تقديرات سلبية: كيف ينعكس تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة على القضية الفلسطينية؟
بفارق صوت واحد منح الكنيست الإسرائيلي في الثالث عشر من يونيو2021، الثقة لحكومة “نفتالي بينيت” والتي حصلت على (60) صوتا، ورفض (59) عضو، وامتناع عضو واحد عن التصويت، من أصل 120 عضو للكنسيت الإسرائيلي، ليتمكن بذلك ما يسمى “ائتلاف التغيير” من إزاحة “بنيامين نتنياهو” الذي عُد أكثر رؤساء الوزراء الإسرائيليين مكوثا في السلطة، لمدة بلغت (15) عاما منفصلة، و(12) عاما متصلة، وقد كان إقصاء “نتنياهو”، والإطاحة به، العامل الأبرز الذي توحدت عليه الأحزاب المشكلة لهذا الائتلاف.
وقد أثير العديد من الأسئلة عقب نيل حكومة “بينيت” الثقة، خاصة ما يتعلق بطبيعة العلاقات مع الفلسطينيين، وما يمكن أن تشهده من تغير في ظل معطيات الوضع الراهن، والمتغيرات الجديدة التي فرضتها مآلات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة؟.
استمرار على المحك:
بداية لا يمكن الحديث عن سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية، من دون التطرق لظروف تشكيل هذه الحكومة، والتي قد يكون لها التأثير الأبرز في تحديد طبيعة حركتها وسياساتها المستقبلية، والتي أضفت عليها سمات ميزتها عن سابقاتها من حكومات إسرائيلية، يأتي من أهمها ما يلي:
(*) أنها حكومة غير متجانسة، وذات تركيبة هشة ومتناقضة، كونها مختلفة سياسيا وأيديولوجيا، وتجمع بين الأضداد في الساحة السياسية الإسرائيلية، مما يجعل من عملية بلوغ التوافق بين أعضائها، عملية بالغة الصعوبة، وتجعل القدرة على اتخاذ القرار، مسألة صعبة، باستثناء ما يتعلق بأمن ومصالح إسرائيل العليا، مما يعزز التكهنات بشأن مدى قدرتها على الصمود في مواجهة القضايا الشائكة التي تنتظر هذه الحكومة.
- الموقف السلبي لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “بنيامين نتنياهو”، والذي تعهد بإسقاط الحكومة الإسرائيلية الجديدة في أسرع وقت ممكن، والعودة للحكم مجددًا، حيث أصر على الاستمرار في قيادة حزب الليكود وقيادة المعارضة، كما حث أنصاره على تنظيم احتجاجات ومظاهرات ضد حكومة “بينت”، والعمل على تكثيف اقتحامات للمسجد الأقصى، والقيام بنشاطات استفزازية من أجل نزع شرعية الحكومة.
(*) الوضع الداخلي المتوتر في إسرائيل، نتيجة عوامل عدة، أهمها العلاقات بين المؤسسات في إسرائيل، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وارتفاع حدّة الصراع بين العرب واليهود في البلدات العربية داخل إسرائيل، مما ساهم في تصاعد المشاكل الأمنية.
(*) أن العداء لرئيس الوزراء السابق “بنامين نتنياهو”، والذي مثل المرتكز الأهم في تشكيل ائتلاف حكومة التغيير، لا يعد ضمانة معتبرة للتوافق في ملفات أخرى مؤجلة النقاش، قد تواجه صعوبة في اتخاذ قرار بشأنها، على غرار ما يتعلق بالميزانية الإسرائيلية، وعملية الاستيطان، وملف الأسري الإسرائيليين لدى حركة حماس، وغيره من الملفات الخلافية، التي يمكن أن تسهم في انفراط عقد هذه الحكومة في أي وقت، على غرار سابقاتها، فمنذ انطلاق عملية السلام مع الفلسطينيين في عام 1991، لم يحدث وأن أكملت أي حكومة إسرائيلية، الأربع سنوات، التي تعتبر المدة القانونية المحددة لها.
ولعل العوامل السابق ذكرها، تعزز التكهنات حول مستقبل حكومة “بينيت”، وتزيد من احتمالية تحول التوافق الهش إلى خلافات داخلية، يمكن أن تثار في أي وقت، مما قد يؤدي إلى إحداث انشقاقات مؤثرة، قد تفضي إلى تفتت هذه الحكومة في وقت ليس بالبعيد.
وإذا كان هذا السيناريو مرجح بقوة، لكنه سابق لأوانه، فلا زالت حكومة “بنيت” لم تختبر بعد، وقد تتوفر لها عوامل قوة مهمة، خاصة تلك المتعلقة بالسياسة الإسرائيلية العامة، سواء الداخلية أو الخارجية، والتي يمكن أن تستند إلى إجماع بين الائتلاف المشكل للحكومة، مثل: استعادة الاستقرار الأمني على المستوى الداخلي، والتعهد بـفتح صفحة جديدة في العلاقات مع المواطنين العرب داخل إسرائيل، والرغبة فى إيقاف التدهور فى العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، والاتجاه لتوسيع دائرة السلام مع دول المنطقة، والاستمرار في الموقف المتشدد من استئناف الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى منذ عام 2015، وعدم السماح لإيران بحيازة أسلحة نووية، فضلا عن أن “بينيت” لديه رغبة جامحة لإثبات قدرته على قيادة الحكومة، ويريد الترويج لنفسه كرئيس وزراء متميز لإسرائيل، وبالتالي سيكون لديه حرص شديد على إحراز أي نوع من النجاح في مهمته، الأمر الذي سيدفعه إلى تعزيز فرص الاستقرار، ومحاولة توفير أسباب الاستمرار.
لكن تظل الإشكالية الكبرى التي يمكن أن تواجه حكومة “بينت” هي العلاقات مع الفلسطينيين، والموقف من القضايا الشائكة المشتركة، والتي يمكن لأي منها أن تعصف بهذه الحكومة في أي وقت.
سياسات ثابتة لحكومات متغيرة:
على الرغم من أن العامل الجديد في الحكومة الإسرائيلية، هو وجود حزب عربي كجزء من الائتلاف الحكومي في إسرائيل، وهو الحزب الذي يتزعمه “منصور عباس”- المحسوب على تيار الإسلام السياسي – وهي سابقة تاريخية تحدث لأول مرة منذ نشأة إسرائيل، إلا أنه ليس من المتوقع أن يؤثر ذلك في مسار العلاقات مع الفلسطينيين بدرجة ملحوظة، نظرا لمحدودية تأثير الحزب العربي على الحكومة الإسرائيلية، وانحصار مطالبه في الجوانب الاقتصادية بشكل أساسي.
أيضا رغم أن حكومة ” بينيت” جاءت في ظرف مغاير، يتمثل في تداعيات حرب غزة الأخيرة، والتي أظهرت بداية تغيير في الموقف العالمي تجاه القضية الفلسطينية، وشهدت الساحة الدولية تضامنا واسعا لها على المستويين الرسمي والشعبي، مما يعكس عودة القضية الفلسطينية إلى الاهتمام الدولي، إلا أن ذلك قد لا يؤثر كثيرا في سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة تجاه الفلسطينيين، وما يربطها معهم من علاقات، تتصل بالأمن القومي الإسرائيلي بالأساس، الأمر الذي يجعل حكومة “بينيت” تسير على منوال سابقاتها، ينعكس ذلك من خلال ما يلي:
(&) رفض الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، حيث يرفض “بينيت” إقامة دولة فلسطينية مستقلة رفضا قاطعا، بل يعتبر إقامتها بمثابة انتحار لإسرائيل، كما يرفض تقديم أي تنازلات في القدس.
(&) تأييد الاستيطان، إذ يعد “بينيت”، من أشد المدافعين عن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد صرح عقب نيل حكومته الثقة، بأنه يعتزم توسيع الاستيطان في جميع مناطق الضفة الغربية.
(&) التأكيد على النهج المتشدد كما سلفه “نتنياهو” فيما يتعلق بالعلاقات مع الفلسطينيين، وممارسة أقصى مستويات الضغط عليهم، وإمكانية الذهاب للتصعيد العنيف كما هو النهج في التعامل مع قطاع غزة أكثر من مرة، حال توافر الحالة الميدانية المناسبة لذلك.
(&) تجنب الحديث أن أي تغيير في الموقف الإسرائيلي تجاه ما يتعلق بمفاوضات السلام، سواء كانت برعاية دولية، أو مباشرة، لا سيما وأن هذه المسألة تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة، قد تكون أكبر من قدرة حكومة “بينيت” على اتخاذها، نظرا لطبيعة الائتلاف المشكل لها.
(&) ما تحرص على انتهاجه الحكومات الإسرائيلية السابقة في التعامل مع الفلسطينيين، وهو النهج الذي يتسم بالتلكؤ والمماطلة في تمرير التفاهمات، والمراوغة لكسب المزيد من الوقت، لتفويت الفرصة على الفلسطينيين في بلوغ أي من أهدافهم المشروعة، بل والحرص على ممارسة كل أنواع الضغط عليهم للحيلولة دون حصولهم على أي من حقوقهم المشروعة.
تأسيسًا على ما سبق، فإنه لا يمكن الرهان على الحكومة الإسرائيلية الجديدة في إحداث تغيرات جوهرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فضلا عن أن حكومة “بينيت” بالأساس ضعيفة، وقد لا تتمكن من اتخاذ قرار حاسمة إزاء عملية التسوية مع الفلسطينيين، وهي العملية التي تتطلب حكومة إسرائيلية قوية، قادرة بالفعل على اتخاذ هكذا خطوة، وغالب الظن أن الملفات التي يمكن أن تطرح للنقاش، تربط بالتفاهمات الأمنية، ومحاولة إبرام صفقة لتبادل الأسرى مع حركة حماس.
بالنهاية، يجب على الفلسطينيين تركيز جهدهم في ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، والسعي الجاد إلى إنهاء حالة الانقسام، التي لا تزال عقبة حقيقية في مسار حل الدولتين، ومحاولة البناء على مخرجات المساعي المصرية الأخيرة، والتي عكست عودة حيوية لدور مصر الفاعل والمساند للفلسطينيين، و ومحاولة استثمار الجهود الحثيثة للقيادة المصرية للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
ومن الأهمية أيضا الاستفادة من الزخم الدولي المساند للفلسطينيين بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، ومحاولة الخروج من الدائرة التقليدية في الحديث عن حقوقهم المشروعة، وذلك بمخاطبة كل المؤسسات الدولية، والتواصل مع دول العالم، للحصول على الدعم والمساندة الحقيقية في سبيل إقامة الدولة الفلسطينية.