تغير استراتيجي: لماذا انقلب الأوروبيون على الإخوان؟

قامت بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا والنمسا بحزمة إجراءات تشريعية وتنفيذية ضد جماعة الإخوان الإرهابية، نتيجة لتأكد معلومات صادرة عن مخابرات هذه الدول، تشير إلى الخطر الأمني لتلك الجماعات على الداخل، ويعد هذا تغير جذري لتعامل الغرب مع هذه الجماعات منذ ثورة 29 يونيه 2013، حيث احتضنت بعض الدول الغربية جماعة الإخوان الإرهابية وأخواتها، على الرغم من كل التحذيرات الصادرة عن الدول العربية، وخاصة مصر، من خطورة هذه الجماعات على أمن واستقرار المجتمعات، مما يثير التساؤلات عن، دلالات توقيت اتخاذ الدول الأوربية لهذه الإجراءات ضد الجماعات الراديكالية؟، وما هي أسباب تراجع الغرب في موقفه الحاضن لتلك الجماعات؟، وما هي النتائج المترتبة على هذا التغير الاستراتيجى في موقف الغرب؟.
على غرار قوانين مكافحة النازية:
أصدرت كل من ألمانيا والنمسا قوانين لمكافحة الإرهاب والتطرف، تهدف إلى ملاحقة ومحاسبة التنظيمات الإرهابية ومموليها، فضلا عن حظر بعض المؤسسات التابعة للجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان، وحظر استخدام الرموز والشعارات التي تستخدمها تلك الجماعات، مما يستتبعه من رصد ومحاصرة الجمعيات والمعاهد ومنظمات الإغاثة التابعة لهذه التنظيمات، والتي تتخفى ورائها جماعة الإخوان المسلمين وأخواتها، لجمع الأموال التي تمول أعمالها التخريبية.
تأسيسا على ما تقدم؛ تغير الوضع أمام جماعة الإخوان الإرهابية، حيث لفظهم الغرب بعد أن احتضنهم سنوات، فلم يعد لهم مأوى يعترف بهم ككيان، فالإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية ستؤدى إلى مطاردة عناصر تلك الجماعات وإدانة أنشطتهم، مما يستتبع ذلك من تضييق يؤول مع الوقت إلى تراجع تأثير هذه الجماعات المدمر على الشعوب.
توقيت محسوب:
تدعى المخابرات داخل الدول الأوربية، بوجود تقرير صادر عنها فبراير 2021، كشف عن زرع الإخوان في أوروبا للأفكار المتطرفة في عقول الشباب والأطفال، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل لم تتوصل مخابرات التابعة لأعظم الدول الأوربية، لهذه المعلومات إلا 2021سنة؟، الحقيقة أن هذه الدول كانت تعلم مدى خطورة تلك الجماعات، على أمن واستقرار مجتمعاتها، ولكنها اعتقدت أن لديها القدرة في السيطرة عليها، من خلال الصفقات التي تعقدها معهم، وعهدت على عقدها مع تلك الجماعات عبر التاريخ، ولكن تكشف لها أن تلك الجماعات اعتادت على خرق العهود، وأنها تتغلغل كالثعابين في المؤسسات الهامة لنشر فكرها المتطرف، والدليل على ذلك أعداد الأوربيين، الذين انضموا إلى صفوف داعش والجماعات الراديكالية تعدى الآلاف.
لذلك، وجدت أوروبا نفسها أمام خسائر كبيرة، نتيجة احتضان تلك الجماعات تحت شعارات دعم الحريات والديمقراطية وغيرها، وأن المكاسب التي عادت على أوربا من تلك الجماعات، لا يساوى حجم المخاطر، خاصة بعد أن لفظتهم أغلب الشعوب العربية، سواء عن طريق الثورات أو الانتخابات، وتراجع احتمالية أن يعودوا إلى السلطة في تلك الدول لعقود قادمة.
ورقة محروقة:
تراجع الغرب في دعمه للجماعات الراديكالية، بعد أن تأكد له أن حجم المخاطر التى تتعرض لها بلاده، أكبر وأخطر بكثير من المصالح المتحققة من وراء تلك الجماعات، مع تزايد الكشف عن شبكات ومخططات تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، كانت تستهدف القيام بأعمال إرهابية، واغتيالات داخل ألمانيا والنمسا، حيث تأكد للغرب خطورة تلك الجماعات، فأصبحت ورقة محروقة خاصة بعد تخلى الدول الداعمة لهم عنهم، وإبرام مصالحات مع الدول العربية، بالتالي لم تعد تلك الجماعات تصلح لأن تكون ورقة ذات قيمة في المعادلة السياسية دوليا.
بناء على ما تقدم؛ بدأت دول أوروبا في التضييق على استثمارات الجماعة الإرهابية، مما يستتبع أنه قد تلجأ الجماعة للبحث عن ملاذات آمنة جديدة لاستثماراتها، وقد تلجأ إلى وسائل ملتوية لإخفاء بعض تلك الاستثمارات، التي يشكل خروجها خسارة كبيرة.
مقصد جديد:
تبحث جماعة الإخوان الإرهابية عن مقصد آمن جديد، تنقل استثماراتها إليه، وغالبا ما تكون هذه الدول كتالونيا، ماليزيا، السويد، وكندا، حيث تسمح قوانين تلك الدول، لتحرك رؤؤس أموال التنظيم بشكل آمن دون رصد ومتابعة، ومن الجدير بالذكر أن الجماعة احترفت التحايل على الجهات الأمنية، وأصبح لديها خبرة كبيرة بكيفية تأمين دائرة استثماراتها، حتى داخل الدول التي تحظر نشاطها، عن طريق دمج استثماراتها في كيانات ذات سمعة طيبة، أو تأسيس مؤسسات بأسماء جديدة، لأشخاص من خارج التنظيم مقابل نسبة أو مرتب مغرى، ودخول وخروج الأموال عن طريق أسماء أشخاص من خارج التنظيم بنفس الطريقة، فضلا عن تمرير الأموال خارج الاقتصاد الرسمى إلى المؤسسات التابعة للتنظيم، من غير أن تقيد في الدفاتر أو يخرج بها إيصال رسمي، بهذا تكون في مأمن من الرصد والملاحقة الأمنية.
عليه؛ لن يحقق حظر نشاط الجماعات الراديكالية في الدول الأوروبية النتيجة المطلوبة، من تجفيف منابع وتمويل الفكر المتطرف على المدى القريب، سيصطدم بمجموعة من المعوقات، منها محاربة مافيا اقتصادية متشعبة في كثير من الدول، ومرتبطة بكيانات غير تابعة للتنظيم، بالتالي يصعب السيطرة على حركة أموال واستثمارات التنظيم بشكل كامل، ولكن من المتوقع أن توثر هذه الإجراءات التشريعية في الدول الأوربية على المدى البعيد، فمجرد فكرة رصد ومصادرة الأنشطة التابعة للتنظيمات الراديكالية، قد يدفع الكيانات المشاركة لهذه التنظيمات بالانفصال عنها، حتى لا تواجه نفس المصير بشكل أو بأخر.
أخيراً؛ قد تؤدى إجراءات التضييق على الجماعات الراديكالية في أوروبا، إلى بحث هذه الجماعات عن ملاذات آمنة جديد، وإلى أن تستقر هذه الجماعات قد نشهد تراجع ملحوظ في نشاطها، لنشر أفكارها المتطرفة في أوربا، مما يستتبع خفض أعداد الأوروبيين المنضمين إلى الجماعات الإرهابية، وإزالة الحاجز النفسي والاجتماعي بين الجاليات الإسلامية والمجتمع الأوروبي، الذي أصيب بحالة من الإسلاموفوبيا نتيجة أعمال الجماعات المتطرفة.