الاحتكار وحماية المستهلك

عبد الفتاح الجبالي.

أعلنت إحدى شركات النقل الجماعى الخاصة رفع أسعار الخدمات المقدمة للجمهور بحجة أسعار البنزين، وذلك بعد أن استحوذت على الشركة المنافسة لها. وكذلك قامت إحدى الشركات العاملة فى مجال الخدمات الطبية بعد استحواذها على العديد من المستشفيات الخاصة برفع اسعار خدماتها ايضا، الامر الذى يثير العديد من التساؤلات عن اثر هذه العمليات على حركة الاسعار فى السوق. وبعبارة اخرى هل قيام بعض الشركات بالاندماج او الاستحواذ على شركات أخري، مما يساعد على إيجاد كيان اكبر فى الأسواق، يؤدى إلى ارتفاع معدل التضخم ام أن المؤسسات الحاكمة للسوق وهى جهازا حماية المستهلك وايضا حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية قادرة على ضبط الاوضاع؟

وعلى الرغم مما يبدو ظاهريا من سهولة الحكم على هذه المسالة خاصة ان معظم الباحثين يرون أن الاحتكار يحد من الكفاءة الإنتاجية للسلعة ويتقاضى أسعارا أعلى مما تتقاضاه المؤسسات فى ظروف المنافسة الكاملة، فإن المسألة ليست بهذه السهولة فى ضوء تعقيدات الواقع المعاش. اذ يرى البعض ان الصناعة الاحتكارية لا تنتج المقدار الأمثل من السلعة، لأنها تنتج عند النقطة التى يتساوى فيها الإيراد الحدى مع التكلفة الحدية. وبما ان التكلفة الحدية هى اقل من السعر فسوف تستمر العملية مادامت استمرت هذه المسألة، ومن هنا فان الاحتكار يؤدى الى سوء تخصيص الموارد.

كما يميل احتكاريو القلة الى المنافسة من خلال الدعاية واختلاف المنتج بشكل اكثر عدوانية، مما هو عليه من خلال التخفيضات فى الأسعار المباشرة. اى ان هذه المؤسسات تحاول جاهدة جذب الأعمال من المنافسين عن طريق التفوق عليهم بحملات الدعاية الأفضل وليس عن طريق خفض الأسعار والتكلفة. وذلك لان هذه المؤسسات تستطيع تخفيض الأسعار بسرعة وسهولة وهكذا تميل المؤسسات فى الظروف الاحتكارية الى تحسين أرباحها فى الآجل الطويل على حساب المنافسين فى حقل المنافسة غير السعرية، وهى افضل من الفرصة التى تتاح عن طريق تخفيض الأسعار. ويكون هؤلاء اقل اجتهادا فى مراقبة التكاليف وفى استعمال الموارد بشكل فعال.

فعلى الرغم من أن آلية السوق وجهاز الثمن هما من اكفأ الآليات المحققة للنمو الاقتصادي، فإن اللجوء إليهما فى كل الأمور يعتبر من قبيل الخطأ القاتل. حيث اثبتت الدراسات ان الأسواق تعانى اختلالات عديدة أكدها الكثيرون بشكل واضح صريح يعود بعضها الى الأوضاع الاحتكارية، والبعض الآخر ناجم عن الاعتبارات قصيرة الاجل فى العمل، والتى تجعل السوق اقل قدرة على المنافسة او اقل كفاءة.

اذ إن نظام السوق له مقومات أساسية ورئيسية لابد من استيفائها حتى يحقق الغرض منه، وفى مقدمة هذه المقومات وضع المؤسسات المناسبة لتحقيق انضباط السوق، والأطر التى تحمى حقوق كل الأطراف،ولن يتأتى ذلك إلا من خلال وجود اجهزة رقابية قوية تستطيع مواجهة الأفعال الضارة بالسوق والتى تعوق قدرة الاطراف على اتخاذ قراراتهم وفقا للاعتبارات الاقتصادية وحدها وكذلك لمواجهة الآثار السلبية الناشئة عن الأفعال التى تهدف إلى الإضرار بالمستهلك او الكيانات العاملة بالسوق. فيما اصطلح على تسميته الوظيفة التنظيمية للدولة والتى تشمل منع الممارسات الاحتكارية والسيطرة عليها الى جانب وضع وتنفيذ المعايير فى العديد من المجالات. ولا ينبغى النظر لهذه الرقابة على انها تدخل فى عمل الأسواق بالمعنى الذى يفقدها حرية المبادرة، وإنما الرقابة هدفها مواجهة الأفعال والتصرفات الضارة بالسوق. خاصة ان المستهلك المصرى يمثل أضعف حلقات التعامل، وبالتالى يصبح من الضرورى العمل على حمايته، وأساس ذلك أن المستهلك يمثل محور العملية الانتاجية وهدفها، ولذلك فأن حمايته وتنظيم المنافسة من أهم أهداف الرقابة على الأسواق.

من هنا تأتى أهمية جهاز حماية المستهلك ليس فقط لدوره فى تنظيم السوق والحد من الأفعال الضارة او المضللة للمستهلك، الا انه عليه أيضا العمل على نشر ثقافة حقوق المستهلك وتوعية المواطنين بحقوقهم من خلال ترسيخ مبدأ الإفصاح عن المعلومات والبيانات الخاصة بالسلع وإلمامه بالمواصفات وحالة الأسواق ومستويات الأسعار وتفعيل الدور الرقابى الرسمى والشعبى من أجل حماية المواطن المصرى من أى أضرار قد يتعرض لها وبما يحقق مبدأ سيادة المستهلك.

وعلى الرغم من صدور القانون رقم 67 لسنة 2006 لحماية المستهلك،,متضمنا العديد من هذه المبادئ فى مواده المختلفة، فإنه لم ينجح فى تطبيقها تطبيقا كاملا حتى الآن، وذلك للعديد من الأسباب منها ضعف العقوبات التى جاء بها القانون وعدم قدرة الجهاز على تنفيذها، وفتح الباب للتصالح فى هذه الجرائم مقابل أداء مبلغ زهيد. ناهيك عن غابة التشريعات الأخرى المنظمة للجوانب المختلفة لعلاقة المنتج والمستهلك.

ويرتبط بهذا الموضوع مشكلة الاحتكارات السائدة بالأسواق، بعد صدور القانون رقم 3 لسنة 2005 بشان حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية. وهنا تحفل معظم الكتابات الاساسية فى علم الاقتصاد بالعديد من الدراسات التى تشير الى الاحتكارات باعتبارها احد المثالب الاساسية لنظام السوق، الامر الذى دفع جون ستيورات ميل للقول بأنه اذا لم تتحقق فروض المنافسة الكاملة، يصبح من المستحيل قيام علم للاقتصاد. بل ان ادم سميث نفسه يرى ان الاحتكارات والامتيازات هما العدوان الرئيسيان اللذان يهددان عمل النظام الاقتصادى الجيد .

من هذا المنطلق فقد احسن القائمون على دستور 2014 صنعا حين نصوا صراحة على أهمية منع الممارسات الاحتكارية وضبط آليات السوق والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، وفقا لما جاء فى المادة 27 منه، وهو الامر الذى من شأنه الارتفاع بكفاءة أداء الاقتصاد وتدعيم تنا فسيته.

نقلاً عن الأهرام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى