي تؤثر على النباتات والمحاصيل المنتجة وبالتالي تؤثر على صحة الإنسان.
وتلجأ معظم الصناعات إلى دفن أو حرق المخلفات الصلبة، ولكن غالباً ما تنتج الآثار السلبية للمخلفات الصلبة من سوء إدارتها (تخزينها أو دفنها أو حرقها في أماكن مفتوحة) وذوبان بعض مكوناتها أو تفتتها بفعل الأمطار وعوامل التعرية ووصولها إلى مصادر المياه السطحية أو الجوفية.
ومن المعروف أن هناك عشرات الآلاف من مدافن النفايات الصلبة التي ثبت عدم صلاحيتها وخطورتها على البيئة بعد أن تركت أعواماً طويلة دون مراقبة ومعالجة. وفى معظم الحالات هناك صعوبة في تقدير حجم النفايات الخطرة الناجمة عن الصناعات في كثير من الدول، لعدم توافر البيانات الكافية عنها، إلا أنه على المستوى العالمي يقدر حجم النفايات الخطرة بنحو 10% تقريباً من الحجم الكلى من النفايات الصلبة الصناعية. وأعطت الكثير من الدول أهمية كبيرة لهذه المشكلة في السنوات الأخيرة، في تدوير بعض هذه النفايات أو استخدامها في أغراض أخرى. ففي إيطاليا مثلاً يتم تدوير 40% من النفايات الصناعية الصلبة، وفى بعض بلدان أوروبا الشرقية يستخدم رماد الفحم من محطات القوى الكهربائية في عمل الطوب وأعمال التشييد.
أ – تلوث التربة: تأثير متبادل لتلوث الهواء والماء:
أن تفاقم مشكلة تلوث التربة إنما ينتج من تأثير تلوث الماء والهواء، إذ يشترك عنصر أو عنصرين في تلويث العنصر الثالث وذلك من خلال وجود الغازات والتي تنتشر قسم منها على مساحات كبيرة من التربة والمياه وبما يسبب تلوثها، ويمكن توضيح هذه العلاقة من خلال:
1 – الصناعات التي تنفث غازات وأبخرة وعوالق.
2 – المياه الملوثة قد تتسبب في تلوث التربة نتيجة السقى للمزروعات بما تحويه من مواد ذائبة تتركز في التربة.
3 – تلوث التربة نتيجة العمليات الصناعية ورمى الأنقاض قد يتسبب في تلوث الهواء والمياه أيضاً. لأن مجرد تآكل التربة نتيجة الملوحة أو التعرية الهوائية يعنى تلوث الهواء بهذا الغبار الملوث، أو نتيجة عوامل التعرية المائية بسبب الأمطار، فقد يتلوث الماء الساقط على التربة، وربما يؤدى إلى تلوث المياه الجوفية أيضاً، كذلك فإن دفن النفايات في بعض المواقع قد تكمن خطورتها عند إخراج النفايات من الأرض من الأرض بفعل عوامل الطبيعة وخاصة المواد الكيماوية والإشعاعية الخطرة على الحياة. كما أن تلوث التربة قد يكون أيضاً نتيجة هدم وترك البنايات والمعدات الموجودة عليها أو أنها استعملت مرة واحدة لأغراض التعدين أو كمقالع مثلاً، وتركت لانتهاء الأعمال فيها، أو في حرق النفايات وتركها بعد الحرق.
ب – تأثير تلوث التربة:
يؤدى تلوث التربة إلى تقليل إنتاجية التربة نتيجة عدم ملاءمتها لنمو النباتات، وإلحاق الضرر بصحة الإنسان والحيوان والنبات بالإضافة إلى الأضرار الاقتصادية بفعل زيادة التكاليف وتلوث المياه الجوفية والسطحية. وإجمالاً يمكن القول أن تلوث التربة ينتج عنه:
1 – ضعف إنتاجية التربة ورداءة ناتجها المتمثل بالنمو النباتى.
2 – تلويث المياه السطحية والجوفية.
3 – الأضرار بصحة الإنسان والحيوان والنبات والكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في التربة.
4 – الأضرار الاقتصادية المتمثلة بتكاليف الاستصلاح وإعادة تأهيل التربة التي تستخدم لدفن نفايات الصناعات وتخزين مواد السكراب والمطاط والفلزات الأولية غير المرغوب فيها والصفائح والرماد الناتج عن حرق الفضلات الصناعية.
أن استغلال النفايات الصلبة بمختلف أنواعها الخطرة وغير الخطرة يعتبر الأسلوب الأفضل لمعالجة هذه المشاكل وكذلك استخلاص المواد الخام المستوردة بالإضافة إلى حماية البيئة، إلا أن العديد من الدول لا يزال العديد من الدول تعانى من مشاكل النفايات والتحكم في إنتاجها والتخلص منها.
