رؤية جديدة.. هل تكون مكاتب الاعتماد فرصة القطاع الخاص للاستثمار في مصر؟
محمد فتحي حصّان- باحث دكتوراه في العلوم السياسية
شهد قطاع الاستثمار انطلاقة جديدة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، عبر حزم متكاملة من التشريعات والإجراءات التنظيمية والإدارية، التي ساعدت على توفير بيئة ملائمة للاستثمار في مصر، ما انعكس بشكل واضح على حجم الاستثمارات في مصر سواء الداخلية أو الخارجية، وكان أهم ما يُميز التجربة المصرية هو تشجيع الدولة للقطاع الخاص على توسيع حجم الاستثمارات في كافة المشاريع المطروحة بالدولة ، لذلك توالت القوانين التي صدرت في مصر خلال الأربع سنوات الماضية والتي تبنت جمعيها فلسفة واحدة تتمثل في منح دور أكبر للقطاع الخاص،فيما يتعلق بمنح التراخيص اللازمة لممارسة الأنشطة المختلفة ، وذلك من خلال إنشاء مكاتب اعتماد تقوم بفحص المستندات وإجراء المعاينات اللازمة؛ لتحديد مدى استيفاء المشروعات الاشتراطات الواردة بالقوانين المنظمة لإصدار التراخيص. فما هي مكاتب الاعتماد، وما هو الإطار القانوني الذي ينظم عملها، وما هي وجهات النظر حول جدوى وجودها ، وما الذي تحقق على أرض الواقع منذ تبني القوانين المتعاقبة لتلك الآلية ، وما هو مستقبل تلك المكاتب في مصر؟.
فلسفة جديدة:
يراهن كثيرون على الدور الذي يمكن أن تلعبه مكاتب الاعتماد في إحداث نقلة نوعية في تعزيز فرص الاستثمار في مصر وتشجيع القطاع الخاص على الدخول بقوة لهذا القطاع الواعد، وهي بلا شك محاولة لتجاوز عقبات سابقة، ارتبطت بصورة أو بأخرى بما يمكن تسميته بالروتين الحكومي وطول وتعقد إجراءات الدخول في أي مشروعات كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، رغم كل الحوافز التي تقدمها الدولة في هذا المجال.
وتُعرف مكاتب الاعتماد بأنها المكاتب المُرخص لها من الجهات الحكومية المعنية للعمل في مجال فحص المستندات وإجراء المعاينات اللازمة للحصول على الموافقات والتصاريح والتراخيص اللازمة لإنشاء المشروع الاستثماري وتشغيله والتوسع فيه، وذلك لتحديد مدى استيفاء تلك المشروعات للاشتراطات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لمنح تلك الموافقات والتصاريح والتراخيص، ومن ثم منح شهادة اعتماد تتضمن استيفاء تلك الاشتراطات لتقديمها للجهة الإدارية المختصة تمهيدا لإصدار الموافقات والتصاريح والتراخيص المطلوبة.
الإطار القانوني المنظم لبيئة عمل مكاتب الاعتماد:
خلال الأربع سنوات الماضية صدرت أربع قوانين تضمنت مواداً، تنظم آلية عمل مكاتب الاعتماد في مصر ، وذلك على النحو التالي :
- قانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية رقم 15 لسنة 2017 :
بتاريخ 3/ 5/ 2017 صدر قانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية رقم 15 لسنة 2017 وقد تضمنت المواد من (17) حتى (22) من الفصل السادس من القانون الاطار التنظيمي لعمل مكاتب الاعتماد في قطاع الصناعة .
- 2. قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017:
بتاريخ 31/ 5/ 2017 صدر قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 وقد نظمت المادة (22) من القانون الإطار التنظيمي لعمل مكاتب الاعتماد فيما يخص الأنشطة الواردة بهذا القانون ، حيث أشارت المادة إلى إمكانية أن يقوم طالب الاستثمار أو من ينوب عنه بأن يعهد إلى مكاتب الاعتماد المرخص لها من الهيئة بفحص المستندات الخاصة بالحصول على الموافقات والتصاريح والتراخيص اللازمة لإنشاء المشروع الاستثماري وتشغيله والتوسع فيه، لتحديد مدى استيفائه الاشتراطات الفنية والمالية اللازمة وغيرها من الإجراءات المنصوص عليها في أحكام هذا القانون والقوانين المنظمة لمنح الموافقات والتصاريح والتراخيص.ويجوز أن تعمل مكاتب الاعتماد منفردة أو بالاشتراك مع مجموعة من مكاتب الاعتماد المتخصصة.
وتصدر مكاتب الاعتماد للمستثمر وعلى مسئوليتها شهادة اعتماد صالحة لمدة عام، تتضمن بيان مدى استيفاء المشروع الاستثماري كل شروطه أو بعضها طبقاً للقوانين واللوائح المنظمة لإصدار الموافقات والتصاريح والتراخيص، على أن تقوم بإرسال نسخة إلى الجهة المختصة بالطريقة التي تبينها اللائحة التنفيذية لهذا القانون. ولا يعتد بالشهادات التي تقدم بعد مضي عام من تاريخ صدورها.
- قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 :
بتاريخ 1/10/2019 صدر القانون رقم 154 لسنة 2019 بشأن إصدار قانون المحال العامة وقد تضمنت المواد من (14) حتى (18) من الفصل الرابع من القانون الإطار التنظيمي لعمل مكاتب الاعتماد في مجال المحال العامة .
- . القانون رقم 152 لسنة 2020 بإصدار قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر:
بتاريخ 13/7/2020 صدر القانون رقم 152 لسنة 2020 بإصدار قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وقد تضمنت المادة رقم (42) من الفصل الرابع من القانون الإطار التنظيمي لعمل مكاتب الاعتماد الخاصة بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ” يجوز لطالب الترخيص أو للجهاز أن يعهد بفحص المستندات الخاصة بإقامة المشروع أو إدارته أو تشغيله أو التوسع فيه وتحديد مدى استيفائه للاشتراطات اللازمة وغيرها من الإجراءات المنصوص عليها فى أحكام هذا القانون أو فى أحكام القوانين المنظمة لمنح التراخيص إلى مكاتب الاعتماد المرخص لها بذلك من الجهاز أو من الجهات الأخرى وفقاً للتشريعات النافذة. ويصدر الجهاز الترخيص لمكاتب الاعتماد التى يتوافر لديها الخبرة اللازمة لممارسة هذا النشاط وفقاً للشروط والقواعد والإجراءات التى يصدر بها قرار من الوزير المختص”.
مكاتب الاعتماد: رؤى مؤيدة وأخرى معارضة:
تباينت وجهات النظر فيما يتعلق بجدوى وأهمية مكاتب الاعتماد بين القبول والرفض، فبينما رأي الاتجاه المؤيد لوجود مكاتب الاعتماد أنها ستسهم بقدر كبير في القضاء علي البيروقراطية والفساد، كما أن اللجوء إليها ليس إجباريًا أو ملزمًا للمستثمر، ولكن يمكن للمستثمر أن يلجأ إلى الجهات الحكومية المعنية مباشرة . وأن من ايجابيات تلك المكاتب أنها سوف تخلق حالة من التنافسية مع الجهات الحكومية من أجل تحسين خدماتها وتبسيط إجراءاتها، وأن الاستعانة بمكاتب الاعتماد الخاصة سيسهم بشكل كبير في تبسيط الإجراءات والإسراع ببدء الأنشطة الاستثمارية مما سيسهم في تحسين ترتيب مصر في التقارير الدولية التي ترصد سهولة أداء الخدمات المرتبطة بالاستثمار ومن ضمنها تقرير التنافسية وممارسة أنشطة الأعمال.
بينما يري اتجاه آخر أن وجود تلك المكاتب ليس ضروريًا ، فليس هناك داع لأن يكون هناك وسيط بين المستثمر والحكومة. كما أن وجود تلك المكاتب يزيد التكاليف والأعباء على المستثمرين.
مكاتب الاعتماد: الواقع والمستقبل:
في ضوء تعدد الأطر القانونية التي استحدثت آلية عمل مكاتب اعتماد، وبالنظر لحداثة تلك القوانين ، فإن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على تلك التجربة ، ولكن بصفة عامة فان نجاح تلك التجربة في مصر يتوقف على عدة عوامل أهمها :
- مدى التنسيق بين الجهات الحكومية التى اعتمدت مكاتب اعتماد لديها لقبول الشهادات التى تصدرها تلك المكاتب فيما بينها.
- وضع معايير واضحة ودقيقة وفقاً لأسس موضوعية لأسعار الخدمات التي تقدمها مكاتب الاعتماد ، على أن يتم مراقبة تطبيقها بشكل حازم .
- مدى الانتشار الجغرافي لتلك المكاتب في كافة أنحاء الجمهورية وليس التواجد في العاصمة والمدن الكبرى فقط.
- وضع نظام دقيق لتقييم أداء مكاتب الاعتماد يتضمن معايير أداء الخدمة ومواقيتها ومدى التزام المكتب بقواعد المسئولية المهنية .
- مدى تعاون القطاع الحكومي مع مكاتب الاعتماد المرخص لها بالعمل وقبول الشهادات الصادرة عنها ، واعتبارها مكمل لدورها وليس منافساً لها .
خلاصة التحليل: أن تلك الآلية الجديدة التى استحدثتها القوانين المتعاقبة خلال السنوات الماضية هى فرصة جديدة للقطاع الخاص للقيام بدور كان حكراً على الجهات الحكومية ، وفي نفس الوقت هى تحدى وجرس إنذار للقطاع الحكومي للقيام بعملية الإصلاح الذاتي وتحسين مستوى الخدمات التى يقدمها وتبسيط الإجراءات وللتخلص من الروتيني الحكومي بما يصب في النهاية لصالح المستثمرين ومناخ الاستثمار في مصر .
المصادر:
- القانون رقم 15 لسنة 2017 بإصدار قانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية
- القانون رقم 72 لسنة 2017 بإصدار قانون الاستثمار
- القانون رقم 154 لسنة 2019 بشأن إصدار قانون المحال العامة
- القانون رقم 152 لسنة 2020 بإصدار قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر
- موقع الهيئة العامة للتنمية الصناعية
http://www.ida.gov.eg/webcenter/portal/IDA/accreditation_offices
- موقع الهيئة العامة للاستثمار
https://www.investinegypt.gov.eg/Arabic/Pages/default.aspx