ماذا ينتظر إسرائيل بعد تنصيب رئيسي؟
تشهد العلاقات الإيرانية الإسرائيلية تصاعد في التوترات خلال الفترة الأخيرة خاصة مع مجيء رئيسي المتشدد لسدة الحكم مما ينبئ بتحولات في العلاقات وتغيير م ايسمى بـ “حرب الظل”، إلى المواجهة المباشرة أو المواجهة العسكرية، والتي تنطوي على اغتيالات يشتبه بأن إسرائيل نفذتها ضد علماء نوويين إيرانيين والعديد من المحاولات الناجحة لتخريب البرنامج النووي الإيراني، وفضلاً عن الهجمات على سفن الشحن، ويبدو أن الحرب الخفية الطويلة وغير المعلنة بين اثنين من أكثر الخصوم في الشرق الأوسط عناداً وتصلبًا؛ “إيران وإسرائيل”، آخذة بالتصعيد مما يمثل تحدياً جديداً على إيران في فترة تعاني فيها الكثير من المشكلات والأزمات سواء كانت داخلياً أو خارجياً وملفات ساخنة على طاولة رئيسي بعد تنصيبه رسمياً كرئيساً جديداً لإيران.
هل تشهد المنطقة مزيداً من العنف خلال فترة رئيسي؟:
بدأت رسمياً فترة رئاسته ذات الأربع سنوات بعد تنصيبه من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي، فقد أدى إبراهيم رئيسي اليمين الدستورية أمام البرلمان في إيران ليصبح بذلك الرئيس الثامن للجمهورية الإسلامية أمام مجلس الشورى، وقد تمت مراسم تنصيب رسمية بحضور شخصيات أجنبية وعشرات الوفود الرسمية، حيث شارك 115 مندوب من 73 دولة حفل أداء القسم الرئاسي. بينهم 10 رؤساء دول، 20 من رؤساء البرلمانات، 11 وزير خارجية و10 وزراء و11مندوبا من مؤسسات دولية وإقليمية، وبين هؤلاء، رئيسا العراق وأفغانستان، ورؤساء برلمانات روسيا، وجنوب أفريقيا، وسوريا، وغيرها، ويعزز وصول رئيسي للرئاسة مكاسب المحافظين الذين حققوا انتصاراً في انتخابات 2020 التشريعية. ومن المتوقع أن يعيّن رئيسي أعضاء حكومته في موعد أقصاه أسبوعين، ويبدأ الرئيس الجديد عهداً يواجه فيه تحديات اقتصادية داخلية وتجاذباً مع الغرب، بشأن العقوبات الأمريكية والمباحثات النووية، وسيكون الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، أمام ملفات خارجية عديدة في مطلع ولايته الممتدة أربعة أعوام، أبرزها التوترات مع الغرب ومباحثات إحياء الاتفاق حول برنامج طهران النووي الذي انسحبت واشنطن أحادياً منه قبل ثلاثة أعوام.
حرب خفية وتحولاً خطيراً:
ستكون أولى التحديات التي يواجهها رئيسي، اتهامات من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، بالمسؤولية عن هجوم على ناقلة نفط يشغلها رجل أعمال إسرائيلي في بحر العرب، أدى إلى مقتل اثنين من طاقمها، بريطاني وروماني، وذلك يوم الخميس 29 يوليو الماضي، حيث كانت ناقلة النفط متوسطة الحجم “إم في ميرسر ستريت”، تبحر من دون حمولة قبالة سواحل عمان في طريقها من دار السلام في تنزانيا إلى ميناء الفجيرة الإماراتي الواقع في خليج عمان للتزود بالوقود، وترفع الناقلة العلم الليبيري وهي مملوكة لليابانيين ولكن تديرها شركة “زودياكماريتيم” وهي جزء من مجموعة زودياك، المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر، وتشمل نشاطات شركاتها الشحن والعقارات والتكنولوجيا والمصارف والاستثمارات، وقد أصيبت الناقلة بمسيرة جوية من دون طيار محملة بالمتفجرات، انفجرت بالقرب من برج الناقلة، ما ألحق أضراراً بأماكن المعيشة المجاورة، ويعتبر هذا الحادث تصعيداً خطيراً للتوتر في المنطقة، وذلك في جولة جديدة من حرب استهداف السفن، المُندلعة بين إيران وإسرائيل.
وبالرغم من أنه تبادلت كلاً من إيران وإسرائيل الاتهامات بشن هجمات على سفن للطرف الآخر في الأشهر الأخيرة، لكن جاءت ردود الفعل على هذا الحادث الأخير شديدة اللهجة من الجانب الإسرائيلي، وعبر عن ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت والذي أكد “بشكل قاطع” تورط إيران في الهجوم المميت على ناقلة نفط قبالة سواحل عمان، وهي اتهامات وصفتها طهران بأنها “لا أساس لها من الصحة”، كما هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، يوم الخميس 5 أغسطس مع تنصيب رئيسي للسلطة بأن بلاده مستعدة لضرب إيران عسكرياً إن لزم الأمر، وصرح غانتسفي تصريحات لصحيفة “يديعوت أحرنوت” أن “إيران تسعى إلى خلق تحديات لإسرائيل على أكثر من ساحة وجبهة”، مؤكداً أنهم يواصلون تطوير القدرات لمواجهة مختلف التحديات، وإن “العالم بحاجة إلى التعامل مع إيران، والمنطقة بحاجة إلى التعامل مع إيران، كما يجب على إسرائيل أن تقوم بدورها في هذا الجانب”، هذا إلى جانب تصريح عنيف لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إن إسرائيل “تعرف كيف تتصرف بمفردها” في مواجهة إيران.
إسرائيل ومحاولات الكشف عن المخططين لهجوم السفينة:
فقد كشفا غانتس ووزير الخارجية يائير لابيد، خلال إحاطة لمبعوثي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدول، عن هوية المسئول الإيراني المسئول عن الهجوم على السفينة بخليج عمان نهاية الشهر الماضي، وصرح غانتس لمبعوثي دول مجلس الأمن إن “أمير علي حاجي زاده” قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني يقف وراء عشرات الهجمات الإرهابية في المنطقة باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ”، وحث وزير الخارجية بائير لابيد المجتمع الدولي على فرض عقوبات اقتصادية واتخاذ “إجراءات عملية في مواجهة الحرس الثوري”، خاصة مع تنامي الشكوك حول مسؤولية الحرس الثوري الإيراني عن تلك العمليات والهجوم المتكرر.
وبينما تنفي إيران تلك الاتهامات بشدة، يعتقد الإسرائيليون أن السفينة استهدفت بسبب تشغيلها من قبل شركة يملكها رجل أعمال إسرائيل، ولكنها ليست المرة الأولى فقد وقعت هجمات عديدة مؤخراً على سفن تديرها شركات إسرائيلية وعلى أخرى تديرها شركات إيرانية، واعتبرت الهجمات التي وقعت منذ مارس الماضي على أنها حوادث انتقامية تقوم على مبدأ الرد بالمثل، ويُعتقد أيضا أن إسرائيل كانت وراء انفجار غامض في هيكل سفينة الإمداد العسكرية الإيرانية “سافيز” في أبريل الماضي في البحر الأحمر.
تداعيات محتملة للصراع الإيراني الإسرائيلي:
رغم النفي الإيراني، إلا أن ذلك لم يمنع ظهور اتجاه لتشكيل تكتل من دول عديدة يسعى إلى تقويض السلوك الإيراني في تهديد الملاحة البحرية في الخليج. فقد جاءت ردود الفعل المختلفة منددة بالحادث، فقد توقع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن “رداً جماعياً” على الحادث، ووصف رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الحادث بأنه “هجوم شائن على الشحن التجاري”، وحذر بوريس جونسون من أن إيران ينبغي أن “تتحمل عواقب” الهجوم “المشين والمرفوض”، في المقابل صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في بيان إن “الجمهورية الإٍسلامية الإيرانية لن تتردد في الدفاع عن أمنها ومصالحها القومية، وسترد بشكل فوري وحاسم على أي مغامرة محتملة”
واستكمالاُ لما سبق، نطرح هذا السؤال، وهو: هل نشهد المزيد من الهجمات البحرية؟، وهنا يمكن القول، إن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها السفن الإسرائيلية أو الإيرانية للهجمات، إذ يأتي الحادث بعد ضربتين لسفن إسرائيلية في المنطقة، وتقارير عن عشرات الضربات السابقة التي نفذتها إسرائيل وإيران على السفن البحرية لبعضهما البعض في مواقع ما بين البحر المتوسط إلى الخليج العربي، وفي حين لا تعترف كلتا الدولتين بقيامهما بأي هجمات، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في مارس الماضي، أن إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية متجهة إلى سوريا، وتحمل في الغالب نفطًا إيرانيًا دعمًا للرئيس السوري بشار الأسد، كما تعرضت السفن التي تحمل النفط الإيراني لثلاث هجمات بحرية عام 2019، بينما استُهدفت السفن التي تستخدمها إيران ست مرات في عام 2020، وفقًا لما نقلته الصحيفة عن مسئولين أمريكيين وإقليميين.
من جانبها، قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية: “في أواخر مارس الماضي، ورد أن صاروخًا إيرانيًا أطلق على سفينة إسرائيلية بين الهند وسلطنة عمان، مما أدى إلى إصابة السفينة وإلحاق الضرر بها، وفي فبراير زعمت تل أبيب أن إيران هاجمت سفينة الشحن الإسرائيلية “إم في هيليوس راي”، التي تضررت جراء انفجار في خليج عمان”، كما اتهم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، في 15 من مارس الماضي، إسرائيل بالوقوف خلف الهجوم الذي تعرضت له سفينة الشحن الإيرانية “شهر كورد”، في 11 من الشهر ذاته، في البحر المتوسط، وهكذا تستمر اللعبة او المباراة الخطيرة والردود المماثلة من كلا الطرفين في العديد من الهجمات البحرية المختلفة.
وترتيباً على ما سبق، ستظل إسرائيل تقوم بسلسلة أفعال أحادية سرية وغير معلنة في محاولة لإبطاء وتيرة البرنامج النووي الإيراني أو شله، ومن المحتمل أن تشمل تلك الأفعال:
(&) إدخال فيروس إلى أجهزة الحواسب العاملة في البرنامج الإيراني يسمى “ستوكسنت”، والذي اكتشف لأول مرة في عام 2010، بعد أن عطّل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية وتستمر إسرائيل في هذا الفعل مراراً لتعطيل البرنامج النووي أو تفشله بشكل كامل.
(&) ستستمر إسرائيل في سلسلة اغتيال عدد من العلماء الذريين الإيرانيين في ظروف غامضة، وفي نوفمبر2020 اغتيل عالم بارز في البرنامج النووي الإيراني، هو محسن فخري زادة، ولم يكن فخري زادة مجرد خبير تقني نووي رئيسي، بل كان يحتل رتبة عالية في صفوف الحرس الثوري الإيراني، وتعتقد إسرائيل أنه الشخص الذي يدير الجانب “العسكري” السري في البرنامج النووي الإيراني.
(&) تستمر الاستخبارات الإسرائيلية والتي أثبتت أنها قادرة على اختراق الأمن الإيراني بدرجة كبيرة، بالاعتماد على كل من العملاء والأسلحة الإلكترونية السيبرانية للتغلب على الإجراءات الإيرانية المضادة.
(&) استمرار حرب الملاحة البحرية، وهي السمة الأساسية التي تقبع تحت هذه الحرب الخفية من جانب الطرفين، وهو ما يمكن أن نسميه سياسة حافة الهاوية، إذ لا يتحمل أي جانب (في هذا الصراع) أن يبدو ضعيفاً فهو عمل متبادل من الجانبين، كما أن الموقع الجغرافي لإسرائيل ترك أثراً سلبياً على قدراتها في هذا الصدد، فهي تمتلك مدخلاً جيداً إلى البحر الأحمر عبر مينائها البحري في إيلات، ولكن في مناطق أبعد من ذلك تصبح لإيران اليد العليا بفعل سواحلها الواسعة على امتداد الخليج ووكلائها الحوثيين في اليمن.
أما عن الجانب الإيراني، ينطوي تفسير السلوك الإيراني على المعادلة المتناقضة، فهي من جهة تسعى إلى تطوير المواجهة وتوسيع ساحتها، لكنها من جهة أخرى تحاول الحفاظ على عدم الوصول إلى حافة الهاوية وتحول المعركة إلى حرب، ومن اللافت للنظر في العمليات الثلاث الأخيرة تعدد دوائر النفي الإيرانية، فبالإضافة إلى الخارجية التي عادة ما تنفي هذه الأنباء، فإن أغلب القطاعات العسكرية التابعة للجيش والحرس الثوري نفت للمرة الأولى مسئوليتها عن تلك العمليات، لكن مضمون هذا النفي حمل رسائل ضمنية، حيث تنوع الخطاب العسكري ما بين كونه “مؤامرة” و”حرب نفسية” وفقاً لكبير متحدثي القوات المسلحة الإيرانية العميد “أبو الفضل شكارجي”، وبين خطاب تحذيري من الحرس الثوري على لسان قائد البحرية العميد “على رضا تنسغيري”، من أن قواته على استعداد تام للدفاع عن أمن البلاد وحدودها المائية، مشدداً على أن قوات الحرس الثوري ترصد بدقة تحركات جميع السفن، وبغض النظر عن عدم الثقة في خطاب النفي الإيراني، فإن خطاب المؤامرة الخارجية هو الخطاب المعتمد في حديث معظم القادة لتبرير السلوك الإيراني داخلياً وخارجياً.
الخلاصة، أن كلاً من إسرائيل وإيران تعرفان جيداً أن عليهما مراجعة أفعالهما بدقة وعناية كبيرة، كي لا تتسبب في اندلاع حرب شاملة، ولكن لن ينتهي هذا الصراع بينهما، بل يمكن أن يتحول الأمر في حالة التصعيد لأقصى درجاته فقد ينتقل من “حرب الظل” إلى حرب إما مباشرة وهذا مستبعد أو عبر حرب الوكالة عبر الوكلاء من الجانب الإيراني أو أن يستمر في المناوشات والهجوم المتكرر في الحرب الملاحية، حيث من المتوقع أيضاً خلال الفترة المقبلة استهداف السفن في منطقة الخليج، في ظل توقعات ترى أن المنطقة مقبلة على زيادة في حدة التوترات في ظل ما يوصف بأنه “إصرار إيران على التصعيد”.