الهدنة على المحك: إرهاصات تجدد التصعيد في قطاع غزة
أثيرت العديد من التكهنات حول احتمالية قرب حدوث تصعيد جديد في قطاع غزة في الفترة المقبلة،استناداً لعدة متغيرات مرتبطة بموقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وتعثر جهود الحوار الفلسطيني الفلسطيني، وتعثر مفاوضات ما بعد الهدنة، خاصة فيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى وقضايا إعادة الأعمار، علاوة على استمرار مظاهر للتصعيد والاستفزاز على الأرض، خاصة من جانب المستوطنين الإسرائيليين ومن جانب الجماعات اليمنية المتطرفة داخل إسرائيل باتجاه المسجد الأقصى.
فمنذ انتهاء الحرب الأخيرة قامت إسرائيل بخرق وقف إطلاق النار من خلال تكرار عمليات قصف غزة، واستمرار مسيرة الأعلام للمستوطنين تحت ذريعة أنه مجرد رد على إطلاق حماس لبالونات حارقة. كما استمرت الحكومة الجديدة في تضييق الخناق على حركة حماس من خلال رفضها تسليم المنحة القطرية المقدمة إلى قطاع غزة لحماس وإصرارها أن تتسلم حماس هذه الأموال تحت إشراف أممي، والاستمرار في إغلاق المعابر وعدم السماح بالصيد . لذلك يسلط هذا التحليل الضوء على فرص التصعيد المحتملة وشواهدها وفي نفس الوقت كوابحها؟.
شواهد التصعيد:
هناك مجموعة من الشواهد التي تعزز احتمالات تجدد التصعيد في قطاع غزة وبالتالي فإنها ترجح كفة احتمالات الحرب في مقابل احتمالات الحوار، وتتلخص أهم تلك الشواهد من خلال:
(*) التغيرات على مستوى الداخل الإسرائيلي: فالحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بنيت والتي تعرف بأنها أكثر تطرفا من سابقتها حكومة نتنياهو، برهنت على تطرفها من خلال قصف قطاع غزة وإصرارها على تنفيذ مسيرة الإعلام رغم التحذيرات من تجدد الاحتكاكات بعد توليها الحكومة بأيام فقط في محاولة لإثبات نفسها للإسرائيليين من ناحية ولنتنياهو الذي نعتها بالضعيفة من ناحية أخرى، وبالتالي فإنها من غير المتوقع أن تتمكن من إحداث أي تغيرات جوهرية ملموسة في القضية الفلسطينية وهو ما يعتبر تأكيدا على أن العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية تندرج تحت إطار ” حكومات متغيرة وسياسات ثابتة “، الاختلاف الوحيد بها أنها ضمت حزب عربي بقيادة منصور عباس لكنه لن يتمكن من فرض قرارات أو مطالب وربما يقتصر دوره – إن أمكن – على محاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين.
ورغم أنه توجد مؤشرات على عودة القضية الفلسطينية على السطح مرة أخرى على الساحة الدولية إلا أن ذلك أيضا غير مرجح أن يؤثر على سياسات الحكومة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، وذلك بناءا على أن رئيس الوزراء الجديد من أشد المدافعين عن السياسات الاستيطانية وفق ما أعلنه في تصريحات رسمية قبل توليه رئاسة الحكومة رسميا، كما يرفض مبدأ إقامة دولة فلسطينية مستقلة أو تقديم أية تنازلات في القدس، والدليل على ذلك كما ذكرنا تجدد قصف غزة في مجمعات عسكرية تابعة لحماس كما صرح المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي.
(*) جمود الاستحقاقات فيما بعد الهدنة: وهو ما تمثل على سبيل المثال في تعثر الحوار الفلسطيني الفلسطيني في القاهرة ، وذلك بسبب الخلافات حول مجموعة من النقاط حول الفصائل الممثلة في الحوار ، وكذلك خلافات فلسطينية حول عملية إعادة الإعمار، حيث تتمسك السلطة الفلسطينية بأن تكون هي الجهة الوحيدة المسئولة عن عملية الإعمار وليس أي جهة أخرى، بينما تطالب حماس وفصائل فلسطينية أخرى بتشكيل لجنة وطنية للأعمار تشمل كل الفصائل الفلسطينية، وأيضا عدم التوافق حول حكومة مقبولة دوليا تقوم بإعادة الإعمار وتسهيل وصول المساعدات، وبالتالي استمرار الفجوة بين فتح وحماس، وتعمل مصر حاليا على عقد لقاءات ثنائية منفصلة للتوافق على وقف إطلاق النار وجهود إعادة الإعمار وباقي القضايا.
(*) صفقة تبادل الأسرى: على الرغم من أن صفقة تبادل الأسرى تعتبر على رأس الأولويات لكلا الطرفين منذ وقف إطلاق النار، إلا أنه لم يحرز فيها أي تقدم يذكر في هذا الملف بسبب تمسك كل طرف بشروطه وعدم استعداده لتقديم أية تنازلات،حيث أكد نائب رئيس حركة حماس في الخارج موسي أبو مرزوق أن أي ضغوط ستمارس على حماس بخصوص ملف الأسرى لن تجدى نفعا، فموقف الحركة كان ولا يزال الأسرى نقابل الأسرى باعتبارها القاعدة المعترف بها بين الدول وهو ما ترفضه إسرائيل التي اشترطت تحرير أسراها مقابل السماح بإعادة الإعمار. وترى حماس أن الاحتلال غير جاهز لإنجاز صفقة تبادل الأسرى بسبب الأزمة السياسية في الداخل الإسرائيلي، وبناءا على ذلك يبدو أن انجاز صفقة الأسرى صعب المنال إلا في حالة وجود مجموعة من الوساطات المؤثرة مبنية على الضغط والمساومات المتبادلة لإنهاء الصفقة، ويظل الأمل معقود على الجهود المصرية بهذا الخصوص.
(*) الموقف على الأرض: مازالت السلطات الإسرائيلية مستمرة في ممارسة السياسات الاستفزازية للشعب الفلسطيني والتي من شأنها أن تؤجج المزيد من التوترات، وأبرزها استمرار عمليات التهجير في القدس الفلسطينية رغم أن تدخل القضاء الإسرائيلي أوقف معظم عمليات الإخلاء في القدس الشرقية، إلا أن المنظمات الحقوقية أشارت بقولها إلى ” إمكانية استمرار عمليات التهجير لأشهر مقبلة، خاصة مع تضاؤل الاهتمام الدولي بهذه القضية، هذا فضلا عن استمرار اقتحام قوات الأمن وأعداد من المستوطنين المسجد الأقصى،وأيضا الموافقة على تنظيم مسيرة الأعلام بعد ساعات من تولى بينيت الحكومة، وأيضا دون إغفال الاشتباكات شبه اليومية بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية.
(*) المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية: نشرت وسائل إعلام إسرائيلية العديد من التقارير، والتي أكدها مسئولون إسرائيليون ؛ حيث أكد موقع ” واللا ” العبري على استعداد الجيش الإسرائيلي لجولة قتال جديدة وصدور أوامر بزيادة جاهزية بطاريات القبة الحديدية، كما أكد أيضا موقع ” واينت ” العبري على أن إسرائيل قد تشن حرباً على قطاع غزة خلال شهرين. وفي ذات السياق أشارت المصادر الأمنية الإسرائيلية إلى احتمالية لجوء حماس إلى إطلاق الصواريخ مرة أخرى إذا لم تستكمل الاتصالات المتفق عليها كشرط لإنهاء الحرب، وهو ما يعني إصرار حماس على مطالبها في ملف صفقة تبادل الأسرى وإعادة الأعمار وكذلك ملف تحويل الأموال، وبالتالي الموقف لا يزال قابل للاشتعال.
جهود مصر لمنع التصعيد:
تأتي كل هذه التقديرات بالتزامن مع الجهود المصرية لإرساء الاستقرار في قطاع غزة والتي تمثلت في إعادة فتح معبر رفح وعلاج الفلسطينيين داخل مصر وإدخال المساعدات الإنسانية، فضلا عن طرح الرئيس السيسي لمبادرة تضمنت تخصيص نصف مليار دولار لإعمار غزة خلال القمة التي جمعته بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في باريس، حيث لم تتوقف التحركات المصرية عند هذا الحد بل واصلت مصر جهودها للدفع باتجاه هدنة طويلة المدى حيث أرسلت مصر وفدا أمنيا ودبلوماسيا للمناطق الفلسطينية والإسرائيلية لتثبيت وقف إطلاق النار، فضلا عن إرسال وفد المخابرات المصرية في جولة بين تل أبيب ورام الله بحثا عن تثبيت الهدنة وإعادة الإعمار وبحث مستقبل عملية السلام وأيضا محاولة إنهاء الانقسام بين فصائل المقاومة الفلسطينية ، حيث لا تزال مصر تبذل جهدا كبير لتضييق هوة الخلافات التي اتسعت لتشمل كل الملفات ، خاصة مع تغير بعض المعطيات المهمة ومنها وصول الحكومة الإسرائيلية الجديدة ، وما طرحته من رؤى مختلفة للتعامل مع الهدنة وقضايا الخلاف بشكل عام
وفي الأخير يمكن القول؛ أن احتمالات التصعيد تفوق احتمالات التهدئة ، لكن ورغم أن هذا السيناريو هو المرجح حتى الآن إلا أنه ليس ببعيد أن تطرأ مجموعة من العوامل التي قد تحد من وطأة التصعيد المحتمل ومنها المشهد الداخلي الإسرائيلي ( السياسي والاقتصادي ) المضطرب ، والذي من الممكن أن يعرقل المساعي الإسرائيلية للتصعيد ومن ثم يدفعها لتوجيه اهتمامها للداخل. أو من خلال التدخل الحاسم للوساطة خاصة من جانب مصر ، لأنه إذا تطرقنا للنظر إلى أرض الواقع فإن الجهود المصرية للتهدئة هي التي ساهمت في وقف إطلاق النار في حرب استمرت لأيام طويلة، وهى نفسها من تحاول الآن كبح جماح حماس وبقية فصائل المقاومة حتى لا تنزلق إلى تصعيد جديد غير محمود عقباه.