هل يسرع “رئيسي” في تنفيذ طموحات إيران النووية؟ 

مازال الغموض يغلف محاور أساسية في ملف المحادثات بين القوى الكبرى وإيران حول عودة العمل بالاتفاق النووي عام 2015، وتدور شكوك أميركية حول إمكانية أن يؤثر اختيار الإيرانيين لرئيس جديد “إبراهيم رئيسي” في انتخابات 18 من يونيو الماضي على مسار المحادثات، وهو أمر سارعت الدبلوماسية الإيرانية إلى تبديد الشكوك حوله، بتأكيدها أن هذا الملف هو بيد المرشد الإيراني علي خامنئي وليس الرئيس الجديد.

وفي هذا السياق، فقد انتهت الجولة السادسة من مفاوضات فيينا التي انطلقت في أبريل الماضي  بعد 6 جولات من اللقاءات التي تمت بين الدول الغربية وإيران، برعاية الاتحاد الأوروبي، ومشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني- إلى عدم التوصل لتوافق يعيد إحياء الاتفاق الذي تفكك عام 2018 بعد انسحاب دونالد ترامب منه، وهو ما أجل الآن الجولة السابعة من المفاوضات والتي كان من المخطط لها أن تنطلق مطلع يوليو الجاري.

لماذا رفضت إيران الخطة الثلاثية؟:

رغم طرح الوسطاء المسئولين الأوروبيين خطة ثلاثية لإطالة “الفترة الزمنية لبرنامج إيران النووي”، والتي تتكون من ثلاثة محاور لمنع إيران من العودة السريعة إلى إجراءاتها النووية وإطالة هذه الفترة الزمنية بعد عودة إيران إلى تنفيذ التزاماتها للخطة، التي مفادها أن تعمل إيران على تخزين أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتشميعها، وتفكيك البنية التحتية الإلكترونية المستخدمة لهذه الأجهزة- إلا أنه جاء الرد الإيراني “بإصرار إيران على أنها لن تسمح بتدمير أي من أجهزة الطرد المركزي (الكنوز الثمينة) المتطورة لديها”، ونقلت إيران هذا الموقف للمسئولين الأوروبيين الوسطاء، وتزامنا، أكدت الخارجية الأمريكية إنها مستعدة لاستئناف المحادثات النووية لكن إيران طلبت مزيدا من الوقت لحين انتقال السلطة للرئيس المنتخب “إبراهيم رئيسي السلطة”، حيث من غير المتوقع أن المباحثات حول الاتفاق النووي لن تستأنف قبل منتصف شهر أغسطس.

ولكن تظل سياسة المراوغة الإيرانية هي التي تدير الطاولة، حيث قال الناطق باسم الحكومة الإيرانية “علي ربيعي” إن سياسة إيران في المحادثات مع الدول الكبرى للعودة للالتزام الكامل بالاتفاق النووي لعام 2015 لن تتغير بعد انتخابات الرئاسة؛ لأن أعلى قيادة في البلاد هي التي تقرر هذه السياسة، وأضاف “ربيعي” أن سياسة إيران النووية، التي يقررها المرشد الإيراني “علي خامنئي”، غير مرتبطة بالتطورات الداخلية، وأن الحكومة الجديدة ستتبنى السياسات نفسها التي اتبعت في محادثات فيينا التي بدأت في أبريل، وصرح بأن :”ما دامت جميع أطراف الاتفاق النووي متمسكة بالتزاماتها، فيمكنها أن تثق في أن إيران لن تتخلى عن التزاماتها”.

وبناءا على ما تقدم، فإن إنهاء البرنامج النووي الإيراني لا يزال أحد أهم بواعث قلق واشنطن وأكثرها إلحاحاَ، حيث أنه وفقاً للرؤية الأمريكية فإن “كل تهديد تواجهه الولايات المتحدة من إيران يزداد خطورة في غياب القيود على برنامجها النووي”، ورغم ذلك لا يزال إعلان البيت الأبيض بشكل مستمر رغبة الولايات المتحدة في إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، فقد أعلن، أن الولايات المتحدة لن تفرض مهلة نهائية بشأن جولة سابعة من المحادثات مع إيران لإحياء الاتفاق النووي المبرم في عام 2015. واعتبر أن طهران وحدها هي التي يمكنها أن تحدد موعد استئناف المحادثات.

هل ستأخذ المفاوضات تغييرات جذرية بتولي “رئيسي”؟:

لن يعمل الرئيس الجديد “رئيسي” على إحداث تغييرات جذرية في ملف السياسة الخارجية عموماً أو ملف المفاوضات النووية خصوصاً، إذ إن الرئاسة في إيران لا تقرر كل التوجهات الاستراتيجية في السياسة الخارجية لطهران، وإنما تلعب دوراً مهماً في تشكيل من سيجلس على الطاولات التي يتم من خلالها صنع مختلف قرارات الأمن القومي، وتشكيل توافق وإجماع على قرارات الأمن القومي الأساسية، وتؤثر في المرشد الإيراني “علي خامنئي”، وبالطبع فإن الانقسام الذي كان حاصلاً بين روحاني وظريف والحرس الثوري في ما يتعلق بالسياسة الخارجية سينتهي في ظل رئاسة رئيسي، بالنظر إلى أن الرئيس المنتظر مقرب للغاية من المؤسسة العسكرية، وعلى الرغم من أن ذلك يمكن أن يؤثر في مدى تجاوب رئيسي مع المفاوضات الدائرة مع الغرب، إلا أنه من غير المرجح أن يؤدي إلى تغيير في سياسات إيران الإقليمية.

وبالتالي، يمكن التأكيد على أن ملامح سياسته الخارجية- رئيسي- تظهر في تصريحاته شديدة اللهجة، حيث أكد رئيسي أن بلاده لن تسمح بـ”مفاوضات حول النووي لمجرّد التفاوض، ولن نسمح بأن تجري مفاوضات استنزافية”، وشدد على أن إدارته حريصة على “إلغاء كل إجراءات العقوبات المفروضة ضد إيران”، كما أكد رئيسي في طهران على أن”سياستنا الخارجية لن تتقيد بالاتفاق النووي.. سيكون لدينا تفاعل مع العالم”، وأن”لن نربط مصالح الشعب الإيراني بالاتفاق النووي”، وظهر رده على سؤال لوسيلة إعلام أميركية عما إذا كان مستعداً لعقد لقاء ثنائي مع بايدن، اكتفى رئيسي بالقول «لا»، قبل الانتقال إلى السؤال التالي، هذا وإن دل يدل على فكر وسياسات الرئيس الجديد تجاه التعامل المرتقب تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك رغم أن هذا التأثير سيكون ضئيلاً، ذلك أنّ السياسة الخارجيّة يُقرّرها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

احتمالية التغير في عهد الرئيس الجديد:

صرح وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد يائير لبيد قائلًا إن رئيسي ملتزم طموحات نظام الخامنئي النووية، واصفًا الرئيس الإيراني الجديد بـ “جلاد طهران”، والمسئول عن مقتل آلاف الإيرانيين، مشددًا أن انتخاب رئيسي يجب أن يتبعه إصرار دولي فوري على وقف برنامج إيران النووي وإنهاء طموحات إيران المدمرة، حيث إن إيران بدأت بالفعل في إنتاج “معدن اليورانيوم”، على الرغم من تحذيرات القوى الدولية من أن هذا يشكل انتهاكاً جديداً للاتفاقية الموقعة معها في فيينا عام 2015، لذلك فإن وضع البرنامج النووي والصواريخ الإيرانية أخطر بكثير قياساً بالماضي ومختلف عنه، حيث يمكن اعتبار إيران دولة على عتبة النووي خلال 3 أشهر، بالإضافة إلى أن الإيرانيون وزعوا منشآت النووي والبنى التحتية المرتبطة بها وبالصواريخ على مساحات شاسعة، تبعد عن بعضها مئات وآلاف الكيلومترات في كل مناطق إيران، بصورة تفرض على الجهة المهاجمة ضرب عشرات الأهداف البعيدة عن بعضها خلال وقت قصير وتدميرها.

 كما أكد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية على وجود 3.6 غم من مادة اليورانيوم في منشأة في إصفهان في ذلك الحين، وبرغم إعلان إيران إنها تجري أبحاثاً بهدف إنتاج وقود لمفاعل بحثي، لكن من المعروف أن”معدن اليورانيوم” يمكن أن يستخدم لإنتاج نواة قنبلة نووية، وهو ما يثير مخاوف عدة دول في المنطقة، منها إسرائيل، فضلاً عن مخاوف لدى الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.

 نستنتج مما سبق:

(*) الولايات المتحدة، اللاعب الأقل مشاركة لكنها اللاعب الأكبر، ربما يبذل فريق الرئيس جو بايدن كل ما في وسعه لاستفزاز وإضعاف المتشددين الإيرانيين، لكن الصراع الواسع مع طهران لا يتماشى تماماً مع أجندتهم طويلة المدى.

(*) تواصل طهران بناء مشروعها النووي، الذي من شأنه أن يؤدي لخطر وجودي على إسرائيل، ولسباق تسلح إقليمي، وحينها ستعمل إسرائيل على منع إيران الوصول لحافة النووي، لذلك التوجه الإسرائيلي، هو “لا خيار الآن إلا التخطيط لهجوم يستهدف المنشآت النووية الإيرانية”، وهو ما يؤكد تسريب صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن “الميزانية المرصودة للعملية المتوقعة قد حددت بين المؤسسات الإسرائيلية الثلاث بقيمة 5 مليارات شيكل إسرائيلي (حوالي 1.7 مليار دولار أميركي)، لمدة 5 سنوات مقبلة، بما يعادل 5 أضعاف المبلغ السابق الذي كانت إسرائيل قد حددته، الهيئة أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي زود وزارة المالية الإسرائيلية بتقارير عن “مخاوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من تسارع النشاط الإيراني في تخصيب اليورانيوم”.

(*) فسرت الموجة الأخيرة من التقارير المنشورة في الصحافة الإسرائيلية حول تفاصيل العمل العسكري الإسرائيلي المتوقع ضد إيران، أنها ترغب في وضع الولايات المُتحدة وباقي القوى الدولية أمام مسؤوليتها، واتخاذ مجموعة من القرارات والسياسيات التي تمنع حدوث “كارثة”، من شأنها أن تجر كامل المنطقة إلى حرب طويلة الأمد، كما عملت الصحافة الإسرائيلية عن تسريب أنباء عن مسئولين أمنيين وعسكريين إسرائيليين، عن “نتائج المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران لن تكون لصالح إسرائيل أيا كانت، لأنها سوف تمس الأمن القومي الإسرائيلي وتمنح طهران القدرة على تركيب رؤوس نووية في فترة منظورة، من دون أن يكون للمجتمع الدولي والدول الراعية للاتفاق النووي مع إيران القدرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء”.

(*) من المرجح أن يؤدي الصراع الشامل مع إيران إلى اندلاع صراع آخر، مع وجود دبلوماسيين أمريكيين بالمنطقة وإسرائيل في خط النار أمام صواريخ حزب الله أو الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، وسوف تتصاعد بسرعة، ولهذا السبب لم تصل الإجراءات الأمريكية إلى حد ضرب إيران نفسها، ولكن لن تسمح إسرائيل بأي اتفاق مع إيران إلا بشروطها وهو ما يؤكده من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثاً “نفتالي بنيت” سيزور واشنطن خلال الشهر الجاري، قبل إقدام الولايات المُتحدة على اتخاذ أي قرار بشأن الاتفاق النووي مع إيران، بعدما كان رئيس الأركان قد حدد للجانب الأميركي “الخطوط الحمراء” الإسرائيلية.

(*) من الواضح أن خطة إيران طويلة الأمد، موقنة بأنها ستخسر، في نزاع شامل مع الولايات المتحدة وإسرائيل والحلفاء الآخرين المناهضين لإيران في المنطقة، بالمعنى التقليدي، بينما تتسبب فقط في إلحاق ضرر يمكن أن يتحمله خصومهما، وخلاصة القول إن الحرب لا معنى لها بالنسبة لإيران على الإطلاق، لذلك سنرى مطالب ضخمة، لكن لا شيء في ردها سيتطلب رداً مضاداً من أعدائها.

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى