مخاطر مُركبة: ما الذي ينتظر تركيا في أفغانستان؟

لاقى العرض الذي قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بخصوص مواصلة التواجد التركي في أفغانستان بالتعاون مع باكستان والمجر لتأمين مطار كابول،قبولاً وترحيباً من الجانب الأمريكي بناءاً على تصريح لجيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جو بايدن  الذي صرح” أننا نشعر بالرضا حيال ما توصلنا إليه فيما يتعلق بالتخطيط مع الأتراك”  وأن ” الالتزام الواضح من القادة الأتراك أثبت أن تركيا ستلعب دورا رائدا في تأمين مطار حامد كرزاي الدولي”. وهو ما يطرح تساؤل مهم حول مدى أبعاد هذه الخطوة من جانب تركيا، ومدى تأثيرها على العلاقات التركية الأمريكية( المتوترة منذ عهد الرئيس السابق ترامب)؟.

مقترحات ملء الفراغ ما بعد الانسحاب من أفغانستان:

جددت الولايات المتحدة تعهدها بسحب وجودها العسكري من أفغانستان بحلول سبتمبر القادم، وهناك حديث عن كيفية ملء الفراغ المتوقع هناك، فلا يعتقد أن واشنطن ستضحي بما حققته من مكاسب استراتيجية كثيرة في أفغانستان منذ 2001 وحتى الآن، خاصة أن هذه المكاسب كان لها ثمن كبير على مستوى التكلفة المادية والبشرية، لذلك هناك ترقب للترتيبات الأمريكية لمرحلة ما بعد الخروج من أفغانستان، وطبيعة الأدوار التي يمكن أن تلعبها بعض الدول مثل تركيا وباكستان وغيرها على المستوى الإقليمي، وما يمكن أن يقدمه الناتو من مساعدات في نفس الاتجاه.

نشير إلى أن ملف أفغانستان من أهم الملفات التي تضمنها اللقاء الذي جمع الرئيس التركي بنظيره الأمريكي على هامش قمة حلف الناتو مؤخراً، ومن خلال تصريحات مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، يمكن فهم جانب من المقترحات التي قدمت لملء الفراغ منها :

  1. استقدام متقاعدين من ذوي الخبرة والاختصاص بالشأن الأفغاني لتأمين الأوضاع هناك بعد الانسحاب الأمريكي، مثل الشركات الأمنية الخاصة.
  2. مقترح تعهد الولايات المتحدة بحماية المطار للأمريكيين أنفسهم، إلا أنه تم استبعاد هذا الخيار لأنه سيتطلب عدد كبير من القوات وهو ما يتنافى مع الاتفاق على سحب جميع القوات تقريبا.
  3. مقترح إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في باكستان ، يمكن استخدمها ضد أفغانستان لمواجهة الإرهاب بعد الانسحاب، إلا أن هذا العرض لم يلقى قبولاً من باكستان.
  4. المقترح التركي لتأمين المطار، من خلال قوات تركية وباكستانية ومجرية، وهو العرض الذي استقرت عليه المناقشات، حيث قدمت تركيا عرضاً لولايات المتحدة بأن تقوم بتامين مطار كابول الاستراتيجي، بالاشتراك مع بعض الدول، وهو ما يعني أن تركيا ستبقي على وجود عسكري في أفغانستان، والحديث هنا يدور حول صفقة ما لها أبعاد كثيرة سياسية واستراتيجية وعسكرية، فهناك حديث عن دعم مادي وسياسي ولوجستي لتركيا، لكي تلعب أنقرة دور أكبر بعد انسحاب قوات حلف الناتو وعلى رأسها القوات الأمريكية المقرر في 11 سبتمبر القادم.

الأهداف الاستراتيجية لتركيا من هذا الدور الجديد:

توجد مجموعة من الأهداف التي تدفع تركيا لمواصلة تواجدها في أفغانستان رغم بعض التحذيرات، وتتمثل أهم هذه الأهداف في الآتي:

  1. تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتخلص من التوتر والفتور في الفترة الأخيرة خاصة مع وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض – والذي أبدى معارضته للرئيس أردوغان وعزمه على دعم المعارضة التركية أثناء حملته الانتخابية-، حيث حاول الرئيس أردوغان تلطيف الأجواء أثناء لقاءه مع بايدن في قمة حلف الناتو الأخيرة طارحا عليه مجموعة من الأفكار التي من الممكن أن تساهم في تصفية الخلافات – وعلى رأسها إعادة النقاش حول مسألة صفقة الصواريخ الروسية إس 400، وكذلك عرضه ببقاء القوات التركية في أفغانستان بعد انسحاب قوات حلف الناتو لحماية مطار كابول الدولي لتأمين انتقال البعثات الدبلوماسية والسفارات حتى لا تضطر الدول لإغلاق سفاراتها مثل استراليا لأسباب أمنية، ويعتبر توقيت العرض التركي مناسبا في وجهة النظر الأمريكية بعد أن كانت تفكر في مستقبل أفغانستان بعد الانسحاب وهو مما مثل بالطبع في نفس الوقت فرصة لبناء جسور الثقة مع تركيا.
  2. تجديد التأكيد على أهمية تركيا لحلف الناتو . حيث تعمل تركيا من خلال مخططها في أفغانستان على تنشيط علاقاتها مع دول الناتو، حيث اتسمت العلاقات بالتوتر أو الجمود مع بعض الدول الأوروبية نظرا للصدامات التي حدثت مؤخرا بين تلك الدول وتركيا بسبب الطموحات التركية في الخارج مثل فرنسا اليونان، وهو ما نجحت فيه تركيا على سبيل المثال من خلال تصريحات أنجيلا ميركل مفادها أنه لا غنى عن تركيا عند وضع سياسات جديدة في المنطقة.
  3. توظيف تواجدها في مطار كابول لدعم نفوذها في آسيا الوسطى والقوقاز: حيث يعتبر مطار كابول منطقة حيوية ومحورية لتأمين البعثات الدبلوماسية والمؤسسات الرسمية وتأمين وصول المساعدات وعمليات الإغاثة، وفضلا عن ذلك كون تركيا تتحكم في أمن المطار فإن ذلك يمكنها لاستخدامه كورقة ضغط أو مساومة لصالحها في المستقبل سواء تجاه قوى دولية أو داخلية بعد ترسخ وجودها هناك، وفي نفس الوقت دون أن تتورط في صراع غير معروفة نهايته، خاصة مع فرص استعادة طالبان للسيطرة على أفغانستان مرة أخرى خلال عامين (وفق تقديرات الخبراء العسكريين). علاوة على ما يوفره هذا التواجد من فرص لتركيا في لتعزيز تواجدها في وسط آسيا، بما يمكنها من الاشتراك في لعبة إعادة تشكيل التوازنات في تلك المنطقة خاصة على صعيد العلاقات مع روسيا التي توترت في الفترة الأخيرة ، بسبب عدم رضا روسيا عن الدور الذي لعبته تركيا في الصراع الأخير بين أرمينيا وأزربيجان، والحديث عن رغبة تركية في أعقامة قاعدة عسكرية لها في أزربيجان، وهو ما يعد تهديداً لروسيا بصورة أو بأخرى.

الفرص والتحديات أمام الدور التركي القادم في أفغانستان:

لا شك أن هذا الدور التركي المرتقب في أفغانستان أمامه فرص إيجابية كثيرة، لكن في نفس الوقت يجابه بتحديات مماثلة بنفس المستوى، ونشير لذلك فيما يلي:

بالنسبة للفرص:

من الواضح أن هناك تأييداً من باكستان للعرض التركي، حيث صرح رئيس لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ الباكستاني شاهين حسين بأن بلاده ” ترحب بإعلان الرئيس أردوغان ” كما وصفه بأنه ” تطور إيجابي للغاية “. وبعد مناقشة العرض التركي بين بايدن وأردوغان خلال قمة الناتو بأيام، توجه وزير الخارجية الباكستاني إلى تركيا لمناقشة الوضع في أفغانستان  بناءا على دعوة من نظيره التركي تشاوش أوغلو.

كما تعتمد تركيا في هذا العرض على بعض المحددات أهمها التقارب الديني مع الشعب الأفغاني ( الأغلبية من المسلمين السُنة)، كذلك عدم اشتراك القوات التركية بأي عملية عسكرية قتالية ضد السكان الأفغان،رغم كونها جزءا من حلف الناتو، علاوة على احتفاظ تركيا بنفوذ سياسي واجتماعي بين الأفغان خاصة وأنه يوجد مجموعة من السكان الأفغان ذات جذور تركية مثل الأوزبك،

بالنسبة للتحديات:

موقف حركة طالبان.على الرغم من قبول الحكومة الأفغانية لفكرة استمرار تواجد القوات التركية في مطار كابول حسب ما جاء على لسان المتحدث باسم وزير الخارجية الأفغانية ، إلا أن حركة طالبان التي تعتبر القوات التركية جزءا من قوات الناتو ترفض مثل هذه الاقتراحات، حيث تعتبرها مناورة من الناتو للبقاء في أفغانستان عبر البوابة التركية، وفي إطار محاولة للحكومة التركية لحل تلك المعضلة طلبت أنقرة  التعاون مع باكستان لإقناع طالبان بالفكرة،  وهناك حل آخر طرحه متخصصون وهو أن تعرض تركيا المساعدة على طالبان في إطار اتفاق ثنائي تعاوني وتوضيح أن بقاءها بعيدا عن كونها جزء من حلف الناتو، لأنه من الممكن أن يكون رفضها مبدئي لجميع قوات الحلف ، كما لجأت تركيا في محاولة منها لتقريب وجهات النظر ومحاولة ضم باكستان إلى محاولة استضافة محادثات السلام الأفغانية في إسطنبول لإقناعها بقبول التواجد التركي.

معارضة تركية للمشروع . حيث رفضت المعارضة التركية رغبة الرئيس أردوغان في إبقاء القوات التركية في أفغانستان واعتبرته زجا للجنود الأتراك في مواجهة غير محسومة مع طالبان المتشددة، وجاء ذلك في تصريحات لكمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض مفادها أن القوات التركية ليست مرتزقة تعمل مقابل المال لصالح الولايات المتحدة وذلك في إشارة إلى طلب أردوغان الدعم المالي واللوجستي مقابل استمراره في أفغانستان، وفي ظل رفض طالبان اعتبرت قوى المعارضة أن بقاء القوات هو مقامرة بأرواح الأتراك في أفغانستان. كما اعتبر البعض قرار أردوغان ما هو إلا محاولة منه لخطب ود الولايات المتحدة فقط على حساب الأمن التركي. وبررت المعارضة بأن رفضها ليس رفضا لمساعدة أفغانستان الصديقة وإنما لابد أن يكون التواجد التركي في مطار كابول بناءا على رغبة الطرفين التركي والأفغاني.

معارضة روسية للمشروع . حيث تعتبر روسيا منطقة وسط آسيا إرثا تاريخيا لها، بالتالي فقد بدا المخطط التركي في وسط آسيا بمباركة أمريكية موجها لها ولا غرض منه سوي تطويقها وتحسين علاقة تركيا بالولايات المتحدة على حسابها، خاصة بعد تجاهل تركيا لروسيا في الاجتماع بشأن أفغانستان المنعقد في تركيا في أبريل الماضي لوضع خطة سلام لأفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي– قبل تأجيله فيما بعد بسبب اعتذار طالبان عن الحضور – وعدم توجيه دعوة لها، وبناءا على ذلك عبرت روسيا عن وفضها لاستمرار التواجد التركي في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة، واعتبرته خرقا للاتفاقات المبرمة مع طالبان، وهو ما جاء في تصريح للمبعوث الروسي في أفغانستان زامير كابولوف.

خلاصة التحليل، تركيا تلعب لعبة جديدة في أفغانستان، لها أهداف استراتيجية كثيرة، بعضها يتعلق بتعزيز نفوذها في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، ومنها ما يتعلق بإعادة تقديم تركيا كحليف قوى للناتو والولايات المتحدة، وأنها بالفعل قادرة على لعب أدوار وظيفية مهمة لصالح الشركاء الأوربيين ولصالح الأمريكان في المنطقة، لكنها بلا شك لعبة محفوفة بالمخاطر، فالمقترح التركي يلقى معارضة من داخل تركيا نفسها، كما يلقى معارضة من طالبان ( القوة الرئيسية هناك) كما يلقى معارضة من روسيا، ما يعني أن أردوغان لا يزال مستمر في تقديم أوراق اعتماد جديدة لشركاءه أملاً في أن يحصل على دعم مقابل ، سواء لصالح موقفه الداخلي، أو لصالح الموقف التركي في الملفات الإقليمية المختلفة.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى