لماذا اقتربت روسيا من الموقف الإثيوبي في أزمة سد النهضة؟

اتخذت أزمة سد النهضة مؤخراً منحى تصاعدياً، ففي جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي انعقد بناءاً على طلب تقدمت به تونس -رئيسه المجموعة العربية بمجلس الأمن – لمناقشة تداعيات قضية سد النهضة على الأمن المائي والاستقرار الإقليمي في شرق إفريقيا، ولقد انقسمت مواقف الدول المشاركة في الجلسة فمنهم من أعرب عن القلق ومنهم من دعا إلى استمرار التفاوض بين الأطراف الثلاثة ومنهم من تفهم تخوفات دول المصب، إلا أن اللافت للنظر هو الموقف الروسي والذي جاء على لسان مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة.

تأسيساً على ما سبق، تسعى هذه الورقة التحليلية للإلقاء الضوء على حيثيات الموقف الروسي من سد النهضة الإثيوبي.

مرتكزات كلمة المندوب الروسي:

احتوت كلمة المندوب الروسي في مجلس الأمن بخصوص أزمة سد النهضة على عدة نقاط، تعتبر في مضمونها وحتى من الناحية الشكلية وفقاً للمراقبين، أكثر اقترابا من الموقف الأثيوبي دون المصري والسوداني، وتتمثل أهم هذه النقاط فيما يلي:

  • التأكيد على اهتمام الاتحاد الروسي بمتابعة قضية سد النهضة.
  • التأكيد على أهمية سد النهضة لإثيوبيا من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
  • الحديث عن تفهم روسيا للمشاغل المصرية والسودانية بشأن التبعات السلبية الممكنة لتشغيل السد في غياب اتفاق حول تقاسم الموارد المشتركة.
  • اعتبار “اتفاق الخرطوم “2015 ” كأساس للتفاوض.
  • التحذير من التهديد باستخدام القوة، والدعوة لمنعه أو تفاديه.
  • التأكيد على دور الاتحاد الإفريقي في حل الأزمة والدعوة لمضاعفة جهوده في هذا المجال، دون تغير ( رفع عدد الوسطاء أو المراقبين) باعتباره لن  يضيف قيمة جديدة للمفاوضات حسب وجهة النظر الروسية.
  • مقترح للدول الثلاث جوهرة عقد مشاورات جانبية وتحت مظلة الشعار المصري والتي رفعته مصر أثناء رئاستها للاتحاد الإفريقي ” أي الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية”.
  • الإعلان عن استعداد روسيا لتقديم وسائل الرصد عن بُعد لملء السد إذا ما طلبت الدول الثلاث القيام بذلك.

لماذا اتخذت روسيا هذا المسار؟:

لابد أن ندرك أن روسيا تعتبر من دول المنابع، لعدة أنهار وبحيرات وأنها لا ترغب في اتخاذ موقف يضر بمصالحها مستقبلا،  وبالتالي تنظر روسيا إلى هذا الملف بنظرة خوف لمناقشة قضية هامة وحيوية في محفل دولي كمجلس الأمن.

وهناك من يعتقد أن موسكو تحاول المزايدة على الموقف الأمريكي، عن طريق اتخاذ مواقف مناوئة للموقف الأمريكي، والذي كانت تصريحاته تدعو إلى التهدئة وضرورة التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي وبمساعدة خبرة المراقبين مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ووساطة واشنطن، وهو ما علقت موسكو عليه بأن كثرة المراقبين والوسطاء غير ذات قيمة.

ولابد أن نشير إلى أن جانب من جوانب الموقف الروسي الأخير يرتبط  بالعلاقات الممتدة بين أديس أبابا وموسكو  منذ أكثر من 121عاماً، كما أن عقيدة وتسليح الجيش الإثيوبي “روسية”،وهو ما جعل كثير من المراقبين يرون أن روسيا هي أكثر بلد في العالم لديه دراية وتأثير ممتد حتى الآن على إثيوبيا.

 ففعلياً، عقدت أديس أبابا و موسكو اتفاقية دفاعية في مجال مكافحة الإرهاب والقرصنة عام 2018 فضلاً عن عدة اتفاقات خلال القمة الروسية الإفريقية بسوتشي 2019 إلي جانب عدة مشاريع بنية تحتية وإقامة محطة كهروذرية وإنشاء مراكز بحوث بيولوجية، كما موسكو تنظر لأديس أبابا بأنها أحد أهم خمسة أسواق أفريقية، حيث بلغت مبيعات الأسلحة الروسية حوالي71 مليون دولار عام 2019 وتسعى إلى ترقية أنظمة الدفاع الجوي.

وإزاء الموقف الروسي الداعم لإثيوبيا فقد وجهت وزيرة الدفاع الإثيوبية” مارتا لويجي “شكرها للرئيس الروسي وذلك على دعم موسكو خلال جلسة مجلس الأمن المنعقدة الخميس 7يوليو 2021 حيث قالت الوزيرة أن الموقف الروسي كان مؤيدًا لإثيوبيا في مختلف القضايا والساحات الدولية، ومن بينها الانتخابات العامة الإثيوبية، وسد النهضة الإثيوبي، كما أعلنت الوزيرة أن اللجنة الفنية العسكرية التعاونية المشتركة بين أثيُوبيا وروسيا تواصل اجتماعاتها في أديس أبابا.

ومن دون شك، فان روسيا تستفيدُ بشكل كبير من توافقها مع إثيُوبيا، ويسمح لها ذلك بترسيخ وجودها أكثر في إفريقيا بشكل أكبر، وما التعاون العسكري مع أديس أبابا سوى إشارة إلى المخطط الروسي للاستعادة النفوذ الروسي ومواجهة الأمريكي في منطقة حيوية وهامة مثل منطقة القرن الإفريقي ،خاصة وأن روسيا تخطط لإقامة قواعد عسكرية لها في أفريقيا، حيث جاءت المشاورات مع نظام البشير عام 2018 إلا أن الواضح أن السودان قد أعاد التفكير في الأمر خاصة بعد تحييده في مؤتمر باريس 2021.

تبعات الموقف على العلاقات الروسية المصرية:

على الرغم من الموقف الروسي من أزمة سد النهضة، فإن العلاقات المصرية الروسية جيدة فقد اتفقت مصر وروسيا على عودة الطيران الكامل بين الطرفين وعودة السياحة الروسية وإنتاج لقاح سبوتنك الروسي في مصر،  فضلاً عن الاتفاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين الطرفين وأبرزها إنشاء محطة الضبعة النووية والمنطقة الاقتصادية بمحور قناة السويس أضف إلى ذلك صفقات الطائرات سو 35 .

نتوقع أنه من المرجح في حالة صدور أي قرار من مجلس الأمن بخصوص سد النهضة بأن يعيق الفيتو الروسي أي قرار  إلزامي لإثيوبيا،  وبعيداً عن الموقف المصري وفي هذه الحالة يمكن لمصر من منطلق سياسة التعامل الند بالند، أن تراجع سياستها بشأن صفقات السلاح الروسية ومراجعة بعض الاتفاقات الاقتصادية والتجارية لروسيا خاصة وأن مصر من أكبر المشتريين للقمح الروسي.

نخلص من كل ما سبق، أن الموقف الروسي من أزمة سد النهضة يبنى على اعتبارات محلية روسية تتعلق بكون روسيا دولة منابع أيضاً مثلها مثل إثيوبيا، كما أنه استند في جانب منه لرغبة روسيا في تثبيت الموقف السياسي في أزمة سد النهضة ومنعه من الانزلاق لمسارات عسكرية، قد يكون من شأنها الإضرار بالمصالح الروسية داخل إثيوبيا وفي منطقة شرق أفريقيا بشكل عام، علاوة على استمرار الاستراتيجية الروسية في مناكفة السياسة الأمريكية في العالم، خاصة بعد أن وضح في الفترة الأخيرة أن واشنطن تقترب من الموقفين المصري والسوداني، وأنها تمارس ضغوط كبيرة على إثيوبيا بهذا الخصوص، وبالتالي كان لزاما اتخاذ موقف مضاد، يمكن أن يحقق لروسيا هامش من الحركة في هذا الملف مستقبلاً.

شيماء حسن علي

باحثة مشارك بالمركز، -حاصلة على ماجستير العلوم السياسية. -حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية جامعة قناة السويس. -كاتب وباحث في عدة مراكز دراسات عربية وخليجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى