هل يُغير ” عبداللهيان” في أجندة السياسة الخارجية الإيرانية؟
ضياء نوح- باحث ببرنامج الدراسات الإيرانية.
ينتظر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي غداً الأربعاء منح الثقة لحكومته الجديدة من قبل البرلمان، مع استمرار عرض المرشحين لبرامجهم، في تشكيلة وزارية غلب عليها التيار المحافظ وجنرالات الحرس الثوري. ومع تصدر قضايا الاقتصاد ومكافحة فيروس كورونا أجندة الحكومة، سعى المرشح لمنصب وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان إلى التأكيد على أن برنامجه يعتمد على استعادة التوازن في السياسة الخارجية بالتركيز على الدبلوماسية الاقتصادية بجانب قوة الميدان، في إشارة للنشاط الإقليمي لبلاده.
وتأسيسا على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى التعرف على ملامح السياسة الخارجية الإيرانية في الفترة المقبلة من واقع تصريحات مسئولي ملف السياسة الخارجية على المستوى التنفيذي وبقراءة التفاعلات الإقليمية والدولية لطهران ووكلائها.
ما الذي يعكسه اختيار “عبداللهيان”؟:
يمتلك أمير عبداللهيان خبرات مكتسبة من تأهيله العلمي وعمله الدبلوماسي، فهو أستاذ جامعي تحصّل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة طهران، قبل أن ينضم للعمل الدبلوماسي عام 1992 وكثيرا ما حرص على دعم ومناصرة الحرس الثوري وذراعه الخارجي فيلق القدس، ويعكس اختياره للمنصب الأبعاد التالية:
(*) انخراطه في الشئون الإقليمية: يجيد عبداللهيان اللغة العربية، وهو ما أهله للعمل منذ سنواته الأولى في المنطقة بداية من العراق كنائب للسفير في الفترة من 1997 إلى 2001، ثم مساعدا لوزير الخارجية لشئون الخليج، قبل أن ينتقل لمنصب المساعد الخاص للوزير للشئون العراقية من 2003 إلى 2006. وفي 2007 تم تعيينه سفيرا لدى مملكة البحرين، وانتهت خدمته في الوزارة باستبعاده عام 2016 حينما كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشئون العربية والإفريقية.
(*) قربه من فيلق القدس: يعد عبداللهيان من أبرز الدبلوماسيين ارتباطا بفيلق القدس، ويمتلك علاقات جيدة بوكلائه الإقليميين فيما أسماه بـ”محور المقاومة الدولي” على رأسها ميليشيات العراق وحزب الله اللبناني. ويُذكر أن قاسم سليماني عقب خروج عبداللهيان من وزارة الخارجية، توسط لدى رئيس البرلمان آنذاك علي لاريجاني لتعيينه مساعدا للشئون الدولية، وهو المنصب الذي استمر فيه مع رئيس مجلس الشورى الحالي محمد باقر قاليباف.
(*) التماهي مع توجهات القيادة: في خطابه أمام مجلس الشورى لطرح رؤيته لملف السياسة الخارجية تعرض عبداللهيان بالنقد لعهد الوزير محمد جواد ظريف وتمحور سياسته حول الملف النووي، وهو في ذلك يعبر عن موقف المرشد على خامنئي الذي سعى مؤخرا للتأكيد على موقفه السلبي من الاتفاق من خلال نشر مقطع فيديو لاجتماع سري مع مجمع تشخيص مصلحة النظام يعود إلى أبريل 2012، وتضمن نقدا من المرشد لـ “رفسنجاني” وحسن روحاني في الحديث عن إيجابيات التفاوض مع الولايات المتحدة دون السلبيات. كما أولى جانبا من حديثه لدور فيلق القدس في المنطقة، مؤكدا أن الميدان سندا قويا للدبلوماسية، في إشارة لحديث ظريف عن دور قاسم سليماني الذي انتقص من مكانته ودوره في صنع السياسة الخارجية لإيران.
(*) خبرته التفاوضية: حيث كان عضوا في اللجنة السياسية والأمنية في المفاوضات النووية عام 2001 وشارك في مباحثات إقليمية ودولية متنوعة منها المباحثات مع الجانب الأمريكي في بغداد 2007 بشأن الترتيبات الأمنية في العراق، وكان على رأس وفد دبلوماسي في لندن لإعادة فتح سفارة بلاده لدى بريطانيا عام 2015، فضلا عن لقاءاته مع ممثلة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي الخاص بسوريا للتباحث بشأن حل الأزمة السورية.
ويتضح من استعراض تلك المحطات البارزة في حياة أمير عبداللهيان، وجود بعض الاختلافات عن سلفه محمد جواد ظريف، فعلى الرغم من كونهما أكاديميين في العلاقات الدولية إلا أن الأخير درس في الولايات المتحدة واتبع نهجا أكثر انفتاحا للتقارب مع القوى الغربية. بينما تلقى عبداللهيان تعليمه بالكامل في طهران ويحظى بالقبول لدى الدوائر الصلبة في عمق النظام الإيراني ممثلة في الحرس الثوري وحتى داخل التيار المتشدد، كما تجمعه علاقات مع الميليشيات الموالية لإيران في كل من العراق وسوريا ولبنان، مما يعطيه مساحة أكبر من سابقه في صنع السياسة الخارجية المتعلقة بالدرجة الأولى بتوجيهات المرشد الأعلى.
كما أنه لا يبدو أقل براجماتية من جواد ظريف، على الرغم من تصريحاته المتشددة بشأن دول الخليج العربي، فهو أقل تشددا ضمن معسكره، كما أنه يدرك توازن القوى بالداخل الإيراني معولا عليه في سبيل الوصول لمنصب وزير الخارجية. وعلى الرغم من وصفه بالمناهض للغرب وإعلانه أولوية العلاقات مع دول الجوار والدول الإسلامية والآسيوية، إلا أنه قد انخرط سابقا في مفاوضات مع الولايات المتحدة في العراق باقتضاء الضرورة، وهو ما أكد عليه ضمنا بإتباع كل السبل لرفع العقوبات عن بلاده.
قضايا ملحة:
في البداية، يمكن القول أن السياسة الخارجية لإيران لن تشهد تغيرات جذرية في ظل حكومة إبراهيم رئيسي نظرا لارتباطها بتوجهات المرشد الأعلى علي خامنئي، والذي عكف على إعادة هندسة المعادلة السياسية في بلاده على مدى الشهور المنصرمة ليهيمن التيار المتشدد على المؤسسات المنتخبة لصالح توحيد الموقف الإيراني داخليا وخارجيا. وتعد الاضطرابات والأزمات بالداخل أبرز التحديات التي تواجه طهران لاقترانها بأوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، سوء التعامل مع أزمة تفشي فيروس كورونا، وهو ما سيعطي أثره بالطبع على سياسة إيران الخارجية، وذلك على النحو التالي:
(&) القضايا الاقتصادية والمالية: تتطلع إيران لمعالجة أزمتها الاقتصادية بالتركيز على مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية، خاصة مع دول الجوار ومحيطها الآسيوي، في إطار تعويل طهران على العلاقات مع روسيا والصين وغيرهما من القوى الآسيوية في مواجهة الضغوط الغربية، إذ تأمل أن تحظى بعضوية كاملة في منظمة شنغهاي للتعاون بدعم موسكو وبكين خلال القمة المقبلة في سبتمبر مع تأكيد علي شمخاني أمين المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني زوال العوائق لانضمام بلاده للمنظمة، بيد أن قبول طلبها المعلق منذ 2008 يظل محل تساؤل مع استمرار العقوبات الاقتصادية ومصالح الدول الأعضاء المتنامية في منطقة الخليج العربي بشكل أساسي.
وتحتل كذلك الأصول الإيرانية المجمدة بالخارج أهمية كبيرة في هذا الصدد، حيث تفوق قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، إذ حازت، مؤخرا، على جانب من مباحثات إبراهيم رئيسي مع وزير الخارجية الياباني توشيميتسو موتيجي أثناء زيارته لطهران الأحد الماضي طلبا الإفراج عن 3 مليارات دولار.
(*) دعم الوكلاء الإقليميين: من غير المتصور أن تلتفت إيران للداخل وتتخلى عن نفوذها الإقليمي، الذي ساهم في إعطائها دورا إقليميا مؤثرا ومتداخلا في كل ملفات المنطقة، ففضلا عن مساعي طهران للنفاذ إلى البحر المتوسط لأغراض اقتصادية وجيوستراتيجية، يؤمن انتشار ميليشياتها على امتداد دول العراق وسوريا ولبنان، بجانب اليمن، بناء استراتيجية ردع تنقل من خلالها المعركة بعيدا عن حدودها وترفع كلفة أي عمل قد يستهدفها.
وتُرجم هذا الاتجاه بتأكيدات من مستويات مختلفة؛ ففي أول كلمة للرئيسي الإيراني عقب إعلان فوزه بالانتخابات في يونيو الماضي، حيث أكد على ضرورة أن توقف المملكة العربية السعودية “هجماتها التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية في اليمن”، فيما أعلن أمير عبداللهيان في حديثه أمام مجلس الشورى أهمية دعم ما أسماه “محور المقاومة الدولي في غرب آسيا” في تحقيق الاستقرار والأمن المستدام في المنطقة، حيث يشير المصطلح الأخير حسب المنظور الإيراني إلى عدم الاعتماد على القوات الأمريكية والدولية.
كما أعلن أمين عام ميليشيا حزب الله اللبناني حسن نصر الله توجه سفينة إيرانية تحمل مواد نفطية للبنان ضمن مسار دعم البلاد بما تحتاجه من المحروقات، والذي يأتي في إطار تخفيف الضغوط على الحزب والتيارات المتحالفة معه، في ظل تعطل مسار تشكيل حكومة اللبنانية.
(*) العلاقات مع دول الجوار: أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على أولوية إصلاح العلاقات مع دول الجوار، وخاصة المملكة العربية السعودية، مضيفا أنه لا توجد عوائق أمام عودة العلاقات الدبلوماسية مع الرياض، في أولى رسائله الخارجية عقب إعلان فوزه بالانتخابات، كما تجاوب إبراهيم رئيسي مع الرسائل الخليجية المهنئة له، وبادر بمحادثة سلطان عُمان السلطان هيثم بن طارق، هاتفيا، للتهنئة بعيد الأضحى المبارك ليؤكد على أهمية مسقط في السياسة الإقليمية لإيران، فضلا عن أولوية تعزيز العلاقات الاقتصادية معها.
وفي الاتجاه الشرقي، تبدو الأمور أكثر تعقيدا مع سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، حيث شهدت فترة الوجود الأمريكي تنسيق وتعاون بين الحركة والسلطات الإيرانية، كما تواصلت اللقاءات في الفترة الماضية واستضافت طهران مباحثات بين طالبان والحكومة الأفغانية السابقة، إلا أن الاعتبارات الأمنية تختلف مع وصول الحركة للسلطة، وهو ما قد يدفع باستنساخ تجربة الحشد الشعبي العراقي في أفغانستان مع التوجه في الفترة الأخيرة لتسليح الشيعة الهزارة في العاصمة كابل.
وعلى الرغم من مخاوف بعض الدوائر بالداخل الإيراني من أن تسليح الهزارة أو الاستعانة بميليشيا فاطميون الأفغانية العاملة في سوريا، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إبادة الشيعة هناك، إلا أن خيار التصعيد مع حركة طالبان من عدمه يخضع لعدة اعتبارات من بينها؛ شكل الحكومة التي تنوي تشكيلها وما إذا كانت شاملة لكافة الأطياف والقوى الأفغانية، الترتيبات الحدودية بين الجانبين وحركة اللجوء إلى الأراضي الإيرانية، والأهم قدرة الحركة على فرض نظامها بالقوة أو التوافق، خاصة مع تشكيل جبهة المقاومة الأفغانية في بنجشير والتي تعد امتدادا لتحالف الشمال.
وإجمالا وبناءا على ما سبق، يتضح التأثير الكبير للعقوبات الأمريكية على إيران والتي تمتد آثارها لخطط التعاون مع حلفاء إيران الموثوقين وفي مقدمتهم الصين، مما يعطي أولوية تلقائية للعودة إلى الاتفاق النووي ومسار جنيف عبر تحقيق أقل قدر من الخسائر وضمن مدى زمني محدد بطلب إبراهيم رئيسي. وفي تلك الأثناء من المنتظر أن تعود المحادثات مع المملكة العربية السعودية في أقرب وقت حول العلاقات الثنائية والأزمة اليمينية، بالتوازي مع مساعي تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الخليجية لتخفيف حدة التوترات بين الجانبين.