توقيت ودلالات.. ماذا قصد “آبي أحمد” من زيارته إلى أنقرة؟
أجرى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد زيارة رسمية إلى تركيا في الثامن عشر من أغسطس الجاري، تلبية لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقد تزامنت الزيارة مع الذكرى الـ 125 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكان من البديهي أن تثير تلك الزيارة مجموعة من التساؤلات حول أهدافها بالنظر إلى توقيتها، الذي جاء بعد أقل من أسبوع من زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى أنقرة، خاصة في ظل وجود خلافات واضحة للعيان بين الخرطوم وأديس أبابا، سواء ما ارتبط منها بالنزاعات الحدودية حول إقليم الفشقة، هذا فضلا عن قضية سد النهضة الإثيوبي.
وكان الرئيس التركي قد قدم عرض للوساطة على الجارتين السودان وإثيوبيا والتفاوض لحل الخلافات بينهما، بعد أسبوعين من محادثة هاتفية بين أردوغان وآبي أحمد، تعهد فيها أردوغان بتقديم كافة أنواع الدعم لأديس أبابا، وهذا بالطبع في إطار التحركات التركية في الفترة الأخيرة لخدمة أهداف أنقرة في القارة السمراء من ناحية، وتحريك المياه الراكدة في ملف المصالحة مع مصر من ناحية أخرى.
وفي هذا التحليل، نتوقف عند أبعاد الزيارة ونتائجها وأهدافها، ومدى إمكانية تحقيق النتائج المرجوة منها من عدمه على مستوى كافة الدول المعنية، وانعكاسات الوساطة التركية على العلاقات بين أنقرة وأديس أبابا، وكذلك على علاقات كل منهما بالقاهرة.
تقارب.. “أنقرة “و“أديس أبابا”:
العلاقات بين البلدين عميقة – وإن تخللها بعض الخلافات -ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة سعي كلا الجانبين لتوطيد العلاقات أكثر، في إطار اهتمام أنقرة بالقارة الأفريقية كما ذكرنا، وللتغطية على الأوضاع الداخلية المتأزمة في أثيوبيا، الخاصة بإقليم التيجراي، وقد تمثل هذا التقارب الواضح مؤخرا فى:
(*) توقيع اتفاقيات تعاون: حيث صرحت وزارة الخارجية الإثيوبية بعد الزيارة الأخيرة، بأنه تم توقيع 4 اتفاقيات، شملت مذكرة تفاهم للتعاون في مجال المياه، واتفاقية في الإطار العسكري، وبرتوكول خاص بتنفيذ المساعدات المالية، واتفاقية التعاون المالي العسكري.
(*) المدارس التابعة لتنظيم جولن: حيث تقدمت إثيوبيا بتسليم كافة المدارس التابعة لتنظيم فتح الله جولن الموجودة بإثيوبيا إلى وقف المعارف التركي ) هو مؤسسة تهدف لتقديم مختلف الخدمات التعليمية بالخارج باسم تركيا (ويذكر أن عدد المدارس التابعة للحركة، التي تم تسليمها يبلغ 11 مدرسة بقرار قضائي.
(*) الاستثمار والتبادل التجاري: حيث تعد تركيا ثاني أكبر مستثمر أجنبي في إثيوبيا بعد الصين، برأس مال يصل إلى نحو 2.5 مليار دولار، ويعتبر ذلك ضمن مساعى أردوغان لتعميق العلاقات مع دول القارة الأفريقي، كما ارتفع معدل التبادل التجاري بين البلدين خلال العامين الماضيين بمقدار 200 مليون دولار، حتى وصل إلى 650 مليون دولار، فضلا عن الشركات التركية التي توظف ما يقارب من 30 ألف إثيوبي، وقد بلغ عدد هذه الشركات حوالي 200 شركة تركية.
قضايا خلافية:
وفقا للمراقبين لتحركات الطرفين ومتابعة ما حدث، فإنه تم رصد عدة قضايا عالقة، أراد أردوغان أن يكون طرفاً في حلحلتها أو استخدامها كنوع من سياسية التحوط الاستراتيجي، وهي:
(&) النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا: تحاول أنقرة التوسط بين إثيوبيا والسودان لحل الخلاف الحدودي بينهما على منطقة الفشقة، الذي يعود إلى خمسينات القرن العشرين، وهي أرض خصبة، محاطة بثلاث أنهار، ضمن الحدود الدولية للسودان وفقا 1902، التي أكدتها اتفاقي 1972، يسكنها المزارعون الأثيوبيون. وكان الجيش السوداني قد أعلن السيطرة عليها في أواخر العام المنصرم، وحاليا الخلاف مستمر بين الخرطوم وأديس أبابا حول أحقية كل منهما في منطقة الفشقة، حيث بدأت إثيوبيا بافتعال الخلافات، وطالبت بإعادة التفاوض على الحدود، باعتبار أن اتفاق 1902 الذي أبرمه إمبراطور إثيوبيا منليك الثاني مع الاستعمار البريطاني لا يمثلها.
(&) الخلاف حول سد النهضة: عرض الرئيس أردوغان الوساطة للتوصل إلى حل لأزمة سد النهضة بين السودان وأثيوبيا، ونال العرض مباركة الطرفين أثناء زيارة كل منها لأنقرة، خاصة أن إثيوبيا سبق وأن طلبت من أنقرة التوسط في خلافاتها مع السودان، ورجح بعض المحللين إمكانية التوصل إلى حل مرضي للطرفي، خاصة حول مسألة الخلاف الحدودي، أما عن قضية سد النهضة؛ فإنها قضية معقدة، وتحتاج لبذل جهود أكبر، وتدخل أطراف حاسمة، وتوافق بين الدول المعنية بالأزمة، فضلا عن ضرورة انضمام القاهرة لتلك المفاوضات، وقبولها بعرض الوساطة التركية، في ظل عدم اكتمال جهود المصالحة مع أنقرة.
ماذا عن القاهرة ؟:
بعد أن كانت تكثفت الجهود والاتصالات الدبلوماسية، خاصة من قبل تركيا، لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها بين تركيا ومصر، إلا أن الموقف في الوقت الحالي شابه الغموض، من دون معرفة نتيجة الاتصالات السابقة، أو النقاط الخلافية التي عرقلت جهود المصالحة، رغم ذلك؛ فقد رجح البعض أن الوساطة التركية بين السودان وإثيوبيا سوف تشمل مصر بشكل أو بآخر، باعتبارها اللاعب الأبرز في الأزمة، وأشاروا إلى إمكانية أن يكون للقاء الأردني التركي القطري الذي عقد مؤخرا دورا في قبول القاهرة الوساطة التركية، كذلك القمة العراقية الأخيرة، وما يدعم هذا الطرح إن تصريحات أردوغان عن قدرة بلاده على القيام بالوساطة الناجحة، من المؤكد أنه بناءا على تواصل جدى مع المسئولين في كل الدول المعنية بأزمة سد النهضة، وبيده أوراق تخدم دور الوساطة.
ومن جهة أخرى؛ يرى بعض الخبراء أن موافقة مصر على التفاوض مع تركيا بشأن السد سيتوقف على مدى نزاهة الوساطة التركية، بالنظر إلى حجم الاستثمارات والصفقات العسكرية مع الجانب الإثيوبي، الذي يقابله تعثر أو تباطؤ في جهود المصالحة مع مصر.
محصلة التحليل؛ إن تركيا تسعي لأن تكون صاحبة دور مؤثر في القارة السمراء، وذلك من خلال زيادة حجم استثماراتها، وتصدير الصفقات العسكرية الدفاعية إلي الدول الأفريقية، وبالأخص السودان وإثيوبيا، لأنها أيضا بذلك ستفتح بابا آخرا في طريق المصالحة مع مصر، لذلك فإن التفاهمات بين أنقرة وأديس أبابا ومن قبلها السودان غير موجهة ضد مصر أو لتطويقها بالمعني المعروف، لكن يمكن اعتبارها نوع من المناوشة لخطب ود القاهرة، لتحسين العلاقات مع أنقرة وقبول وساطتها في ملف سد النهضة، كما أنها نوع من المناورة السياسية لتوصيل رسائل معينة سواء إيجابية أو سلبية، مفادها أن تركيا ستعمد لأن تكون فاعل مؤثر في منطقة حوض النيل لحماية مصالحها القومية.