ما هى الأسباب الاقتصادية وراء إعلان الرئيس السيسى زيادة سعر رغيف الخبز؟
أثارت تصريحات الرئيس السيسى بضرورة رفع سعر رغيف الخبز جدلاً واسعاً نظراً لكون ملف السلع الرئيسية وعلى رأسها الخبز من أهم الملفات الشديدة الحساسية عند المواطن المصري، وعلى هذا يبدو أن هذا الأمر على وجه التحديد يحتاج إلى علم المواطن المصري بكافة نواحيه والدواعى المسببة له حتى يتمكن من فهم أسبابه، وتخفيف حدة المعارضة بشأنه. فهناك جهود ضخمة تبذلها الدولة المصرية من أجل توفير رغيف الخبز المدعم للمواطن البسيط بسعر 5 قروش، ليظل وعلى مدار سنوات تصل حوالى 30 سنة، هو أرخص سلعة مدعمة في مصر والشرق الأوسط، بل هو الأقل سعراً على المستوى العالمى، نظرًا لتحمل الدولة قرابة 1200% من قيمته. ومن هنا نستعرض منظومة دعم الخبز فى مصر، والأسباب الضرورية وراء رفع سعر الخبز.
منظومة دعم الخبز فى مصر:
يستفيد نحو 72 مليون مصري من منظومة دعم الخبز، بمعدل إنتاج يومي يتراوح بين 270 إلى 300 مليون رغيف يصل سعره إلى ـ5 قروش فقط، في حين أن التكلفة الحقيقية له بلغت 67 قرشاً (حوالى 0.041 دولار أميركي)- أى أن الدولة تتحمل نحو 62 قرش كدعم مقدم لكل رغيف من الخبز. وقد قامت الحكومة المصرية برفع قيمة الدعم المقرّر للفرد في البطاقات التموينية إلى 50 جنيهاً (حوالى 3.1 دولار أميركي) شهرياً بدلاً من 21 جنيهاً (حوالى 1.3 دولار أميركي)، لتشمل السلع التموينية كذلك الخبز التمويني. ذلك في ظل استحواذ منظومة دعم إنتاج رغيف الخبز على حوالي 50% من إجمالي مخصصات الدعم والتي تقدر بحوالي 84.5 مليار جنيه سنويا.
أسباب إعلان رفع أسعار الخبز المدعم:
عدة أسباب يمكن توضيحها جعلت الحكومة تفكر في إعلان رفع أسعار الخبر، هي كالتالي:
(*) عدم الموائمة بين التكلفة والسعر: لا يوجد مواءمة بين سعر رغيف الخبز المدعم (5 قروش) وبين تكلفة إنتاج الرغيف الواحد التي تصل إلى (67 قرش). إذ يبغ قيمة دعم الخبز والدقيق في موازنة العام المالي 2020\2021 نحو 6.50 مليار جنيه، مقسمة ما بين 45 مليار جنيه لدعم رغيف الخبز، و5.2 مليار جنيه لدعم الدقيق، و1.3 مليار جنيه دعم استبدال الخبز بنقاط سلعية. ويتضح من الشكل رقم (1) تطور دعم الخبز والسلع التموينية فى مصر خلال موازنات ما بين عام 2017 وحتى عام 2021. فحسب الموازنة العامة للعام الحالي 2020-2021، تبلغ فاتورة الدعم التمويني 5.84 مليار جنيه (حوالى 5.2 مليار دولار أميركي) منها نحو 42 مليار جنيه موجهة لدعم رغيف الخبز فقط، وتتجه نحو الزيادة فى موازنة العام المالى القادمة 2021\2022 كما هو موضح بالشكل رقم (2) فوفقا لبيانات الموازنة العامة للدولة، كانت قيمة الدعم المقدم على رغيف الخبز في العام المالي 2018 -2019 نحو 42.3 مليار جنيه، وبلغ عدد المستفيدين 74 مليون فرد. وتطورت قيمة الدعم المخصص لرغيف الخبز خلال السنوات المالية التالية حتى وصل في العام المالي الحالي 44.9 مليار جنيه، فيما بلغ عدد المستفيدين 66.7 مليون فرد.؛ وبالتالى تتحمل الدولة أعباء مالية لا تتناسب مع القيمة السوقية لسعر رغيف الخبز، بسبب ثبات السعر لأكثر من 30 عاما ، كما أصبح سعر الرغيف يعادل عملة غير متداولة عمليا في الأسواق.
(*) تخفيف الحمل على الموزانة العامة: أن دعم الخبز خلال موزانة العام الماضى 2019-2020 تقترب من 50 مليار جنيه، وأكد الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن المستفيدين من دعم الخبز ودعم التموين يضمون نحو 90% من أطفال مصر، ما يعنى أن 90% من أطفال مصر تحت مظلة الدعم التموينى، الذى يصل خلال العام المالى الجديد 2021/2022 نحو 87 مليارا و222 مليون جنيه مقابل، 84 مليارا و487 مليون جنيه خلال العام المالى الجارى 2021/2020، وهو ما يمثل أعباء على الموازنة العامة للدولة ، تتزايد مع تزايد عدد المستفيدين من هذا الدعم.
(*) ارتفاع فاتورة استيراد القمح: تعتبر مصر من أكبر دول العالم استيرادا للقمح مما يشكل ضغوطا كبيرة على الدولة لتوفير العملة الصعبة لاستيراده. فقد رصدت بيانات حكومية ارتفاع الواردات المصرية من القمح بشكل طفيف في شهر فبراير 2021، مقارنة بواردات نفس الشهر من عام 2020، حيث بلغت قيمة واردات القمح 283.4 مليون دولار في فبراير الماضي، بينما كانت 272.7 مليون دولار في فبراير 2020، بنسبة زيادة قدرها 3.9%.
وتستخدم الحكومة نحو 10 ملايين طن قمح سنويا لدعم رغيف الخبز، ويستهلك المواطن المصري 180 كيلو من الأقماح تقريبا كل عام، وهو أعلي استهلاك للفرد على مستوي العالم، حيث يتراوح متوسط استهلاك الفرد عالميا من القمح نحو 75 كيلو. ويعتبر الاستمرار في دعم الخبز إلى ما لا نهاية يعرقل الوصول للاكتفاء الذاتي من الأقماح ويقضي على معظم جهود الدولة لتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من منه . ومن المتوقع أن خطوات ترشيد الدعم الغذائي للخبز ستوفر من فاتورة الاستيراد للقمح في العام الأول من تطبيقها بنحو 10%.
هذا فى ظل توقع وزارة الزراعة الأمريكية ارتفاع العجز بين إنتاج مصر واستهلاكها من القمح خلال الموسم الجديد (2020- 2021) ليصل إلى 13.1 مليون طن مقابل 12.71 مليون طن في الموسم الماضي (2019- 2020).وستلجأ مصر للاستيراد لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك. وسترتفع واردات مصر من القمح في الموسم الجديد بقيمة طفيفة لتصل إلى 14.3 مليون طن مقابل 14.1 مليون طن الموسم الماضي.كما سيرتفع الإنتاج المحلي من القمح ليبلغ 140 ألف طن في الموسم الجديد.
(*) تقليل الهدر: تتوقع الحكومة أن يؤدي ذلك إلى تحسين جودة المنتج والقضاء على ظاهرة تهريب الدقيق المدعم كما يقلل الفاقد في الإنتاج بنسبة تتراوح بين 5% إلى 10% من إجمالي كميات القمح التي تستهلك في إنتاج الخبز المدعم، وذلك لقصر الدعم على الخبز المباع فعلياً ومسجل على البطاقات الذكية.حيث تعانى منظومة دعم رغيف الخبز منذ فترة كبيرة من بعض الهدر، حيث إن حجم ما يتم استبداله من نقاط الخبز شهريا بمنظومة الدعم التمويني تكشف عدم استغلال المستفيدين من الدعم لحوالي 10% مما يتم تخصيصه سنويا لدعم الخبز، واستبداله بمنتجات أخرى.
وتأسيسا على ما سبق، لا شك أن دعم الخبز يعتبر جزءا أساسيا من شبكة الأمان الاجتماعي، وأى تغيير بشأن سعره يخلق المزيد من الجدال بين المواطنين، ولكن قرار تلك الزيادة لم يتحرك فى يوم وليلة، بل استمر السعر ثابتا عند خمسة قروش طيلة 30 عام، فى ظل تحمل الحكومة المصرية استيراد أكثر من 80% من احتياجاتها من القمح من الخارج، ويرتفع سعره تأثرًا بحركة النقل ووضع الاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية، ولم يؤثر ذلك على سعر رغيف الخبز. هذا فى ظل توقعات اقتصادية بأن يكون سعر رغيف الخبز عند أدنى عملة متداولة حاليا- أى لا يزيد عن 25 قرش للرغيف، مع استمرار إمكانية الاستبدال النقدي للرغيف المدعوم بغيره من السلع الاستهلاكية. وفى الوقت الذى لم تتخلى الدولة على الإطلاق عن دعم الفقراء والمحتاجين والفئات الأولى بالرعاية، والتى مازالت مشمولة فى برامج تكافل وكرامة، ومبادرة حياة كريمة وغيرها من أوجه المساعدة المجتمعية التى تسعى لتحسين وضع المواطن المصرى البسيط، كما ليس من المعقول أن تلك الزيادة المرتقبة فى سعر الخبز المدعم، هى التى قد تقود إلى ثورة جياع كما تروج قنوات جماعة الإخوان الإرهابية، فأزمات الجوع تخلقها مسببات اقتصادية على بمراحل، وتنمو فى ظل بيئة ينقصها توافر السلع الأساسية، وانعدام القدرة على الحصول عليها. هذا فى ظل عدم صحة التوقعات بشأن تغير سعر الخبز السياحى من فئة 50 قرشا أو جنيه، فلا يوجد ارتباط بين سعر ما تقدمه تلك المنشآت مع حركة منظومة الدعم التي من المفترض توجيهها للفئات الأكثر فقرا والأولي بالرعاية الاجتماعية من فئات المجتمع .