الاستثمار فى صناعة الرياضة والطريق إلى البطولات

عبدالفتاح الجبالي.

أشرنا فى المقال السابق إلى أهمية وضع الرياضة فى خدمة التنمية البشرية بغية جعلها إحدى الأدوات المساهمة فى رفع كفاءة الأفراد والمساهمة فى تطوير الإنسان وهو مايتطلب وضع رؤية وخطة طويلة الأمد لتنمية وتطوير الاستثمار فى هذه الصناعة, فالاستثمار فى البشر أهم من الاستثمار فى الحجر,

وتأتى أهمية هذه النقطة فى ضوء التطورات والتغيرات على الصعيد العالمى الآخذة يوما بعد يوم فى اتجاه عولمة الرياضة, أو كما يمكن ان نسميه «ريضنة العالم». إذ اخذ مجال التأثير للرياضة فى الاتساع على الصعيد العالمى من حيث الحيز المكاني(تضاعف الأماكن الرياضية والطفرة الكبرى فى إعدادها والمعدلات المتزايدة لهذه الزيادات ) والحيز التاريخى ( حيث توضع أجندة تكاد تكون موحدة على الصعيد العالمى ويترقبها العالم اجمع ). ويمكننا القول دون ادنى تجاوز للحقيقة إن الرياضة قد أصبحت تلعب دورا مهما ومؤثرا فى المجال السياسى سواء تمثل ذلك فى حالات الانتشاء الوطنى التى تسود الأوطان لحظة الفوز بإحدى البطولات الدولية المهمة.

وهنا تجدر بنا الإشارة إلى الجدل الفكرى الكبير الذى دار حول عولمة الرياضة وأثرها على الصعيد العالمي، إذ يرى البعض أنها قد أصبحت المجال المفضل لغسل الأموال والإفساد الذى تقوم به بعض الشركات الكبرى ويشيرون فى هذا المجال الى العديد من الحالات على رأسها شركة ISL World wide فى أثناء كاس العالم التى استضافتها فرنسا، حيث اتضح فيما بعد انها تقوم بعمليات واسعة لغسل الأموال عبر امتلاكها حسابات سرية فى جزيرة ليشنتاين.

بينما يرى البعض الآخر ان الرياضة تؤدى أدوارا سياسية مهمة من حيث التقريب بين الشعوب والتخفيف من وطأة المشكلات السياسية وغيرها. وأيا كان الرأى فإننا نرى أن الاهتمام بالرياضة ومن ثم الاستثمار فى صناعة الرياضة يعدان احدى الآليات الأساسية لنهوض المجتمع.

والسؤال الذى يتبادر إلى الذهن هو كيف يمكن إحداث هذه النقلة فى المجتمع المصري؟ وعلى الرغم من أهمية هذا التساؤل فإن الإجابة عنه ظلت محدودة للغاية وتدور جميعها بشكل أو بآخر فى قصر المفهوم على كرة القدم وليس الرياضة ككل.

ومن المفارقات أن التجربة المصرية غنية بالعديد من التجارب المهمة خاصة فى حقبتى الستينيات والسبعينيات وذلك حينما كانت شركات القطاع العام تقوم بتمويل الأنشطة الرياضة من صافى الأرباح التى كانت تحققها ،إذ ألزمها القانون بتخصيص جزء من توزيعات الأرباح لتمويل النشاط الرياضى فى الشركات فظهرت شركات مثل غزل المحلة والسكك الحديدية والمقاولون العرب والترسانة وغيرها الكثير ، ولكن للأسف فان هذه الشركات لم تستغل الرياضة الاستغلال الاقتصادى الأمثل فأصبح التمويل عبئا متزايدا على هذه الشركات فتدهورت الحال بها ، وبدأت تظهر فى الصورة فقط شركات البترول بما لديها من إمكانات وكذلك مصر للطيران.

ومما يزيد من تعقيد الصورة قيام الحكومة بخصخصة العديد من الشركات العامة وبالتالى إهمال المشترى الجديد هذه المسألة رغم أهميتها.

عموما فإن تجارب الدول الأخرى فى هذا المجال غنية بالأفكار الجديدة والخلاقة التى يمكن التفكير فى بعضها وهنا نرى ان اللاعبين الثلاثة فى الساحة الرياضية عليهم ادوار مختلفة:

– تعديل التشريعات الحاكمة للرياضة المصرية حاليا التى أصبحت لاتتناسب مع التغيرات والتطورات الجارية على الساحة المحلية أو العالمية، خاصة أنها تنبع من فلسفة تقوم على الملكية العامة للمنشآت الرياضية، بينما نحن نعيش فى ظل فلسفة جديدة قوامها الاعتماد على القطاع الخاص واقتصاد السوق وهى فلسفة مغايرة تماما لما هو قائم حاليا فى التشريعات الرياضية، وهو مانجم عنه العديد من المشكلات, نظرا لمحاولة التحايل القانونى عليها. وهو مايفسر إلى حد كبير تلك الفوضى السائدة حاليا فى الوسط الرياضي. وفى هذا السياق أيضا يجب العمل على إضافة الصناعة الرياضية كإحدى المجالات المستفيدة من قانون الاستثمار.

على الجانب الآخر، يجب على الدولة الاهتمام بالاستثمار فى مراكز الشباب المختلفة وتدعيمها بما تملك من إمكانات. وكذلك توفير مجموعة من الاراضى الفضاء، فى محافظات الجمهورية المختلفة، ومنحها لوزارة الشباب والرياضة، كحق انتفاع لتقيم عليها الأنشطة الرياضية المختلفة على أن تخضع لإدارتها أو على الأقل الإشراف الادارى عليها.

هذا فضلا عن ضرورة الحفاظ على الأندية الرياضية القائمة حاليا والمملوكة لدى شركات قطاع الأعمال العام وإخراجها من عملية البيع وعدم التصرف فيها او وضعها تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة، وهو مايتطلب ايضا تطوير الاتحادات الرياضية فى الشركات.

كما يمكن للقطاع الخاص المساهمة فى تمويل بعض الاستثمارات فى هذا المجال, إما عبر تكوين شركات متخصصة فى المجال الرياضى لتنمية الموارد المالية، أو الاستثمار فى بعض الأندية، كما هو الحال فى العديد من الدول الاوروبية، وهذه تجربة مربحة للغاية, إذ تشير التجربة الفرنسية إلى أن مدارس الاحتراف التى انشأتها وصل عدد المسجلين بها الى نحو ثلاثة ملايين.

من هذا المنطلق يمكننا اقتراح إنشاء شركة قابضة للرياضة المصرية يتفرع عنها عدد من الشركات التابعة لأنشطة محددة مثل التسويق الرياضى او الترويج الرياضى وغيرها ويمكن ان يتم تمويل هذه الشركة من (الموازنة العامة، المحافظات، تبرعات الأفراد والجهات، أرباح الأنشطة، وغيرها).والعمل على التوصل إلى اتفاقيات محددة مع كبريات الشركات المنتجة للأدوات الرياضية للحصول منها على حق تصنيع داخل السوق المصرية التى تتمتع بالعديد من المزايا التى تمكنها من ذلك خاصة العمالة المدربة والرخيصة نسبيا مقارنة مع البلدان الأخرى، وهنا يمكن الدخول فى شراكة تصنيعية مع الشركات العملاقة، التى تعانى بعض المشاكل فى الدول التى تقوم بتصنيع هذه المنتجات حاليا.

كما ينبغى العمل علي توسيع قاعدة الممارسة الجماعية للرياضة بين جميع فئات المجتمع المصرى للجنسين, والعمل على تشجيعها والتحفيز على ممارستها ووضع البرامج التى من شأنها إقامة المسابقات الرياضية, ونشر الثقافة الرياضية, جنبا الى جنب مع تدعيم البنية الأساسية للرياضة بالدولة.

نقلاً عن الأهرام -نشر بتاريخ 22 فبراير 2017.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى