الاستضعاف عند السلفية.. لماذا جرم “حسان”  أفعال “الإخوان” أمام المحكمة؟

بدا حسان أكثر ثباتا وأكثر ذكاءاً من سلفه يعقوب، على مدار 160 دقيقة قضاها أمام المحكمة للإدلاء بشهادته، حيث حضر الداعية محمد حسان للمرة الأولى في حياته أمام الدائرة الخامسة إرهاب، بمحكمة جنايات أمن الدولة طوارئ، برئاسة المستشار محمد السعيد الشربينى، بناءاً على طلب دفاع المتهمين في قضية داعش إمبابة، لسماع أقواله في اعترافات المتهمين، التي أكدت على أن “ما قاموا به من جرائم عنف وقتل تأثرت بخطب ودروس مشايخ السلفية، وعلى رأسهم يعقوب وحسان”، وهو مما يطرح التساؤلات الآتية، وهي: ما مدى تأثير خطاب السلفية، الذى عج المساجد على مدار سنوات على ارتكاب الإرهاب؟، وما هي دلالة تبرأ أقطاب شيوخ السلفية من أفكارهم أمام القضاء، وما تأثير ذلك على قواعدهم؟، وما هو تأثير شهادة محمد حسان ضد جماعة الإخوان على مستقبل الجماعة الإرهابية وعلاقته بعناصرها؟.

محاولة لإنقاذ الذات:

قال الداعية السلفى محمد حسان أمام المحكمة، “أي جماعة ارتكبت العنف باسم الدين، هي جماعة منحرفة تواجه أمنيا وتحاكم بالقانون”، على الرغم من العبارات الفضفاضة مثل “جماعة منحرفة”، التي استخدمها حسان في وصف الجماعات الإرهابية، إلا انه أراد بقوله التبرؤ من ارتكاب العنف، وإنقاذ نفسه من تهمة تحريض الشباب على ارتكابه والتدبير للقيام به.. فما التهم التي وجهتها النيابة لمتهمي قضية داعش إمبابة؟، وللوقوف على حقيقة الأمر. وجهت النيابة العامة للمتهمين تهم من أهمها: تولى قيادة جماعة إرهابية، الهدف منها الدعوة إلى الإخلال بالنظام العام وسلامة المجتمع، وتعريض أمنه للخطر، وتعطيل الدستور والقوانين في الدولة، ومنع مؤسسات الدولة عن ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين.

بقراءة هذه التهم، هل ساعد “حسان” بخطبه في الشباب، على ارتكاب أيا من هذه الجرائم السابق ذكرها؟، وعليه، يمكن القول إن الداعية المعروف له خطب ودروس، يتحدث فيها عن كُفرية القوانين الوضعية الفاجرة على حد قوله، ونتيجة لذلك فالدولة والمجتمعات التي تحتكم إلى تلك القوانين كافرة، دون أن يصرح الداعية بذلك. إذن احتمالية أن يتأثر بحديثه البعض، وينضم لجماعة إرهابية ويمارس العنف ضد هذه الدول والقوانين قائمة، وهو يعلم هذا، فالداعية يبدو أكثر ذكاءا من غيره من دعاة السلفية، فلم يعرض نفسه للوقوع تحت طائلة القانون، فلم ترصد له خطبة أو حديث خاصة، بعد سقوط الإخوان يحرض على العنف، فقد قفز من مركب الإخوان الذي كان داعما لهم وقت حكمهم، ولحق بتأيد الدولة، وخاصة بعد أن تأكد له قوتها.

وبالتالي، فقد تبرأ حسان من كل الجماعات التكفيرية (جماعة الإخوان، داعش، القاعدة …وغيرهم) التي شربت إيديولوجيتها من الفكر السلفى الأصولي، وإن تحفظ بعض دعاة السلفية وانتبه، بأن لا يشكل حديثهم جريمة، فإن النبع الذى تنهل منه كل الجماعات التكفيرية واحد.

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ الفكر السلفى يكفر أهل الكتاب، ويحرم تهنئتهم بأعيادهم، ونتج عن ذلك تفجير وحرق كنائسهم، حتى أن الداعية حسان كرر في معرض أقوالة أمام المحكمة، واصفاً أهل الكتاب بالذميين، غير منتبه أن الدولة والقانون يعتبرونهم مواطنين كاملي المواطنة، يدفعون الضرائب ويؤدون الخدمة العسكرية، فلا محل إذن لاستخدام مصطلح ذمى، الذى أُستخدم في عصور الإسلام الأولى، فكان يدفع أهل الكتاب الجزية مقابل الحماية في بلاد المسلمين، بهذا تخرج بعض الكلمات من الشخص تعبر عن حقيقة أفكاره عن دون قصد.

تراجع إلى مربع الاستضعاف:

يتهم الإخوان بعض أقطاب السلفية بالتلون، وينعتوهم بالشيوخ أصحاب المواقف الرمادية، الحقيقة أن بعض قادة الدعوة السلفية فطنوا الإشارات منذ اللحظة الأولى، عقب سقوط الإخوان وإزاحتهم عن الحكم، فنزلوا من مركب الإخوان، بعد دفاع مستميت عنهم وتأييد عميق لهم، حتى أن قواعد السلفية لم تكن بنفس القدر من الذكاء، فظلت الكتلة الكبيرة والمؤثرة، في المظاهرات والاعتصامات المسلحة للإخوان إلى أوقات متأخرة، مما يعكس أن الفكر السلفى هو أساس تأصيل العنف والإرهاب.

