مسار أكثر تشدداً: كيف يفكر ” بينت” في الملفات العالقة أمام حكومته؟
“أنا أقتل العرب إذاً أنا موجود”، هذا ما قاله رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينت في مناسبات عدة ليؤكد نظرته العنصرية ومعاداته للعرب والفلسطينيين وتفاخره بذلك، اللافت أن تنصيبه كرئيس للحكومة أتى وسط جو من الانتقادات الحادة وتبادل الاتهامات طوال جلسة الكنيست لمنح الثقة للحكومة الجديدة، يوم الأحد 6 يونيه 2021، وبالرغم من انتماء بينت للتيار اليميني المتشدد، إلا أنه قوبل بتوجيه التهم والعبارات النابية له من أعضاء الكنيست اليمنيين أثناء إلقائه خطابه الأول كرئيس للوزراء، إذ تمت عملية تسليم السلطة بفوضى غير معهودة في دولة لطالما كانت تروج لنفسها أنها تتمسك بالقيم الديمقراطية وأنها دولة مؤسسات، غير أن حكومة بينت – لبيد نالت ثقة الكنيست بأغلبية (60) صوتاً في مقابل (59) صوتاً معارض، بفارق صوت واحد، وامتنع النائب سعيد الحزومي من التصويت، وهو من القائمة العربية الموحدة، كما تشكلت الحكومة الائتلافية من (28) وزيراً، من بينهم ثمانية وزيرات، وزير الخارجة مائير لبيد (والذي سيشغل منصب رئيس الحكومة بالتناوب بعد عامين)، بيني غانتس وزيراً للحرب، أفيجدور ليبرمان وزيراً للمالية، كما انتخب عضو الكنيست ميكي ليفي من حزب “يوجد مستقبل” ليكون رئيساً للكنيست الإسرائيلي خلفاً لباريف ليفين، وفور أداء الوزراء اليمين الدستوري أعلن ستة منهم استقالتهم من عضوية الكنيست وفقاً للقانون.
على أثر تكوين الائتلاف الحاكم من ثمانية أحزاب مختلفة التوجهات الأيديولوجية تثار عدة تساؤلات حول سياسات هذه الحكومة الجديدة، ومدى استطاعتها في الاستمرار دون الإطاحة بها، وبماذا تعكس زيارة أول مسئول إسرائيلي إلى الولايات المتحدة ودلالات توقيتها.
ملامح سياسة خارجية محتملة:
من اللحظات الأولى لترأس نفتالي بينت الحكومة في “إسرائيل” حظت حكومته دعم وتأييد الإدارة الأمريكية، حيث أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن اتصالاً هاتفياً ببينت، فكان أول المهنئين له بمنصبه الجديد، كما تتيح واشنطن كل الفرص للحكومة الائتلافية الجديدة لتتمكن من تثبيت وضعها الداخلي وتجاوز التحديات التي تواجهها، خاصة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أصبح من أهم القضايا الدولية على الساحة الدولية منذ انتفاضة القدس ومعركة سيف القدس، التي كشفت عن حجم الانتهاكات والمجازر وجرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين العزل والأطفال، وعلى أثر ذلك تسعى إدارة بايدن إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية.
تأتي زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، إلى واشنطن، هذه الأيام بعد تأجيل دام شهرين بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث أن هذه الزيارة التاريخية والتي تستمر لمدة أسبوع تحمل رسائل أمريكية بالغة الأهمية للمنطقة، تشمل الزيارة لقاء كوخافي بعدد من المسئولين الأمريكيين رفيعي المستوى، من بينهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي مارك ميلي، وكذلك وزير الدفاع لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي كينيت ماكنزي، اللافت أن زيارة كوخافي أتت لتمرير أهداف سياسية وعسكرية تخدم “إسرائيل” في المقام الأول، لذا يتباحث الجانبان حول الوضع الأمني، وحول استمرار الهدنة مع قطاع غزة، ولتحقيق الردع الاستراتيجي الإسرائيلي في ظل التحولات التي طرأت على الشرق الأوسط، كما تقدم إدارة بايدن تعويض لنظام القبة الحديدية ونظم التسليح الدقيقة، وسيعقب تلك الزيارة زيارات أخرى لمسئولين إسرائيليين إلى الولايات المتحدة منهم الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفيلين.
فيما يخص الملف النووي الإيراني، فرئيس الوزراء الجديد يعارض وبشدة العودة الأمريكية للاتفاق النووي مع إيران، حيث أكد أن “إسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي”، وكذلك أعرب نفتالي بينت عن قلقه بشأن إمكانية رفع معظم العقوبات التي فُرضت على طهران منذ عام 2018م، فزيارة أفيف كوخافي لواشنطن أتت بالتزامن مع تعليق الولايات المتحدة المباحثات مع إيران في فيينا، عقب فوز إبراهيم رئيسي بالرئاسة في إيران، كونه على لائحة العقوبات الأمريكية، فتعثر المباحثات في هذا الملف خلق مناخ أكبر للتقارب بين الإدارة الأمريكية والإدارة الإسرائيلية، خاصة حول الوجود الإيراني في الشرق الأوسط والتصدي لحزب الله وصواريخه المطورة.