3-2 تأثير الصناعة على البيئة الاجتماعية:
لا تقتصر الآثار السلبية للصناعة على تلوث الماء والهواء والتربة ضمن النظام الطبيعي للكون، وإنما تتعدى ذلك في التأثير على الإنسان سواء فيما يتعلق بتأثيرها على نفسية الإنسان وبالتالي سلوكه الاجتماعي أو ما يتعلق بالنظام الاجتماعي ذاته.
3-2-1 الآثار البيئية للصناعة على فسيولوجية الإنسان ونفسيته:
أ – التلوث الضجيجى: Noise pollution
يعتبر الضجيج أو الضوضاء نوع من أنواع التلوث البيئى لما له من مضار على فسيولوجية وصحة الإنسان النفسية، في توليده لأمراض تتعلق بالجهاز العصبى والقلب والشرايين، ومنها أيضاً الإرهاق السمعى وكذلك الصم المرضى.
ويقاس الضجيج أو الضوضاء بشدة الصوت عن طريق أجهزة خاصة، ووحدة القياس هي “الديسيبل” وتعتبر درجات الصوت من (100) إلى 0140) ديسيبل منطقة تلوث صوتى خطير، ومجرد وصول مستوى الضوضاء إلى (75) ديسيبل فإنه يسبب ضيق في الأوعية الدموية، مما يؤدى إلى ارتفاع ضغط الدم وازدياد معدل ضربات القلب، كما أن الضوضاء تؤثر على زيادة إفرازات بعض الغدد في الجسم وربما يتسبب في ارتفاع الضغط وزيادة في نسبة السكر في الدم، وبالتالي فإنه يمكن تعريف الضجيج بأنه مزيج من الأصوات غير المتجانسة ذات التأثيرات السلبية على وظائف الجهاز العصبى المركزي.
أن المصانع تحدث الكثير من الضوضاء من جراء عمليات تصادم أجزاء الآلات أو اهتزاز واحتكاك دوامات هوائية وتيارات غازية، ومن أمثلة الصناعات التي تحدث الضوضاء، الصناعات المعدنية وصناعة الغزل والنسيج وعمليات الحدادة والسمكرة وكذلك عمليات التخريم والحفر الآلى، واختيار الآلات المحركة في صناعة السيارات ومكائن الديزل وصناعة التعدين والطباعة وكبس الصفائح وعمليات الطحن والغربلة لتنقية المعادن والأحجار. كما أن الجرارات والحفارات وكسارات الخرسانة المسلحة وخلاطات الخرسانة كلها مصادر إزعاج للسكان.
ويمكن عزل الضوضاء المنبعثة عن النشاطات الصناعية، إلى حد ما، من خلال فصل العمليات المنتجة للضوضاء عن المناطق السكنية والمناطق المتأثرة بالضوضاء. ويتحدد عرض النطاق الفاصل بين المناطق الصناعية والسكنية على أساس مستوى الضوضاء المنبعثة والمعايير المعتمدة في هذا المجال وموقع المساكن بالنسبة إلى اتجاه الرياح، ومن المفضل تشجير المناطق العازلة.
ب- الرائحـــة:
تعد الرائحة من أعقد مشكلات تلوث الهواء، وتصنف كملوثات لا معايير لها (non-criteria pollution). ويعد أنف الإنسان أحسن وسيلة لقياس الرائحة، لذا يتم عادة قياس الرائحة بواسطة فريق مدرب من الخبراء يتراوح عددهم 2-15 شخصاً.
ومن أهم خصائص المواد التي تسبب الرائحة خاصية التطاير (volalility) ومن الجدير بالذكر أن التعرض لمدة طويلة لرائحة ثابتة التركيز، مع ارتفاع ضغط البخار قد يفقد الإنسان الإحساس الصحيح بها. وقد حاول البعض تصنيف الروائح مثل تصنيفها إلى الروائح الست الآتية مع إمكانية اختلاطها مع بعضها وهى: (Burnt, Spicy, Flowery, Fruity Resinous, Foul).
ويمكن المعالجة من خلال التهوية وإزالة المواد التي تسببها بواسطة الامتصاص أو الأكسدة، أو تحويل المواد ذات الرائحة القوية إلى مواد قليلة أو عديمة الرائحة كيماوياً، ويتبع أحياناً أسلوب إدخال رائحة قوية ومرغوبة لإزالة الإحساس بالرائحة المزعجة.
وهناك العديد من الصناعات التي تسبب روائح مزعجة تبعاً لمدى قربها من المناطق السكنية وأهمها مصانع الدباغة ومصافى البترول ومصانع الخميرة والسكائر والتبوع ومجازر اللحوم، إضافة إلى عوادم الآليات ونواتج الاحتراق خاصة في المناطق المحصورة جغرافيا والتي تشهد حركة مرور كثيفة. وتزداد الحالة سوء إذا ما اقترن ذلك بتجمع المياه العادمة التي تطلقها هذه المصانع.
3-2-2 الآثار البيئية للصناعة على النظام الاجتماعي:
من سلبيات تأثير الصناعة على البيئة الاجتماعية التجمعات السكانية الناتجة عن التصنيع، حيث تتطلب التنمية الصناعية بالضرورة تدفق الأيدي العاملة على أماكن الصناعات عن طريق الهجرة الخارجية والهجرة الداخلية التي تتحول بها أعداد وفيرة من البشر من حياة الريف إلى حياة المدن. وما ينجم عن هذا التحول من تغير في السلوك الاجتماعي والاقتصادى للسكان في التكيف مع الحياة التي تتطلبها التجمعات السكانية الجديدة، ليس على مستوى الفرد ذاته، وإنما أيضاً في نمط العلاقات الاجتماعية مع الآخرين ومتطلبات حياته الاقتصادية الجديدة.
كل ذلك ينتج عنه مشاكل صحية واقتصادية واجتماعية كثيرة تعكس آثارها على الإنتاج الصناعي نفسه وتتلخص في:
1 – زيادة مطردة في تعداد السكان للمدن الرئيسية والمناطق الصناعية التي تتطلب سلعاً وخدمات لم تكن ضرورية وخاصة في الريف، الذى يعيش عن كثب من مصادر المواد الغذائية، ناهيك عن الضغط الحاصل على البنى التحتية الموجودة أصلاً.
2 – هبوط في نصيب الزراعة من الموارد الإجمالية (الأيدي العاملة ورأس المال والخدمات الريفية) مما ينعكس على وتأثر الإنتاج الزراعي وتذبذبه.
3 – تفكك في أنماط المعيشة الجماعية وظهور عادات وتقاليد جديدة بين الأجيال قد تؤدى إلى الانفصام وقلة التماسك الاجتماعي التقليدى وتفككه في علاقات ونظرة اجتماعية لا تتوافق مع الكثير مما كان سائداً في الريف.
4 – فشل المهاجرين في تكييف أنفسهم لطرق المعيشة في المدن والمجتمعات الحضرية والذى يؤدى بالضرورة إلى تجمعهم في تجمعات عشوائية على مشارف المدن الرئيسية أو في بعض أحيائها الداخلية تبعد كل البعد عن المبادئ الأساسية للحياة الكريمة للإنسان.
أن قيام الفعاليات الصناعية في مواقع معينة يتطلب أيدى عاملة مما يترتب عليه حركة للسكان (الهجرة الداخلية والخارجية) من الريف بعاداتهم وتقاليدهم التي تصطدم بالوسط الاجتماعي الجديد في تلك المواقع، وما يتطلبه النشاط الصناعي من حياة اجتماعية لا تتوافق كثيراً مع تلك العادات والتقاليد من جهة، ومن جهة أخرى فإن استمرارية هذه الحركة يترتب عليها أيضاً زيادة في الكافة السكانية والحاجة إلى الخدمات التي غالباً ما تكون غير قادرة على تلبية هذه الاحتياجات الجديدة مما تؤدى إلى مشاكل صحية واجتماعية واقتصادية، قد يكون من أهمها ظهور تجمعات سكانية في أطراف المدن لا تتوفر فيها مستلزمات الحياة الضرورية، وما تفرزه من آثار بيئية على صحة السكان المهاجرين والأصليين في آن واحد. كما يظهر تأثيرها أيضاً في النشاط الزراعي سواء في المساحات المزروعة أو في الإنتاجية إذا ما استمر الجذب الموقع للأيدى العاملة باتجاه الفعاليات الصناعية وما يترتب عليها من ترك الأراضي الزراعية وتحويلها إلى أراضى قاحلة بمرور الزمن وما تعانيه أغلب الدول النامية من ظاهرة الزحف الصحراوى لخير دليل على الاختلال في التوازن البيئى والتي قد يكون هجرة السكان لمواقعهم الريفية الأثر الواضح في ذلك.
وعلى مستوى البيئة الحضرية (البيئة المشيدة) فإن تأثير النشاط الصناعي يبدو واضحاً أيضاً إذا ما زحف هذا النشاط وما يترتب عليه من زحف عمرانى على حساب المناطق الخضراء مثلاً، أن قطع أشجار الغابات وإقامة المجمعات السكنية للمشاريع الصناعية عليها يؤدى إلى تقليل المناطق الخضراء وبالتالي نقص الأوكسجين في الهواء.
وفى حالة عدم وجود وسائل فاعلة في التخلص من نفايات المشاريع الصناعية أو في معالجة المياه المستخدمة، فإن ذلك سوف ينعكس حتماً على جودة الحياة الحضرية وتأثيراتها البيئية.
هذه التأثيرات البيئية المتشعبة للنشاط الصناعي تتطلب الدراسة والتمحيص في درجة تأثيرها وسلوك انتشارها وبالتالي تقدير خطورة الصناعة المعنية، والتي تعتبر من أهم المشاكل التي تجابهها الدول في اختيار مواقع الفعاليات الصناعية فيها. هذه التأثيرات البيئية انعكست في أهميتها لتحديد موقع الصناعة ليس على المستوى المحلى فحسب وإنما أيضاً على مستوى العلاقات الدولية بفعل التقدم العلمي والتقنى الذى أبرز أهمية هذه الاعتبارات في اختيار مواقع الصناعة.