ما هي مبررات الضربات الجوية الأمريكية في الصومال؟
للمرة الثانية على التوالي قامت القوات الأمريكية في الـ 23 من يوليو الجاري بشن غارة جوية استهدفت معاقل حركة الشباب في الصومال الحركة الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تسعى لإسقاط الحكومة الصومالية وفرض عقيدتها المتشددة للشريعة الإسلامية، حيث ذكرت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية “سيندي كينج” أن الضربة الجوية نفذت بواسطة القيادة الإفريقية للقوات المسلحة الأمريكية بالتنسيق مع الحكومة الصومالية لدعم القوات الصومالية الشريكة، ويأتي الهجوم بعد ثلاثة أيام فحسب من ضربة أمريكية مماثلة في ال20 من يوليو استهدفت مسلحي حركة الشباب هي الأولى من نوعها منذ ستة أشهر، والأولى منذ تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه.
وفي سياق ذلك، يحاول هذا التحليل تسليط الضوء على العملية المشتركة بين القوات الصومالية والأمريكية، وما هي دوافع إدارة بايدن من وراء تلك الهجمات، وكيف تباينت ردود الأفعال حول تأثير الهجمات على الأوضاع في الصومال، وكيف يمكن أن تساهم تلك التحركات الأمريكية الأخيرة في بلورة سياسة أكثر وضوحاً إزاء الصومال لاسيما في ظل الانتقادات الموجهة لإدارة بايدن بسبب قصور استراتيجيتها الأمنية في الصومال.
تضييق الخناق على جماعة الشباب في الصومال:
أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، على أن الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت حركة الشباب في الصومال خلال الأيام القليلة الماضية، كانت لدعم العملية العسكرية التي تقوم بها القوات الصومالية الشريكة لتصفية الجماعة الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، وذلك على النحو التالي:
(*) مهمة توجيه ومساعدة عن بعد: أشار المتحدث باسم البنتاجون “جون كيربي”، إلى أن الغارات نُفذت لدعم القوات الصومالية بالقرب من قرية كيكاد وذلك بالتزامن مع تعزيز العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الصومالي ضد معاقل حركة الشباب المجاهدين، وأن القوات الأمريكية لم تكن مصاحبة للقوات الصومالية على الأرض خلال الضربات، بل اقتصرت مهمتها على تقديم المشورة والتوجيه والمساعدة عن بعد.
(*) الضربة الجوية الأولى: صرحت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية “سيندي كينج”، بأن القيادة الأمريكية في إفريقيا ” أفريكوم” استهدفت حركة الشباب بغارة جوية يوم الثلاثاء 20 يوليو، بالقرب من ضواحي جالكعيو، على بعد حوالي 580 كيلومترا شمال العاصمة مقديشو، وأن الاستنتاجات الأولية للقيادة تفيد بعدم سقوط قتلى أو جرحى في صفوف المدنيين.
(*) الضربة الجوية الثانية: شنت القوات الأمريكية يوم الجمعة 23 يوليو غارة جوية أخرى على حركة الشباب في الصومال، وذلك بالتنسيق مع الحكومة الصومالية ووقعت في منطقة جالمودوج بوسط الصومال، بالقرب من قرية كيكاد.
دوافع أمريكية حرجة:
على الرغم من تأكيد وزارة الدفاع الأمريكية بأن الغارتين الجويتين قد تم تنفيذهما وفقاً لتصريح عام 2001 باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن القوات الشريكة للولايات المتحدة، إلا انه يمكن تتبع محفزات التحركات الأمريكية الأخيرة في الصومال في النقاط التالية:
(&) الانخراط في آليات التعاون الدولي: تسعى إدارة بايدن إلى تأكيد التزامها بمواجهة الإرهاب في أفريقيا باعتباره قضية عابرة للحدود من خلال إعادة تفعيل شبكة تحالفاتها الأوروبية خاصة مع فرنسا، ويمكن تفسير الضربات الجوية الأمريكية على الصومال بانها نوع من التفاهمات تم التوصل إليه مع فرنسا من أجل تقاسم المهام العسكرية في منطقة أفريقيا، خاصة وأن شن تلك الضربات الجوية الأمريكية تزامن مع إعلان فرنسا تقليص وجودها في منطقة الساحل، بالإضافة إلى توقيع الطرفان الأمريكي والفرنسي في الأول من شهر يوليو الجاري خارطة طريق جديدة للتعاون بين قوات العمليات الخاصة في البلدين بهدف بناء الجهود الدولية لمواجهة تهديدات تنظيم القاعدة وداعش في مناطق مختلفة.
(&) إعادة تقييم استراتيجية مكافحة الإرهاب: يظل ملف مكافحة الإرهاب أحد المرتكزات الرئيسية للسياسة الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام والصومال بشكل خاص، وبالنظر إلى الانتقادات الموجهة لإدارة بايدن بسبب التباطؤ في الإعلان عن استراتيجية أمنية واضحة المعالم في الصومال حيث لا تزال حركة الشباب المجاهدين تمثل أزمة كبيرة أمام جهود الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب لاسيما بعد أن فرض جو بايدن في مارس الماضي قيوداً مؤقتة على استخدام ضربات الطائرات بدون طيار خارج ساحات القتال في الأماكن التي لا يوجد فيها سوى عدد قليل من القوات العسكرية الأميركية بما في ذلك الصومال، الأمر الذي ساهم في تنامي نشاط حركة الشباب الصومالية، ستسعى إدارة بايدن خلال المرحلة المقبلة نحو إعادة في النظر في سياسة مكافحة الإرهاب في أفريقيا و الصومال تحديداً لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة خاصة القاعدة العسكرية في جيبوتي.
(&) إعادة ترتيب الداخل الصومالي: نجحت واشنطن في عكس المسار السياسي في الصومال من خلال استبدال حليفها الرئيس الصومالي محمد فرماجو والبحث عن حلفاء جدد في الداخل في صفوف المعارضة، وذلك بعد أن لوحت إدارة بايدن باستخدام أداة العقوبات وإعادة النظر في علاقات الولايات المتحدة مع الصومال في خضم إقرار مقديشو تشريعا يمدد ولاية الرئيس والبرلمان لمدة عامين، وفي الأول من إبريل الماضي أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن وقع أمراً بتمديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الصومال لمدة عام آخر على الأقل، وبالتالي يتوقف دور واشنطن في إدارة المشهد الصومالي خلال المرحلة القادمة على ما ستفرزه نتائج الانتخابات الصومالية المرتقبة.
(&) مواجهة تنامي النفوذ الصيني والروسي: تمكن الدور الأمريكي في الصومال حتى عام 2020 من تحجيم نفوذ الصين وروسيا، ولكن مع تضاؤل الوجود الأمريكي عقب قرار ترامب بسحب معظم القوات الأمريكية من الصومال بحلول أوائل عام 2021، و بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لموقع الصومال، بما في ذلك الإقليم الشمالي الغربي المتمتع بالحكم الذاتي من أرض الصومال، والذي يمتلك خط ساحلي بطول 2000 ميل يتاخم مضيق باب المندب، أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، برز التوجه الصيني من خلال إنشاء أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي المجاورة، بالإضافة إلى بناء الموانئ والبنية التحتية البحرية في شرق إفريقيا، كما زادت الصين من مشاركتها في مكافحة الإرهاب في إفريقيا من خلال الأمم المتحدة، حيث استثمرت بشكل أكبر في بناء القدرات لمكافحة الإرهاب في القارة، بينما في المقابل يتزايد النفوذ الروسي في أفريقيا من خلال مبيعات الأسلحة وتوقيع اتفاقيات لإنشاء قواعد قريبة من البحر الأحمر.
ردود أفعال متباينة:
يمكن تتبع أصداء الضربات الجوية الأمريكية سواء داخل واشنطن أو الصومال، على النحو التالي:
- غضب عارم داخل الكونجرس: أثارت تصريحات البنتاجون بأن الغارة الأمريكية التي وقعت يوم الثلاثاء تمت بتفويض من قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا الجنرال “ستيفن تاونسند”، بموجب بند “الدفاع الجماعي عن النفس”، استياء عدد من المشرعين الديمقراطيين الذين كانوا يضغطون لكبح جماح تفويضات الحرب الرئاسية، مثل السناتور كريس مورفي، ومايك لي و بيرني ساندرز، حيث أعربوا في بيان مشترك عن قلقهم من ان إدارة بايدن لم تسعى للحصول على الموافقة من الكونجرس للضربة خاصة مع عدم وجود قوات أمريكية معرضة للخطر و بالتالي أصبح هناك حاجة إلى إعادة تأسيس نظام من الضوابط والتوازنات لجعل الكونجرس جزءًا من هذه القرارات المتعلقة بالحرب والسلام، كما وجهت النائبة إلهان عمر من الحزب الديمقراطي أيضاً، رسالة إلى بايدن يوم الجمعة تشكك في تبرير “الدفاع الجماعي عن النفس”.
- ترحيب صومالي: أكدت الحكومة الصومالية في بيان صادر يوم الجمعة، على أن الضربة الجوية الدقيقة قد دمرت مقاتلي حركة الشباب وأسلحتهم ولم تحدث اي إصابات بين المدنيين، كما أضاف البيان أن تكتيكات حركة الشباب لا تستطيع مواكبة القوات الخاصة الصومالية وشركائها، و من جانبه أعرب المتحدث باسم الجيش الصومالي العقيد علي حاشي عبد النور عن رغبته في أن تستأنف الولايات المتحدة الضربات خاصة لاستهداف المقاتلين المرتبطين بالقاعدة في المناطق التي لا تستطيع القوات الصومالية الوصول إليها، بينما أعرب بعض ضباط الجيش الصومالي عن مخاوفهم ، ففي حين أن الضربات الجوية يمكن أن تكون مفيدة ، إلا أنهم بحاجة إلى دعم إضافي ، بما في ذلك أسلحة وإمدادات أفضل لمحاربة الشباب على الأرض، على سبيل المثال، أعطى الجيش الأمريكي مؤخراً القوات الخاصة الصومالية ست ناقلات مدرعة من طراز (APCs) ، مما ضاعف عدد المركبات القادرة على حماية وحدات قوات داناب من العبوات الناسفة.
- التشكيك حول جدوى الضربات الأمريكية: أكد أحد الضباط السابقين في قوات داناب، على أن الاعتماد على الضربات الجوية وحدها غير كافي بل لابد من تغيير الديناميكيات وتكتيكات التدريب من أجل إعداد قوات متحركة على الأرض، وفي السياق ذاته أشار مسئول في الاتحاد الأفريقي إلى أن تأثير الضربات الجوية غير فعال حتى تصبح القوات البرية جاهزة، كذلك وفقاً لإحصاء أجراه مشروع بيانات موقع النزاع المسلح وأحداثه (ACLED)، وهي مجموعة بحثية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، أنخفض الخطر على المدنيين في الصومال من حركة الشباب في غياب الضربات الجوية، حيث وقعت 155 حادثة استهدفت فيها حركة الشباب المدنيين في الأشهر الستة التي سبقت تولي بايدن السلطة، و90 فقط في الأشهر الستة التي أعقبت توليه الرئاسة.
خلاصة القول، على الرغم من تأكيد بايدن في وثيقة الأمن القومي على تعزيز أداة الدبلوماسية وان الأداة العسكرية ستكون الملاذ الأخير، يبدو أن تعقد ملفات منطقة القرن الأفريقي بشكل عام وملف الصومال بشكل خاص، قد أجبرته على ضرورة الانخراط العسكري، ولذلك يتعين على إدارة بايدن خلال المرحلة القادمة مراجعة النطاق الكامل للمصالح الأمريكية في الصومال وصياغة نهج واضح يعتمد على عدد من الآليات منها، الاستعانة بالخبراء من حكومته وفريق السياسة العليا في الشأن الأفريقي مثل “ليندا توماس جرينفيلد” سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ، و”لويد أوستن” وزير الدفاع ، و”دانا بانكس” المدير الأول لإفريقيا في مجلس الأمن القومي لتطوير سياسة نحو أفريقيا، ثانياً مساعدة الحكومة الصومالية المقبلة على تطوير مؤسسات أكثر خضوعًا للمساءلة لتحسين حياة شعبها وإضعاف حركة الشباب وتهجيرها، وذلك عن طريق إحياء نهج “المسار المزدوج” و تكثيف المساعدة إلى جميع الأطراف داخل الصومال، وفي سياق ذلك يجب على الولايات المتحدة إنشاء قنصلية في أرض الصومال لمساعدة المواطنين والشركات الأمريكية وبناء العلاقات، إلى جانب العمل مع الاتحاد الأفريقي لحل وضع أرض الصومال من خلال إقناع الرئيس الصومالي القادم بإجراء مفاوضات فورية وجادة، بينما تتمثل الآلية الثالثة في زيادة وتسريع وتيرة المساعدة الإنمائية من خلال تفعيل برنامج تطوير الأعمال التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خاصة في قطاع الصحة والتعليم، وأخيراً تنشيط شراكتها الأمنية لمساعدة الصومال على تحقيق قدر أكبر من الاستقرار والاعتماد على الذات حيث يمكن للولايات المتحدة أن توفر تواجدًا فعالًا بمستويات قوات أقل بكثير من 700-800 التي تواجدت في الصومال أواخر عام 2020، من خلال توظيف القوات في كينيا التي واصلت الضربات الجوية في الصومال وتعتبر أقل عرضة إلى حد ما لهجمات حركة الشباب أو عن طريق قصر عمليات النشر التشغيلية على قاعدة بلي دوجلي الجوية الواقعة في إقليم شبيلي السفلي المجاور للعاصمة مقديشو، وقاعدة مطار كسمايو، والتي تبعد نحو 500 كم جنوب العاصمة الصومالية مقديشو، وتوفير الحماية للقوات التي تتواجد في تلك القاعدتين من قبل القوات والمقاولين الأوغنديين المقيمين.