الصدام المُنتظر: هل تنسحب تركيا من أفغانستان بعد تهديد طالبان؟

وجهت طالبان تهديدا مباشرا لتركيا، وأكدت رفضها لأي وجود عسكري أجنبي في الأراضي الأفغانية بعد الموعد المحدد بتاريخ 11 سبتمبر المقبل، فقد صرح المتحدث باسم حركة طالبان محمد نعيم، بأنه “سيتم تصنيف أي وجود عسكري للقوات الأجنبية بالاحتلال”، وذلك على خلفية اتفاق الولايات المتحدة مع تركيا على بقاء القوات التركية في أفغانستان وتوليها مسئوليات أمنية، ولا سيما تأمين مطار كابل الدولي.

يُذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد عرض على الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة حلف الناتو الأخيرة في يونيو الماضي استمرار بقاء القوات التركية في أفغانستان لحماية وتشغيل مطار حامد كرزاي (كابل) الدولي بعد إتمام انسحاب جميع القوات التابعة لحلف الناتو في 11 سبتمبر المقبل بموجب اتفاق الدوحة.

وبالتزامن، مع قرب موعد الانسحاب كشرت حركة طالبان عن أنيابها، حيث أدلي عضو فريق مفاوضي طالبان شهاب الدين ديلاوار بتصريحات صحفية في الـ 9 من يوليو الجاري،  تفيد بأن حركة طالبان سيطرت على حوالي 85% من الأراضي الأفغانية، ومن ضمنها 250 إقليماً من أصل 389 في أفغانستان، ومن أهم المناطق التي أحكمت طالبان سيطرتها عليها مدينة إسلام قلعة الواقعة عند الحدود مع إيران، والتي تشكل أكبر معبر حدودي تمر منه التجارة بين البلدين، وأيضا معبر شير خان بندر الحدودي بين أفغانستان وطاجيكستان.

تأسيساً على ما سبق، يحاول هذا التحليل تقديم قراءة لموقف طالبان من الاتفاق بين واشنطن وأنقرة، بشأن بقاء قوات الأخيرة في أفغانستان، وإمكانية تغير الموقف، والموقف الداخلي التركي، ومدى تأثير موقف كل منهما على تنفيذ المشروع من الأساس، وأخيرا تقديم مجموعة من السيناريوهات التي ترجح احتمالات التنفيذ من عدمه.

محاولات أردوغانية مُستميتة:                                     

اعتمدت تركيا في أفغانستان خلال السنوات الماضية على وجود قوات غير قتالية تابعة لها في أفغانستان منذ عام 2001 ضمن مهمة القوات الدولية لإرساء السلام والاستقرار في أفغانستان إيساف)، ويقدر عدد هذه القوات بحوالي 600 عنصراً يشاركون في مهمة الدعم الحازم غير القتالية لإيساف، وتقوم هذه القوات بمهامها، وفقا لشرعية دولية منحها إياها مجلس الأمن وحلف الناتو، وشرعية داخلية من قبل البرلمان التركي الذي قام مؤخرا بتمديد فترة بقاء القوات التركية في أفغانستان 18 شهرا إضافيا بدءا من يناير 2021.

رغم الرفض المعلن لاتفاق الولايات المتحدة وتركيا على بقاء قواتها العسكرية لحماية وتشغيل مطار كابول؛ إلا أن تركيا مازالت تبحث عن حلول لإقناع طالبان بالموافقة على المقترح التركي الذي، هو بمثابة طوق نجاة بالنسبة لتركيا لتحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بعد فترة من التوتر مرة أخري من ناحية، وجعلها تغض الطرف عن صفقة الصواريخ الروسية التي تعارضها واشنطن بشدة.

وانتهجت تركيا في سبيل إقناع طالبان بقبول تواجدها وأمن قواتها في أفغانستان نهجا عاطفيا أو معنويا من خلال تكرار التأكيد على العلاقات التاريخية بينهما والتأكيد على أن أهدافها غير تخريبية مستدلة على ذلك ببقاء قوات غير قتالية لسنوات ضمن قوات حلف الناتو. كما لجأت أيضا إلى نهجا عمليا من خلال إدراج باكستان ضمن القوات المشاركة، وأيضا كوسيط بين تركيا وطالبان نظرا للعلاقات المميزة التي تجمعها بالحركة، أو من خلال الدعوة لعقد اجتماع في تركيا بشأن أفغانستان، لم يتم بسبب اعتذار ممثلي حركة طالبان عن الحضور تحت ذريعة ” عدم وضوح الأجندة “.

وفي الـ 24 من يونيو الماضي تم عقد اجتماع بين مجموعة من الضباط في جهاز الاستخبارات التركية وقيادات فصائل المعارضة السورية، وطلبت تركيا تحضير 2000 جندي من المرتزقة في فصائل المعارضة السورية، وذلك لإرسالهم إلى أفغانستان، وطلب قادة المعارضة حصول كل جندي على 3000 دولار شهريا مقابل ذلك، وهنا تجدر الإشارة إلى أن تفاصيل نقل المرتزقة إلى أفغانستان جاءت نقلا عن تصريحات لقادة فصائل المعارضة السورية نشرت في الـ 5 من يوليو الجاري.

سيناريوهات محتملة:

تأسيسا على ما سبق، ووفقا للمحاولات التركية المُستمية للبقاء في أفغانستان، يمكن القول إن إشكالية تنفيذ المشروع التركي في أفغانستان سينتهي وفقا لأحد السيناريوهات الآتية، وهم:

(&) سيناريو البقاء: وهو يعنى بقاء القوات التركية في أفغانستان، حيث ترى تركيا أن بقاءها يمثل فرصة لترميم علاقاتها بالولايات المتحدة، وتخفيف حدة التوتر التي شابت العلاقات مع واشنطن في الفترة الأخيرة، كما أن الوجود التركي في أفغانستان يعتبر بمثابة موطئ قدم بالنسبة لتركيا في منطقة آسيا الوسطى، وبناءا على ذلك تحاول تركيا، إرسال قوات من المعارضة السورية إلى أفغانستان كبالون اختبار لردة فعل طالبان حتى لا تخاطر بجنودها. ومن الممكن وفقا لدبلوماسيين أتراك أن تتفادى أنقرة أي هجمات أو فوضي بالاستعانة بأحد الوسطاء مثل باكستان لمحاولة إقناع طالبان.

(&) سيناريو الانسحاب العاجل: وهذا السيناريو مرتبط بموعد محدد، وذلك بسبب وجود معارضة للقرار في الداخل، حيث تتهم أطراف داخلية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتعريض حياة الجنود الأتراك للخطر في أفغانستان، خاصة بعد وضوح النوايا الجدية لطالبان باستهداف أي قوات أجنبية على الأراضي الأفغانية بعد موعد الانسحاب المحدد، وهو ما سيؤلب الشعب ضده.

(&) سيناريو تأجيل خطوة البقاء: وفي هذه الحالة سيتروى أردوغان قبل الدخول في دوامة الصراع في أفغانستان ويفند أوراقه من جديد بغرض مساومة واشنطن على ملف آخر بدون المخاطرة بقواته، أو الانتظار وفقا لمدى سيطرة ونفوذ حركة طالبان على الأرضي والمواقع الاستراتيجية في البلاد، لأنه في حالة سيطرتها على بقاع ضخمة من الدولة في هذه الحالة لن تغامر تركيا بالبقاء هناك، أو انتظار نتيجة الصراع بين التيارات التي تنسب نفسها للإسلام، والتي يعد أخطرها الصراع بين القاعدة وطالبان.

في النهاية، يمكن القول إن تركيا مقبلة على معمعة سياسية، لأنها بكل المقاييس مخاطرة سواء بعلاقاتها مع الولايات المتحدة التي ستصبح على المحك في حال تراجعت تركيا عن البقاء في أفغانستان، وفي هذه الحالة ستكون مضطرة لإيجاد ورقة أخرى لمساومة واشنطن عليها، ومخاطرة بنفوذ تركيا في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز. أو تنفيذ الاتفاق والمخاطرة بالجنود الأتراك ومصير وشعبية أردوغان نفسه في الداخل، لذلك على أنقرة ضرورة إقناع طالبان بقبول تواجدها على سبيل المثال من خلال مساومة طالبان نفسها من خلال تسهيل سيطرتها على جزء من البلاد مقابل أمن القوات التركية في المطار، وبالتالي تفادي المواجهة المباشرة، خاصة أن رفض طالبان مبني علي كون القوات التركية جزء من القوات الأجنبية الموجودة بالداخل فقط، لذلك إذا استطاعت تركيا إقناع طالبان بأن بقاء قواتها لا يمثل حلف الناتو في هذه الحالة من الممكن أن تبدي طالبان نوعا من اللين والمرونة في موقفها.

 

 

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى