مشهد ممتد: هل تؤثر نتائج الانتخابات الإقليمية في فرنسا على اختيار الرئيس 2022؟

حالة من التنافس والصراع شهدتها الساحة الفرنسية في نهاية يونيو الماضي بسبب ما دار في الانتخابات الإقليمية، التي حققت جولتيها الأولى والثانية أدنى نسبة تصويت في تاريخ فرنسا، رغم انعقادها قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها عام 2022.

وفقاً للمراقبين، رسمت تلك الانتخابات مشهداً سياسياً مغايراً  للتوقعات واستطلاعات الرأي، فقد فاز حزبا اليمين “الجمهورية” واليسار “الحزب الاشتراكي” التقليديان، فيما سجل حزبا  إيمانويل ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” ومارين لوبان “التجمع الوطني” نتائج مخيبة، وفي هذا السياق يعد هذا الاستحقاق الذي جري متأخرا بسبب تفشي وباء فيروس كورونا بمثابة مؤشر محتمل لتلك الانتخابات، حيث يحرص بعض المتنافسين على وضع حجر الأساس لانطلاقة أكبر للفوز بمنصب رئيس الجمهورية. هنا تجدر الإشارة إلى أنه كان من المقرر إجراء انتخابات هذا العام في مارس الماضي، لكنها تأجلت مرتين – الأولى لمدة ثلاثة أشهر ثم لمدة أسبوع آخر – كإجراء احترازي من فيروس كورونا.  كما أن عدد الأحزاب المتنافسة بلغ خمسة أحزاب تقريباً، هم: حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الجمهورية إلى الأمام، الذي يترأسه ستانيسلاس غيريني، وحزب التجمع الوطني اليميني بزعامة مارين لوبان، وحزب اليمين الجمهوري، برئاسة كريستيان جاكوب، بالإضافة إلى الحزبين الاشتراكي والخضر.

تأسيساً على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على مرشحي الأحزاب في الانتخابات الإقليمية الفرنسية التي جرت في 20، 27 يونيو الجاري،  فضلاً قراءة  نتائج الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات، بالإضافة إلى التطرق لدلالات ومؤشرات نتائج تلك الانتخابات على وضعية الرئيس ايمانويل ماكرون من لانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها بعد عشرة أشهر تقريباً.

المشهد الانتخابي ونتائجه:

أظهرت نتائج الانتخابات الإقليمية الفرنسية في الجولتين الأولى والثانية إخفاقاً كلاً من حزب اليمين المتطرف “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبان، حزب الرئيس إيمانويل ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” في الفوز بأي منطقة، حيث أكدت تلك النتائج على أن حزب الرئيس الفرنسي الذي تم إنشاؤه 2017، لا يملك قواعد شعبية في المناطق، إذ لم يتمكن من الفوز بأي من المناطق الـ13، وهذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها حزب ماكرون في الانتخابات الإقليمية، لأنه لم يكن متواجداً في انتخابات 2015.

 ومن جانبها سعت لوبان للفوز بإحدى مناطق البر الرئيسي الفرنسي لأول مرة، في محاولة لتعزيز آمالها في الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها عام 2022، إذ قامت ببذل العديد من الجهود المضنية لتحسين صورة حزبها واجتذاب أصوات من تيار اليمين الرئيسي، ذلك عن طريق إتباع نهج أخف حدة فيما يتعلق بالسياسات الشعبوية المتشككة في أوروبا والمناهضة للهجرة، لكن مع فرز 75٪ من الأصوات في الجولة الثانية خسر مرشح التجمع الوطني “تييري مارياني” في بروفانس ألب كوت دازور، أمام المرشح الجمهوري “رينو موسيلير”، حيث تقدم موسيلير بأكثر من 10٪ على مارياني، وانسحب المرشحون اليساريون من السباق في المنطقة لمساعدة الجمهوريين على هزيمة مارياني.

وعلى ما سبق، ووفقاً للمراقبين قامت لوبان بتوجيه أصابع الاتهام إلى منافسيها بتشكيل “تحالفات غير طبيعية” لمنعها وحزبها من الوصول إلى السلطة، فكانت منطقة بروفانس تعد الوحيدة التي كان اليمين المتطرف مؤهلا للفوز بها، الأمر الذي كان سيشكل سابقة بالنسبة إلى حزب لوبان.

 بيد أن على الجانب الآخر، عكست نتيجة الانتخابات انتفاضة للأحزاب التقليدية التي تملك قواعد شعبية، وأتاحت لليمين واليسار تعزيز موقعيهما وذلك قبل عشرة أشهر من الانتخابات الرئاسية، حيث عاد اليمين الجمهوري الفرنسي إلى الواجهة السياسية بقوة مرة أخرى، بعد فوزه في الانتخابات الإقليمية واحتفاظه بالأقاليم السبعة التي كان يترأسها منذ 2015، خاصةً بعد أن تراجعت شعبيته جراء انتخاب ماكرون رئيسا لفرنسا في 2017، وفي هذا السياق وعقب هذا الفوز فقد صرح رئيس الحزب “كريستيان جاكوب” بأن اليمين الجمهوري هو القوة الوحيدة التي يمكن أن تتناوب على السلطة في فرنسا.

دلالات ومؤشرات:

عدة دلالات ومؤشرات كشف عنها المشهد الانتخابي الأخير في فرنسا، يمكن رصد أهمها كما يلي:

(*) الاكتفاء بفترة رئاسية واحدة لكل رئيس: فعلى مدار 3 عقود، قام الناخبون الفرنسيون على مر التاريخ بطرد معظم البرلمانيون أو الرؤساء بعد فترة واحدة، حيث لم يتم إعادة انتخاب أي رئيس منذ جاك شيراك عام 2002، وكان ذلك نوعًا من الصدفة لأن المرشح الاشتراكي في ذلك الوقت “ليونيل جوسبان”، قد تم إقصاؤه بشكل غير متوقع على يد زعيم اليمين المتطرف “جان ماري لوبان”.

(*) سباق انتخابي رئاسي ثلاثي: نتيجة صعود يمين الوسط برئاسة المحافظ “كزافييه برتران” في منطقة أوت دو فرانس الشمالية، قد أظهرت استطلاعات الرأي أن “برتران”، استطاع تحقيق فوز ساحق على اليمين المتطرف، بالتالي فهو مرشح آخر للانتخابات الرئاسية لعام 2022، حيث سيستغل الكثير من الزعماء اليمينيون فوزهم في تلك الانتخابات المحلية للعب دور في نتيجة الانتخابات الرئاسية 2022. وفي هذا السياق صرح الجمهوري برتران، على الجميع إدراك بأن الانتخابات الرئاسية سباق ثلاثي، حيث تم إسقاط السباق الثنائي في إشارة منه إلى السباق الثنائي المحتمل بين ماكرون ولوبان، وفي هذا الإطار صرح برتران أيضاً بأنه سيبذل قصارى جهده لمساعدة الطبقات الوسطى والشعبية، كما أنه سيسعى إلى بناء مشروع مجتمعي جديد، أطلق عليه اسم “جمهورية الأقاليم”.

(*) الفشل في ترسيخ الديمقراطية: أظهرت النتائج بأن حزب الجمهورية إلى الأمام، وهو حزب الرئيس لم يحصل على أي من المجالس الـ 13 الحضرية في فرنسا كما تم الإشارة سابقاً، مما يشير إلى عدم استطاعته في ترسيخ الجذور المحلية منذ إنشاء تلك المجالس في 2016، حيث أشارت تلك النتائج إلى أن الحزب حصل على 7% فقط من الأصوات على الصعيد الوطني.

(*) تهديد صريح لشعبية ماكرون وثقة المواطنين فيه: امتنع معظم الفرنسيون عن المشاركة في الانتخابات الإقليمية سواء في الجولة الأولى أو الثانية، حيث دُعى نحو 48 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم وسط إجراءات صحية صارمة مفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا، ففي الدورة الأولى، امتنع أكثر من ثلثي الناخبين أي حوالي “66,72%” عن التصويت في نسبة قياسية منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، حتى يوم 27 يونيو الجاري وهو موعد الجولة الثانية، كانت أرقام المشاركة تتبع منحى مشابهاً للدورة الأولى، فقد بلغت النسبة 12,66%، في سياق متصل تتمثل أسباب هذا الامتناع عن المشاركة في تلك الانتخابات ملل الفرنسيين من السياسة الفرنسية المتبعة من عم حدوث أي تغيير في المؤسسات، بالإضافة إلى استفادتهم من تخفيف تدابير الحجر الصحي حتى يتسنى لهم المشاركة لكن دون جدوى.

في النهاية، يمكن القول إن نتائج الانتخابات الإقليمية قد شكلت انتكاسة حقيقية لحزبي لوبان وماكرون، فيما عكست انتفاضة للأحزاب التقليدية التي تملك قواعد شعبية في المناطق، كما أتاحت لليمين واليسار تعزيز موقعيهما قبل عشرة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، بيد أن لا بد من الإشارة إلى أن هناك شرخ تقليدي بين اليسار واليمين، إذ ليس هناك ما يؤكد على أن انتخابات الأقاليم والمناطق ستحدث تغييرا في سيناريو المواجهة بين ماكرون ولوبان الذي تتوقعه كل معاهد استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية عام 2022، حيث يطمح العديد منهم للترشح للرئاسة، مما يوضح بأن كلا من اليسار واليمين يفتقدان إلى الاتفاق على مرشح بعينه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة حتى هذه اللحظة.

 

نداء السيد حسن محمد

نائب رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمي . حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ودبلومه في الدراسات الأفريقية، وماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى