حياد سلبي: كيف جاءت مواقف أعضاء مجلس الأمن من أزمة سد النهضة؟

كما كان متوقعاً قبل انعقاد الجلسة الطارئة لمجلس الأمن والتي دعت لها مصر والسودان لمناقشة التعنت الإثيوبي وإصرارها على المضي قدماً في الملء الثاني لسد النهضة بشكل منفرد، لم تؤكد كلمات الحضور أن الجلسة تفرز قراراً صارماً يلزم أديس أبابا بالتوصل إلى اتفاق قانوني شامل قبل البدء في عملية الملء، إلا أن القاهرة والخرطوم نجحتا في طرح الملف على أجندة المجلس للعام الثاني على التوالي، مع إبراز مدى الخطورة والتهديد الذي قد يتمخض عن التعنت الإثيوبي وانعكاسات ذلك على السلم والأمن الإقليميين والدوليين، فضلاً عن توصيل رسالة قوية للمجتمع الدولي مفادها أن مصر والسودان قد استنفذتا كافة الخيارات الدبلوماسية تجاه إثيوبيا، وقد جاءت الكلمة المصرية في هذه الجلسة حاسمة، ومؤكدة على أن مصر سوف تقوم بحماية حقها في الحياة إذا ما تعرضت بقائها للتهديد. لذا تستهدف هذه الورقة قراءة في مواقف أعضاء مجلس الأمن خلال جلسة مباحثات ملف سد النهضة.

أبرز ما جاء في خطابات أعضاء مجلس الأمن:

(&) فرنسا: تضمنت كلمة مندوب فرنسا في مجلس الأمن ( الرئيس الحالي للمجلس) الإشارة إلى المسئولية المنوط به مجلس الأمن في الحيلولة دون إطالة أمد النزاعات بما يهدد السلم والأمن الدوليين، ومن ثم ينبع أهمية عقد هذه الجلسة بعد 10 أعوام من المفاوضات التي لم تفرز اتفاقاً وهو ما أدى إلى غياب الثقة بين الأطراف المختلفة. كذلك، أكد مندوب باريس أن الاستمرار في عملية الملء المنفرد للسد يهدد بتأجيج التوتر في منطقة تعاني بالفعل من هشاشة الوضع الراهن، ومن ثم تكمن الأولوية في تفادي مزيد من التحديات المفروضة على البلاد (في إشارة إلى إثيوبيا وتفاقم الصراعات الداخلية)، وقد أكد المندوب على أهمية الانتقال الديمقراطي في السودان، إلى جانب مواجهة التحديات التي تواجهها مصر لتلبية احتياجات شعبها، فضلاً عن تحقيق التنمية في إثيوبيا، وأخيراً طالب المندوب الفرنسي بضرورة عودة المفاوضات تحت رئاسة الإتحاد الإفريقي وبمشاركة فعالة من قبل الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي.

(&) الصين: بينما أشار مندوب الصين إلى أهمية المشاورات وحل الخلافات بالطرق السلمية، مشيراً إلى أن بكين تؤمن بأنه يمكن استكمال بناء السد الإثيوبي وأن يكون مشروعاً تنموياً يعزز الثقة المتبادلة بين الأطراف المختلفة، وقد أكد المندوب الصيني أن بلاده تولي أهمية قصوى لمسألة السد، منوهاً إلى اتفاق المبادئ التي تم توقيعه بين الدول الثلاثة، والدور الهام الذي يقوم به الإتحاد الإفريقي، مؤكداً على موقف الصين الثابت في أن تقوم الدول الثلاث خلافاته عبر الحوار على نحو يحقق مصالح الجميع، فمصر والسودان وإثيوبيا جميعهم أصدقاء للصين، وتأمل بكين في استئناف الحوار في اسرع وقت والتوصل إلى اتفاق وحل يكون مقبولاً للجميع وعلى المجتمع الدولي أن يدعم اضطلاع الاتحاد الإفريقي بمسئوليته في تسوية الأزمة.

(&) روسيا: أشار المندوب الروسي في مجلس الأمن إلى أن بلاده تتابع عن كثب تطورات ملف سد النهضة الإثيوبي، مشيرا ًإلى أن موسكو تعترف بأهمية هذا المشروع بالنسبة لأديس أبابا، وفي الوقت نفسه تتفهم روسيا القلق المصري والسوداني المشروع بشأن التداعيات السلبية المحتملة لتشغيل السد دون التوصل إلى إتفاق حول تقاسم الموارد المشتركة، ومن ثم فلا بديل سوى تسوية الملف عبر السبل السياسية بمشاركة الدول الثلاث. كما أشار المندوب الروسي إلى أن التهديد باستخدام القوى أمر يجب منعه وتفاديه، حيث تعبر موسكو عن قلقها من تنامي الخطاب التهديدي الذي لا يؤدي إلى حل متفاوض عليه، ومن ثم فالتوصل إلى إتفاق حول ملء السد وتشغيله قد يؤدي إلى نزع فتيل التوتر بين الأطراف. واختتم البيان الروسي بالتأكيد على أهمية فكرة “الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية”، مؤكداً على استعداد موسكو لتقديم المساعدات لحل أزمة سد النهضة، وكذلك تقديم وسائل الرصد عن بعد لملء السد اذا ما طلب ذلك الدول الثلاث.

(&) الولايات المتحدة: أشارت المندوبة الأمريكية الدائمة في مجلس الأمن “ليندا جريفيلد” أن منطقة القرن الإفريقي تمر بمرحلة صعبة، وأن القرارات في الأسابيع والأشهر المقبلة ستؤثر على شعوب المنطقة ككل على المدى البعيد، مؤكدة أن واشنطن ملتزمة بمعالجة الأزمات الإقليمية المتشابكة ودعم استقرار منطقة القرن الإفريقي، ومن ثم فتدعم الولايات المتحدة الجهود التعاونية بين مصر والسودان والخرطوم وإثيوبيا لتسوية القضايا الخلافية الخاصة بالسد، مشيرة إلى أن واشنطن تؤمن بأن أزمة سد النهضة يمكن أن تحل عبر التوصل إلى حلول متوازنة ومنصفة بين الدول الثلاثة، من خلال استئناف المفوضات الحقيقية بشكل عاجل تحت قيادة الاتحاد الإفريقي باعتباره المحفل الأمثل لمعالجة المسألة وتلتزم الولايات المتحدة بتقديم الدعم السياسي والتقني لعملية التفاوض.

(&) بريطانيا: أكد مندوب بريطانيا في مجلس الأمن دعم بلاده للعملية التي يقودها الإتحاد الإفريقي للتوصل إلى تسوية مقبولة لكافة الأطراف بشأن ملف سد النهضة، مشيرا إلى أهمية المبادئ الواردة في إعلان 2015 خاصةً فيما يتعلق بمبدأ الاستخدام المنطقي والمتساوي وعدم التسبب بأي ضرر كبير، ومن ثم أشار المندوب البريطاني أن بلاده تدعو الأطراف الثلاث إلى الامتناع عن اتخاذ أي تدابير تقوض المفاوضات، فضلا المشاركة في عملية تفاوضية للوصول إلى اتفاق مرضي للجميع.

(&) استونيا: في المقابل، أشارت مندوبة استونيا إلى مدى التوتر الذي يتمخض عن ملف سد النهضة، مشيرة إلى أنها تقر بدور الإتحاد الإفريقي في إيجاد حل لهذه الأزمة، حتى في ظل إخفاق الاتحاد في التوصل إلى تسوية للملف خلال السنوات الماضية، إلا أن استونيا ترى أن الإتحاد الإفريقي يبقى هو المنظمة الإقليمية المنوط بها حل هذه القضية، مع ضرورة التوصل إلى حل سلمي في أسرع وقت قبل تصعيد الخلافات والتوترات، كما حثت استونيا كافة الأطراف على تجنب اتخاذ أي إجراءات أحادية قد تؤدي إلى تصعيد الوضع.

(&) النيجر: أكد مندوب النيجر على أن بلاده تدعم كلياً عملية المفاوضات برعاية الإتحاد الإفريقي، كما دعا كافة الأطراف إلى إبداء الإرادة السياسية عبر تمكين لجنة فنية للمفاوضات تابعة للاتحاد الإفريقي، تقوم بطرح مجموعة من المقترحات لتسوية النقاط الخلافية إلى جانب إحجام الأطراف عن أي تصرفات أو أقوال من شأنها التأثير سلباً على المفاوضات الجارية، وأشار مندوب نيامي إلى تجربة دول غرب إفريقيا في التوصل إلى توافقات بشأن مياه نهر النيجر.

(&) ايرلندا: أكدت مندوبة ايرلندا في مجلس الأمن أن التسوية التفاوضية وحدها يمكن أن تمثل الحل الحقيقي لأزمة سد النهضة، وتدرك ايرلندا أهمية هذا الملف للدول الثلاثة، ومن ثم فالتوصل إلى اتفاق دائم بشأن كيفية إدارة السد يمثل محدداً بالغ الأهمية بالنسبة للاستقرار والتنمية على المدى الطويل للمنطقة، وتعزيز الدعم المتبادل والعلاقات بين الأطراف الثلاثة، وفي هذا الإطار أشادت المندوبة بدور الإتحاد الإفريقي، وتبقى المفاوضات تحت قيادة الإتحاد هي المنهج الأفضل لإيجاد تسوية شاملة بشأن سد النهضة، مشيرة إلى أن بلادها تشجع الإتحاد الإفريقي على مواصلة جهوده واستئناف سريع للمحادثات مع دعوة الأطراف لتكثيف جهودهم لبناء الثقة لتحقيق الانفراجة للأزمة، وتدعم ايرلندا الإتحاد الأوروبي بالكامل في دوره كمراقب للعملية التي يقودها الإتحاد الإفريقي.

(&) الكونغو الديمقراطية: أشار مندوب الكونغو الديمقراطية إلى أن سد النهضة يبعد نحو 15 كيلومتراً عن الحدود السودانية والهدف منه هو توفير الكهرباء لإثيوبيا ودول أخرى في المنطقة، وهذا السد سيكون أكبر سد في إفريقيا بطول 1800 متر وعرض 155 متر وبقدرة تخزين 74 مليار متر مكعب، بيد أن هذا المشروع تمخض عنه مشاكل بالنسبة لجيران إثيوبيا وهم مصر والسودان واللذان يعتمدان بالأساس على النيل في كافة سبل معيشة شعوبهما، وعمد مندوب الكونغو إلى تفنيد الجهود التي تقوم بها بلاده (باعتبارها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي) لتسوية الأزمة بين الأطراف الثلاثة والتوصل إلى تسوية مقبولة، مشيراً إلى إمكانية التوصل إلى حلحة للأزمة حال توافرت الإرادة السياسية، فضلاً عن أهمية كسر حاجز الثقة وتوفير ضمانات لكافة الأطراف تأخذ في الحسبان مصالح الأطراف الثلاثة.

(&) النرويج: أشارت ممثلة النرويج في مجلس الأمن أن مصر والسودان وإثيوبيا يمتلكون مصالح مشروعة في نهر النيل، وأن الحل المستدام لقضية سد النهضة لا يمكن التوصل إليه إلا من خلال أطراف الأزمة ذاتها، مشيرة إلى دعوة الأطراف الثلاثة للامتناع عن أي تدابير تقوض المفوضات واستخدام المساعي الحميدة لاتحاد الإفريقية للوساطة بين الأطراف لحلحلة الأزمة، مؤكدة على أن عائدات الاستثمار في السد يمكن أن تحقق التنمية والازدهار للدول الثلاث وللمنطقة ككل.

(&) تونس: طالب مندوب تونس في مجلس الأمن بضرورة إعطاء الجلسة دفعة جديدة لاستئناف المفاوضات تحت قيادة الإتحاد الإفريقي وبدعم دولي للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وفقاً لاتفاقية 2015 خلال فترة زمنية محددة، مع التشديد على ضرورة الامتناع عن التصرفات الأحادية التي من شأنها أن تعيق التسوية، ومن ثم فهناك حاجة ملحة إلى آلية تنسيق وتعاون بين الدول المعنية حول استخدام مياه النيل وفض الخلافات التي تنشأ بما يضمن حقوق دولة المنشأ دون الإضرار بحقوق ومصالح دول المصب، ولا يعد التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث أمراً مستحيلا حال توافرت الإرادة السياسية فضلاً عن الامتناع عن الإجراءات الأحادية التي تزيد الملف تعقيداً، وتدعو تونس إلى مواصلة المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي بما يؤدي إلى التوصل إلى اتفاق خلال فترة زمنية معقول، مع أهمية أن ترعى الأمم المتحدة ومجلس الأمن هذه المفاوضات .

(&) كينيا: أشار مندوب كينيا في مجلس الأمن إلى أن أزمة سد النهضة تعود إلى اجتماع 10 دول أفريقية عام 1999 للاتفاق على مبادرة حوض النيل، لتطوير الموارد المائية لحوض النيل بشكل مستدام ومتساوي، وبالتالي فهي لم تسعى إلى تهديد السلم والأمن الدوليين والإقليميين، وأشار المندوب الكيني أن بلاده تعترف بحقوق الأطراف الثلاثة المتساوية في مياه النيل والتنمية والازدهار، داعياً الأطراف إلى العودة إلى المفاوضات وتفادي أي خطابات استفزازية قد تقوض العملية التفاوضية، مشيرا إلى ثقته بأن الدول الثلاث ستعمل على تعزيز مبدأ “الحلول الإفريقية للتحديات الإفريقية”.

(&) المكسيك: حذر مندوب المكسيك في مجلس الأمن من احتمالات تصاعد التوتر في المنطقة بسبب أزمة سد النهضة مما ينذر بإمكانية نشوب صراعات في المنطقة، مشيراً إلى أن بلاده تدرك أهمية النيل للأطراف الثلاثة، وبالتالي يجب النظر إلى الأمر من خلال المنظور السياسي والتنموي والأمني بشكل متوازي، كما دعا المندوب من اتخاذ أي طرف لإجراءات قد تهدد تقوض نجاح المسار التفاوضي، وهو ما قد يزيد حالة التوتر في المنطقة.

(&) فيتنام: أكد مندوب فيتنام في مجلس الأمن على تنامي القلق من الاستخدام غير العادل للموارد المائية العابرة للحدود، وأهمية تطوير القانون الدولي الخاص بالاستخدام المستدام لهذه المجاري المائية، مشيرا إلى أهمية تنفيذ إعلان المبادئ ونصوصه التي تحقق التسوية للأزمة، كما أكد المندوب على أهمية أن تعمل الأطراف على العمل لحلحلة الأزمة بالطرق السلمية ومواصلة الحوار والمفاوضات خاصةً في ظل الوضع الهش الذي تشهده المنطقة، كما يجب على كافة الأطراف التوقف عن أي إجراء قد يسبب تصاعد للتوتر ويضعف من احتمالات التوصل لحل.

دلالات هامة:

في إطار قراءة في خطابات الدول الأعضاء في مجلس الأمن في الجلسة التي شهدت مناقشات ملف سد النهضة، يمكن الإشارة إلى جملة من العناصر الهامة، على النحو التالي:

(*) اتفقت كلمات كافة الأعضاء المشاركين على عدة عناصر رئيسية، يتمثل أبرزها فيما يلي:

(&) التأكيد على ضرورة عودة المفاوضات بين الدول الثلاث بشكل عاجل.

(&) الإقرار بضرورة استمرار العملية التفاوضية تحت رعاية الإتحاد الإفريقي، والذي يمثل -وفقاً لمختلف الآراء- الطرف المنوط به قيادة العملية التفاوضية حتى وإن أشارت بعض الأطراف إلى ضرورة وجود مشاركة من قبل الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي.

(&) عمدت الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى استخدام لغة دبلوماسية لينة اقتربت في كثير من الأحيان إلى الحياد السلبي للحيلولة دون اتخاذ موقف واضح يدعم أحد الأطراف مما قد يؤثر على علاقتهم بالطرف الآخر؛

(&) خلت كلمات الأعضاء من أي حديث مباشر عن عملية الملء الثاني التي أعلنت أديس أبابا أنها بدأت فيها بالفعل،

(&) مالت الدول الإفريقية الأعضاء في مجلس الأمن (كينيا والنيجر) إلى تبني خطاباً محايداً أيضا لا يدعم موقف طرف ضد الآخر، على الرغم من العلاقات القوية التي تجمعهما بمصر، حيث عمدت الدولتان إلى تجنب الدخول في صدام علني مع الجانب الإثيوبي، والميل إلى إتباع لغة دبلوماسية.

(*) على الرغم من غلبة الطابع الدبلوماسي على خطابات الدول المختلفة في مجلس الأمن، بيد أنه يمكن من خلال تحليل مضمون هذه الكلمات تصنيفها إلى ثلاثة أقسام رئيسية، على النحو التالي:

(&) أطراف أقرب للموقف المصري والسوداني: فقد اتسمت خطابات بعض الدول بالتقارب النسبي مع القاهرة والخرطوم، تجسد ذلك بشكل واضح في كلمة مندوب تونس، والتي تقدمت بمشروع القرار الذي يلزم إثيوبيا بوقف عملية الملء الثاني ودعوة الدول الثلاث إلى استئناف عملية التفاوض تحت رعاية الاتحاد الإفريقي في غضون ستة أشهر.

أما الطرف الأبرز الذي عكست كلمته في المجلس نوعاً من تقارب الرؤى مع الجانب المصري والسوداني فقد تمثل في المندوبة الأمريكية، والتي أكدت على أهمية العودة الفورية للمفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقي ومشاركة الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، كما أعلنت استعدادها للانخراط في دعم العملية التفاوضية والتوصل إلى تسوية مقبلة للأزمة، ويلاحظ أن ثمة تغييرات واضحة على الموقف الأمريكي تجاه ملف سد النهضة خلال الفترة الأخيرة، ويعزى جزء كبير منه في التقارب الراهن بين الإدارة الأمريكية للرئيس “جو بايدن” والدولة المصرية بعد فترة من الفتور في العلاقات، ويضاف لذلك هشاشة الموقف الراهن في الداخل الإثيوبي والذي بات ينذر بتأجيج صراعات واسعة في منطقة القرن الإفريقي، وفي هذا الإطار تسعى واشنطن إلى تجنب فتح جبهة جديدة من التوتر في المنطقة بسبب ملف سد النهضة، وربما يدعم ذلك ما أشارت إليه بعض التقارير الدولية التي أشارت أن واشنطن قدمت رسائل واضحة للجانب المصري والسوداني مفادها أنها سوف تتدخل بقوة خلال الفترة المقبلة للضغط على إثيوبيا لدفعها نحو التوصل إلى اتفاق يحقق مصالح كافة الأطراف.

(&) أطراف أقرب إلى إثيوبيا: وفيما يتعلق بالمواقف التي اتسمت بالتقارب النسبي للجانب الإثيوبي فقد تمثل بالأساس في روسيا والصين، فكلاهما عمد إلى التأكيد على رفضهما لأي عمل عسكري والتمسك بالمسار التفاوضي عبر مفاوضات يرعاها الإتحاد الإفريقي، وفي هذا الإطار يمكن فهم موقف موسكو وبكين في إطار مصالحهما واستثماراتهما في أديس أبابا ومشروع السد ذاته، فضلاً عن محدد آخر يرتبط بالتنافس مع الولايات المتحدة على تعزيز النفوذ في منطقة القرن الإفريقي، حيث تعمد الدولتان إلى استغلال أي توتر في علاقة إثيوبيا بواشنطن لتطوير انخراطهما في المنطقة.

(&) أطراف ألتزمت الحياد التام: سعت غالبية الدول الأعضاء في المجلس إلى التنصل من أي دور حقيقي في حلحلة أزمة سد النهضة، وألقت بالملف إلى جعبة الإتحاد الإفريقي والمفاوضات بين الدول الأعضاء، في محاولة واضحة لإبعاد المجلس عن أي انخراط مباشر في قضايا المجاري العابرة للحدود، رغم إشارة مصر والسودان إلى أن عملية الملء الثاني يمثل تهديداً للسلم والأمن على المستويين الدولي والإقليمي.

في النهاية، يمكن القول إنه على الرغم من احتمال عدم الخروج بقرار صارم من قبل مجلس الأمن يدفع إلى حلحلة الأزمة وإلزام إثيوبيا على التوصل إلى اتفاق ملزم، بيد أن هذا الأمر كان مرجحاً قبل انعقاد الجلسة بالأساس، وتدرك القيادة السياسية المصرية والسودانية هذا الأمر بشكل واضح، لكن يمثل دفع الملف إلى المجلس نجاحاً دبلوماسيا يحسب للقاهرة والخرطوم، حيث تم طرح الملف على طاولة مجلس الأمن مما يمثل عامل ضغط على الجانب الإثيوبي، فضلاً عن دفع الإتحاد الإفريقي نحو الالتزام بمحاولة إنجاح عملية التفاوض بين الدول الثلاث، فمن المفترض أن يراقب مجلس الأمن عملية التفاوض المقبلة كما سيقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقارير دورية للمجلس لإطلاعه على تطورات الموقف.

ويتوقع أن يشهد ملف السد زخماً خلال الفترة المقبلة، مع مزيد من الانخراط الأمريكي والضغط على الجانب الإثيوبي للقبول بالتوصل إلى اتفاق ملزم يحقق مصالح الجميع، ولعل إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الإثيوبية التي شهدتها أديس أبابا في 21 يونيو الماضي والتي تمخض عنها فوزاً واسعاً لحزب “آبي أحمد” (رغم الانتقادات الواسعة لنزاهة وشفافية هذه الانتخابات) مما سيضمن له الاستمرار في الحكم لفترة جديدة، وهو ما قد يسمح لـ”آبي” بالرضوخ وقبول التفاوض للتوصل إلى اتفاق ملزم بعدما ضمن استمراره في السلطة، وفي هذا الإطار يعول كثيراً عن الجانب الأمريكي لممارسة مزيد من الضغط على الحكومة الإثيوبية، لتجنب انجراف البلاد في حرب أهلية واسعة بدأت إرهاصاتها في إقليم التيجراي وربما يتسع نطاقها لتشمل مزيداً من المناطق في القرن الإفريقي.

 

عدنان موسى

باحث في الشئون الأفريقية معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وباحث سياسي منذ 2013، نشر العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى