ما الذي تحقق في قطاع السياحة المصرى بعد 7 سنوات؟

أكد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” فى الثامن من يونيو 2021؛ برفع الحظر المفروض منذ عام 2015 على تسيير الرحلات الجوية إلى منتجعات مصر، من خلال مرسوما رئاسية يقضي بإلغاء المرسوم رقم 553 الذي صدر في الثامن من يناير 2015 تحت عنوان “بعض الإجراءات الرامية لضمان الأمن القومي لروسيا الاتحادية وحماية مواطني روسيا الاتحادية من أعمال إجرامية وغير قانونية”، والذى كان يقضي بمنع شركات الطيران في روسيا من تسيير أي رحلات إلى مصر باستثناء تلك التي تتوجه إلى القاهرة على خلفية تحطم طائرة الركاب الروسية رقم 7K-9268 فوق شبه جزيرة سيناء في 31 أكتوبر 2015.

يأتى تغير الموقف الروسي المذكور سابقاً بسبب الجهود المتواصلة سواء الأمنية والصحية والتحفيزية المتواصلة من قبل الحكومة المصرية في قطاع السياحة المصرى، حيث تتوالى الإنجازات التى يحققها قطاع السياحة المصرى منذ ثورة 30 يوليو 2013 حتى تاريخه- وعليه، يحاول هذا التحليل رصد وقراءة الأهمية الحيوية لقطاع السياحة فى الاقتصاد المصرى والجهود الحكومية المبذولة لتحفيز هذا القطاع الحيوى، والمؤشرات ذات الدلالة على الطفرة التى شهدها القطاع بفضل تطبيق هذه الجهود.

ماذا يضيف قطاع السياحة:

يعتبر قطاع السياحة من أحد القطاعات الهامة فى الاقتصاد المصرى، لما يمثله من أحد مصادر الدخل والعملة الأجنبية، وما يرتبط به من خدمات أخرى كالنقل والسفر أحد الأطراف الرئيسية في التجارة الخارجية لمصر، ومساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى ورأس المال السوقى للبورصة المصرية، بالإضافة إلى توفير فرص للعمل، وهو ما سيتم توضيحه فى النقاط التالية:

(*) المساهمة فى الناتج المحلى الإجمالي: يحتل قطاع السياحة الترتيب الـحادى عشر من بين الأنشطة الاقتصادية بعد نشاط الوساطة المالية، من حيث المساهمة فى الناتج المحلى الإجمالي للدولة (بالأسعار الثابتة)، وبلغت تلك المساهمة نحو 2.3% فى العام المالى السابق 2019/2020، ولكن مع الآخذ فى الاعتبار العلاقات المتشابكة بين نشاط السياحة وغيره من الأنشطة كالأغذية والنقل والصناعات اليدوية وغيرها، فإن هذه النسبة ترتفع إلى ما يقرب من 12% من إجمالى الدخل القومى وفقا للمساهمة المباشرة وغير المباشرة للسياحة فى الدخل القومى.

المصدر:  إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى

وإذا نظرنا إلى ترتيب القطاعات الاقتصادية من حيث معدل نموها خلال عامى 2017/2018 و2018/2019، نجد أن قطاع السياحة هو الأعلى نموًا، بمعدل نمو بلغ 37.7% و20.1% على التوالى، قبل تسجيل معدل نمو سالب فى العام 2019/2020 تأثرا بإجراءات الإغلاق لمواجهة تفشى جائحة كورونا.

المصدر إعداد الباحثة بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى

كما احتل قطاع السياحة الترتيب الثالث بعد متحصلات تحويلات العاملين فى الخارج من بين المصادر الخمسة الأساسية للنقد الأجنبى فى مصر (الصادرات، تحويلات المصريين العاملين بالخارج، الإيرادات السياحية، صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، رسوم قناة السويس)، وذلك بنسبة مساهمة بلغت 12.8% خلال العام المالى 2019/2020.

المصدر إعداد الباحثة بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى

إجراءات تعزيز السياحة:

تعددت الجهود الحكومية المتبعة لتعزيز السياحة المصرية منذ العام 2015، والتى يمكن تقسيم أبرزها إلى إجراءات ما قبل جائحة كورونا وأخرى بعد الجائحة، كما يلى:

(&) قبل الجائحة:

(*) إجراءات أمنية: إتباع معايير السلامة في المطارات المصرية خاصة بعد سقوط الطائرة الروسية، فهناك إشادات بمعايير السلامة المتبعة في المطارات المصرية من العديد من المؤسسات المتخصصة في أمن المطارات مثل المنظمة الدولية للطيران المدني ICAO، وفتح جميع المطارات للوفود الأمنية الروسية، للوقوف على مستوى التأمين بما يتماشى مع المعايير الدولية المعتمدة من قبل منظمة الطيران المدنى الدولية “الإيكاو” واتحاد شركات الطيران العالمية ” الإياتا”.

(*) إجراءات محفزة للسياحة: اتخذت الحكومة المصرية عدة إجراءات محفزة، أهمها: إطلاق مبادرة البنك المركزى المصرى (دعم قطاع السياحة)  فى يناير2017. وتطبيق نظام تأشيرة السياحة الإلكترونية. وتطوير الموقع الإلكتروني السياحي الرسمي لمصر وتدعيمه بروابط للدخول على صفحات فرعية لكافة المقاصد السياحية ومساعدة كافة المنشات السياحية والفندقية على تطوير مواقعها الإلكترونية ومعاونتها في جهود التسويق الرقمي. وإطلاق هيئة تنشيط السياحة اتفاقيات مع العديد من المحطات التليفزيونية والأسواق التي تتعامل مع المقصد المصري مثل ديسكفرى وناشيونال جيوجرافيك ويوروسبورت بالشراكة مع شبكة “CNN” العالمية، لإطلاق حملات دعائية تستهدف تعريف السائحين بمصر ومقاصدها السياحية المختلفة. وتوقيع عقدًا لمدة ثلاث سنوات بقيمة 66 مليون دولار، مع وكالة إعلانات” جي والتر ثومبسون “لإنشاء حملات ترويجية لـ 27 سوقًا مصدرًا للسائحين. وتدشين منتج سياحي جديد “الحج إلى مصر” بالتنسيق مع السفارة المصرية في الفاتيكان. وإطلاق برنامج تحفيز الطيران المنتظم، والذى هدف إلى تحفيز حركة الطيران من ألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية ووسط آسيا إلى كل من شرم الشيخ والغردقة. وافتتاح خطوط طيران جديدة، كخطي بين مطار مرسي علم وهولندا وأوكرانيا وأخر بين جورجيا إلى مدينة الغردقة. وتطوير وتنمية التعاون مع شركاء السياحة في مختلف الأسواق التي تصدر السياحة الى مصر من أجل العمل على زيادة رحلاتهم الى مصر واستعادة الحركة من الأسواق التقليدية وفتح أسواق جديدة. وإطلاق العديد من المبادرات الرسمية والشعبية لتنشيط حالة السياحة المصرية، خلال العامين الماضيين، ومنها: حملة (هي دي مصر)  ومبادرة ومشروع (دعم السياحة العلاجية).

(&) ما بعد الجائحة:

(*) مجال الصحة والسلامة: تعاقدت وزارة السياحة والآثار مع شركتين عالميتين متخصصتين فى مجال الصحة والسلامة؛ بغرض المرور على كافة المنشآت الفندقية على مستوى الجمهورية، لتطبيق خطوات التعقيم الصحيحة فى الفنادق وضمان فاعليتها.

(*) تخفيف التداعيات السلبية على المستثمرين والعاملين بالقطاع: في سبيل التخفيف من الآثار السلبية لفيروس كورونا المستجد، اتخذت الحكومة المصرية عددا من الإجراءات فى هذا الاتجاه، والتى منها إجراءات وُجهت لقطاع السياحة بشكل خاص، وأخرى كانت لكافة قطاعات الدولة من ضمنها القطاع السياحى، وذلك على النحو التالى:

(*) إجراءات لقطاع السياحة بشكل خاص: وتمثلت في الالتزام بصرف مرتبات العمالة المنتظمة بقطاع السياحة من خلال صندوق إعانات الطوارئ للعمال التابع لوزارة القوى العاملة، والبالغ عددهم نحو 900 ألف عامل، للتخفيف من حجم الخسائر على أصحاب المنشأت السياحية، وضمان عودة هذا القطاع للعمل سريعًا وبكامل طاقته بعد انتهاء الأزمة. وشمول مبادرة التمويل السياحى لتتضمن استمرار تشغيل الفنادق وتمويل مصاريفها الجارية بمبلغ يصل إلى 50 مليار جنيه، وتخفيض تكلفة الإقراض لتلك المبادرة إلى 8% بدلا من 10%، وهى المبادرة التى كان أطلقها البنك المركزى فى 8 يناير 2020. وتأجيل مستحقات الشركات العاملة في قطاع السياحة.

(*) إجراءات لكافة قطاعات الدولة: وتمثلت في تأجيل سداد كل الالتزامات وأقساط القروض لمدة 6 شهور. ورفع الحجوزات الإدارية على كافة الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل سداد 10% من الضريبة المستحقة عليهم وإعادة تسوية ملفات هؤلاء الممولين من خلال لجان فض المنازعات، بالإضافة إلى تأجيل سداد الضريبة العقارية المستحقة على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، والسماح بتقسيط الضريبة العقارية المستحقة عليهم عن الفترات السابقة من خلال أقساد شهرية لمدة 6 أشهر. وقرارات لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى بخفض سعر الفائدة. وإلغاء القائمة السوداء للشركات ورفع حظر التعامل عن العملاء غير المنتظمين في سداد القروض وإطلاق حرية تعاملهم مع القطاع المصرفى. وإصدار عدد من القرارات لتنشيط البورصة المصرية بعد الخسائر الكبيرة التى تعرضت لها وانخفاض رأس مالها السوقى فى بداية ظهور الجائحة.

مؤشرات ملموسة:

(*) طفرة كبيرة فى أعداد السائحين الوافدين إلى مصر: شهد أعداد السائحين الوافدين إلى مصر ارتفاعًا طرديًا منذ عام 2017، حتى بلغ عدد السائحين الوافدين فى العام 2019 نحو 13.03 مليون سائح ليقترب بذلك من نظيره عام 2010 البالغ حينها 14.7 مليون سائح.

المصدر إعداد الباحثة بالاعتماد على إحصائيات البنك الدولى

(*) ارتفاع مساهمة نفقات السياحة الوافدة كنسبة من الناتج المحلى: وفقا لبيانات منظمة السياحة العالمية، شكلت نفقات السياحة الوافدة إلى مصر ما نسبته 5.1% من النتاج المحلى الإجمالي للعام 2018، مرتفعًا بنحو 0.7 نقطة مئوية عن عام 2017 و2.4 نقطة عن عام 2014.

المصدر إعداد الباحثة بالاعتماد على إحصائيات منظمة السياحة العالمية

(*) ارتفاع مساهمة السياحة فى متحصلات ميزان الخدمات: مع التعافى الذى شهده قطاع السياحة منذ النصف الثانى لعام 2016 مقارنة بالسنوات التالية لثورة 25 يناير 2011، ارتفعت مساهمة القطاع فى متحصلات ميزان الخدمات بميزان المدفوعات بشكل مطرد منذ العام 2016/2017 حتى العام 2018/2019 والذى بلغت فيه تلك النسبة 51.6% مقارنة بـ 23% عام 2015/2016، وذلك قبل انخفاض هذه النسبة إلى 46.3% فى العام السابق 2019/2020 تأثرا بإجراءات الغلق من قبل الدول لمواجهة تفشى جائحة كورونا.

المصدر إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى

(*) اختيار مصر من بين أفضل الوجهات السياحية فى العالم: ففى بداية العام الحالى 2021 نشر موقع CNN Travel قائمة بـ 21 مقصدًا سياحيًا تم ترشيحهم للسائحين لزيارتها خلال العام 2021 من بينهم مصر، حيث جاءت مصر في المرتبة الخامسة بعد انتركاتيكا، ووفقا لصحيفة “Independent” البريطانية احتلت مصر المرتبة السادسة بين أكثر 20 وجهة سياحية نموا فى العالم عام 2019، وفى مقال نشرته مجلة ” Forbes” الأمريكية فى 21 يوليو 2018 حدد المجلة كأفضل وجهة سياحية خلال عام 2018، باعتبارها كانت ولا تزال مهدا للحضارة البالغة 7000 عام، مشيرة إلى ان الوضع السياسى والاقتصادى فى مصر قد أصبح مستقراً وعلى استعداد تام للاستقبال أكبر عدد من السياح، كما احتلت مصر المرتبة الثانية فى قائمة الدول العشر الأسرع نمواً فى مجال السياحة العالمية لعام 2017، وفقا لتقرير عن حركة السياحة الدولية  أصدرته منظمة السياحة العالمية.

(*) مؤشر التنافسية للسفر والسياحة: ارتفع ترتيب مصر فى مؤشر التنافسية والسياحة والذى يصدره المنتدى الاقتصادى العالمى “WEF”، حيث احتلت المركز 65 عالميا من بين140  لعام 2019، مقارنة بالمركز 74 عالميا من بين  136دولة لعام 2017 والمركز 83 لعام 2015.

حاصل القول، شهد قطاع السياحة فى مصر تحسنا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يشهد هذا القطاع المزيد من النمو مع التطبيق لنظام التأشيرة الإلكترونية والذى امتد يشمل 74 جنسية حول العالم فى 7 يوليو 2021، واقتراب موعد إعلان الجمهورية الجديدة مع افتتاح إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وافتتاح المتحف القومى للحضارة المصرية وعددا من المطارات الدولية فى أنحاء الجمهورية، واستئناف حركة الطيران بين بين مصر وروسيا بشكل كامل وذلك فى ظل تجاوز أعداد السائحين الروس فى مصر 2.5 مليون سائح قبل توقف حركة الطيران، ومن الأمور التي يمكن أن تساعد أيضًا على دفع قاطرة النمو بهذا القطاع ما يلى:

  • وضع استراتيجية قومية للاستفادة من الصحراء المصرية في الترويج السياحي، لاسيما وأن سياحة الصحاري تختلف عن أنواع السياحة الأخرى، حيث إن 90% من سائحيها معروفون بكثرة إنفاقهم، لأنها سياحة مقامة على فكرة الرغبة في الاختلاء بالنفس.
  • تدريب العاملين فى هذا القطاع على مهارات عديدة تتعلق بكيفية التعامل مع الثقافات المختلفة للسائحين والاتصال ومهارات العمل الجماعي ومهارات القيادة ومهارات التعامل مع ذوى الطبائع الصعبة وغيرها من المهارات الضرورية.
  • قيام الفنادق بمزيد من الاستثمار في قطاع التقنيات المتطورة والأنظمة الجديدة للحفاظ على معايير سرعة وجودة الاتصال بالإنترنت، فبحسب بعض الدارسات نحو 68% من الزائرين لن يعودوا إلى فندق لديه اتصال ضعيف بشبكة الإنترنت
  • تجديد كافة الأماكن الأثرية والمتاحف بمصر، والترويج للسياحة المصرية من خلال تسجيل فيديوهات لجولات افتراضية للوجهات السياحية المختلفة مترجمة بكل لغات العالم وإتاحتها على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وتكثيف الحملات الترويجية بالدول المصدرة للسياحة المصرية وكذلك الأسواق الناشئة.
  • الإسراع من تفعيل صندوق الاستثمار السياحى، المعلن عنه منذ عام 2014، وتتلخص مهمته فى إنعاش صناعة السياحة، من خلال إعادة الهيكلة المالية للمشروعات السياحية، دون فرض أعباء إضافية على الدولة.
  • تشجيع الاستثمار السياحي بكل أنواعه سواء النقل السياحي أو الفنادق والقرى والأماكن الرياضية والترفيهية بالتنسيق المستمر بين وزارة السياحة والمستثمرين في قطاع السياحة
  • المتابعة المستمرة لاستغلال فرص استضافة الفرق العالمية.
  • الاستمرار فى تعزيز الإجراءات الخاصة بتأمين المطارات.
  • التوسع في عمل معارض مؤقتة للآثار المصرية بشكل دوري للترويج للسياحة المصرية، ومساواة رسوم المطارات المصرية بالمطارات فى الدول المنافسة.

 

 

 

قمر ابو العلا

باحثة مشاركة بوحدة دراسات مصر، وباحثة دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، شاركت في العديد من التقارير والدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الشئون المصرية والخارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى