هل يحمي “رئيسي” إيران من شبح الجفاف؟

تواجه إيران أسوأ موجة جفاف منذ 50 عاماً، فقد أثرت أزمة المياه على مختلف مناحي الحياة والأسر والزراعة وتربية الماشية، وأدت إلى انقطاع التيار الكهربائي، كما أن مصادر المياه الجوفية في إيران قد نضبت إلى حد خطير، وهو الأمر الذي كان سبب في الاحتجاجات المستمرة في الشوارع على خلفية نقص المياه في جنوب غرب إيران، وسط تصاعد أعمال العنف.
فقد ردد سكان العاصمة طهران شعارات مناهضة للحكومة، وهو الأمر الذي دعت مجموعات ونشطاء معارضة إلى مظاهرات لدعم متظاهري خوزستان، وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي نساء يهتفن “تسقط الجمهورية الإسلامية” في محطة مترو بطهران، كما عبر بعض المواطنين في العاصمة عن غضبهم بهتافات ضد المرشد الإيراني علي خامنئي، حيث نُظم ما لا يقل عن 31 احتجاجاً في أنحاء إيران، بما في ذلك مسيرات للعمال والمزارعين، والأمر الذي ينذر بتوقع اندلاع “حرب مياه” ستنتشر في المناطق الريفية، مما يعرض إيران لخطر “الزوال”.
وفي سياق متصل، تمثل أزمة المياه أكثر تحديات الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي تعقيداً، خاصةً أن لديه معتقد مثل خامنئي أنه لكي تعزل إيران نفسها عن الضغوط الدولية، يجب أن يكون لديها” اقتصاد صمود”، يُعتبر الاكتفاء الذاتي الزراعي أهم دعائمه، وبالتالي قد تكون أزمة ندرة المياه، هي إلى حد كبير جاءت نتيجة رغبة النظام في تحقيق الاستقلال الزراعي، فطوال عقود شجعت طهران على زراعة المحاصيل الأساسية على نطاق واسع.
وهنا تنذر أزمة تغير المناخ إلى أن فصول الصيف ستكون أشد حرارة وجفافاً في السنوات المقبلة، حيث تواجه إيران ما وصفه علماء البيئة بـ “الإفلاس المائي الوشيك” على خلفية فصول الصيف القادمة، لذلك لم يكن ما شهدته محافظة خوزستان الإيرانية مؤخراً من أزمة مياه واحتجاجات أمراً غير متوقع، ففي عام 2015 حذر “عيسى كالانتاري”، وزير الزراعة الإيراني الأسبق من أن ندرة المياه سترغم 50 مليون إيراني – 60% من السكان – على مغادرة البلاد.
إيران والعرب الأحواز وأزمة المياه:
وفي هذا السياق، فقد تفاقمت مشكلة المياه في الآونة الأخيرة، مع تحويل النظام لمياه النهر بشكل أكبر نحو مناطق أصفهان وزايند هرود، شمال شرق الإقليم العربي، ويشكل هذا الأمر تهديدا للسكان، الذين يعتمد قسم كبير منهم على مياه النهر في ري زراعاتهم، ويعتبر الأحواز الأمر كان مبيتاً بغرض دفعهم للهجرة من الإقليم، لذلك خرجت العديد من التظاهرات الغاضبة في إقليم الأحواز ذي الأغلبية العربية جنوب غربي إيران، احتجاجاً على تحويل السلطات لمجرى نهر كارون بعيداً عن مناطقهم، مما ينذر بالعطش وتداعيات خطيرة أخرى، ويمر بمحافظة خوزستان نهر كارون، الذي كان يغذي المنطقة بشكل جيد في الماضي، إلا أن حكومة طهران عملت على تجفيفه ونقل جزء من مساره إلى مناطق أخرى في البلاد، مما ترك السكان العرب يواجهون أزمة مياه، ومحافظة خوزستان تقع ضمن منطقة الأحواز ذات الغالبية العربية الغنية بالنفط والمياه في آن واحد، لكن سكانها يعانون التهميش والاضطهاد من جانب السلطات الإيرانية.
ويعاني المواطنين من أزمات مزمنة في منطقة الأحواز التي طالت كافة أوجه الحياة حيث عمل النظام على محاصرة أبناء منطقة الأحواز العربية، ويحرمهم من حقوقهم السياسية والاجتماعية، كما يعانوا من البطالة المتفشية في المنطقة التي يغلب عليها الطابع العربي وتعاني منذ عقود من الحرمان والاضطهاد، زد على ذلك أنهم يعانون من شح المياه والتلوث ونقص الغذاء، بالإضافة إلى الفقر الناجم عن الإهمال المتعمد من قبل النظام.
النظام والاحتجاجات والهتافات:
لا تزال تشهد مناطق متفرقة من الأحواز منذ أيام مظاهرات حاشدة، واجهها أمن النظام بالرصاص، وهو ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، لاسيما في مدينتي المحمرة وعبادان، فقد رصدت مقاطع فيديو خروج تظاهرات غاضبة في مدن المحمرة والحميدية والخفاجية والفلاحية، وقد ردد المتظاهرون خلالها شعارات اتصفت بالجرأة ضد النظام، منددين بسياسات التمييز العنصري حيال المواطنين العرب، حيث يشكلون غالبية سكان محافظة خوزستان، ويشتكون من التمييز بحقهم من قبل السلطات، بالإضافة إلى الاضطهاد والقمع الممنهج، ويسعى النظام لتغيير ديموغرافية المنطقة وتهجير أهالي الأحواز من مناطقهم، ولذلك خرجت التظاهرات ورفع المحتجون لافتات رافضة للهجرة وترك مدن وأرياف منطقتهم، مطالبين بتراجع السلطات الإيرانية عن قرارها بتحوير مياه النهر إلى المناطق ذات الأغلبية الفارسية، بهدف تنميتها الزراعية والحياتية على حساب المناطق العربية.
احتجاجات المياه خارج الأحواز:
توسعت دائرة الاحتجاجات بسبب شح المياه في إيران؛ حيث أفاد الموقع الإلكتروني للتلفزيون الرسمي “إيريب نيوز”، بأن أعمال شغب اندلعت في شوارع أليكودرز (في محافظة لورستان) وهي المرة الأولى التي تتحدث فيها وسائل إعلام إيرانية عن احتجاجات أو سقوط ضحايا خارج خوزستان، منذ بدء الاحتجاجات، كما أعلنت من ناحيتها قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن السلطات استخدمت على ما يبدو “القوة المفرطة ضد المتظاهرين”، داعية الحكومة الإيرانية إلى إجراء “تحقيق شفاف” في الوفيات المفترضة، كما أشارت المنظمة، إلى تقارير عن انقطاع الاتصال بالإنترنت، وهو الذي يفسر سبب انقطاعات واسعة النطاق أبلغ عنها مستخدمون لخدمات الهاتف المحمول بما يتسق مع حجب لخدمة الإنترنت في مناطق بهدف السيطرة على الاحتجاجات.
الواضح أن الأزمة لم تقتصر على إيران، بل طالت دول الجوار بعدما أعلن العراق رسمياً أن إيران قطعت المياه عنه بشكل تام، مما عجّل من ووضع العراق أمام مشكلة حقيقية، خصوصاً بعد أن حولت إيران مجرى الأنهار التي كانت تساهم بتزويد العراق بالمياه، وتشكل الأمطار 30 في المائة من موارد العراق المائية، بينما تشكل مياه الأنهار الممتدة من تركيا وإيران 70 في المائة بحسب المديرية العامة للسدود في العراق.
فقد عملت إيران على تغيير مجرى نهر الكارون بالكامل وأقامت ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه الإقليم والعراق ككل”، وأكدت أن تدفق المياه توقف كلياً، ويعد الزاب الصغير أحد أهم الروافد الخمسة الرئيسية لنهر دجلة”، وسيؤثر تحويل إيران لمجرى 43 رافداً على المدن والمناطق المحيطة بالنهر إلى تعجيل جفاف الإقليم.
وقد شكك مراقبون في قدرة الحكومة المركزية في بغداد على التأثير في قرار طهران الأخير، حيث “قطعت المياه بشكل تام عن العراق”، ملوحة باللجوء إلى المجتمع الدولي في حال استمر الوضع، وقال وزير الموارد المائية العراقي “مهدي رشيد الحمداني” إن “الإطلاق المائية من إيران بلغت صفراً”، فيما صرح بأنه سيتم”اتخاذ حلول لتخفيف ضرر شح المياه في محافظة ديالى” شرقي العراق، واعتبرت خطوة إيران الأخيرة تجاوزاً واضحاً لكل القوانين والأعراف التي تُنظم حقوق الدول في الأنهار العابرة للحدود، وتداول مغردون صوراً للمناطق المتضررة من انعدام المياه، ومقاطع مرئية لنفوق الحيوانات في بعض مدن البلاد، فضلاً عن هلاك آلاف الدونمات من المزروعات وتأثرها سريعاً بانقطاع المياه، وهو الأمر الذي جعل به وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد، يصرح باللجوء إلى المؤسسات الدولية لاستحصال حقوق بلاده المائية من إيران، وصرح بأن “الجانب الإيراني لم يبد أي تجاوب معنا ومازال يقطع المياه عن أنهر وجداول سيروان والكارون والكرخة والوند، ما سبب أضرارا جسيمة لسكان ديالى التي تعتمد بشكل مباشر على المياه القادمة من إيران”.
وأثار ذلك ردود فعل شعبية وسياسية غاضبة، إذ طالب مدونون عراقيون، بطرد السفير الإيراني، لعدم التعامل مع العراق، وفق السياقات القانونية، والأطر الدولية، خاصة في ملف المياه، بعد توقف تام لها، على رغم أهميتها لعدد من الأنهار والروافد العراقية، في عدة محافظات، الأمر الذي جعل وزارة الموارد العراقية أرسلت مذكرة للجانب الإيراني، تطالبه بالالتزام بالبروتوكولات والاتفاقيات التي بين البلدين بشأن المياه المشتركة.
نتائج ومحصلات:
(*) إن أزمة المياه هي أصعب التحديات التي يواجهها رئيسي، إذ تشير اتجاهات تغير المناخ إلى فصول صيف أكثر حرارة وجفافاً في السنوات المقبلة، ومصادر المياه الجوفية في إيران باتت مستنفدة بالفعل بدرجة خطيرة. ويعتقد رئيسي أن إيران، لعزل نفسها عن الضغوط الدولية، يجب أن يكون لديها «اقتصاد مقاوم»، يتمثل في ركيزة أساسية تعتمد على الاكتفاء الذاتي الزراعي، لكن من الواضح أن تحقيق ذلك مستحيل بينما تواجه البلاد ما وصفه دعاة حماية البيئة بأنه نفاد وشيك للمياه
(*) يواجه العراق خطر جفاف هو الأول من نوعه منذ عقود بسبب تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات إثر مشاريع السدود التركية الأخيرة، وقطع إيران عدة روافد وأنهار كانت ترفد نهر دجلة والأهوار العراقية بالمياه، وتضرّر سبعة ملايين عراقي من نحو 40 مليوناً، من “الجفاف والنزوح الاضطراري، لذلك قد يؤدي ذلك إلى اندلاع أزمة بيم طران وبغداد.
(*) من المتوقع جفاف خزانات المياه الجوفية في 12محافظة من محافظات إيران الـ ـ31 خلال الخمسين عاماً المقبلة، خاصةً بعد أن حفزت الحكومة المزارعين على استغلال كل المياه الجوفية التي يستطيعون الحصول عليها، كما أن المياه الموجودة فوق سطح الأرض تزداد ندرة، حيث أدى تحويل مجرى الأنهر وبناء السدود المفرط على أنهار خوزستان، إلى جفاف بحيرات المقاطعة.
(*) سوف تكون هناك هجرة بسبب المناخ على نطاق واسع، فإن أعداداً كبيرة للغاية من الإيرانيين بدءوا بالفعل الانتقال من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية، مما يضاعف أعداد العاطلين والغاضبين،وهو ما ينذر بقلب النظام في إيران إذ إن سخط الطبقة الدنيا في المناطق الحضرية كان الشرارة التي أشعلت ثورة 1979 التي أقامت بإيران.
(*) بما أنه هناك بعداً عرقياً للمظاهرات؛ إذ أن خوزستان هي موطن معظم الأقلية العرقية العربية في إيران، التي تشعر بتجاهلها- وأحيانا يتم النظر إليها بعين الشك- من جانب طهران، لذلك من المرجح إذا ما استمرت الاحتجاجات، أن يتصاعد العنف الشهر المقبل مع تنصيب الرئيس الجديد، رجل الدين المتشدد رئيسي.