مسح شامل.. ما هى انعكاسات المبادرة الرئاسية لعلاج مرضى ضمور العضلات؟

فى سلسلة من المبادرات الرئاسية للاهتمام بصحة الطفل المصرى وتخفيف الأعباء عن كاهل الأسر، جاء قرار الرئيس “عبد الفتاح السيسي” فى الثلاثين من يونيو 2021، بتحمل الدولة تكلفة علاج مرضى ضمور العضلات الشوكى (SMA) للأطفال حديثي الولادة تحت سن عامين  بالتعاون مع صندوق تحيا مصر ومطالبًا المجتمع المدنى بدعم جهود الدولة فى هذا الاتجاه، والذى سيشكل علامة فارفة فى تتبع حالات مرضى ضمور العضلات بمصر والحد من مضاعفات هذا المرض في إطار الاهتمام بالصحة العامة وتحقيق رؤية مصر 2030.

ملامح المبادرة:

تمثل المبادرة الرئاسية لعلاج حالات ضمور العضلات الشوكى خطوة إيجابية جديدة في إطار جهود الدولة لبناء الإنسان المصري من الناحية الصحية والاستثمار في رأس المال البشرى لتدخل بذلك ضمن سلسلة المبادرات والبرامج والحملات العامة المجانية فى قطاع الصحة الذين يتم تدشينهم منذ عام 2018، وتعتبر هذه المبادرة، هى الأولى من نوعها التى تهتم بعلاج مرضى ضمور العضلات الشوكى، والذى يًعد إحدى الأمراض الوراثية المتسببة فى  تدمير تدريجى للخلايا العصبية الحركية في جذع الدماغ والحبل الشوكي والتي تتحكم في نشاط العضلات الهيكلية الأساسية مثل الحركة والتحدث والتنفس والبلع، ويصاب به طفل واحد من بين كل 10 الاف طفل حول العالم.

ونظرًا لأن العلاج المبكر للمرض، هو الوسيلة الأفضل للقضاء عليه والحد من تفاقم أعراضه ومضاعفاته، تشمل المبادرة الكشف عن هذا المرض لجميع الأطفال حتى يتم التشخيض والعلاج المبكر، أما علاج الحالات المصابة فستبدأ من عمر 6 شهور وحتى عام.

وفى ظل ندرة علاج ضمور العضلات وارتفاع تكلفته عالميًا وسعيًا لتخفيف معاناة المصابين فى الحصول عليه، تضمنت المبادرة تحرك الدولة لتوقيع اتفاقًا مع عدة شركات عالمية متخصصة لعلاج هذا المرض.

ولتخفيف عبء الانتقال إلى العاصمة للعلاج أو قطع مسافات طويلة داخل المحافظات لاسيما وأن مرضى ضمور العضلات يعانون من صعوبات بالحركة، فقد تضمنت المبادرة تخصيص وزارة الصحة والسكان 24 عيادة بـ 23 محافظة لاستقبال الحالات المصابة بضمور العضلات، حيث يتم من خلال هذه العيادات إجراء تحاليل للأطفال وفحوصات لرسم العضلات والأعصاب واختبارات جينية وتأكيدية، كما تعمل الوزارة على إقامة معمل كامل لعمل التحاليل به دون الحاجة لإجرائها بالخارج، كما تم فتح حساب في صندوق تحيا مصر لعلاج الحالات المصابة، وخصصت الوزارة خط ساخن لتلقي استفسارات المواطنين حول المبادرة، وطرق تلقي العلاج للحالات المصابة من الأطفال بعد تقييمها، هذا بالإضافة إلى توفير ثلاث مراكز لصرف العلاج للمرضى بعد تقييمهم وتصنيفهم.

استهداف ملموس:

فى ظل اعتبار تشوه العمود الفقرى وآلام العضلات وشذوذ نغمة الأطراف وحركتها غير الطبيعية إحدى صور الإعاقة الجسدية، وهى ذاتها إحدى أعراض مرض ضمور العضلات الشوكى، فإن هذا المرض كان سببًا فى حرمان العديد من الأطفال من ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعى،  مسببا التسرب من التعليم وزيادة معدل البطالة والوفاة فى بعض الحالات، وبالتالى حرمان الدولة أيضًا من الاستفادة من هؤلاء الشباب للمشاركة فى عملية البناء والتنمية وذلك فى ظل أن الذكور يصابون بالمرض أكثر من الإناث، ففى حالة الإصابة بهذا المرض وعدم القدرة على علاجه بشكل سليم قد يتحول الفرد من فرد منتج بالدولة إلى أخر غير منتج يحتاج إلى الإعالة، كما يتسبب أيضًا فى المزيد من الضغط على الأسر غير القادرة على توفير العلاج لمصابيهم نظرا لتكاليف العلاج الباهظة، وبالتالى فإن المبادرة الرئاسية لعلاج حالات ضمور العضلات الشوكى جاءت لوضع حلول جذرية لكل هذا، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلى:

(*) خفض حالات التسرب من التعليم بسبب الإعاقة: إذا نظرنا إلى أسباب التسرب من التعليم فى عمر (6-20) للمصريين وفقا لنتائج تعداد السكان 2017، نجد أن الإعاقة كان إحدى أسباب التسرب؛ فما بين 1.12 مليون متسرب من التعليم يوجد 8.4 ألف فرد تسربوا بسبب الإعاقة، يشكل الذكور 62% منهم.

المصدر إعداد الباحثة، بالاعتماد على نتائج تعداد السكان 2017

(*) الحد من معدلات وفيات الأطفال: لما كانت الوفاة من ضمن مضاعفات مرض ضمور العضلات الشوكى، فإن القضاء على هذا المرض للأطفال حديثى الولادة أقل من عامين سيكون له مردوه الإيجابي فى خفض معدل وفيات الأطفال، والتى ترتفع فى الذكور عنها فى الإناث، وهم الفئة الأكثر إصابة بالمرض، لاسيما فى ظل بلوغ معدل الوفيات بين الأطفال (أقل من 5 سنوات) 21.7% للذكور و19% للإناث عام 2019، وهو المعدل الأعلى للذكور منذ عام 2008.

المصدر إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء

(*) توفير قاعدة بيانات عن ضمور العضلات للأطفال والبالغين: تساعد المبادرة الرئاسية لعلاج حالات ضمور العضلات وتوفير العلاج للمصابين فى إعداد قاعدة بيانات شاملة عن حالات ضمور العضلات للأطفال والبالغين، بما يساعد الدولة ويعزز من جهودها فى حصر أعداد المصابين بهذا المرض بحسب السن ونوع المرض ومراحله والعلاج اللازم.

(*) تخفيف العبء على الأسر غير القادرة على تحمل تكاليف العلاج: لاسيما الأسر الفقيرة وذلك فى ظل تكاليف العلاج الباهظة، والتى قد تبلغ ثلاث ملايين دولار للطفل.

(*) تحقيق التنمية المستدامة: تساعد المبادرة ضمن غيرها من المبادرات الرئاسية لعلاج فيروس سى وعلاج سوء التغذية و100 مليون صحة، فى تعزيز جهود الدولة المصرية فى تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة SDGs ورؤية مصر 2030، فيما يخص التمتع بالصحة الجيدة لاسيما الحد من وفيات الأطفال.

(*) تحسن وضع مصر فى مؤشر فجوة التعليم: وذلك من خلال زيادة فرص إكمال مرضى ضمور العضلات غير القادرين على الحركة من إكمال المراحل الدراسية، حيث يشير مؤشر فجوة التعليم الذى يصدره البنك الدولى إلى أن من المتوقع للأطفال في مصر إكمال 11.1 سنة من التعليم بعمر 18 سنة- أى أن هناك فجوة تعلم تبلغ 4.8 سنة.

معدلات الإنجاز:

منذ انطلاق المبادرة قامت 204 حالة مصابة بالتسجيل لدى وزارة الصحة منهم 57 حالة تحت سن العامين، وقد تم البدء الفعلى فى استقبال 32 حالة تستدعى العلاج الفورى حتى الآن وتوقيع العقد والبدء في علاج 10 حالات منهم بشكل مستدام في معهد ناصر ومستشفى عين شمس.

وفى 21 يونيو 2021 قامت الوزارة بتوقيع اتفاقية تعاون مع شركة (Novartis) للأدوية، بما يضمن تسجيل أول دواء يتم تداوله فى السوق المصرى لعلاج ضمور العضلات.

كما تم الاهتمام بتدريب الأطباء الذين سيتم تكليفهم بعلاج الحالات التى سيتم استقبالها من خلال تدريب الأطباء فى معهد ناصر ومستشفى الجلاء العسكري ومركز عين شمس التخصصي، بهدف تكوين فرق طبية ذو خبرة كبيرة فى مجال ضمور العضلات.

حاصل القول، مثل قرار الرئيس “السيسى” بعلاج حالات ضمور العضلات باب أمل جديد لكثير من الأطفال المصريين وأسرهم ومصابى مرض ضمور العضلات، لتسجل نتائج هذه المبادرة فيما بعد إنجازا جديدا يسجل فى تاريخ قطاع الصحة المصرية، ويضمن توفير قاعدة بيانات شاملة لأول مصر عن المصابين بهذا المرض وأنواعه وتحقيق التنمية المستدامة، بما يليق بالجمهورية الجديدة التى ستشهد مصر انطلاقها قريبا.

 

قمر ابو العلا

باحثة مشاركة بوحدة دراسات مصر، وباحثة دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، شاركت في العديد من التقارير والدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الشئون المصرية والخارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى