أي دور للشباب الليبي في الانتخابات القادمة؟

د. محمد عبد القادر البصير، باحث ليبي –مشارك بالمركز.

من المفترض أن تشهد الساحة الليبية خلال الأشهر القليلة القادمة انتخابات عامة- رئاسية وبرلمانية- والمحدد لها وفق ما أعلنته المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021، فيما تأتي هذه الانتخابات بعد آخر انتخابات شهدتها ليبيا منذ سبع سنوات في الـ 25 من يونيو عام 2014. ويطرح هذا التحليل تساؤل على درجة كبيرة من الأهمية يتعلق بالدور الذي يمكن أن يقوم به الشباب الليبي في الانتخابات القادمة؟، وهل من الممكن أن يمارس دوره الطبيعي، ويأخذ حجمه الحقيقي في المشاركة السياسية الفاعلة في تلك الانتخابات؛ قد تفضي إلى ظهوره على مسرح الأحداث ووصوله إلى دائرة السلطة ومراكز صنع القرار؟.

واقع الشباب الليبي:

يعد المجتمع الليبي مجتمع شاب؛ حيث يمثل الشباب الشريحة الأكبر في المجتمع الليبي؛ إذ بلغت نسبة الشباب في ليبيا من الفئة العمرية (15-29) عامًا، 44% من إجمالي السكان المقدر بنحو 6.82 مليون نسمة، وفق بيانات البنك الدولي المنشورة نهاية عام 2020، ما يعني أن فئة الشباب، تمثل الشريحة العمرية الأكبر في المجتمع الليبي.

وخلال الفترة التي سبقت عام 2011، كان الشباب الليبي مهمشا لدرجة كبيرة، وعلى مختلف المستويات -السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها- غير أنه بعد أحداث عام 2011، وجد الشباب الليبي نفسه أمام عدد من الاستحقاقات الانتخابية التي عكست حجم التغيير في ليبيا والتحول باتجاه الديمقراطية، وقد رآها قطاع كبير من الشباب الليبي فرصة سانحة للمشاركة في العملية السياسية، وممارسة الحق في التعبير عن الرأي بحرية.

لذلك تواجد الشباب الليبي في قلب التحولات التي شهدتها ليبيا منذ عام 2011، وقاد مرحلة التغيير السياسي التي جاءت بعد ذلك، إذ كان داعما لمسار التحول الديمقراطي إلى حد كبير، وهو ما تجسد في مشاركته الفاعلة في تنظيم الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت منذ ذلك التاريخ، كما ساهم في إنشاء أحزاب سياسية ومنظمات مدنية وجمعيات أهلية، كما كان الشباب حاضرا بكل فعالية في الأحداث الليبية، غير أن التطورات التي شهدتها ليبيا بعد عام 2014، أبطات أو بالأحرى أوقفت حركة صعود الشباب الليبي إلى المشهد السياسي والاستمرار في العملية السياسية، وتراجع دوره السياسي إلى حد كبير.

فقد أدى الانقسام السياسي والصراعات المسلحة والحروب التي شهدتها ليبيا منذ 2014، إلى عزوف الكثير من الشباب الليبي عن ممارسة دوره المأمول في عملية التحول نحو الديمقراطية، وفتر اهتمامه بالشأن العام، ودلت الكثير من الشواهد على ذلك، وبحسب تقرير “حالة الشباب الليبي اليوم، الفرص والتحديات”، الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، والذي أشار إلى أن مشاركة الشباب الليبي في العمليات السياسية الرسمية والمؤسسية أقل نسبيّا من مشاركة المواطنين الأكبر سنّا، فهناك ضعف في إقبال الشباب في عضوية الأحزاب السياسية والمؤتمر الوطني ومجلس النواب والمجالس المحلية، مما أدى الى محدودية وصول الشباب الليبي إلى مناصب قياديّة في كافة الحكومات التى مرت على ليبيا منذ 2011.

أسباب العزوف عن المشاركة:

على الرغم من أن الشباب عموما يعد الأكثر نشاطاً وطموحا وحيوية، فيما يتعلق بالمشاركة في الحياة السياسية والحزبية ودعمها، باعتبارهم دعامة أساسية لدفع عجلة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأصحاب دور أساسي في تغيير المجتمعات، لامتلاكهم القوّة والقدرة على إحداث هذا التغيير بالفعل، ومع ذلك؛ تراجعت مشاركة الشباب الليبي في الحياة السياسية الليبية إلى حد كبير، إذا ما قورنت بحجم التضحيات التي قدمها هؤلاء الشباب منذ عام2011، ولعل ذلك يرجع لعدد من الأسباب، منها ما يلي:

انعدام الاستقرار السياسي: لابد من الاعتراف صراحة بوجود أزمة عميقة وحادة يمر بها المجتمع الليبي حاليا، عنوانها غياب الاستقرار السياسي، وهي الحالة التي تحول دون استقرار المجتمع بشكل عام، وتؤثر بطبيعة الحال في عدم تمكن الشباب من المشاركة الفاعلة، والقيام بدوره الطبيعي في المجتمع.

(*) غياب الأمن: وهي مشكلة كبيرة وأكثر إلحاحا تواجه الليبيين جميعا، ناتجة عن الصراع السياسي والعسكري الذي شهدته ليبيا منذ عام 2014، وانتشار الجماعات المسلحة وكذلك انتشار السلاح خارج حدود القانون، مما أدى إلى معاناة الكثير من فئات الشعب الليبي من انعدام الأمن وزيادة الهواجس المتعلقة بالأخطار المهددة للحياة، حتى أن هنالك من فضل الخروج من ليبيا عن البقاء فيها، خشية التعرض للأخطار وتهديد الحياة.

(*) غياب الاهتمام الحكومي: وهو ناتج أيضا عن الأوضاع التي عاشتها ليبيا منذ عام 2011،  نتيجة عدم الاستقرار السياسي، وانشغال الحكومات الليبية المتعاقبة بتسوية الصراع السياسي والعسكري بين الأطراف الليبية المتناحرة، الأمر الذي ترك آثارا سلبية على كثير من مجالات الاهتمام، ومنها بالطبع ما يتعلق بالشباب الليبي.

(*) تردي الأوضاع الاقتصادية: إذ أدت الحرب التي شهدتها ليبيا إلى استنزاف الاقتصاد الليبي بشكل كبير، مما انعكس على تردي الأوضاع الاقتصادية لكافة فئات الشعب الليبي، وأدى أيضا إلى غياب العمليات التنموية، وانتشار البطالة بين الشباب خاصة، والكثير من أبناء الشعب الليبي عامة، ودفع ذلك البعض إلى الهجرة للبحث عن فرص عمل.

(*) التهميش السياسي للشباب: وهو أمر متوارث من الحقبة السابقة، والتي كان يتم خلالها إبعاد الشباب الليبي عن ممارسة أي دور سياسي أو المشاركة في صنع القرار، حتى أنه لا يزال هنالك من يرى من النخب الليبية بإبعاد الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية، بحجة عدم توافر الخبرة الكافية لأداء مثل هذه الأدوار، الأمر الذي يحتاج إلى تغيير لهذه الصورة النمطية عن الشباب الليبي، والذي يتمتع بالفعل بالقدرة على التغيير وبناء مستقبل ليبيا.

عدم توافر الرغبة في المشاركة السياسية: أيضا هناك نسبة لا يستهان بها من الشباب الليبي لديها عزوف عن الدخول إلى المعترك السياسي، خشية ما يكتنفه من مخاطر، في ظل ما يراه من واقع متأزم تعيشه ليبيا حاليا، حيث يواجه الشعب الليبي الكثير من المشاكل التي تحول دون ممارسة حياته بصورة طبيعية، ومن ضمن الشباب الليبي الذي يواجه معوقات حقيقة تحد من طموحه على مختلف المستويات، فكيف له بالتفكير في ممارسة العملية السياسية.

سبل تعزيز الدور:

إن مسار الإصلاحات التي تنشدها ليبيا لا يمكن أن يمضي دون إشراك الشباب في هذا المسار؛ ذلك أن عملية مشاركة الشباب في الشأن الليبي العام ضرورة ملحة، والتي لا تنحصر في المشاركة الانتخابية فقط، بل تمتد إلى كافة مجالات الحياة، ولعل من أهم العوامل المعززة لدور الشباب الليبي في الانتخابات القادمة:

(&) وجود إرادة حقيقية – سياسية ومجتمعية- لمساعدة الشباب الليبي على المشاركة في الحياة المدنية بمختلف مجالاتها، ذلك أن استغلال طاقات الشباب بإيجابية، ودفعه نحو ممارسة نشاطات فكرية وإبداعية والقيام بأدوار عملية في المجتمع، يساعد في استعادة الشباب للثقة في أنفسهم، وتجاوز الحزبية المقيتة والفئوية الضيقة التي حالت دون الاستفادة من قدراتهم طيلة السنوات الماضية.

(&) توسيع مجالات العمل الشبابي في المجتمع الليبي من خلال إشراكه ودمجه في مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والشبابية والأحزاب السياسية، حتى يمكن الاستفادة من قدراته وإمكانياته بالقدر المناسب، لا سيما والشباب هو مصدر التنمية وقوتها الايجابية، وليبيا بأمس الحاجة إلى كل الجهود البناءة من كل الفئات، وبالأخص الشباب.

(&) تنظيم حملات توعوية، سواء في وسائل الإعلام الرسمية، أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو من خلال عقد ورش تدريبية حول أهمية المشاركة الانتخابية، لتوعية الشباب الليبي بأهمية مشاركتهم في الانتخابات وحثهم على المشاركة في الفعاليات الجماهيرية والاجتماعية من خلال المؤسسات الشبابية المتعددة، ومنظمات المجتمع المدني.

استنادا إلى ما سبق، فإن الانتخابات المقبلة تحمل الكثير من تطلعات وهموم الشباب الليبي، بل وكل أطياف المجتمع الليبي بشكل عام، ذلك أنه من المنتظر أن ترسي تلك الانتخابات قاعدة ديمقراطية جديدة تساعد في اتمام عملية التداول السلمي للسلطة، دون الحاجة إلى تعميق الجهوية والأيديولوجية التي تفرض نفسها في كثير من الأحيان كأمر واقع على الشعب الليبي، والتي كثيرا ما أعاقت عملية التحول الديمقراطي في ليبيا.

 غير أنه يجب ملاحظة أن تأخير الانتخابات عن ميعادها المحدد أو عدم إتمامها؛ يمكن أن يساهم في تعقيد المشهد السياسي الليبي برمته، مما يفتح المجال للكثير من التكهنات وتعدد السيناريوهات المستقبلية المحتملة، وقد يزيد ذلك الأوضاع سوء وتعقيدا، ويلف مستقبل الدولة الليبية بالكثير من الضبابية والغموض.

إذ أن إتمام الانتخابات، من أهم عوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي وكذلك الاستقرار الأمني، ويساعد في الوصول إلى الدولة الليبية المنشودة، لذلك على كل الليبيين جميعا أن يتكاتفوا لبناء هذه الدولة المأمولة، ويضعوا كل الثقة في بلادهم وفي قادتهم وفي شبابهم، وأنهم قادرون على التغيير نحو الأفضل، وبناء مستقبل ليبيا المنشود.

إن تعزيز مكانة الشباب الليبي في صناعة القرار تكتسب أهمية خاصة في المرحلة القادمة، لما لديهم من قدرة على إحداث التغيير نحو الأفضل، وبناء مستقبل ليبيا، والذي يتطلب تكاتف المجتمع الليبي بكل فئاته وأطيافه للعبور إلى المستقبل، فلن تخرج ليبيا من المعاناة التي عاشتها طيلة السنوات السابقة، إلا بتكاتف الجميع، على مستوى المؤسسات والجماعات والأفراد، وعلى الجميع أن يكون على مستوى التحديات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى