الجمهورية الجديدة والهيكل الوزارى

عبدالفتاح الجبالى
يدور في الآونة الحالية الحديث عن تغيير أو تعديل وزارى جديد، وانشغل البعض بطرح اسماء معينة أو وزارات محددة للتغيير دون طرح التساؤل الجوهرى وهو الغرض من التشكيل الوزارى. بعبارة اخرى هل التركيبة الوزارية بشكلها الحالى، بعيدا عن الاسماء، تصلح للتعامل مع قضايا المستقبل؟ وإلى اى مدى يأتي التغيير أو التعديل الوزارى، تعبيرا عن حاجة مجتمعية أساسية وهل يعكس رؤية أو فلسفة تنموية معينة؟ وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها تجدر بنا الإشارة إلى أن الحكومة المصرية الحالية تعد من أكبر حكومات العالم حجما، حيث يصل عددها إلى 36 وزيرا وهى الأكثر عددا في تاريخ الوزارات المصرية منذ نشأتها وحتى الآن. كما يتكون الهيكل الادارى للدولة من 36 وزارة و27 محافظة ونحو 160 هيئة خدمية و53 هيئة اقتصادية بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الشركات العامة وشركات قطاع الأعمال والشركات القابضة النوعية، وهكذا فالوزير الواحد يتبعه عدد من الهيئات الخدمية ومجموعة من الهيئات الاقتصادية وبعض الشركات العامة، وربما المشتركة، فعلى سبيل المثال فان وزارة النقل تخضع لها مديريات الطرق بالمحافظات وهيئة النقل البرى والنقل البحري وهيئة السكك الحديدية ومترو الانفاق وغيرها، ورئاسة الوزراء تتبعها هيئة الاستثمار وهيئة الرقابة المالية والعديد من الهيئات الاخرى، ووزارة قطاع الاعمال يتبعها9 شركات قابضة وهي تتبعها 122شركة تابعة، ووزارة الثقافة يتبعها نحو 21 جهة وجهازا، فضلا عن وزارة الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية التى يتبعها نحو 38 جهة وهيئة، بالإضافة إلى شركة المقاولون العرب. وهكذا فكل وزير منوط به الإشراف على عدد لابأس به من هذه الكيانات، الامر الذى يجعله يقضى معظم الوقت فى الاعمال الإدارية والروتينية ولايلتفت كثيرا لصنع السياسات العامة فى وزارته. وهنا يصبح التساؤل هل هناك حجم أمثل للحكومة؟ وما هى معايير تحديد هذا الحجم؟ من المهم بداية فى هذا السياق التذكير بأن الدولة قامت لعقود طويلة بدور الفاعل الأساسي-والوحيد أحياناً-فى المجتمع. وظلت ولمدى طويل، المقدم الأساسي للخدمات والسلع والمسئول الأول بالتبعية عن التوظيف. وتوسعت فى التقسيمات الحكومية لتضم بجانب السلطات المركزية والمحلية هيئات عامة تقدم من خلالها الخدمات للجمهور، ولهذا تضخم حجم الجهاز الإداري للدولة بصورة كبيرةا لامر الذي أدى إلى التوسع فى الهياكل التنظيمية واستحداث العديد من التقسيمات والمستويات الوظيفية دون الحاجة إليها مما أدى إلى تضخمه ومركزيته الشديدة وتعدد الإجراءات، والاهم من ذلك المزيد من الاعباء على الموازنة العامة للدولة نتيجة لتشكيل الوزارات الجديدة وما يتبعها من نفقات تشغيل وغيرها، هذا فضلا عن تدنى مستوى الخدمات العامة وارتفاع تكلفتها، من حيث الوقت المستغرق فى إنجازها أو الأعباء المالية الإضافية، خاصة مع طول وتعقد الإجراءات والتداخل بين المهام والمسئوليات وكلها أمور أدت الى عدم رضاء المواطنين عن نوعية وأسلوب تقديم هذه الخدمات. بالاضافة الى الإسراف فى الاعتماد على القوانين والقرارات السيادية فى تنظيم الأعمال وفرضت سلسلة من القوانين والقرارات والإجراءات التي لم تحقق سرعة الأداء وأرست مجموعة من التشابكات بين أنشطة الوزارات والأجهزة، وغالت فى طلب الضمانات المسبقة لإثبات النيات الحسنة للمتعاملين مع الجهاز الحكومى. وغلبة المفاهيم القانونية الشكلية والإجرائية على نظم الخدمة المدنية والوظائف العمومية مما أعاق من إمكانات الاستفادة بطاقات الموارد البشرية، ورغم التطور الهائل الذى حدث فى نظم إدارة الموارد البشرية فى العالم فإن هذه النظم بقيت فى مصر أسيرة للفكر والمفاهيم الجامدة لإدارة شئون الأفراد التى تعتمد على النصوص واللوائح، وتوحد تطبيقها عبر منظمات الجهاز الحكومي المركزي والمحلى. إن التشكيل الوزاري، بوضعه الحالي، كبير ومنقسم بشدة، بصورة لا تمكنه من تحقيق الأهداف المنوطة به، وخير دليل على ذلك أن قطاع الطاقة مقسم بين وزارتي البترول والكهرباء وكذلك التجارة موزّعة بين تجارة داخلية وأخرى خارجية، وينطبق نفس القول على التعليم الذي ينقسم بدوره إلى وزارات التعليم والتعليم العالى.. إلخ. من هذا المُنطلق، نقترح ضرورة النظر فى تخفيض عدد الوزارات الحالية، بحيث يتراوح بين 20 و25 وزارة على الأكثر على ان يتم الاعتماد على الآليات الاخرى مثل الهيئات العامة والمجالس العليا، ومنحها السلطات اللازمة لأداء المهام المنوطة منه، فمثلا يمكن توحيد الجهات المعنية بالاستثمار، كهيئة الاستثمار والرقابة المالية فى وزارة التخطيط والاقتصاد. وايضا إلغاء وزارة قطاع الاعمال مع نقل الشركات التابعة لها الى وزارة الصناعة التى بدورها عليها ان تتخلص من عبء التجارة لتنشأ وزارة موحدة للتجارة الداخلية والخارجية معا، كما ينبغى التفكير فى دمج بعض الوزارات مع أخرى حيث نقترح ضم وزارتى الثقافة والاعلام، ويتم تجميع وزارات التربية والتعليم والتعليم العالى فى وزارة واحدة للتعليم، خاصة فى ظل وجود المجلس الاعلى للجامعات المنوط به تنظيم المسائل الاجرائية المتعلقة بالتعليم العالى وغيرها من الاجراءات التى يمكن ان تساعد فى تحسين آليات صنع القرار بالمجتمع، والأُطُر المؤسسية المنظمة له، وبالتالي تعزيز المشاركة في كيفية إدارة البلاد، وإخضاع الحكومة للمساءلة والمحاسبة.
نقلا عن الأهرام.