بعد مراجعة أداء يونيو 2021.. هل نجحت مصر في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي؟

كشف تقرير مراجعة الأداء الثاني والأخير لصندوق النقد الدولى، الصادر في الثالث والعشرين من يوليو 2021، بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادى المدعوم باتفاق الاستعداد الائتماني (SBA)- عن تحقيق الاتفاق، الذى حصلت مصر بموجبه على قرض بقيمة 3763.64 مليون وحدة حقوق سحب خاصة خلال الفترة يونيو 2020 إلى يونيو 2021، أهدافه الرئيسية المتمثلة في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي أثناء جائحة كورونا مع تعزيز الإصلاحات الهيكلية الرئيسية.
إن ما حدث من نجاح حققته الحكومة المصرية، جاء فى ظل إشادات قوية من قبل خبراء الصندوق بشأن الإجراءات والسياسات الاقتصادية المتخذة في التعامل مع الجائحة، مع توقع الصندوق ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى 5.2% بنهاية العام المالى الحالى. وفيما يلى سيتم توضيح مضموم اتفاق الاستعداد الائتماني، الذى أبرمته الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى العام السابق، وإشادات وتوقعات الصندوق بشأن الاقتصاد المصرى.
مضمون الاتفاق:
حصلت مصر على القرض الخاص باتفاق الاستعداد الائتماني (SBA) بعد مفاوضات أجرتها مع صندوق النقد الدولى فى يوليو العام السابق 2020، وذلك بقيمة 3763.64 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 5.4 مليار دولار أمريكي)، وبما يمثل أو 184.8% من حصة مصر لدى الصندوق، وذلك على إثر التفشى السريع لجائحة فيروس كورونا المستجد (COVID-19) وتداعياته السلبية المفاجئة على الاقتصاد المحلى والخارجى نتيجة إجراءات الغلق التى اتبعتها مصر وغالبية دول العالم حينها.
كما حصلت مصر أيضًا على قرض أخر بموجب أداة التمويل السريع (RFI) ، وتسلمه البنك المركزى المصرى فى 12 مايو 2020 وقيمته 2.772 مليار دولار، وهذا بعد قيام صندوق النقد الدولى بإعلان رفع حدود الاستفادة من خلال النافذة الاعتيادية لأداة التمويل السريع فى 9 أبريل 2020، لتصبح 100% من حصة العضوية سنويا بدلا من 50%، ورفعها ومن 100% إلى 150% من حصة العضوية على أساس تراكمي 9 أبريل 2020، بعد احتساب عمليات إعادة الشراء للقروض المجدولة، تلبيةً لاحتياجات التمويل الكبيرة والملحة لدى البلدان الأعضاء بسبب الآثار السلبية لجائحة كورونا.
ويختلف هذا القرض عن اتفاق تسهيل الصندوق الممدد (EFF) المرتبط ببرنامج الإصلاح الاقتصادى فى نوفمبر 2016 بقيمة 12 مليار دولار أداة التمويل السريع (RFI) ، حيث توافق الدول المقترضة بموجب اتفاق الاستعداد الائتماني على تعديل سياساتها الاقتصادية للتغلب على المشكلات التي أدت إلى طلب التمويل في الأصل، ويشترط الاستمرار في إحراز تقدم في هذا المجال لاستكمال صرف الموارد المالية من الصندوق، والتى تكون على دفعات لمدة عام، كذلك يمنح الصندوق للدول الأعضاء، المساعدات المالية بموجب أداة التمويل السريع واتفاق الاستعداد الائتماني، لسد احتياجات موازين المدفوعات والخروج من الأزمات واستعادة النمو القابل للاستمرار، وذلك على المدى القصير، على خلاف القرض المربوط ببرنامج الإصلاح الاقتصادى طويل الأجل.
جدول يوضح الاختلاف بين المساعدات المالية بموجب أداة التمويل السريع واتفاقي الاستعداد الائتماني والتسهيل الممدد
أداة التمويل السريع | اتفاق الاستعداد الائتمانى | اتفاق التسهيل الممدد | |
الغرض من القرض | يتيح مساعدات مالية عاجلة بمقدار محدود للبلدان الأعضاء التي تواجه موازين مدفوعاتها احتياجات ماسة، بما في ذلك الاحتياجات الناتجة عن صدمات أسعار السلع الأولية والكوارث الطبيعية وأوجه الهشاشة الداخلية. | يسمح بسرعة الاستجابة لاحتياجات البلدان من التمويل الخارجي، ودعم السياسات المصممة كي تساعد البلدان على الخروج من الأزمات واستعادة النمو القابل للاستمرار. | مساعدة البلدان الأعضاء التي تشهد اختلالات كبيرة في المدفوعات بسبب معوقات هيكلية؛ أو تعاني من بطء النمو وضعف جوهري في مركز ميزان المدفوعات. |
المدة التى يغطيها القرض | يدفع مرة واحدة. | تتراوح بين 12 و 24 شهرا ولا تتجاوز 36 شهرا، حسبما يتناسب مع معالجة مشكلات ميزان المدفوعات على المدى القصير.
(في حالة مصر فإن مدة البرنامج ستصل إلى سنة واحدة وسيتم صرف دفعة مقدمة عقب الاتفاق ثم تليها دفعة أخرى أو دفعتين خلال مدة البرنامج، وذلك حسب ما تسفر عنه المفاوضات). |
عادة ما تتم الموافقة على اتفاقات “تسهيل الصندوق الممدد” لفترات لا تتجاوز ثلاث سنوات، مع إمكانية تمديدها بحد أقصى لا يتجاوز سنة واحدة في كل مرة. |
شروط الاقتراض |
يعتمد حجم القروض على احتياجات التمويل لدى البلد المقترض، وقدرته على السداد، وسجله السابق في استخدام موارد الصندوق. |
||
مدة سداد القرض | ينبغي سدادها في غضون فترة تتراوح بين 3.25 سنة و5 سنوات. | تتراوح بين 4.5 و 10 سنوات، مع تقسيم المدفوعات على اثني عشر دفعة نصف سنوية. (ستبدأ مصر في سداد الشريحة الأولى من القرض وقيمتها 2.75 مليار دولار بدءًا من عام 2021، على أن تنتهي من سداد الشريحة الأخيرة في يوليو 2029. | |
حصول مصر على القرض منذ عام 2016 | وافق المجلس التنفيذي للصندوق على تقديم هذا القرض فى 11 مايو 2020، وحصلت مصر عليه دفعة واحدة فى 12 مايو، بلغت 2.772 مليار دولار. | وافق المجلس التنفيذي للصندوق على الاتفاق في 26 يونيو 2020 لدعم برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي أثناء أزمة كورونا بقيمة 5.4 مليون دولار.
وحصلت مصر على موافقة الصندوق لسحب الدفعة الأخيرة من القرض فى 26 يوليو 2021. |
وافق المجلس التنفيذى للصندوق على تقديم هذا القرض فى نوفمبر 2016، وحصلت مصر عليه من خلال 6 شرائح كان آخرها فى أغسطس 2019، وإجمالي قيمته 12 مليار دولار. |
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على صحائف الوقائع والبيانات الصحفية لصندوق النقد الدولى.
إشادة الصندوق:
أشاد صندوق النقد الدولي فى تقريره الثاني والأخير لمراجعة الأداء بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي الخاص باتفاق الاستعداد الائتماني بقوة أداء مصر في ظل اتفاق الاستعداد الائتماني وتفوق الأداء فيما يتعلق بعدد من مستهدفات البرنامج الأساسية، فيما يتعلق باستيفاء جميع معايير الأداء الكمي والوفاء بجميع الأهداف الإرشادية (ITs) الخاصة بالإنفاق الصحي والاجتماعي، ونشر معلومات مفصلة عن عقود الإنفاق والمشتريات المتعلقة بـ COVID-19 بما يتماشى مع التزامات أداة التمويل السريع RFI الخاصة به، وموازنة السياسات قصيرة المدى لدعم التعافي من خلال تعميق وتوسيع أجندة الإصلاح الهيكلي.
وكذلك أشاد الصندوق قوة مصر فى ظل إجراءات التيسير المالي والنقدي والسياسات الاقتصادية الاستباقية التي اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، حيث وصف الصندوق هذه الإجراءات بالحذر وحسن التوقيت، وأنها ساعدت على تخفيف الآثار السلبية للجائحة الصحية والاجتماعية بالإضافة إلى حماية الاستقرار الاقتصادي، والحفاظ على الدين العام فى حدود مستدامة، والحفاظ على ثقة المستثمرين.
وأشار الصندوق إلى أن النظام المصرفي المصرى مازال محتفظا بصلابته، بعد أن دخل الأزمة مستعدا برسملة جيدة وسيولة وفيرة مع الإشادة بإتباع البنك المركزى لمنهج يسترشد بالبيانات في إدارة السياسة النقدية، ورأى الصندوق أيضًا أن وجود استراتيجية الإيرادات متوسطة الأجل واستراتيجية الدين متوسطة الأجل والتنفيذ القوى لهما بما في ذلك زيادة تعبئة الإيرادات، سيكون عاملا أساسيا لخفض الدين العام المرتفع وتقليص احتياجات التمويل الإجمالية مع إيجاد حيز للإنفاق على الأولويات، كما أثنى الصندوق على استكمال خطة إعادة هيكلة بنك الاستثمار القومي حيث تم وقف جميع أنشطة الإقراض وتحصيل الودائع في البنك في يناير 2021 وتم البدء في تنفيذ الخطة الإصلاحية، وهو ما سيحد من المخاطر على المالية العامة والاستقرار المالي.
توقعات إيجابية:
بعد النجاحات التى حققها الاقتصاد المصرى فى ظل تطبيق المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادى التى بدأت فى نوفمبر 2016، وإطلاق المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح فى 27 أبريل 2021 وهو البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية ذات الأولوية لمدة ثلاث سنوات National Structural Reform Program))، ويستهدف تحقيق نمو اقتصادى يتراوح بين 6-7% وخفض العجز الكلي للموازنة إلى 5.5 % بحلول عام 2023/2024، إلى جانب ما كشفت عنه المؤشرات الأولية عن موازنة العام المالى السابق 2020/2021 من نتائج إيجابية تمثلت فى زيادة إيرادات الدولة بقيمة 119 مليار جنيه بمعدل نمو تفوق معدل نمو المصروفات بواقع 3.2 نقطة مئوية، وهو 12.2%، مقابل 9% للمصروفات، وتراجع نسبة العجز الكلى من الناتج المحلى الإجمالى إلى 7.8% مقارنة بـ 8% فى العام 2019/2020، وكذلك إثبات قوة أداء مصر في ظل اتفاق الاستعداد الائتمانى.
أكد صندوق النقد الدولى على أن تعافى الاقتصاد المصرى من الجائحة جارى ومازالت التوقعات على المدى المتوسط قوية على الرغم من الانقطاع المؤقت لزخم نمو الناتج المحلى الإجمالى واحتمالية ظهور أية موجات جديدة لانتشار الجائحة وبما يدعم انتعاش النمو إلى ما يقرب من 6%، وتتمثل المخاطر فى بسبب حالة عدم اليقين التى تصيب العالم أجمع بشأن اتجاهات جائحة كورونا، ونظرا للدين العام المرتفع واحتياجات التمويل الكبيرة، بما يجعل مصر غيرها من الأسواق الصاعدة عرضة للتأثر بحدوث صدمات كبيرة ومفاجئة فى الأسواق المالية.
وتوقع الصندوق نمو الناتج المحلى الإجمالى بنهاية العام المالى الحالى 2021/2022 بنحو 5.2% وهو بذلك أعلى من المقدر تحقيقه بنهاية العام السابق 2020/2021 بواقع 2.4 نقطة مئوية، وارتفاعه إلى 5.6% فى العام 2022/2023، مدعومًا بالتنفيذ السريع للإصلاحات الهيكلية لتشجيع نشاط القطاع الخاص وتسريع تنفيذ استراتيجية الإيرادات متوسطة الأجل.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على تقرير صندوق النقد الدولى.
وفيما يخص عجز الموازنة العامة، توقع الصندوق انخفاضه إلى 7% بنهاية العام المالى الحالى مقارنة بـ 8.2% كانت متوقعة فى العام المالى السابق 2020/2021، والتى أظهرت النتائج الأولية للموازنة انخفاضها إلى 7.8%.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على تقرير صندوق النقد الدولى.
وعلى جانب إيجابى أخر توقع الصندوق تراجع الدين العام كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى إلى 89.8% و87% بنهاية أعوام 2021/2022 و2022/2023 على التوالى، مقارنة بنسبة 92% مقدرة فى العام المالى السابق 2020/2021.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على تقرير صندوق النقد الدولى.
وختاما، عكس تقرير صندوق النقد الدولى بشأن المراجعة الأخيرة لاتفاق الاستعداد الائتمانى، نجاح الحكومة المصرية فى الالتزام بأهداف الاتفاق والحصول على الدفعتين الخاصتين به، وحكمة وجدارة إجراءات الحكومة المصرية للتعامل مع جائحة كورونا، وقوة الاقتصاد المصرى فى مواجهة تداعياتها السلبية، والتى أثرت تأثير بالغ على العديد من الاقتصادات من بينها اقتصادات كبرى، مما يُعد شهادة ثقة فى الاقتصاد المصرى.