رسائل مباشرة: ما هي دلالات الضربة الأمريكية الثانية على حدود سوريا والعراق؟
نفذت الولايات المتحدة الأمريكية في الـ 27 من يونيو الجاري جولة أخرى من الضربات الجوية ضد منشآت تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران بالقرب من الحدود السورية- العراقية، وصرحت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان لها بأن الضربات الجوية جاءت بتوجيه من الرئيس جو بايدن ردا على هجمات الميليشيات المدعومة من إيران ضد أفراد ومنشآت أمريكية في العراق، حيث استهدف الغارات الأمريكية منشآت عملياتية وتخزين أسلحة في موقعين في سوريا وموقع في العراق، وتعتبر تلك الضربة الجوية هي الثانية من نوعها في عهد إدارة بايدن الديمقراطية بعد تلك الضربة الجوية التي استهدفت مواقع للميليشيات الموالية لإيران في فبراير الماضي.
وفي ضوء ذلك يحاول هذا التحليل تسليط الضوء على نطاق وحدود هذه الضربات الأمريكية، وأبرز الدوافع الأمريكية وراء تلك الغارات الجوية، وكيف كانت ردود الفعل، وهل تحمل تلك الضربات تداعيات مستقبلية على الطموحات الإيرانية في المنطقة أم لا؟.
نطاق وحدود الضربات الأمريكية:
أشار الجيش الأمريكي في بيان رسمي إنه استهدف منشآت عملياتية ومخازن أسلحة في موقعين في سوريا وموقع واحد في العراق، ويمكن التطرق إلى طبيعة هذه الهجمات على النحو التالي:
(*) ما الذي تم استهدافه؟: ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن الضربات نفذتها طائرات F-15 وF-16 تابعة للقوات الجوية الأمريكية باستخدام ذخائر موجهة عبر الأقمار الصناعية استهدفت منشآت عملياتية وتخزين أسلحة في موقعين في سوريا وموقع في العراق تحت سيطرة الميليشيات الموالية لإيران، حيث استخدمت إحدى المنشآت المستهدفة لشن هجمات جوية بواسطة الطائرات المسيرة بدون طيار ضد أفراد ومنشآت أمريكية في العراق.
(*) من هي الميليشيات المستهدفة؟: تم استهداف منشآت تستخدمها فصائل مسلحة مدعومة من إيران من بينها كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء التي تندرج تحت فصائل الحشد الشعبي التي تمولها طهران في العراق، وكتائب حزب الله أعلنت عن تأسيسها في أبريل عام 2007، في مدينة العمارة جنوبي العراق، وتكونت الكتائب من اتحاد عدد من الفصائل الشيعية المسلحة نشأ بعضها بعد الغزو الأمريكي عام 2003 وهذه الفصائل هي لواء أبو الفضل العباس وكتائب تحمل أسماء كربلاء وزيد بن علي وعلي الأكبر والسجاد، وتم إدراج كتائب حزب الله في قائمة الإرهاب الأمريكية في 2 يوليو 2009، كما تشير وزارة الدفاع الأمريكية إلى ارتباط كتائب حزب الله العراقية بمليشيا فليق القدس الإيراني، ولطالما تلقت المساعدة القاتلة والدعم من إيران لتستخدمهما في الهجوم على قوات التحالف في العراق، بينما كتائب سيد الشهداء هي جماعة انشقت عن كتائب حزب الله عام 2013، تقوم بعمليات عسكرية عابرة للحدود، وتنسق أعمالها مباشرة مع الحرس الثوري الإيراني حيث تركّز على الأجندة الإقليمية المشتركة لمحور المقاومة المدعوم من إيران.
(*) موقع توجيه الغارة الأمريكية: بحسب ما ورد استهدفت الغارات الجوية موقعين في البوكمال بسوريا وواحد في القائم بالعراق، تسيطر عليهم الميليشيات، وتعتبر تلك المرة الثانية التي تستهدف فيها واشنطن معبر البوكمال بريف محافظة دير الزور الشرقي لما له من أهمية استراتيجية حيث يعتبر معقل للميليشيات المدعومة من إيران في سوريا تمتلك فيه مقرات وحواجز بالإضافة إلى قاعدة الإمام علي الاستراتيجية، كما تستخدمه تلك الميليشيات للتحرك بين سوريا والعراق وإيصال إمداداتها العسكرية إلى الداخل السوري، وبالتالي استهداف معبر البوكمال يشير إلى أن النفوذ الإيراني يقع في مرمى الاستهداف المباشر للقوات الأمريكية.
دوافع الغارات على الميليشيات الموالية لإيران:
أكد المتحدث باسم البنتاجون “جون كيربي” إلى أن الضربة كانت ضرورية ومدروسة، وان الولايات المتحدة تصرفت وفقاً لحقها في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي، ويمكن التطرق إلى أبرز الدوافع الأمريكية من وراء هذه الهجمات على النحو التالي:
(&) بعث رسالة إلى الرئاسة الإيرانية الجديدة: يسعى بايدن إلى التأكيد على أن واشنطن لن تتغاضي عن الاستفزازات الإيرانية في المنطقة في مقابل العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وبالتالي ترسل تلك الضربات الأمريكية رسالة مفاداها أن بايدن يستهدف الفصل بين قرار شن ضربات دفاعية لحماية الأفراد والمصالح الأمريكية وبين إشراك طهران في الوقت نفسه في المفاوضات الدبلوماسية، لاسيما وان الضربات تأتي في لحظة شائكة بين واشنطن وطهران نحو استكمال مباحثات فيينا، بالإضافة إلى قرب تعامل إدارة بايدن مع رئيس إيراني متشدد.
(&) التأكيد على أدوات الردع الأمريكية: يشير قرار توجيه ضربة جوية ثانية في عهد إدارة بايدن ضد الميليشيات الموالية لطهران في العراق وسوريا، إلى أن واشنطن تعيد تأكيدها على استخدام الأداة العسكرية المتمثلة في الضربات الجوية المحدودة والدقيقة في حماية مصالحها في المنطقة ضد التصعيد الإيراني، وهو ما يتماشى مع أولويات الأمن القومي الأمريكي المشار إليها في وثيقة “التوجيه الاستراتيجي المؤقت لاستراتيجية الأمن القومي الصادرة في مارس الماضي” على أن الولايات المتحدة لن تتردد في استخدام القوة عند الضرورة للدفاع عن مصالحها الوطنية الحيوية، كما ستضمن أن قواتها المسلحة مجهزة لردع خصومها والدفاع عن الشعب الأمريكي.
(&) استباق هجمات الميليشيات المدعومة من إيران: وجه جو بايدن إلى شن المزيد من الضربات العسكرية لتعطيل وردع التصعيد المتعمد من قبل إيران وذلك بالنظر إلى سلسلة الهجمات المستمرة من الطائرات المسيرة وإطلاق الصواريخ بشكل دوري على الأفراد والمنشآت الأمريكية في العراق، وفقاً للعديد من المسئولين الأمريكيين نفذت الميليشيات المدعومة من إيران ما لا يقل عن خمس هجمات بطائرات مسيرة على منشآت تستخدمها القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق منذ أبريل الماضي، وبالتالي تحاول إدارة بايدن استباق التحركات الإيرانية في مهاجمة الأهداف الأمريكية.
ردود أفعال مختلفة:
تباينت ردود الأفعال إزاء الضربات الأمريكية ضد المنشآت التي تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران بالقرب من الحدود السورية- العراقية، على النحو التالي:
(*) معركة جديدة داخل الولايات المتحدة حول تفويضات الحرب: أشعلت الضربات الأمريكية الجدل الدائر في الكونجرس حول ما إذا كان ينبغي على الكونغرس فرض قيود على سلطات الحرب التابعة للسلطة التنفيذية في جميع أنحاء العالم، بينما دافع كبار الديمقراطيين عن العمل العسكري لإدارة بايدن مثل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، قائلين إن الضربات التي نُفذت يوم الأحد تبدو مبررة وردا على تهديد محدد، أعرب بعض الديمقراطيين أيضًا عن قلقهم من أن الضربات كانت أكثر من مجرد حلقة لمرة واحدة حيث تواصل جماعات الميليشيات استهداف الأفراد والمنشآت الأمريكية باستخدام الهجمات الجوية بدون طيار في العراق – مما يعني أن الكونجرس يجب أن يأذن بالعمل العسكري الأمريكي مثل السناتور كريس مورفي، في المقابل جادل الجمهوريين بأن العمل العسكري الأمريكي الأخير يظهر أن الولايات المتحدة لا تزال متورطة في العراق ، حيث أثنى السناتور جيم إينهوف من أوكلاهوما على الضربة الدفاعية للرئيس بايدن على منشآت الوكلاء في سوريا والعراق ، لكنه رأى أنها تأخرت عن موعدها واستغل ذلك الحدث من أجل تسليط الضوء على الحاجة المستمرة لـقانون استخدام القوة العسكرية AUMFلعام 2002 أو على الأقل البحث عن بديل شامل قبل الإلغاء ، وذلك في خضم تأييد مجلس النواب بأغلبية كبيرة الأسبوع الماضي على إلغاء التفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2002 للحرب في العراق، صوت مجلس النواب 268 مقابل 161 لإلغاء التفويض ، مع انضمام 49 جمهوريًا إلى الديمقراطيين لدعم الإجراء، بينما أجل مجلس الشيوخ التصويت على الإلغاء.