عليه، فقد لحق قادة الفكر السلفى بالدولة، وشاركوا في خطاب 3 يوليه 2013 من خلال ذراعهم السياسي “حزب النور”، بهذا رجعت الدعوة السلفية وأقطابها إلى مربع الاستضعاف، فحسان ورفاقه متمرسين في متى وكيفية التعامل وفقا لأدبيات التمكين، ومتى التراجع عدة خطوات إلى التعامل بأدبيات الاستضعاف. فالشيخ تبرأ من كل الجماعات التكفيرية، التي كان على توافق معها أثناء حكم الإخوان الإرهابية، في حضرة المحكمة التي تحكم بالقوانين الوضعية، والقاضى الذى يحكم بالقوانين الوضعية الفاجرة، وفقا لقوله عن القوانين الوضعية، ومع ذلك لم يجرأ على الإفصاح عن هذه الأفكار، ولكن راوغ وتوافق وهادن للنجاة بنفسه، من تهم ربما تودي به خلف القضبان أو على المشنقة.

بناء على ما تقدم؛ بعد سقوط الأقنعة والقداسة عن بعض أقطاب الدعوة السلفية، قد يؤدى هذا المشهد إلى انقسام في قواعد الدعوة السلفية، بين من يتفهمون موقف مشايخهم، ويرجعون معهم إلى مرحلة الاستضعاف، وبين من يفقدون الثقة في هؤلاء المشايخ ويتخذون طريقا أكثر عنف، أو يبحثون بأنفسهم عن صحيح الإسلام في مسارات أخري.

الإخوان في مأزق ممتد:

الجماعة الإرهابية استشاطت من موقف حسان ويعقوب، وأقوالهم عنها أمام المحكمة، فحسان أدعى بأن الجماعة بدأت دعوية ثم تركت الدعوة وقصرت فيها، ولجأت إلى العمل السياسي طمعا في الحكم، هذه الشهادة لم يفقد بها السلفيين الإخوان، لأنهم فقدوا تحالفهم معهم بالفعل منذ أن سقطوا من السلطة.

إذن، لم يخسر أقطاب السلفية شيء بشهادتهم ضد الإخوان، والسؤال هل عرف السلفيين مؤخرا بأن جماعة الإخوان مُقصرة في الدعوى، واتجهت إلى العمل السياسي؟، بالطبع أقطاب السلفيين على علم بل وخبرة واسعة، بأن جماعة الإخوان منذ نشأتها هي جماعة سياسية، بل تختلف عن أي حزب يمارس السياسة، بأنها مسلحة، فالجماعة منذ نشأتها لديها فرق كشافة تمارس التدريب العسكري والاستعراض بالقوة، وهذه الفرق ما هي إلا تمويه على امتلاك الجماعة لتنظيم خاص مسلح، أُستخدم في ارتكاب الكثير من التفجيرات والاغتيالات عبر التاريخ، وإلى وقت قريب في أوقات الصدام مع مؤسسات الدولة المصرية.

عليه، يمكن القول إن السلفيين على علم بأن الإخوان، جماعة مسلحة تسعى للسلطة منذ نشأتها، وتراجع أقطاب الدعوة السلفية عن تأيدهم، هو نوع من المواءمات، عندما تأكدوا بأن الجماعة لن تحصد إلا الخسائر لفترة بعيدة، فوجدوا من الأفضل الرجوع خطوة إلى مربع الاستضعاف، والانتظار إلى أن تحن فرصة أفضل للتمكين، وفرض أفكارهم الظلامية، بذلك لن تقم قائمة لجماعة الإخوان الإرهابية ربما لعقود، بعد أن تخلى كل الأطراف الفاعلين عنهم، من دول وتيارات وأفراد، فإعادة الجماعة ترميم نفسها أصبح شبه مستحيل وفقا للمعطيات.

أخيرا؛ من كل ما سبق، يدعوا المشهد، الذى نعيشه إلى استيعاب الدرس، فإعطاء الأمان لتك الجماعات الظلامية، لا طائل منه إلا في تخرج دفعات جديدة من التكفيريين، حتى دون أن يحرض قادتهم على ارتكاب العنف. فالفكر السلفى الأصولى يعد المادة الخام التي يتشكل منه الإرهابي، الذى يقاتل في صفوف الجماعات الإرهابية بأسمائها المختلفة. إذن تجريم الإعلان عن هذه الأفكار، يجب أن تكون أولى أولويات الدولة في الفترة القادمة، والمواجهة الفكرية لن تنتهي.

 

أسماء دياب

د. أسماء دياب، المدير التنفيذي للمركز، ورئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب، دكتوراه في القانون الدولي- كلية الحقوق جامعة عين شمس، حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. وحاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة، خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى