الهيدروجين الأخضر.. كيف يمكن لمصر أن تعزز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة؟
محمد فتحي حصّان –باحث دكتوراه في العلوم السياسية.
تماشيا مع التوجه العالمي في مجال الطاقة، والنظرة إلى الهيدروجين الأخضر باعتباره وقود المستقبل، و المتوقع أن يغطي نسبة24% من حاجة العالم من الطاقة بحلول عام 2050، فقد وجه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال اجتماع في 10 يوليو 2021 مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة ، بإعداد استراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين باشتراك القطاعات المختلفة بالدولة، بهدف امتلاك مصر القدرة في مجال توليد واستغلال الهيدروجين بالشراكة مع الخبرات العالمية ، ولإضافة طاقة الهيدروجين الأخضر للمنظومة الوطنية المتكاملة للطاقة.
فما هو الهيدروجين الأخضر، وما هي مزايا استخدامه مقارنة بأنواع الوقود الأخرى، وما هي التحديات والصعوبات التي تواجه انتشاره، وما هي فرص وإمكانيات مصر للدخول في هذا المجال، وما هي الخطوات التي قامت بها الدولة لصناعة الهيدروجين الأخضر.
تحديات صناعة الهيدروجين:
لقي الوقود الغني بالكربون مثل البترول والغاز والفحم نجاح في الماضي بسبب تميزه بأفضليات عدة منها: كثرة مجالات استعماله، ارتفاع معدل الطاقة التي ينتجها، وسهولة تخزينه ونقله، لكن كانت أكبر سلبياته وأخطرها هي تأثيره على البيئة، إذ يعد أحد المسببات الرئيسية للاحتباس الحراري.
وقد مثل عام 2020 نقطة تحول هامة في مجال توجه العالم نحو استخدام الطاقة النظيفة، فمع أكبر أزمة في تاريخ قطاع النفط والغاز ازداد الحديث عن الانتقال إلى مصادر الطاقة الخالية من الكربون. وفي السياق الأوسع للأهداف الحالية المتعلقة بتغير المناخ، واجهت شركات النفط الوطنية والدولية تحدي دفعهم لإنشاء أقسامِ للطاقة المتجددة والهيدروجين في شركاتهم. ولكن بالرغم من هذا التوجه نحو استخدام الطاقة النظيفة عموما والهيدروجين الأخضر خصوصا، فان إنتاج الهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة ما يزال يوجه بعض الصعوبات أهمها انه أكثر تكلفة من المصادر الأخرى للطاقة بالنظر للتكلفة المرتفعة للطاقة المتجددة، التي تعتبر العنصر الأساسي في إنتاج الهيدروجين الأخضر، فإنتاج الهيدروجين عموماً والهيدروجين الأخضر خصوصاً يتطلب طاقة أكبر من بقية أنواع الوقود.
وبالإضافة إلى تحدى التكلفة المرتفعة يواجه إنتاج الهيدروجين الأخضر تحدى أخر فيما يتعلق بقضايا الأمان والسلامة، فالهيدروجين عنصر متطاير وقابل للاشتعال بدرجة عالية، مما يتطلب معايير سلامة أعلى لإنتاجه منعاً للحوادث.
الجدير بالذكر أنه يوجد أربعة أنواع مختلفة من الهيدروجين، و الفرق الرئيسي بينها هو مدى وجود انبعاث لثاني أكسيد الكربون أثناء الإنتاج من عدمه:
(*) النوع الأول الهيدروجين الأخضر: تم تسميته بهذا الاسم لاعتماده على الطاقة المتجددة لاستخراجه وهي الطاقة الخضراء الصديقة للبيئة، وهو عبارة عن وقود خال من الكربون، مصدر إنتاجه هو الماء، من خلال فصل جزيئات الهيدروجين عن جزئيات الأكسجين بالماء، بواسطة كهرباء يتم توليدها من مصادر طاقة متجددة.
(*) النوع الثاني الهيدروجين الرمادي: وهو إنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة المنتجة من الوقود التقليدي والتي تضم مستويات مرتفعة من انبعاثات الكربون،ويمثل الهيدروجين المنتج من الوقود التقليدي 94% من إنتاج الهيدروجين حول العالم.
(*) النوع الثالث الهيدروجين الأزرق: وهو هيدروجين رمادي يتم فيه التقاط انبعاثات الكربون المنتجة أثناء العملية، وإما أن يتم تخزينها أو إعادة استخدامها. ويعد هذا النوع من الهيدروجين نظيفًا بيئيا حسب التقنية المستخدمة وكفاءة العملية.
(*) النوع الرابع الهيدروجين الفيروزي: إنتاج الهيدروجين من خلال عملية تسمى الانحلال الحراري، حيث يتم تسخين الغاز الطبيعي (الميثان)، ما يؤدي إلى تفككه إلى غاز الهيدروجين ومواد صلبة كربونية. أما الفرق الرئيسي بينه وبين الهيدروجين الأزرق فهو عدم انبعاث الكربون خلال العملية، إذ أن الكربون الناتج يكون على شكل مواد صلبة.
خطوات مصرية مُفعلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر:
وفقا للإستراتيجية المصرية للطاقة حتى عام 2035، فانه يستهدف الوصول بنسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في عام 2035، وذلك على النحو الذي يوضحه الشكل التالي:
وقد بدأت مصر خطوات فعلية للدخول في مجال صناعة الهيدروجين وإنتاجه كمصدر نظيف للوقود تمثلت أهم تلك الخطوات في التالي:
- تشكيل لجنة وزارية للبحث في جميع البدائل الممكنة لتوليد الهيدروجين الأخضر والاستعانة بالتجارب الدولية في هذا المجال لاستخدامه في المستقبل القريب في مصر.
- وقعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة وشركة سيمنز الألمانية، في 14 يناير 2021 اتفاق نوايا letter of intent (LOI) للبدء في المناقشات والدراسات لتنفيذ مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر كخطوة أولى نحو التوسع في هذا المجال وصولًا إلى إمكانية التصدير.
- أعدت وزارت الكهرباء والبترول والبيئة بالاشتراك مع صندوقمصر السيادي دراسة جدوى لتدشين مشروعات الطاقة المستخلصة من الهيدروجين الأخضر باستثمارات مبدئية تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار.
- اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي في 9 فبراير 2021 مع الرؤساء التنفيذيين لعدد من الشركات البلجيكية” ديمي” لأعمال التكريك وميناء ” أنتويرب”، و” فلوكسي” لبحث آفاق التعاون مع تحالف الشركات البلجيكية للاستثمار في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر لتوليد الطاقة.
- توقيع اتفاق تعاون في 4 مارس 2021 بين الشركة القابضة لكهرباء مصر والشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) وشركة أبوقير لإدارة وإنشاء الموانئ وتحالف شركاتDEME – Fluxys – Port of Antwerp البلجيكي بهدف تطوير مشروع متكامل لإنتاج ومعالجة وتداول وتجارة الهيدروجين الأخضر، وتم استلام التقرير النهائي لدراسة الجدوى المقدمة من التحالف في 16 يونيو 2021.
- وافق رئيس مجلس الوزراء في 27 مايو 2021،على السير في إجراءات توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “تيسين كروب” الألمانية، لتنفيذ مشروع إنشاء مصنع للأمونيا الخضراء لتصدير الهيدروجين الأخضر لألمانيا.
- نظم منتدى القاهرة للتغير المناخي في 6 يوليو 2021 حلقته النقاشية السادسة والسبعين، والتي ناقش فيها خبراء من ألمانيا ومصر إمكانات الاستثمار في الهيدروجين الأخضر في المستقبل.
- وقعت الحكومة المصرية مع شركة “إيني” الإيطالية في 8 يوليو 2021 مذكرة تفاهم للتعاون في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرقوتقييم الجدوى الفنية والتجارية لمشروعات إنتاجه المستهدفة في مصر.وبمقتضى هذا الاتفاق ستتعاون شركة “إيني” مع الشركة المصرية القابضة للغازات في إجراء الدراسات اللازمة حول المشروعات المشتركة لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
- أعلنت وزارة الكهرباء والطاقة تحديث استراتيجية الطاقة 2035 لتشمل الهيدروجين الأخضر كمصدر لها.
فرص واعدة لإنتاج:
مما لا شك فيه أن صناعة الهيدروجين الأخضر في مصر تنتظر مستقبلا واعدا، بالنظر لما تمتلكه مصر من مقومات طبيعية وإمكانيات بشرية قادرة على جعل مصر ضمن الصفوف الأولى لدول العالم في هذا المجال ، فمصر لديها شواطئ تمتد لأكثر من 3000 كيلو متر على البحرين الأحمر والمتوسط ، كما أن مصر تتميز بتوافر مصادر الطاقة المتجددة سواء الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لتوافر الظروف المناخية وتوافر المساحات الشاسعة من الأراضي الصحراوية ، كما تتميز مصر بقربها من أسواق الاستهلاك الرئيسية في أوروبا، بالإضافة إلى تواجد الإرادة السياسية التي تولي هذا الملف اهتماما شديداً ومستمراً .
ختاما، فانه يجب التأكيد على أهمية سرعة الانتهاء من إعداد الإستراتيجية الوطنية لإنتاج الهيدروجين والتي كلف بها الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة، على أن يشارك جميع المختصين والخبراء في إعداد تلك الإستراتيجية المتكاملة من أجل اللحاق بركب الثورة العالمية في مجال الهيدروجين الأخضر، لتحقيق تنوع لمصادر الطاقة بمصر وبما يساهم في الحفاظ على البيئة ويعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.
المصادر: