تفاهمات مشتركة.. أبعاد ودلالات زيارة قيس سعيد إلى إيطاليا
توجه الرئيس التونسي” قيس سعيد” في الـ 16 من يونيو الجاري إلى إيطاليا في زيارة تعد هي الأولى، فقد التقى سعيد أثناء زيارته بكل من وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، ورئيس الجمهورية سيرجو ماتاريلا، ورئيس مجلس الوزراء جوزيبى كونتى، ووزير الداخلية “لوتشيانا لامورغيزي”، وقد مثلت هذه الزيارة فرصة متجددة لمواصلة بحث سبل تطوير آليات التعاون والشراكة بين الجانبين التونسي والإيطالي في عدة مجالات، فضلًا عن مزيد من ترسيخ علاقات التشاور والتنسيق القائمة بين البلدين، بالإضافة إلى تعميق النقاش وتبادل وجهات النظر بشأن عدة ملفات إقليمية ودولية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأس تلك الملفات قضية الهجرة غير المشروعة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه كان من المقرر أن تكون تلك الزيارة في شهر اكتوبر الماضي، بيد أن تم تأجيلها بسبب أزمة وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على أبعاد ودلالات زيارة رئيس الجمهورية التونسية، قيس سعيد إلى إيطاليا، مع الوقوف على أهم المكاسب المحتملة منها.
أبعاد ودلالات الزيارة:
تأتي هذه الزيارة في ظل الضغوط المتزايدة لملف الهجرة غير الشرعية على السواحل الإيطالية من دول إفريقيا جنوب الصحراء انطلاقا من السواحل التونسية، مما أدى إلى الشعور بالقلق من قبل الجانب الإيطالي، ذلك نظرًا لتداعيات هذه الظاهرة التي تُلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، لاسيما في الآونة الأخيرة والتي اتسمت بتزايد تدفق قوارب المهاجرين على جزيرة “لامبيدوزا” الإيطالية، التي عادة ما يتم اختيارها من قبل المهاجرون غير الشرعيين كمحطة أولى لرحلتهم البحرية، ذلك على اعتبار أنها أقرب نقطة إلى الشواطئ التونسية، حيث تبعد عنها نحو 80 كيلو مترا فقط.
من جانبه، رفض الرئيس التونسي وصف الرحلات المنطلقة من السواحل التونسية نحو أوروبا بالهجرة غير القانونية، قد سبق أن أكد على هذا الأمر في حوار له مع شبكة “يورو نيوز” خلال زيارته إلى بروكسل، كما يتطلع إلى حلحلة ملف اجتياز الحدود بطريقة غير قانونية نحو إيطاليا وفرنسا، وغيرها باعتبار أن رؤيته السياسية والاجتماعية تتمثل في دعم حق الشباب والمواطنين في البحث عن آفاق رحبة وسط غموض وصعوبة الواقع التونسي. وقد أيضا عبر قيس سعيد خلال تلك الزيارة عن إيمانه بأحقية الشباب التونسي في العمل والإنتاج، من ناحية أخرى فإنه يعارض سياسة حكومة المشيشي وحزامها السياسي الذي تقود حركة النهضة والتي لم تنجز شيئا لفائدة الشباب والعاطلين، بالتالي فيقوم بالبحث عن حلول وآفاق مشتركة مع من يعتبرهم مسئولين عن منح فرصة لمن تقطعت بهم سبل الحياة والعمل من الشباب التونسي والإفريقي في إطار عدالة دولية شاملة.
وفي هذا السياق، صرحت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية “إيلفا يوهانسون” مايو 2020 قبيل زيارتها إلى تونس، بأن الاتحاد الأوروبي يعمل على اتفاق مع تونس يقوم بمنحها مساعدات اقتصادية في مقابل تشديدها جهود منع وصول المهاجرين إلى أوروبا، كما أوضحت أيضًا أنه “سيتم تقديم تمويل أوروبي للاقتصاد والاستثمار والتوظيف، بينما ستقوم السلطات التونسية بالانخراط في إدارة الحدود، ذلك لاستعادة مواطنيها الذين قاموا بالمغادرة باتجاه أوروبا من أجل إعادة الأجانب في البلاد ممن هم ليسوا لاجئين”.
وفي 24 مايو 2020، قامتا كلًا من وزيرة الداخلية الإيطالية “لوتشيانا لامورجيزي”، المفوضة الأوروبية المكلفة بالشؤون الداخلية “ايلفا يوهانسون”، بزيارة تونس، حيث اجتمعتا مع الرئيس التونسي الذي دعا إلى ضرورة بلورة مقاربة شاملة في مجال مكافحة ظاهرة الهجرة غير المشروعة تتجاوز الحلول الأمنية التي أثبتت محدوديتها، حيث يمثل التونسيون 15 % من 12600 مهاجر وصلوا بشكل غير نظامي إلى إيطاليا منذ يناير2021 حسب الأمم المتحدة، وهم الأكثر عددا وفق جنسيات الوافدين، في سياق متصل وبالنظر إلى بيانات وزارة الداخلية التونسية، يتم ملاحظة أن هناك حوالي 13 ألف مهاجر قد وصلوا إلى سواحل إيطاليا منذ بداية هذا العام وحتى 10 مايو الماضي، أسفر عن تسجيل ارتفاعا في أعداد المهاجرين مقدر بـ 4184 قياسا مع نفس الفترة من العام الماضي.
مكاسب الزيارة:
من خلال المباحثات الثنائية التي جرت خلال تلك الزيارة بين الجانبين، والتي كان أهمها قضية الهجرة غير المشروعة، فقد تم التوصل إلى مجموعة من الآراء المتطابقة حول كيفية تقويض تلك الظاهرة، ويتم أهمها في الأتي:
(*) عدم جدوى السياسات الأمنية: اتفق الجانبان على أنه لا يمكن حل ظاهرة الهجرة غير المشروعة عن طريق السياسات الأمنية، فقد أثبتت محدوديتها على أرض الواقع، حيث أكد الرئيس التونسي على ضرورة أن تكون معالجة هذا الملف “وفق مقاربة شاملة تتكامل فيها الأبعاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، كما أكد أيضًا على اتفاقه مع الاستراتيجية التي أشار إليها نظيره الإيطالي، والتي أصبحت في الأشهر الأخيرة مقنعة بشكل متزايد لأوروبا، وأن الحل على المدى الطويل يكمن جذوره في بلدان الهجرة الأصلية.
(*) تهيئة الظروف للتنمية في أفريقيا: أكد الجانبان أيضًا على ضرورة معالجة تدفق المهاجرين الوافدين من أفريقيا جنوب الصحراء نتيجة فقدان الاستقرار السياسي من مالي وصولا إلى ليبيا، بسبب المعاناة السائدة في الصحراء الكبرى وصولا إلى المنطقة الأفريقية جنوب الصحراء، بالتالي لابد من الاهتمام بتنمية القارة الأفريقية حتى يتم السيطرة على التدفق الملحوظ من المهاجرين إلى أوروبا كونها تمثل منبع لها. ومن جانب آخر أشار “ماتاريلا” إلى عامل آخر يحتمل أن يكون متفجرا لأفريقيا، يتمثل في تفشي وباء كورونا، بالتالي لابد من توفير اللقاح ضد الجائحة في البلدان النامية.
(*) السلام في ليبيا: في هذا السياق لم يغب الوضع في ليبيا عن المداولات، حيث أكد الرئيس الايطالي “ماتاريلا” على أن السلام في ليبيا يمثل أولوية لبلاده، فيما أكد الرئيس التونسي على أن استقرار ليبيا مرتبط بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد.
في النهاية، يمكن القول إن زيارة الرئيس التونسي إلى ايطاليا قد أكدت على قوة العلاقات القائمة مع إيطاليا في المجالين القضائي والقانوني، نظرًا إلى قيم الديمقراطية والقرب الجغرافي والتاريخ المشترك، والروابط الثقافية بين البلدين على ضفتي المتوسط، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية التي تجعل إيطاليا الشريك التجاري الثاني لتونس بين دول الاتحاد الأوروبي.