إلى أين يتجه التعاون الاقتصادي بين “القاهرة” و”بغداد” بعد لقاء “السيسى” و”الكاظمى”؟

استضافت بغداد يوم السبت 28 أغسطس 2021، قمة دول الجوار، بمشاركة دولية وإقليمية واسعة، وآمال كبيرة في عودة الدور التاريخي العراقي في المنطقة، وذلك بمشاركة 9 دول: مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر والكويت وفرنسا وإيران وتركيا. وشارك في المؤتمر أيضًا، وفد من الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي. وقد ناقشت القمة ملفات أمنية حساسة وسيادية تخص العراق ودول المنطقة، كما شهد اللقاء استعراض مجمل العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين الشقيقين مصر والعراق، فضلاً عن سبل تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.

إضافةً إلى مناقشة الموقف التنفيذي للمشروعات المتفق عليها في إطار آلية التعاون الثلاثي مع الأردن. علما بأن الجانبين المصري والعراقي يسعيان إلى إزالة كافة المعوقات نحو تعزيز التعاون المشترك بين الدولتين، وتحقيق التكامل الاستراتيجي على المستوى الاقتصادي والتجاري والاستثماري. وقد ظهر ذلك واضحا فى يونيو الماضي، عندما زار الرئيس المصري العاصمة العراقية بغداد للمشاركة في فعاليات القمة الثلاثية بين مصر والعراق والأردن؛ وذلك في أول زيارة لرئيس مصري للعراق منذ 30 عامًا.

 لقد تعددت خلال الآونة الأخيرة زيارات المسئولين العراقيين إلى مصر حيث تم الاتفاق على التعاون في كافة المجالات، ووقع رئيس الوزراء المصرى حينها، 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع نظيره العراقي مصطفى الكاظمي، شملت مجالات مثل النفط، والموارد المائية، والإسكان والتشييد، والنقل، وحماية البيئة، إلى جانب تبادل الخبرات في مجالات أسواق الأوراق المالية وأيضا في مجال العدل والقضاء .

تعزيز التبادل التجارى:

ان العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والعراق تنظمها عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات التي شكلت بيئة تشريعية جيدة لتسهيل حركة التبادل التجاري بين البلدين وبعيدة عن كل ما يعيقها وأهمها البروتوكول التنفيذي لإقامة منطقة التجارة الحرة بين البلدين ، والذي تم توقيعه في 18 يناير 2001 ودخل حيز التنفيذ في 16 أغسطس 2001 . ويقضي بتحرير كل السلع المتبادلة ذات المنشأ الوطني في كلا البلدين من القيود الجمركية وغير الجمركية المفروضة عليها. وتشكل هذه الاتفاقية إطاراً ناجحاً لتنظيم العلاقات التجارية بين البلدين.

وفى هذا الصدد، قد ارتفع التبادل التجاري بين مصر والعراق من 800 مليون دولار عام 2015 إلى 1.650 مليار دولار خلال عام 2018، وهو أكبر رقم للتبادل التجاري منذ عام 2003.كما بلغ حجم التجارة بين مصر والعراق خلال عام 2019، نحو 486 مليون دولار، منها ‏‏479 مليون دولار صادرات مصرية و7 ملايين دولار واردات من العراق.‏ وخلال عام 2020 وصل حجم التبادل التجاري بين مصر والعراق، لـ 486 مليون دولار، تتوزع بين ‏‏479 مليون دولار صادرات مصرية و7 ملايين دولار صادرات قادمة من العراق . ويميل الميزان التجاري بين العراق ومصر لصالح الجانب المصري، حيث حقق فائضًا ملحوظا لصالح مصر ؛ ويعود ذلك إلى قدرة مصر على نفاذ سلعها إلى الأسواق العراقية، فضلًا عن ضعف الجهاز الإنتاجي الزراعي والصناعي العراقي وضعف مرونته الإنتاجية وقدرته على الاستجابة للزيادات المتصاعدة في الطلب المحلي .وتصدر مصر للعراق عدة سلع ومنتجات منها : الأثاث وغزل القطن وعجائن ومحضرات غذائية متنوعة وأدوية ومحضرات صيدلة وزيوت ودهون نباتية وحيوانية وحديد وسيلكون ومستحضرات نظافة بالإضافة إلى حاصلات الزراعية (خضر وفاكهة) ولدائن بأشكالها الأولية وملابس جاهزة ومنتجات بترول وكربون. بينما تتمثل الواردات المصرية من العراق في مكسبات الطعم، والشيكولاتة ومنتجات الكاكاو. وتهدف مصر إلى زيادة صادراتها في السوق العراقية، حيث تشير البيانات إلى ضعف قيمة الصادرات والواردات بين البلدين.

 وسوف تشهد المرحلة المقبلة مزيدًا من التعاون بين البلدين، وزيادة معدلات التبادل التجاري بينهما في ظل وجود فرص متميزة أمام صادرات مواد البناء المصرية للنفاذ للسوق العراقية. ومن المرجّح أن تشمل مجالات التعاون المستقبلية تشييد مركز تجاري للمنتجات المصرية في بغداد، وإنشاء منطقة لوجيستية لتخزين البضائع المصرية على الحدود العراقية الأردنية، مع تبادل المعلومات التجارية وبيانات المصدّرين والمستوردين، مع ضمان حرية انتقال السلع المصرية للسوق العراقية، بالإضافة إلى التعاون في مجالات البترول والغاز والكهرباء والطاقة والإسكان والمقاولات والنقل البري والبحري والجوي .هذا جانب إلى أهمية تفعيل مجلس الأعمال المصرى العراقى المشترك ، لدوره الرئيسى في تنشيط حركة التجارة البينية والاستثمارات المشتركة خاصة، وأن القطاع الخاص في البلدين يمثل الركيزة الأساسية لتعزيز العلاقات الاقتصادية المصرية العراقية المشتركة، لافتةً إلى أنه تم الاتفاق على إعادة تشكيل المجلس من الجانبين، وعقد أول اجتماع للمجلس في أقرب وقت ممكن .

المشروعات الاستثمارية:

يأتى العراق في المركز 25 بين الدول المستثمرة فى مصر. حيث بلغ حجم الاستثمارات العراقية فى مصر نحو 490 مليون دولار من خلال 3329 شركة. حيث تستثمر 25٪ من الشركات العراقية في القطاع الصناعي ، و 24٪ في القطاع الزراعي ، و 22٪ في قطاع الخدمات ، و 20٪ في السياحة وتسعى الحكومة المصرية لتقديم كافة أوجه الدعم للعراق من أجل المساهمة في مشروعات إعادة الإعمار وجهود تنمية وتطوير قطاعي الصناعة والتجارة. ومن أهم تلك المشروعات المشتركة بين الجانبين:

  • اقامة خط للربط الكهربائي بين البلدان الثلاثة بقدرة ألف وات.
  • التعاون في مجال تطبيق التحول الرقمي في منظومة دعم السلع.
  • توفير الفصول الذكية، وتدبير محتويات “المكتبة الرقمية” والمنصات التعليمية المختلفة.
  • التعاون في تنفيذ صوب زراعية، ومشروعات للبذور والتقاوي.كذلك فى تجارب الحجر الزراعي، ومساعدة المزارعين ، وإنشاء محطة فرز وتعبئة للحاصلات الزراعية.
  • تأهيل المصانع الحربية العراقية ورفع كفاءة خطوط الإنتاج بها، وكذا المعاونة في إعداد المواصفات التصميمية والمتطلبات الفنية والتكنولوجية لإنشاء خطوط إنتاج متكاملة في مختلف المجالات الصناعية.
  • الاتفاق على خلق تحالفات للتصنيع المشترك وتنفيذ مشروعات إعادة الإعمار.

مشروع الشام الجديد:

يقوم على أساس التفاهمات والمصالح الاقتصادية في المقام الأول بين العراق ومصر والأردن جاء نتيجة لانعقاد قمة بين الزعماء الثلاثة  في 25 أغسطس 2020 أثمرت عن مشروع “الشام الجديد” ويعتمد المشروع على التكامل بين مصر بالعمالة والعراق بالنفط والأردن بالموقع الجغرافي بينهما، ويستهدف التحالف حصول كل من مصر والأردن على النفط العراقي بأسعار منخفضة، وذلك عن طريق إنشاء خط نفط عراقي من البصرة إلى ميناء العقبة بالأردن ثم إلى مصر عبر البحر الأحمر، ويستهدف التحالف أيضًا تصدير الكهرباء المصرية للعراق والأردن، ومن ثم تطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، والتعاون في قطاعات الصحة والبنية التحتية وإعادة الإعمار، وزيادة التبادل التجاري بين الدول الثلاث. فالمشروع يوزع مهمات هذا التكتل الاقتصادي بين (كتلة نفط- كتلة موارد طبيعية وبشرية- حلقة وصل)، هذا المشروع مدفوع بسوق استهلاكي ضخم قوامه (152) مليون مستهلك تشكل حوالي 33 % من سكان منطقة الشرق وشمال إفريقيا، وقوى عاملة يقارب تعدادها (42) مليون شخص مع ناتج إجمالي للبلدان الثلاثة يقدر بحوالي (575) مليار دولار حسب أرقام البنك الدولي.

كما يرتكز تحالف “بلاد الشام الجديد”، بالدرجة الأولى على الأبعاد الاقتصادية والاستثمارية والجوانب السياسية والأمنية. وعقدت الدول الثلاث قمة في 27 يونيو الماضى في بغداد للمضي قدما في مشروع الشام الجديد . مؤكدين على أن التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث سيتوسع في الفترة المقبلة ، خاصة فيما يتعلق بمشروعات الربط الكهربائي، حيث تسعى مصر لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة وتصدير الغاز إلى الأردن.

وتأسيساُ على ما سبق، وبعيدا عن ذكر الأبعاد السياسية والأمنية لقمة دول الجوار فى بغداد، تعتبر تلك القمة هي خطوة في طريق عودة العراق للعب دوره التاريخي الكبير في الإقليم، خاصة بعد المجهود الذي بذله رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لفتح صفحات جديدة مع دول الجوار خلال الأشهر الماضية. كما جاء الدور المصرى واضحاً خلال تلك القمة ، حيث دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتعاون والشراكة مع العراق الدولة العريقة ذات السيادة , ومساندته فى الجوانب الاقتصادية والتنموية لدعم أمنه واستقراره. ، حيث لا سبيل للاستقرار السياسى والأمنى دون استقرار اقتصادى وتنمية حقيقية على أرض العراق. ومن المرجح أن يكون مشروع الشام الجديد نواة لتكتل أوسع، قد يضم قريبا دول عربية أخرى، ليصبح ذلك المشروع الهام الذى يربط مصر بدول الشام جغرافيا قبل أن يكون ربطا اقتصاديا عبر شبه جزيرة سيناء، التي تشهد حالياً تنمية شاملة، وهو ما يعكس تأثير ذلك المشروع على خرائط القوى والنفوذ بمنطقة الشرق الأوسط، ودوره المتوقع فى إحداث تنمية اقتصادية لدول المنطقة.

 

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى