مستقبل مضطرب: ما هي انعكاسات تولى “بينت” على مسارات تسوية القضية الفلسطينية؟
إسراء الابيوقي
تساؤلات كثيرة وإجابات متداخلة يطرحها الشارع العربي حول موقف نفتالى بينت رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد من عملية التهدئة مع الجانب الفلسطيني ومسارات التسوية، ولعل أهم هذه التساؤلات، هو: هل ستتغير العلاقات بين الجانبين بعد تولى بينت السلطة؟.
يذكر أن إسرائيل أجرت انتخابات رئيس الحكومة في شهر مارس الماضي لانتخاب رئيس وزراء جديد بعد انتهاء حقبة بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود، وفاز بها ائتلاف مكون من ثمانية أحزاب سياسية ( يمنية وسطية ويسارية)، وعين نفتالى بينت رئيساً للوزراء زعيم الحزب اليمينى بالتناوب مع يائير لابيد زعيم حزب هناك مستقبل، فكلا منهما وفقا للاتفاق يحكم لمدة عامين، وفوز نفتالى بينيت لا يعني تغيير في الأفكار السياسية، ولكن هو مجرد تغيير أشخاص فقط، والحكومة الجديدة باختصار هى، امتداد للحكومة السابقة بنيامين نتنياهو بل وأشد خطورة منها على مسار القضية الفلسطينية ودعم الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.
من هو “بينت”؟:
يبلغ نفتالى بينيت من العمر 49 عاما، فهو مولود بمدينة حيفا في 25 مارس 1972، ويعتبر ” بينت” هو إبن لمهاجرين يهودين أمريكين من كاليفورنيا، نشأ فى منزل علماني، خدم بينت كقائد سرية فى وحدات النخبة للجيش الإسرائيلي “سايريت ماتكال” و ” ماجلان “، ودرس القانون فى الجامعة العبرية بالقدس، وبعد حصوله على الشهادة أسس ” بينت” شركة ذات تقنية عالية وأمضى لاحقا عدة سنوات فى نيويورك، بعدها تولى منصب الرئيس التنفيذى لشركة Cyota”” وهى شركة برمجيات لمكافحة الإحتيال.
وعند عودته إلى إسرائيل اهتم بالسياسة وتولى منصب رئيس الأركان فى عهد “بنيامين نتنياهو” من (2006-2008م)، وعضو سابق فى حزب الليكود، ثم تولى منصب المدير العام لمجلس “يشع ” المنظمة الجامعة للمجالس البلدية للمستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية من (2012-2010)، وفى نوفمبر2012م تم انتخاب “بينت” رئيسا لحزب “البيت اليهودى اليمينى الدينى” وقاد الحزب فى انتخابات 2013، وفاز بـ 12 مقعدا فى الكنيست، كما تولى مناصب وزير الاقتصاد ووزير الشؤون الدينية ووزير شؤون المغتربين ووزير التعليم (2015-2019) ثم وزير الدفاع (2019-2020) فى عهد نتنياهو.
كما شارك ” بينت” فى انتخابات ديسمبر2018 ثم أسس هو وشريكته “إيليت شاكيد” حزب ” اليمين الجديد” قبل انتخابات أبريل 2019، لكنهما فشلا فى تجاوز الانتخابات. وأخيرا شارك “بينت” فى انتخابات مارس 2021 وفاز فيها برئاسة وزراء إسرائيل- أي بعد 12 عاما من تولى بنيامين نتنياهو.
انعكاسات تولى “بينت” على مسار القضية الفلسطينية:
بقراءة وتحليل أغلب تصريحات نفتالى بينت، يمكن التأكيد على أنها تدعم فكرة استمرار الاستيطان فى الأراضي العربية المحتلة، فهذه الحكومة الجديدة التى تسمى وفقا للمراقبين بحكومة التغيير، قد لا تقدم تغييرا يذكر بشأن القضية الفلسطينية والعلاقة بين العرب واليهود، وأن ما حدث من تغيير قد ينصب فقط على الإطاحة ببنيامين نتنياهو من الحكم.
بمسح شامل وقراءة مضمون تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد خلال الأسبوع المنتهى، يمكن استنتاج أن ” بينت” يرفض رفضا قاطعا إقامة دولة فلسطينية مستقلة، خاصة وأنه يعتبر إقامتها بمثابة انتحار لإسرائيل، كما يرفض تقديم أي تنازلات في القدس. وعليه، فمن المرجح أن تكون سياسات الائتلاف فى الحكومة الإسرائيلية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية أكثر تشددا من نتنياهو من منطلق أن “بينت” يُعتبر من أشد المدافعين عن الاستيطان في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية، بل يدعو إلى الردود الفعل العسكرية دائما لا للسياسية على العمليات المسلحة فى فلسطين، فهذه الحكومة الجديدة لا يوجد اختلاف بينها وبين الحكومة السابقة التي ترأسها نتنياهو من حيث نظرتها للقضية الفلسطينية.
لتأكيد ما سبق، فقد قال “بينت” فى عام 2013 “سأفعل كل ما فى وسعى للقتال ضد إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وأعلن أن أهم شئ فى أرض إسرائيل، هو بناء المستوطنات، وأكد على أنه من المهم الوجود الإسرائيلي فى كل مكان، وقال أنه يجب قتل الإرهابيين الفلسطينيين وليس إطلاق سراحهم، كما قال أن الضفة الغربية ليست تحت الاحتلال لأنه لم تكن دولة فلسطينية هناك وأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يمكن حله”. وبالتالي وفقا لهذه الكلمات يمكن القول إن رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد يعتبر أكثر تطرفا من سابقه، وبالتالي من المحتمل أن يعارض بشدة تقرير مصير الدولة الفلسطينية وكانت خطته ضم 60% من الضفة الغربية لإسرائيل. كما قال بينت فى تصريحات كانت أكثر تشددا وغرابة فى أكتوبر من عام 2018، إنه إذا كان وزيرا للدفاع، فإنه سيأمر إطلاق النار لقتل الفلسطينيين الذين يحاولون السير عبر الحدود بين غزة وإسرائيل.
من خلال التصريحات السابقة، يمكن التأكيد على أن بينت مهما تعرض لضغوط أمريكية، فإنه سيصر على موقفه بشأن سياسة الاستيطان لأنه يرى أن أمن الكيان له الأولوية على أي شئ آخر، بل سيحاول الحفاظ على علاقة طيبة مع الرئيس بايدن. فقد قال الرئيس الأمريكي جو بايدن عند تولى بينت رئاسة الوزراء، إن “إسرائيل ليس لديها صديق أفضل من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنه يتطلع للعمل مع بينت لتعزيز جميع جوانب العلاقة الوثيقة والدائمة بين الدولتين وإن بلاده ملتزمة بالعمل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة لتعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين”.
استكمالاً لما سبق، تجدر الإشارة إلى أن بايدن أكد في وقت سابق على دعمه الثابت لأمن إسرائيل، حيث أعرب عن عزمه الصارم على تعميق التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن التحديات والفرص فى المنطقة، كما الطرفان بشكل وثيق حول قضايا متعلقة بالأمن الإقليمي بما فى ذلك إيران، وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد أن “بينت” عندما أجرى أول مكالمة هاتفية مع بايدن وصفه بأنه الصديق العظيم لدولته إسرائيل، وتعهد بينت العمل من أجل توطيد العلاقات بين البلدين وسبل التعاون من أجل ضمان أمن إسرائيل.
ردود الأفعال بعد تولى “بينت”:
بالتدرج إلى الموقف الفلسطيني من حكومة بينت، يمكن التأكيد على أن الفصائل الفلسطينية لا تعتبر حكومة بينت أقل سوءا من سابقتها، بل هي أكثر خطورة في دعم الاستيطان والاحتلال ومصادرة أراضى الفلسطينيين وإخلائهم لبيوتهم، كما أن رئيس الوزراء الفلسطيني “محمد شتيه ” لم يبد أي ترحيب بتشكيل الحكومة الجديدة ورحيل السابقة، وقال إن الإطاحة بنتياهو كانت علامة على نهاية واحدة من أسوأ الفترات في تاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وإن الحكومة الجديدة ليس لديها مستقبل ولن تستمر طويلا ما لم تعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وأيضاً تبدو هناك ردود فعل أخرى تجاه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهي أن آرائها غير متجانسة فيما يتعلق بالقضايا العالقة ( القضية الفلسطينية، حل الدولتين، المفاوضات، وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى)، وأعضائها يطغى عليهم التطرف ويختلفون على كل شئ سياسيا وأيديولوجيا، ولعل أبرزها يتمثل في وجود أول حزب عربي مستقل يشارك فى ائتلاف يحكم إسرائيل وهو حزب” القائمة العربية الموحدة ” بقيادة منصور عباس، وهذا يؤدى إلى قصر عمر الحكومة ومن المتوقع العودة إلى انتخابات إسرائيلية جديدة قبل نهاية هذا العام.
كما وصف محللون فلسطينيون الحكومة الإسرائيلية الجيدة بالشلل فى كل الملفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية فضلا عن الملفات الداخلية، وقال منصور عباس عضو الحكومة الجديدة رئيس القائمة العربية الموحدة، أن هذه الخطوة تحيط بها مخاطر كثيرة ومصاعب لا نستطيع أن ننكرها لكن هناك فرصة كبيرة لتغيير المعادلة وتوازن السلطة فى الكنيست. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو، أكد أنه سيفعل كل ما في وسعه لإسقاط الحكومة الجديدة التى حلت محله بعد 12 عاما فى السلطة، ويرى أنها حكومة ضعيفة وسيئة وتوعدها بمعارضة شرسة مؤكد لأنصاره سنعود قريبا.
فى النهاية، يمكن القول إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نفتالى بينت تعد أكثر تطرفا من سابقتها، فهي تدعم الاستيطان بقوة ترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة وتقرير مصيرها، كما يعتبر الفلسطينيون تولى بينت للسلطة ضربة لأمال التوصل إلى سلام عادل سلمى. كما أن موقف إسرائيل ثابت من القضية الفلسطينية مهما تغيرت الحكومات، فهم لا يرغبوا حاليا ولا مستقبلا فى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وحل الدولتين، بل يريدوا ازدياد الاستيطان الإسرائيلي فى الضفة الغربية.