ما الذي يعكسه لقاء “السيسي” و” القصبي” على التعاون الاقتصادي المصري السعودي؟

في الـ 17 من يونيو الجاري استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، الدكتور ماجد بن عبد الله القصبي وزير التجارة بالمملكة العربية السعودية، بحضور الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ونيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة. وجرى خلال اللقاء التأكيد على الدعم الكامل لتعزيز حركة التجارة البينية والمشروعات الاستثمارية المشتركة بين البلدين في مختلف المجالات التنموية بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، والحرص على استعراض فرص الاستثمار المتاحة، والدور الذي يلعبه مجلس الأعمال المصري السعودي لزيادة التواصل والتفاعل بين رجال الأعمال في البلدين. فضلاً عن التوافق على ضرورة الاستمرار في دورية انعقاد اللجنة المشتركة بين الجانبين لبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين البلدين الشقيقين.
وقد يبدو أن هذا اللقاء، أتى من منطلق تنامي أهمية الشراكة الاستراتيجية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الشقيقة، وذلك في إطار خصوصية وتنامي علاقات التعاون المثمر بين البلدين على كل الأصعدة والمستويات، وفي ظل ما تشهده هذه العلاقات من اهتمام ورعاية من القيادة الرشيدة في البلدين الشقيقين. ومن هذا المنطلق يتطرق هذا التحليل إلى واقع العلاقات الاقتصادية بين البلدين ومستقبلها.
علاقات تجارية متصاعدة:
ارتفع تدريجياً التنامي فى العلاقات التجارية بين مصر والسعودية، حيث يصل حجم التبادل التجاري في السلع غير البترولية بين البلدين ما يتجاوز 4,4 مليار دولار في 2020 مقابل 1.4 مليار دولار عام 2019، كما شهدت الصادرات المصرية إلى السوق السعودي نموًا كبيرًا، حيث بلغت قيمتها 2,6 مليار دولار مقارنة بـ 2,3 مليار دولار عام 2019، وبنسبة ارتفاع قدرها 13% وفقًا لبيانات مجلس الأعمال المصري السعودي، وذلك رغم انخفاض إجمالي الواردات السعودية من دول العالم خلال عام 2020 بنسبة 9% مقارنة بعام 2019 جراء تداعيات جائحة كورونا.
كما ارتفعت تنافسية المنتجات المصرية بالسوق السعودي وبصفة خاصة السلع الزراعية والمنتجات الغذائية. وتوزعت كالتالي (179 مليون دولار مواد البناء – 171.1 مليون دولار مواد كيماوية – 268.7 مليون دولار سلع هندسية وإلكترونية – 313.4 مليون دولار صناعات غذائية – و 329.1 مليون دولار حاصلات زراعية).
أما واردات مصر من السعودية، فقد بلغت بلغت 3.82 مليار دولار أمريكي خلال عام 2020، وتتمثل أبرز واردات مصر من المملكة في منتجات تعتمد بالأساس على البترول كمدخل إنتاج كالبولي بروبلين والبولي إيثيلين، وكذا بعض الخامات الأخرى كالألمونيوم والحديد والصلب.
شكل رقم (1) تطور قيمة واردات مصر من المملكة العربية السعودية خلال الفترة (2011-2020)
مليون دولار امريكى
ويرجع تنامى العلاقات التجارية بين البلدين إلى عدة أسباب ومحفزات، منها موافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فى مارس 2015، على اتفاقية جمركية بين حكومتي مصر والسعودية تهدف إلى دعم معدلات التجارة بين البلدين، وتعزيز الضوابط الجمركية لمكافحة التجارة غير المشروعة. كما تهدف إلى تسهيل نقل البضائع عبر نظام العبور الجمركي في كلا البلدين، فضلا عن تعزيز التعاون الإداري والتدريب في مجال الجمارك من خلال تبادل المعلومات والدعم الفني بين البلدين. وفى إطار دعم العلاقات التجارية بين مصر والسعودية، قامت حكومة المملكة بدعم إنشاء شهادة منشأة موحدة للصادرات السلعية وتوحيد المواصفات للمنتجات وإجراءات الفحص، وكذلك اعتماد التحوّل الرقمي للتجارة الإلكترونية بين البلدين، بالإضافة إلى الالتزام بأحكام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وقرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وإزالة كافة العراقيل التي تعترض سبل تنمية التبادل التجاري بين مصر والسعودية.
علاقات استثمارية متقدمة:
احتلت السعودية المرتبة الأولى من حيث الاستثمارات العربية في مصر، إذ بلغ إجمالي عدد المستثمرين السعوديين في مصر أكثر من 8 آلاف مستثمر سعودي، واستثماراتهم موزعة على أكثر من 6225 شركة سعودية في مصر بقيمة تبلغ 30 مليار دولار، وتتركز أهم الاستثمارات السعودية فى مصر فى القطاعات الخدمية، التى تضم خدمات النقل واللوجيستيات والصحة والتعليم والاستشارات، يليها الاستثمار الصناعى ثم قطاع الإنشاءات، ثم الاستثمار الزراعى والصناعات الغذائية، والاستثمار السياحى، والاستثمار فى قطاع الاتصالات ثم الاستثمار فى القطاع المالى. وفي المقابل احتلت مصر المرتبة الثانية، من حيث عدد المشروعات التي صدرت لها رخص استثمارية في المملكة العربية السعودية عام 2020، مما يعكس قوة ومتانة العلاقات الاقتصادية بين مصر والسعودية، حيث تنامت المشروعات المصرية بالمملكة لتصل إلى 1300 مشروع باستثمارات تتجاوز 2.5 مليار دولار، منها ألف مشروع برأسمال مصري 100% ( منها 262 مشروعا صناعيا و781 مشروعا تجاريا وخدميا ومجالات أخرى).
مشروعات مشتركة:
تتمثل أهم المشروعات المشتركة بين مصر والسعودية في المشروعات الاستثمارية، التي يمكن رصد أهمها على النحو التالي:
(*) مشروع ” نيوم”: هو مشروع المستقبل لكلا الدولتين، حيث يقع جزء من المشروع داخل الأراضي المصرية؛ وهو عبارة عن مشروع مدينة استثمارية قيمته نصف تريليون دولار سيقام عبر أراضي السعودية ومصر والأردن. وسيقام المشروع “نيوم” على مساحة 26 ألفا و500 كيلومتر مربع، ستشارك مصر بألف كيلو متر مربع من أراضيها في جنوب سيناء لتكون جزءاً من مشروع مدينة “نيوم” السعودية العملاقة للاستفادة من المزايا الاقتصادية المتوقعة منه خاصة فى مجال إنشاء مشروعات بحرية سياحية في البحر الأحمر.
(*) برنامج تنمية سيناء: ويضم برنامج تنمية سيناء نحو 12 اتفاقية تمويل لمشروعات من الصندوق السعودي للتنمية، تشمل إنشاء جامعة الملك سلمان بن عبد العزيز بمدينة الطور في جنوب سيناء و9 تجمعات سكنية موزعة على مناطق مختلفة بسيناء.
(*) الجسر البري: حيث اتفق الرئيس السيسى مع العاهل السعودى على إنشاء جسر برى يربط بين البلدين عبر البحر الأحمر، من أجل المساهمة فى زيادة التبادل التجارى ودعم صادرات البلدين نحو العالم.
(*) الربط الكهربائي: فقد بلغ حجم استثمارات مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية 61 مليار دولار تقريبا، وهو من أضخم المشروعات المشتركة بين البلدين. ومن المقرر تشغيل المرحلة الأولى مطلع عام 2023 بقدرة 1500 ميجا وات.
(*) منطقة تجارية حرة: فقد تم توقيع 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم استثمارية بين البلدين، يعد أبرزها إنشاء منطقة تجارة حرة في شمال سيناء، وهو أول مشروع اقتصادي مهم مرتبط ببناء الجسر.
(*) صندوق مصري سعودى: حيث تم الاتفاق على إنشاء صندوق مصرى – سعودى للاستثمار بقيمة 60 مليار ريال، إضافة لعدد من مذكرات التفاهم فى مجالات الإسكان والبترول والتعليم، وتأسيس شركة “جسور المحبة” لتنمية منطقة قناة السويس بقيمة 3 مليارات جنيه، وشركة لتطوير 6 كيلو مترات مربعة من المنطقة الصناعية بمنطقة قناة السويس بقيمة 3.3 مليار دولار.
تأسيسا على ما سبق، يتضح أن مصر حريصة على تنمية العلاقات وتشجيع الشراكات التنموية الفعالة بينها وبين المملكة العربية السعودية، وذلك فى إطار شراكات فعّالة مع شركات القطاع الخاص الرائدة في البلدين، وفى ظل الإطار التشريعي الداعم للشراكة خاصة مع وجود وتزايد دور مجلس الأعمال المصري السعودي الذي أصبح منذ تأسيسه في عام 1989، منبرًا متميزًا يضم مجتمعي الأعمال بالبلدين لبحث سبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات وخاصة المجالات التجارية والاستثمارية، والتواصل مع الجهات المسئولة بالدولتين بهدف تحسين مناخ التعاون وتذليل العقبات التي تُصادف أيًا منهما، وستظل مصر والمملكة العربية السعودية ترتبطان بعلاقات قوية واستراتيجية تعد نموذجاً ناجحاً للتعاون بين الأشقاء العرب القائم على المساواة وتحقيق المصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين.