التوقيت ودلالاته.. لماذا ذهب “أردوغان” إلى شمال قبرص؟
أثار تجدد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأييده لمبدأ حل الدولتين في قبرص موجة من الرفض والانتقادات سواء في الداخل القبرصي أو في داخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث كان قد أعلن –أردوغان- خلال زيارته الأخيرة لشمال قبرص في 19 يوليو الماضي بمناسبة الذكرى 47 للتواجد التركي في قبرص، أن بلاده انتهت من إعداد المجمع الرئاسي الجديد في جمهورية شمال قبرص التركية، وذلك في خطاب ألقاه خلال جلسة خاصة في البرلمان. وقال أردوغان أن ” بلاده على مرار 50 عاما لم تحرز أي تقدم من المفاوضات التي تجريها مع قبرص اليونانية، بالتالي فإن تركيا ماضية قدما في تأسيس جمهورية قبرصية في الشطر التركي، وهناك بعض الجهود الدبلوماسية لحث بعض الدول على الاعتراف بهذه الجمهورية “. فضلا عن إعلان أردوغان إعادة فتح مدينة فاروشا مرة أخرى. ويأتي توقيت زيارة أردوغان في خضم توترات تشهدها منطقة شرق المتوسط على خلفية أحقية التنقيب عن اكتشافات الغاز.
ورحب الجانب القبرصي التركي بتلك الخطوة التي ستقوم تركيا من خلالها ببناء مجمع رئاسي جديد تابع للرئاسة الشمال قبرصية، كما سيتم بناء مبنى خاص بالبرلمان، لكن تلك الخطوة بكل تأكيد لاقت احتجاج من قبل القبارصة اليونانيين، الذين اعتبروها تمهيدا من قبل تركيا لإعلان جمهورية شمال قبرص التركية.
فاروشا القبرصية:
فاروشا، هي مدينة تقع في شمال قبرص التركية على البحر المتوسط، كانت منتجعا سياحيا شهيرا، فضلا عن كونها محمية من التراث المعماري، حيث يوجد بها ما يزيد عن 200 معلم تاريخي. بعد الانقلاب العسكري في قبرص على نظام الحكم التركي؛ قامت تركيا باجتياح الأراضي القبرصية في الجزء الشمالي في 1974، ومن بعدها تحولت مدينة فاروشا إلى منطقة عازلة هجرها مواطنوها، وأصبحت محاطة بسياج عازل، ومنع دخول أي شخص إليها باستثناء الجيش التركي أو موظفي الأمم المتحدة، ولقبت بمدينة الأشباح.
مناهضة داخلية ودولية لقرار أردوغان:
فور إعلان الرئيس التركي عن تأييده لمبدأ إقامة دولة مستقلة في شمال قبرص التركية تكون ذات سيادة، وإعادة فتح وتوطين مدينة فاروشا مرة أخرى، واجهته معارضة من الجزء اليوناني في قبرص، فضلا عن معارضة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة اليونان وفرنسا لخطوة وصفت ب ” الأحادية ” و ” الاستفزازية “، وقد تمثل ذلك في:
(*) موقف القبارصة اليونانيين: فقد بررت قبرص اليونانية موقفها الرافض لمشروع أردوغان بأنه جاء ردا على سلوك ” استفزازي غير مسبوق “، واعتبرته يقوض الجهود الأممية التي دعت لحوار خماسي غير رسمي بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك وأنقرة وأثينا ولندن.
(*) موقف الاتحاد الأوروبي: اقتراح تركيا بإقامة دولتين مستقلتين في قبرص من جديد لاقي معارضة قوية من الاتحاد الأوروبي، وكان آخرها الشهر الماضي على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية، بأن “هذا المقترح الذي تضعه تركيا شرطا لإتمام محادثات السلام تحت إشراف الأمم المتحدة.. لن يقبل أبدا “. كما رفض الاتحاد الأوروبي قرار أردوغان بإعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية باعتبارها رمز لتقسيم قبرص، وقد تؤدي هذه الخطوة من الجانب التركي إلى توتر العلاقات الهشة في الأساس بين أنقرة وبروكسل، وحذر الاتحاد الأوروبي في بيان صادر عنه من الإجراءات أحادية الجانب التي تنتهك القانون الدولي، وتؤجج المزيد من التوترات في الجزيرة، كما أنها تهدد استئناف المفاوضات الشاملة للمسألة القبرصية.
(*) الموقف اليوناني: نددت اليونان بالموقف التركي واصفة إياه بـ ” غير القانوني الذي ينتهك القرارات الأممية “، وأعلنت إرسال وزير خارجيتها إلي نيقوسيا لبحث التحركات التركية في قبرص. فبعد مرحلة وصفت بالهادئة بين أنقرة وأثينا شهدت زيارات ومفاوضات عدة، من الممكن أن تؤدي مثل هذه التصرفات أحادية الجانب من قبل تركيا إلى عودة التوتر الشديد للعلاقات بينهما، وقد تعكر الأجواء الدبلوماسية الحاصلة مؤخرا.
(*) موقف الولايات المتحدة: أكدت الولايات المتحدة الأمريكية رفضها لإعلان الرئيس التركي بإعادة فتح فاروشا تحت إرادة القبارصة الأتراك، وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكين أن ” واشنطن تعتبر ما يقوم به القبارصة الأتراك بدعم من تركيا استفزازا وغير ومقبولا، كما أنه لا يتفق مع الالتزامات الدولية التي قطعوها في الماضي في محادثات السلام “، وحث على التراجع عن القرار وإلا سيتم إحالته إلى مجلس الأمن الدولي. كما ذكر بموقف الولايات المتحدة الرافض لقضية حل الدولتين، وتأييد واشنطن لتوحيد الجزيرة.
دلالات زيارة أردوغان لقبرص التركية:
عدة دلالات تعكسها زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قبرص التركية في هذا التوقيت، أهمها كالتالي:
(&) توسيع قاعدة التحالفات السياسية: فقد أرجع العديد من المحللين الهدف من الزيارة إلى تحقيق انتصار داخلي من خلال إعادة تشكيل خريطة التحالفات السياسية قبل الانتخابات الرئاسية في 2023، فقد كان من اللافت أن يتضمن وفد الزيارة عضو المجلس الاستشاري الأعلى لحزب السعادة ( المعارض ) أوزهان أصيل ترك، ورئيس حزب الحركة القومية، ورئيس حزب الاتحاد الكبير، كما ضم أيضا رئيس الحزب الديمقراطي اليساري. ورغم أن جميع الأطياف التركية تجتمع على دعم القضية القبرصية، ورغم أن وجود مثل هذه الشخصيات اعتيادي، إلا أن الوضع قد يشي باحتمالية تغير في خريطة التحالفات الحزبية في تركيا، خاصة في ظل التقارب الواضح مؤخرا بين حزب أردوغان وحزب السعادة.
(&) ورقة ضغط في مواجهة أوروبا: يعد السبب في إرجاع الزيارة لذلك، هو أنه عندما لاحت في الأفق احتمالية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في مطلع الألفية الثالثة، عملت أنقرة على دعم جهود توحيد الجزيرة على أساس فيدرالي، إلا أنها تراجعت عن هذه الجهود مع تعثر المفاوضات، مما أدى إلى تعقد العلاقات التركية الأوروبية مرة أخري، لذلك تعد المسألة القبرصية وسيلة تركية للضغط على أوروبا. وتعتبر كذلك في مواجهة القبارصة اليونانيين الذين لم يظهروا الجدية الكافية خلال المفاوضات.
في النهاية يمكن القول؛ إنه رغم وضوح مواقف الأطراف المعنية بشأن المسألة القبرصية إلا أن أردوغان يبدو أنه مازال مصرا على مشروعه لتأسيس جمهورية شمال قبرص التركية كدولة مستقلة ذات سيادة، وذلك وفقا لمحللين يخدم طموحاته الخارجية في السيطرة على غاز شرق المتوسط، وأيضا محاولة منه للهروب من أزماته الداخلية، وإثباته للمعارضة محاولته الحفاظ على العنصر التركي، كما أنه من المعروف أن متطلبات شمال قبرص تثقل كاهل الميزانية التركية خاصة في ظل تذبذب الاقتصاد، لذلك عمل على إعادة فتح منتجع فاروشا السياحي لإعادة استقطاب السياح، مما سيخفف العبء على الميزانية التركية لأن السياحة ستدر عوائد على الجمهورية الشمال قبرصية المزعومة. بالتالي من المتوقع أن تقوم تركيا بتكثيف الجهود الدبلوماسية للحصول على اعتراف العديد من الدول خاصة الحليفة منها لأنقرة أمثال قطر وأذربيجان بهذه الجمهورية، وهناك مؤشرات على أمكانية اعتراف أذربيجان على وجه الخصوص بها، خاصة وأن وفدا أذربيجانيا كان حاضرا إلى جانب الوفد التركي داخل مبني البرلمان التابع لقبرص التركية.