ملف التطبيع مع الدول العربية كان محور الحديث في اتصالات وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ووزير الخارجية الإسرائيلي مائير لبيد، حيث أظهرت مدى اهتمام الحكومة الجديدة بتوسعة دائرة التطبيع في المنطقة العربية، لتكملة ما أنجزه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو من الاتفاقات الإبراهيمية مع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، والتي أثنى عليها نتنياهو في خطابه الأخير أمام الكنيست، بقوله “اتفاقات إبراهام مكنتنا من الخروج من معادلة الأرض مقابل السلام إلى السلام مقابل السلام ولم نتنازل عن شبر”.
مسار التعامل مع العرب:
ظن البعض أن بدخول منصور عباس وحركته الائتلاف الحاكم في “إسرائيل” أن ذلك بمثابة تقويد للسياسات القمعية التي تمارس ضد العرب، ولتخفيف حد الكراهية تجاه الفلسطينيين، إلا أن الواقع أظهر العكس تماماً منذ الأيام الأولى لحكومة بنيت، حيث أصرت على إقامة مسيرة الإعلام في القدس، التي دعى لها اليمين المتطرف الرافع لشعارات مناهضة للعرب ومناداتهم بالموت للعرب، ورغم كل التحذيرات حول المسيرة التي كادت تعيد الأوضاع لما كانت عليه في انتفاضة القدس وأحداث العنف في الداخل، إلا أن الحكومة الإسرائيلية مررت تلك المسيرة العنصرية بهدف استمالة المعارضين لها من اليمين المتشدد على حساب العرب الذين يتعرضون لعنف ممنهج سواء من المتطرفين اليهود أو من قوات الاحتلال في حي الشيخ جراح و سلوان و في محيط القدس .
يعتبر نفتالي بينت من أشد المؤيدين للتوغل الاستيطاني في أرض فلسطين، وتنفيذ مخطط الضم، ففي خطابه الأول أكد على ضرورة زيادة البناء في القدس وتكثيف الاستيطان، كما تسعى الحكومة الجديدة لتمديد قانون “منع لم الشمل”، والذي يستهدف منع دخول العائلات الفلسطينية للم شملهم إذ تراهم دولة الاحتلال أنهم يشكلون خطراً أمنياً عليها، لذا تحاول الحكومة الجديدة التوصل لاتفاق مع أحزاب الائتلاف من أجل التصويت على القانون داخل الكنيست، حيث تدعي أن قانون منع لم الشمل يحافظ على الهوية اليهودية للدولة، غير أن هذا القانون يكشف عن الوجه القبيح لمنصور عباس و حزبه الذي يعلى مصالحه الشخصية فوق كل اعتبارات الوطنية و يؤيد المزيد من تهميش العرب و زيادة معاناتهم.
صفقة تبادل الأسرى:
أحد أولويات رئيس الوزراء الجديد وحكومته ملف صفقة تبادل الأسرى مع حماس، فصورة الجنود الأربع الأسرى تظهر في خلفية مكتب بينت منذ اليوم الأول له، كما أكد موقفه المتشدد إزاء الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، والذي يقدر عددهم حوالي 4444 أسير، حيث قال بنيت “موقفي واضح وأعارض إطلاق صراح القتلة بأي حال”، كما أن دولة الاحتلال تسعى لربط ملف إعادة إعمار غزة بملف صفقة تبادل الأسرى، وهو ما تعارضه حماس وبشدة، وحول تصريح القيادي البارز في حركة حماس يحيى السنوار “إحفظوا هذا الرقم جيداً 1111″، اختلفت التكهنات حول العدد الفعلي الذي تطالب به حماس للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها، ويبدو أنه من المرجح أن العدد الذي ذكره السنوار نظير كل جندي لديها، وفي سبيل إتمام صفقة تبادل الأسرى زار وفد أمني إسرائيلي مصر هذه الأيام، وذلك للتباحث حول مصير الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، فيضم الوفد أعضاء كبار من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إذ تسعى حكومة بنيت وضع آليات لخارطة طريق يتم من خلالها صفقة تبادل الأسرى عبر الوساطة المصرية.
في النهاية، يمكن القول إن دخول منصور عباس وحزبه إلى الائتلاف الحاكم في “إسرائيل” يعد جريمة سياسية، إذ أن كل ممارسات الحكومة القمعية والتي تنفذ سياسات عنصرية ممنهجة، سيكون عباس شريك فيها، مما يفقد حزبه مصداقيته كونه مدافع عن حقوق فلسطيني الداخل المحتل، في ظل حكومة يمينية تعطي غطاء داعم للمتطرفين اليهود لاضطهاد العرب، وتسعى بكل السبل تعزيز الاستيطان وإبعاد العرب في النقب، والكيان الهش لحكومة بينت – لبيد مهدد بالإطاحة به وعدم الاستمرار، فأولى الاختبارات لهذه الحكومة تمديد قانون منع لم الشمل، الذي سيؤجج الأوضاع الداخلية، ويبقى التحدي الأكبر للحكومة في 4 نوفمبر 2021م، موعد تحويل الميزانية وإقرارها، وهو الملف الحاسم لمستقبل الحكومة الجديدة، ففي حال استمرارها ستعيد الولايات المتحدة طرح ملف التسوية للقضية الفلسطينية كضرورة لدفع عملية السلام في المنطقة بحل الدولتين من خلال الدعوة لمؤتمر دولي يمهد لبدأ التفاوض من جديد في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.