استعادة الدور: لماذا ذهب الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن؟

غادر الملك عبد الله الثاني متوجها إلى الولايات المتحدة في الأول من يوليو الجاري في زيارة تستغرق ثلاثة أسابيع للمشاركة في الملتقى الاقتصادي بمدينة صن فالي في ولاية أيداهو، بحضور قيادات سياسية واقتصادية وإعلامية أميركية ودولية، على أن يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت ما بعد منتصف يوليو كأول زعيم عربي يزور البيت الأبيض منذ تولي بايدن منصبه، وهي زيارة تكتسب أهمية سياسية ودبلوماسية لاسيما وأنها تأتي بعد علاقة متأزمة مع الإدارة الأمريكية السابقة عانت فيها الأردن من كثير من الصعوبات السياسية، و من المتوقع أن لا تقتصر تلك الزيارة على ملفات تتعلق بالجانب الأردني فقط، ولكنها ستتطرق إلى العديد من ملفات المنطقة مثل تطورات المشهد الفلسطيني وملف العراق وسوريا.
وانطلاقاً من ذلك، يسعى هذا التحليل إلى تسليط الضوء على تاريخ العلاقات الأمريكية الأردنية، وكيف دشنت إدارة ترامب علاقة متأزمة مع الأردن، بينما في المقابل نجحت الإدارة الأمريكية الجديدة في استعادة الزخم مع الأردن، وماذا يحمل الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن وما هي أدواته من اجل صياغة وضبط علاقات مستقرة مع واشنطن؟.
علاقات مستقرة مبينة على تحالف استراتيجي:
على مدى أربعة عقود كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والأردن وثيقة، ويمكن تتبع أطر العلاقات الأمريكية الأردنية في النقاط التالية: –
(*) شراكة تاريخية: سعت السياسة الأمريكية إلى تعزيز التزام الأردن بالسلام والاستقرار والاعتدال من خلال الدور القيادي الذي يلعبه الأردن في دفع عجلة السلام في المنطقة، وفي سياق ذلك تقدر الولايات المتحدة بعمق تاريخها الطويل من التعاون والصداقة مع الأردن، الذي أقامت معه علاقات دبلوماسية عام 1949، إلى جانب ذلك تم تصنيف الأردن كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج الناتو من قبل الولايات المتحدة عام 1996، كما تدعم الولايات المتحدة والأردن الأهداف المشتركة لسلام شامل وعادل ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين، ووضع حد للتطرف العنيف الذي يهدد أمن الأردن والمنطقة والعالم بأسره.
(*) واشنطن أكبر المانحين للمساعدات الثنائية للأردن: منذ عام 1951، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 20 مليار دولار أمريكي كمساعدات للأردن، وفي عام 2020 قدمت أكثر من 1.5 مليار دولار، بما في ذلك 1.082 مليار دولار خصصها الكونجرس الأمريكي للأردن من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في ميزانية السنة المالية 2020، و425 مليون دولار في التمويل العسكري الخارجي لوزارة الخارجية، كما قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 1.7 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لدعم اللاجئين السوريين في الأردن منذ بداية الأزمة السورية، إلى جانب ذلك عملت المساعدات الأمريكية على تطوير بنية قطاع الصحة في الأردن حيث تم تجديد وتحديث 349 عيادة و25 قسم في مستشفيات حكومية.
(*) دعم القطاع الاقتصادي الأردني: ساهم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الأردن والولايات المتحدة في عام 2000، على تنويع الاقتصاد الأردني مع نمو التجارة الثنائية بين الأردن والولايات المتحدة بأكثر من 800 في المائة منذ عام 2000، وتوسيع العلاقة التجارية من خلال تقليل الحواجز أمام الخدمات، وتوفير الحماية المتطورة للملكية الفكرية، وضمان الشفافية التنظيمية، كما لدى الولايات المتحدة والأردن اتفاقية الأجواء المفتوحة للطيران المدني ومعاهدة استثمار ثنائية، واتفاقية تعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا، ومذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الطاقة النووية، حيث تعزز مثل هذه الاتفاقيات الجهود للمساعدة في تنويع الاقتصاد الأردني وتعزيز النمو.
(*) تدريبات أمنية مشتركة: يتدرب أفراد من الجيش الأردني والأمريكي جنبا إلى جنب لصقل المهارات القتالية الضرورية لمواجهة الإرهاب وضمان أمن واستقرار الأردن، فمنذ عام 1987، درب برنامج مساعدات الحكومة الأمريكية لمكافحة الإرهاب، أكثر من 7,150 شرطي أردني.
إدارة ترامب وتأزم العلاقات مع الأردن:
وصلت العلاقات الأمريكية الأردنية إلى أدنى مستوياتها خلال إدارة ترامب، فقد التقى الزعيمان خمس مرات (أربع مرات في عام 2017 ومرة واحدة عام 2018)، ومنذ ذلك الحين، زار الملك عبد الله واشنطن مرتين، في نوفمبر 2018 ومارس 2019، التقى فقط بنائب الرئيس السابق مايك بنس، وقد مرت العلاقات بمحطتين مختلفتين نتيجة قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، والتي يمكن تتبعها في النقاط التالية:
(&) مرحلة البحث عن توافق وتقريب وجهات النظر: خوفاً من التأثير المحتمل لانتخاب ترامب على الأردن، استثمر الملك عبد الله الوقت في البداية للتعرف على ترامب وأعضاء فريقه الذين لم يكونوا من الأسماء المألوفة في دوائر صنع القرار داخل واشنطن، على سبيل المثال التقى ترامب للمرة الأولى في 2 فبراير 2017 في مطعم فندق بواشنطن على هامش اليوم الوطني للإفطار والصلاة -وهو حدث يقام في أول خميس من شهر فبراير من كل عام، يجتمع الآلاف من رجال الدين وصناع السياسات ورجال الأعمال ورئيس الولايات المتحدة في واشنطن للتحدث عن الإيمان- ، ثم بعد ذلك بيوم أكد البيت الأبيض في بيان له إن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية تمثل عقبة أمام السلام و بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة خارج حدودها الحالية أمر غير صحيح، كذلك في 5 أبريل 2017، زار الملك عبد الله ترامب في البيت الأبيض، هذه المرة بعد يوم واحد من شن الرئيس السوري بشار الأسد هجوماً كيماوياً على خان شيخون بمحافظة إدلب، وفي مؤتمر مشترك مع عبد الله بعد لقائهما، قال ترامب أنه لا يمكن التسامح مع هذه الأعمال الشائنة من قبل نظام الأسد، وذلك قبل أن يأمر بعد يومين بشن غارة جوية أمريكية على قوات النظام السوري.
(&) مرحلة التوترات: أصبحت العلاقة بين ترامب والملك عبد الله صعبة بعد اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، وتعهد ترامب بقطع المساعدات عن الحكومات الأجنبية التي لم تؤيد هذا القرار الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك الأردن، كذلك في نوفمبر 2019، تراجعت إدارة ترامب عن الموقف السابق الذي اتخذته بعد لقاء عبد الله مع ترامب في فبراير 2017 وأعلنت أنها لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية “غير متوافقة مع القانون الدولي”، إلى جانب ذلك أدى تركيز ترامب في المرحلة الأخيرة من إدارته على عملية تأسيس العلاقات العربية الإسرائيلية ، إلى تهميش دور الأردن الإقليمي بطريقة غير مباشرة تجاه القضية الفلسطينية.
إعادة التوازن للعلاقة تحت إدارة بايدن:
تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة والأردن في عهد بايدن بعد أربع سنوات متوترة بين النظام الملكي وإدارة دونالد ترامب، ومن مؤشرات ذلك ما يلي:
(*) علاقة وثيقة مع الملك عبد الله: تعارف الاثنان على بعضهما البعض منذ ما قبل تولي الملك عبد الله العرش في عام 1999، كذلك زار بايدن الأردن كثيرًا خلال عقود عمله كعضو في مجلس الشيوخ، وخلال السنوات الثماني التي قضاها في منصب نائب الرئيس، وكثيرا ما توقف في عمان في طريقه من بغداد أو إليها، وفي نوفمبر تلقى العاهل الأردني أول مكالمة هاتفية من بايدن إلى قائد دولة في العالم العربي.
(*) تشديد أمريكي على أهمية قيادة الملك عبد الله: وقفت واشنطن بقوة في دعمها للملك خلال الاضطرابات فيما عرف بقضية الفتنة، حيث أصدر البيت الأبيض ووزارة الخارجية بيانات متعددة تدعم الملك، و أجرى جو بايدن اتصالاً هاتفياً في إبريل الماضي مع الملك عبد الله الثاني معبرا عن تضامن الولايات المتحدة التام مع الأردن، كما أكد “نيد برايس” المتحدث باسم وزارة الخارجية على أن الملك عبد الله شريك رئيسي للولايات المتحدة يحظى بدعم واشنطن الكامل، وفي مايو الماضي تحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع الملك عبد الله الثاني، حيث جدد الوزير التأكيد على التزام الولايات المتحدة بشراكتها الاستراتيجية مع الأردن، وأثنى على قيادة الملك عبد الله الثاني للأردن الثابتة في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
(*) توسيع التعاون العسكري: سمحت الحكومة الأمريكية بمبيعات عسكرية للمملكة بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز F-16 في فبراير الماضي، كما وقعت واشنطن اتفاقية دفاع جديدة مع الأردن في شهر مارس الماضي، تسمح للقوات الأمريكية بدخول الأراضي الأردنية بحرية، وعلى الرغم من أن تلك الاتفاقية أثارت جدلاً داخل الأردن، إلا أنها أكدت مدى قرب العلاقات على مستوى الدولة خاصة في التعاون العسكري والأمني والاستخباراتي، وفي سياق ذلك أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن الاتفاقية، تعزز الدعم الأمريكي لبرامج الدفاع وأمن المملكة واستقرارها من خلال التدريبات والمعدات العسكرية.
(*) دعم حل الدولتين: عكست إدارة بايدن العديد من قرارات إدارة ترامب، على سبيل المثال تم استئناف المساعدة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وتأكيد التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين ومساعدة الأردن في حل أزمة اللاجئين، إلى جانب ذلك اعتمد فريق بايدن بشدة على مصر والأردن للمساعدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة في مايو الماضي.
أجندة الملك عبد الله إلى واشنطن:
من المتوقع مناقشة العديد من المسائل السياسية عبر تلك الزيارة، ويمكن التطرق لأبرز جدول أعمال الملك عبد الله، في النقاط التالية:
(&) الملف الاقتصادي يتصدر جدول الأعمال: خاصة تجديد مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الولايات المتحدة والأردن عام 2018، والتي تنص على تقديم 6.375 مليار دولار من المساعدات الخارجية الثنائية للأردن على مدى 5 سنوات أي ما يقرب من 1.275 مليار دولار سنوياً في الفترة من 2018 إلى 2022، كذلك على هامش أعمال ملتقى صن فالي الاقتصادي عقد الملك عبدالله الثاني، لقاءات منفصلة مع رؤساء عدد من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام والسياحة والنقل والتأمين، و تم استعراض المزايا الاستثمارية في الأردن، والموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المملكة، واتفاقيات التجارة الحرة التي تربطها مع العديد من الدول، إلى جانب إمكانية الاستفادة من الموارد والكفاءات البشرية المؤهلة فيها، كما جرى بحث الجهود الدولية للتصدي للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، وضرورة تكثيف التعاون لتحقيق التعافي وتحريك عجلة الاقتصاد العالمي.
(&) ملف الصراع الفلسطيني: يعتبر ملفاً استراتيجيا بالنسبة للأردن لأنها تستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين كما أنها صاحبة الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، وفي ضوء التطورات الأخيرة في غزة والمستجدات في المشهد السياسي الإسرائيلي، من المرجح إن يناقش الملك آلية إحقاق حل الدولتين، إلى جانب التنسيق من أجل دعم جهود إعمار غزة من خلال التأكيد على حيوية الدور المصري.
(&) سوريا بشار الأسد: من المرجح مناقشة الملف السوري في جدول أعمال الملك عبد الله من خلال طرح أهمية عودة سوريا إلى الإقليم وجامعة الدول العربية فالأردن ليس لديها ما يمنع الانفتاح على سوريا، أو عودتها للجامعة العربية، في مقابل التعاون من قبل الحكومة السورية فيما يتعلق بفتح المعابر والتبادل التجاري، لكن الأمر مرهون بشكل أساسي بالموقف الأمريكي وتوجهات السياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، وبالتالي ستسعى الأردن إلى الحصول على دعم إدارة بايدن حول إعادة دمج سوريا بشار الأسد من خلال مناقشة قانون قيصر، لاسيما وأن ملامح سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء سوريا في طور التشكل، كما أن الأوضاع في سوريا مازالت كما هي دون تغيير، بالإضافة إلى أن الأردن تعتبر من الدول القليلة التي حافظت على حضور دبلوماسي في دمشق وتستضيف حوالي أكثر من 800 ألف لاجئ سوري.
(&) دعم الحكومة العراقية: فيما يتعلق بالملف العراقي من المرجح أن يتطرق الملك عبد الله إلى التأكيد على أهمية الدعم الأمريكي لحكومة الكاظمي من خلال توفير دعم موسع لخطة التكامل الاقتصادي بين الأردن ومصر والحكومة العراقية خاصة في قطاع الطاقة وتوفير الكهرباء في إطار الاتفاقيتين التي أبرمتهما الحكومة العراقية العام الماضي أغسطس 2020 مع شركة جنرال إلكتريك الأمريكية بقيمة 1.2 مليار دولار لتنفيذ الصيانة في محطات الطاقة الرئيسية في البلاد وتعزيز شبكة النقل الخاصة به، من بينهما اتفاقية بقيمة 727 مليون دولار لتعزيز شبكة نقل الطاقة الكهربائية في العراق وربطها مع الأردن.
خلاصة القول، تحمل زيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن دلالة سياسية تتمثل في بحث الأردن عن آليات استعادة دورها الإقليمي تحت رعاية أمريكية، وذلك من خلال توظيف تقلد إدارة ديمقراطية رئاسة الولايات المتحدة إلى جانب الدعم الواسع الذي يحظى به الملك من الحزبين في واشنطن، من اجل استعادة الزخم في العلاقات الأردنية الأمريكية والتأكيد على الدور الدبلوماسي التقليدي للأردن في عملية السلام العربية الإسرائيلية بعد 4 سنوات من الانحسار والتهميش تحت إدارة ترامب، وحتى تضمن الأردن استمرارية الدعم الأمريكي عليها التحرك في مسارين متوازيين، على المستوى المحلي عن طريق دفع الإصلاحات السياسية في البلاد من خلال تطوير القاعدة القانونية الحاكمة للانتخابات والأحزاب وتصفير الخلافات مع كافة القوى السياسية وإعادة بناء الثقة بين المواطنين والحكومة، بينما على المستوى الإقليمي يجب على الأردن بناء إجماع عربي حول القضية الفلسطينية عن طريق الترويج لسياسة الحياد الإيجابي التي طالما اتسمت بها الأردن إلى جانب توظيف الدعم العراقي والمصري لمواقف الأردن فيما يتعلق بالقدس وذلك في إطار المحور الثلاثي التوافقي بين مصر والأردن والعراق، وأخيرا الاستفادة من العلاقة مع بايدن من أجل إحياء العلاقات مع قادة الخليج الذين كانوا أقرب إلى ترامب، واستعادة أيضاً بعض الاستثمارات الخليجية داخل الأردن.