(*) إدانة عراقية غير متوقعة: استنكرت الحكومة العراقية، الضربات الأمريكية لانتهاكها السيادة العراقية ورفضت جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات أو باستخدام أراضيها لمهاجمة جيرانها، كما أشارت إلى إنها تدرس جميع الخيارات القانونية المتاحة لمنع تكرار الهجمات التي تنتهك أجواء العراق وأراضيه، وذلك بحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بدوره أصدر الجيش العراقي إدانة للضربات الجوية الأمريكية على الحدود السورية، حيث أشار اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، إلى أن الهجوم الأمريكي يمثل انتهاكًا صارخًا وغير مقبول للسيادة العراقية والأمن الوطني العراقي، وأضاف أن العراق يجدد رفضه في أن يصبح ساحة لتصفية الحسابات، ودعا إلى الهدوء وتجنب التصعيد بكافة أشكاله.
(*) اتهامات إيرانية: أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، إلى إن الولايات المتحدة تدمر الأمن في الشرق الأوسط وعليها الامتناع عن اتخاذ خطوات عاطفية تتسبب في اختلاق الأزمات والتوترات ومضاعفة المشاكل لشعوب المنطقة.
(*) الميليشيات المسلحة: أعلن الحشد الشعبي في بيان مقتل أربعة من مقاتليه كانوا ينفذون مهمة مصرح بها رسميًا لمنع تنظيم داعش التسلل إلى العراق، مشيرا إلى أن مقاتليه لم يشاركوا في أي نشاط ضد الوجود الأجنبي في العراق، وأن المواقع المستهدفة لم تتضمن أي مخازن أسلحة أو ما شابه ذلك، على عكس الادعاءات التي قدمتها الولايات المتحدة، وأكد على الحق القانوني في الرد على هذه الهجمات ومحاسبة مرتكبيها على الأراضي العراقية.
خلاصة القول، تبعث التحركات الأمريكية الأخيرة المتمثلة في الاستهداف المتكرر لمعبر البوكمال على الحدود العراقية –السورية، رسالة مباشرة إلى طهران مفاداها أن واشنطن تستطيع اختراق مناطق نفوذها الاستراتيجية في المنطقة من خلال طرح واشنطن خيار العمليات عبر الأفق ويعزز من تلك الآلية الدعم والتوافق من قبل القيادة الإسرائيلية نحو تحجيم الدور الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى وجود نوع من التفاهمات بين الولايات المتحدة والجيش العراقي من أجل تأمين الحدود السورية العراقية ، وذلك في محاول لممارسة الضغط الأمريكي على إيران في ملف الاتفاق النووي، بالنظر إلى موقف إيران المأزوم، فهي لا تستطيع الاستمرار إلى ما لانهاية في مفاوضات فيينا، لاسيما وان الملف التفاوضي في فيينا لا يتحدث فقط عن امتلاك إيران قدرات نووية بل يتحدث عن وكلاء طهران في المنطقة، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة و تدهور الحالة الاقتصادية للشعب الإيراني.
بينما في غضون ذلك تبدو تداعيات تلك الضربات الأمريكية رمزية ومحدود في إبطاء وتيرة التصعيد الإيراني ضد الأهداف الأمريكية خلال الفترة المقبلة كما أنها لن تغير من الحسابات الإيرانية فيما يتعلق بقبول شروط اتفاق نووي جديد يقيد أطماعها و سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة عن طريق وكلاءها، وظهر ذلك في تعرض قاعدة عسكرية تضم قوات أمريكية تقع في نطاق حقل العمر النفطي بريف دير الزور لـ 8 قذائف صاروخية ، مساء الاثنين 28 يونيو وذلك بعد ساعات من توعد “كتائب حزب الله” بالرد على مقتل 4 من مقاتليها أثر الغارة الأمريكية الأخيرة.