ما الذي انتهت عليه مقابلة “ميركل” لـ “بايدن”؟
استقبل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” في البيت الأبيض في 15 يوليو الجاري، في زيارة قد تكون الأخيرة لميركل قبيل الانتخابات الألمانية المقررة في سبتمبر المقبل، وفي سياق متصل ألقت هذه الزيارة بظلالها على “الشراكة القوية” بين واشنطن وبرلين، حيث قام الجانبان ببحث العديد من الملفات الخلافية كسبل التعامل مع روسيا والصين، الخطر الذي تواجهه الديمقراطيات في أنحاء العالم، فضلاً عن انعدام المساواة بين الجنسين وأزمة المناخ، وتوزيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19 ومستقبل أفغانستان مع انسحاب الجنود الأمريكيين والألمان، وغيرهم من القوات الأجنبية، بالإضافة إلى التهديدات التي تمثلها المجموعات الجهادية في منطقة الساحل الأفريقي.
تأسيساً على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على أبعاد ودلالات زيارة المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 15 يوليو الجاري، في زيارة تعد الأخيرة للزعيمة الألمانية إلى واشنطن.
مسار جديد عبر الأطلسي:
تجدر الإشارة هنا إلى التوجهات الإصلاحية التي جعلها بايدن على رأس أولوياته، خاصةً إصلاح علاقة واشنطن مع حلفائها الأوروبيين عقب النهج العدائي للرئيس السابق “ترامب” تجاه أوروبا، والذي اتسم بفرض رسوم جمركية عقابية، واستخفاف دبلوماسي، ومناقشات ساخنة حول التعددية والمساهمات المالية في حلف شمال الأطلسي، وقيامه بتوجيه في عام 2019 انتقاداً خاصاً لميركل بسبب عدم الوصول إلى نسبة المساهمة المطلوبة من جانب بلادها في الإنفاق بالحلف، وهي 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى قيامه بسحب القوات الأميركية من ألمانيا مما أدى إلى تدهور العلاقات الأمريكية الألمانية.
أبعاد الزيارة:
تمثل تلك الزيارة محاولة لبداية جديدة في العلاقات الألمانية الأمريكية التي تدهورت خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب _كما تم الإشارة سابقًا_، حيث كان “بايدن” قد قام بتوجيه الدعوة لميركل على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في بريطانيا في يونيو الماضي، الجدير بالذكر أن ميركل هي أول زعيم أوروبي يقوم بزيارة بايدن في واشنطن منذ توليه مهام منصبه في يناير الماضي، وفي هذا السياق تأتي هذه الزيارة للتأكيد على الدور المحوري لألمانيا في حلف شمال الأطلسي وإرساء الأمن على ضفتي الأطلسي، بالإضافة إلى “تقديم الامتنان” للزعيمة الألمانية التي اعتبرت أكثر زعماء أوروبا حزما خلال 16 عاما أمضتها على رأس أكبر اقتصادات القارة، كما قامت ميركل بتوجيه الشكر إلى الولايات المتحدة على “الإسهام العظيم” الذي قدمته في التحول الذي حدث عبر إعادة توحيد شطري ألمانيا، وعلى نحو آخر قد تم التطرق إلى موجة الفيضانات في غربي ألمانيا وارتفاع عدد القتلى والمفقودين.
دلالات الزيارة:
بالرغم من تأكيد الجانبان واشنطن وبرلين على التعاون الثنائي الوثيق والشراكة عبر الأطلسي فيما يتعلق بدعم السلام والأمن والازدهار في جميع أنحاء العالم، إلا أنه لا تزال هناك ملفات خلافية بين الولايات المتحدة وأكبر اقتصاد في أوروبا، وتحديدا في مجالات الإنفاق الدفاعي، والعلاقات مع الصين، وبراءات الاختراع المتعلقة بلقاحات كوفيد-19 وخط أنابيب نورد ستريم، بالتالي سيتم التطرق إلى أبرز ملفات أجندة محادثات الزيارة:
(*) الهجمات الالكترونية: تم مناقشة الزيادة المنذرة بالخطر للهجمات الإلكترونية المعروفة بـ “الفدية” والتي أظهرت احتمال اختراقها للعديد من القطاعات الاقتصادية عابرة الحدود بين الدول، خاصةً بعد أن تم الكشف في الآونة الأخيرة عن أن الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له شركة كاسيا الأمريكية للبرمجيات، ومقرها ولاية فلوريدا، امتد إلى ست دول أوروبية واخترق شبكات آلاف الشركات في أنحاء الولايات المتحدة.
(*) النزاع بين أوكرانيا وروسيا: اتفق الجانبان الولايات المتحدة وألمانيا على دعم أوكرانيا في جهود الإصلاح وفيما يتعلق بسيادتها ووحدة أراضيها، ورفض التدخل الروسي في شئونها، أهمية تطوير آليات ملموسة لضمان عدم استخدام سلاح الطاقة للضغط على أوكرانيا» أو حلفاء آخرين.
(*) التصدي لتنامي نفوذ الصين: تعهد الجانبان بالعمل معا للوقوف في وجه العدوان الروسي والإجراءات غير الديمقراطية التي تتخذها الصين، حيث سيقوم البلدان بالدفاع عن المبادئ الديمقراطية والحقوق العالمية حال قيام أي دولة بتقويض الحريات، في إشارة منهما إلى الصين.
(*) التصدي للنفوذ الروسي: كما اتفق الجانبان على الوقوف معا للدفاع عن دول الخاصرة الشرقية لحلف شمال الأطلسي ضد العدوان الروسي، ذلك للتأكيد على الدور المحوري لكل من برلين وواشنطن في حلف شمال الأطلسي.
(*) حل الصراع في ليبيا: كما تناولت المحادثات الجهود المبذولة لإيجاد حل نهائي للصراع وإنهاء التدخل الخارجي في ليبيا، حيث تلعب ألمانيا دور وساطة لحل النزاع.
(*) مشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2”: وضح أثناء الزيارة استمرار الخلاف بين الجانبين فيما يتعلق بخط أنابيب الغاز المثير للجدل نورد ستريم 2، الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا، والذي اكتمل تقريبًا، سيقوم بتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي عبر ألمانيا، وفي هذا السياق تتمثل مخاوف الولايات المتحدة من أن يمنح هذا الخط موسكو نفوذاً متزايداً في أوروبا، كونه سيقوم بنقل الغاز الطبيعي من روسيا مباشرة إلى ألمانيا متجاوزا أوكرانيا، لكن أكدت ميركل أن الهدف من خط الغاز، هو أن يكون مشروعًا إضافيًا، وليس بديلاً لأوكرانيا كممر لنقل الغاز الطبيعي، قد أشارت إلى أن ألمانيا سترد بشكل فعال إذا لم تحترم روسيا حق أوكرانيا في أن تكون دولة ممر.
(*) انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان: كما تطرقت الزيارة إلى مستقبل أفغانستان في ظل خروج قوات الولايات المتحدة وقوات حلفاء الناتو من البلاد في الوقت الذي تحقق فيه “طالبان” مكاسب كبيرة، حيث تعتبر ألمانيا ثاني أكبر دولة تقوم بضخ تمويلاً في أفغانستان بعد الولايات المتحدة.
(*) تهديدات المجموعات الجهادية في منطقة الساحل الأفريقي: تم التطرق أيضاً إلى الأوضاع في منطقة الساحل الإفريقي خاصة زيادة العمليات الإرهابية وانسحاب فرنسا التدريجي أواخر 2021 منها، تأسيس التحالف الدولي “تاكوبا”.
في النهاية، يمكن القول إن زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الولايات المتحدة الأمريكية قد مثلت بداية جديدة في العلاقات بين واشنطن وبرلين، خاصةً بعد الهوة التي شهدتها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وشهدت تلك الزيارة تقارب في وجهات النظر في العديد من القضايا الخلافية على رأسها مشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2، الذي بلغت تكلفته 11 مليار دولار، كما أصبح مصدرا للتوترات بين الجانبين، حيث دفعت أمريكا بأنه يمثل مخاطر أمنية مع زيادة اعتماد أوروبا على روسيا، كما رفض بعض شركاء حلف الأطلسي (ناتو) في شرق أوروبا هذا المشروع.